القبائل العربية في مصر.. توظيف سياسي وتأزيم اجتماعي
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
مصر من الدول العربية التي يتضمن اسمها الرسمي الصفة العربية وخاصة منذ بداية العهد الجمهوري عام 1952، فقد كانت في البداية الجمهورية "العربية" المتحدة، ثم هي الآن جمهورية مصر "العربية"، وهي بهذا تؤكد الانتماء العربي الأصيل للوطن والشعب في عمومه، وهذا ما تضمنه الدستور المصري في طبعاته المتعاقبة وفي مادته الأولى دوما: "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة.
الاتحاد الجديد الذي تم الإعلان عنه في حفل كبير بحضور وسائل الإعلام المصرية يوم الأربعاء (1 أيار/ مايو 2024) هو تطوير لاتحاد جهوي هو اتحاد قبائل سيناء، وهو بدوره اتحاد قديم تأسس في عهد مبارك، لكن جرت إعادة هيكلته ليترأسه إبراهيم العرجاني، أحد شيوخ القبائل السيناوية، والذي خاض مواجهة مع الجيش والشرطة المصرية عام 2008 قتل خلالها عددا من الضباط ثأرا لمقتل شقيقه، ثم استطاعت السلطة احتواءه، وترضيته، فدخل حليفا لها في مواجهة تنظيم داعش في سيناء، وبعد الانتصار على ذلك التنظيم احتضنت السلطةُ العرجاني فوضعته على رأس اتحاد قبائل سيناء، وسمحت له بتشكيل مليشيا مسلحة، وحراسات خاصة تنافس حراسة الرئيس نفسه، وأوكلت له إدارة أموال واستثمارات جهات أمنية بالمليارات؛ هي التي تشكل إمبراطوريته الاقتصادية الحالية.
القبائل العربية في مصر متجذرة في النسيج المجتمعي المصري، وبمفهومها الواسع فهي القبائل التي دخلت مصر مع أو بعد الفتح العربي الإسلامي، وهي بهذا المفهوم يمكن أن تمثل نصف المجتمع المصري، ولكن بالمفهوم الضيق فالمقصود هي القبائل العربية البدوية التي سكنت بالأساس المناطق الصحراوية حتى وإن دمجت التوسعات العمرانية الكثير منها في قلب الوادي مباشرة.
وهنا لدينا أربعة تجمعات بدوية رئيسية؛ أولها عرب الشرق في سيناء وما حولها، والتجمع الثاني في الساحل الغربي وقلبه محافظة مرسى مطروح ويمتد غربا حتى السلوم على الحدود الليبية ويمتد شرقا حتى البحيرة؛ والعصب الأساسي لتلك المنطقة هي قبائل أولاد علي بفرعيها (الأحمر والأبيض)، ثم التكتل الثالث في الظهير الصحراوي لمنطقة مصر الوسطى ويمتد من جنوب الجيزة والفيوم شمالا مرورا ببني سويف والمنيا وأسيوط، وقبائل هاتين المنطقتين جاءت من رحلات عكسية من الغرب (تونس وليبيا) إلى الشرق، والتكتل الرابع في الحدود الجنوبية. ولا تخلو المحافظات الأخرى من حضور قبائل بدوية مثل الشرقية والقليوبية والمنوفية.. الخ، وتقدر أعداد هذه القبائل البدوية بـ15 مليون نسمة.
حاولت السلطة توظيف القبائل لدعم سياساتها، وأسس نظام مبارك أول اتحاد للقبائل العربية، كما تعاملت المخابرات الحربية مع القبائل الحدودية من خلال مكاتب شئون القبائل، وبعد ثورة 25 يناير 2011 ظهرت عدة اتحادات وائتلافات للقبائل العربية، نال أحدها رعاية السلطة بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013
بدأ الاهتمام الرسمي بالقبائل البدوية في عهد محمد علي، وأصدر الخديوي عباس حلمي قانون العربان سنة 1905، ووثق الجبرتي وجود 75 قبيلة بدوية، وحرصت السلطة المركزية على استقرار تلك القبائل وتطويرها وإدماجها في المجتمع، ونجحت بدرجة اكبر مع القبائل غير الحدودية والتي نالت حظا أفضل من التعليم، وتبوأ بعض أبنائها مراكز عليا في الدولة، لكن الشكوك ظلت قائمة من قبل السلطة المركزية تجاه قبائل سيناء، عقب قيام الكيان الصهيوني، بحكم وجود تلك القبائل على الحدود مباشرة، ورغم المطالب المتعددة بضرورة تنمية سيناء إلا أنها لم تجد أذانا صاغية لعقود طويلة، ما حرم أهل سيناء من أبسط مظاهر التنمية من مستشفيات ومدارس وخدمات أخرى، بل تصر السلطة حتى الآن على حرمان أهل سيناء من عقود ملكية لمنازلهم أو للأراضي التي يتملكونها ويزرعونها، ناهيك عن تهجيرهم من منازلهم لتوسيع الشريط الحدودي ورفض عودتهم حتى الآن، واعتقال الآلاف منهم رغم دورهم في دعم الجيش والشرطة في مواجهة تنظيم داعش.
