قوافل العودة إلى المناطق الآمنة: نعم نستطيع
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
بداية تحوّل يشهدها ملف النازحين السوريين في لبنان، للمرة الأولى منذ بدء توافد قوافل النزوح قبل 13 عامًا. طيلة تلك الأعوام، كان لبنان الرسمي يسمع من المجتمع الدولي مقاربة واحدة "النازحون السوريون سيبقون في بلدكم إلى حين بلورة حلّ سياسي شامل في سوريا، يسمح بعودتهم الطوعيّة" لدرجة أنّ البرلمان الأوروبي صوّت في تموز عام 2023 على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان.
"اليوم لم نعد نسمع هذه الكلمة، وكل مقيم غير شرعي سنعمل على ترحيله" قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إطلالته التلفزيونية،بعد ساعات قليلة على محادثاته مع الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضيّة الأوروبيّة. وعلى عكس ما أشيع عن "رشوة المليار يورو للبنان" أكّد ميقاتي أنّ المساعدة غير