حاولت السلطة توظيف القبائل لدعم سياساتها، وأسس نظام مبارك أول اتحاد للقبائل العربية، كما تعاملت المخابرات الحربية مع القبائل الحدودية من خلال مكاتب شئون القبائل، وبعد ثورة 25 يناير 2011 ظهرت عدة اتحادات وائتلافات للقبائل العربية، نال أحدها رعاية السلطة بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 (اتحاد القبائل العربية والمصرية ورئيسه موسى مصطفى موسى)، ولكنه لم يثبت كفاءة في المهام المنتظرة منه، وهي تشكيل ظهير سياسي شعبي داعم لنظام السيسي، وهنا جاءت فكرة تأسيس الاتحاد الجديد برئاسة إبراهيم العرجاني كتطوير لاتحاد قبائل سيناء الذي أثبت كفاءة في مواجهة داعش.
وفقا لبيانه التأسيسي فإن الاتحاد الجديد سينتشر في ربوع مصر، بما يعني أنه أخذ بالمفهوم الواسع لمعنى القبائل العربية، ودليل آخر على ذلك اختيار الإعلامي مصطفى بكري كمتحدث رسمي باسمه رغم أنه لا ينتمي للقبائل البدوية. والهدف المعلن للاتحاد وفقا لبيان تأسيسه هو دعم الدولة (والمقصود السلطة) ومواجهة التحديات التي تهدد أمنها واستقرارها، الهدف الحقيقي غير المعلن للاتحاد هو بناء ظهير شعبي للسيسي مع فشل تجربة اتحاد القبائل العربية والمصرية، ومع فشل حزب مستقبل وطن في بناء هذا الظهير، ولكن هذا الظهير سيكون خطرا كبيرا على الدولة نفسها، إذ أنه فتح الباب فورا للحديث عن تقسيم جديد للشعب المصري بين مصريين أصليين ومصريين عرب وافدينوالوقوف مع القوات المسلحة والشرطة لمواجهة المخاطر التي تحيط بالبلاد من الغرب، والجنوب والشمال الشرقيّ.. إلخ. وقد ذكر متحدثه الرسمي أنه يعتبر فصيلا من القوات المسلحة، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات دفعته لإنكار التصريح (المسجل صوتا وصورة!!)، ولكنه زاد الطين بلة بتأكيده على دور الاتحاد في المناطق الحدودية، وهي مهام القوات المسلحة والشرطة أساسا ولا تواجه عجزا فيها تكمله القبائل.
إن الهدف الحقيقي غير المعلن للاتحاد هو بناء ظهير شعبي للسيسي مع فشل تجربة اتحاد القبائل العربية والمصرية، ومع فشل حزب مستقبل وطن في بناء هذا الظهير، ولكن هذا الظهير سيكون خطرا كبيرا على الدولة نفسها، إذ أنه فتح الباب فورا للحديث عن تقسيم جديد للشعب المصري بين مصريين أصليين ومصريين عرب وافدين.
والمؤكد أن هذا الحديث الذي يتسع يوما بعد يوم هو أخطر من الانقسام المجتمعي الذي صنعه الانقلاب بعد 2013 بين مؤيدين ورافضين له، والذي جسدته أغنية على الحجار"انتو شعب وإحنا شعب"، فالانقسام حول الانقلاب تراجع كثيرا مع شمول المظالم لداعميه أيضا، لكن هذا الانقسام الجديد يضرب في عصب المجتمع، وسيكون التماسك الوطني هو الضحية.
فقد بدأت تظهر أصوات مسيحية ونوبية منزعجة، وقد تسعى لتأسيس اتحادات مشابهة، وتسعى لتسليح أبنائها بزعم مواجهة أخطار تهددها، كما ستكون القبائل البدوية هي أكثر من يدفع الثمن في هذا الانقسام لكونها أقلية في مواجهة الغالبية، لذا على حكمائها أن ينتبهوا إلى هذا الفخ الذي يستدرجون إليه، وعليهم بدلا من ذلك أن يعززوا حضورهم في مؤسسات المجتمع المدني الحديثة الأخرى مثل الأحزاب والنقابات والنوادي.. الخ.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي القبائل الانقسام مصر السيسي مليشيات القبائل الانقسام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القبائل العربیة للقبائل العربیة قبائل سیناء هذا الظهیر فی مواجهة مع فشل
إقرأ أيضاً:
بنسبة 9%.. «بي إم آي» تتوقع تخفيض الفائدة في البنك المركزي خلال اجتماعي فبراير أو أبريل 2025
رجحت بحوث «بي إم آي» التابعة لـ «فيتش سوليوشنز» أن يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة خلال العام 2025 بواقع 900 نقطة أساس أي بنسبة 9%.
وتري «بي إم آي» أن سعر الإقراض في البنك المركزي سيصل بنهاية العام الحالي إلى نسبة 19.25% من 28.25%
«BMI» تتوقع أيضًا أن تقوم لجنة السياسات النقدية في المركزي المصري بتخفيض أسعار الفائدة بنسبة 8% خلال اجتماعاتها بعام 2026.
وقالت «فيتش سوليوشنز» في تقرير اطلعت عليه «الأسبوع» إن سعر الفائدة على الإقراض في البنك المركزي المصري يتوقع أن يبلغ 11.25% بنهاية العام القادم، حيث تري المؤسسة تمرير خفض في أسعار الفائدة من جانب المركزي المصري بنسبة 17% في عامي 2025 و2026.
متى يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في 2025؟وعن أقرب موعد متوقع أن يقوم فيه البنك المركزي المصري بأول تخفيض في سعر الفائدة بعام 2025، مالت توقعات فيتش سوليوشنز إلى أن البنك سيبدأ دورة تخفيف السياسة النقدية في 20 فبراير بالتزامن مع تراجع التضخم في مصر إلى نحو 14% و15%
لا تستبعد وحدة بحوث «بي إم آي» اتجاه البنك المركزي المصري بتخفيض أسعار الفائدة لأول مرة منذ 2020 في اجتماع لجنة السياسات النقدية المقرر أن يعقد يوم 17 أبريل.
البنك المركزي - البنك المركزي المصري البنك المركزي وسعر الفائدةفضل البنك المركزي المصري الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير خلال أغلب اجتماعاته بالعام الماضي، ذلك بعدما قامت لجنة السياسة النقدية بزيادة المعدلات 8% في الربع الأول من 2024.
تسجل حالياً معدلات الفائدة على الإيداع نسبة 27.25% وعلى الإقراض نسبة 28.25%، وفقاً لما أعلن عنه البنك المركزي المصري خلال اجتماع ديسمبر 2024.
أشارت وحدة البحوث التي تتبع «فيتش» إلى توقعات البنك المركزي المصري الحالية، حيث يري أن ينخفض التضخم فقط ضمن معدل التضخم المستهدف البالغ 5% بحلول الربع الرابع من عام 2026، كما يستهدف التضخم في حدود 7% بحلول الربع الرابع من عام 2028.
ونوهت إلى أن وتيرة تخفيف السياسة النقدية في البنك المركزي المصري على مدار عام 2025 ستصبح أكثر وضوحاً بعد إصدار المراجعة التفصيلية لبرنامج صندوق النقد الدولي والتي سنعرف فيها ما إذا كان صندوق النقد الدولي قد مدد الجدول الزمني الخاص بدعم الوقود والكهرباء.
أضافت أن توقعاتها تفيد بقرب تمرير تعديل أسعار السلع المحددة إدارياً في أبريل ويوليو من عام 2025.
فيتش سوليوشنز: 16.8% متوسط التضخم المتوقع في مصر خلال 2025ونبهت فيتش سوليوشنز إلى أن تتوقع استقرار الضغوط التضخمية في مصر خلال عام 2025 وما بعده، مع متوسط تضخم يبلغ 16.8% على أساس سنوي خلال عام 2025، مقارنة بمتوسط 28.3% في عام 2024 على أساس سنوي.
نتيجة لذلك ذكرت المؤسسة أن البنك المركزي المصري سيسمح بتخفيف السياسة النقدية وتوفير الدعم لنمو الإنفاق الاستهلاكي، بالتزامن مع استمرار البنوك المركزية الرئيسية أيضًا في دورات تخفيف.
وأوردت في المذكرة أن تأثير قيام البنك المركزي المصري بتخفيض أسعار الفائدة سيظهر تأثيره في النصف الأول من عام 2025 بشكل أكثر أهمية في وقت لاحق من العام.
وتابعت، أن إعادة التفاوض الناجحة على برنامج صندوق النقد الدولي من شأنها أن تشير إلى جدول زمني أقوى بخصوص أسعار الوقود والكهرباء وانخفاض الضغوط التضخمية، وهو ما سيدفعنا إلى مراجعة توقعاتنا للتضخم وأسعار الفائدة بالخفض وربما رفع توقعاتنا للنمو لعام 2025.
اقرأ أيضاًفيتش ترفع توقعات نمو اقتصاد مصر في السنة المالية الجارية إلى 3.9%
صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد المصري 3.6% في العام المالي الجاري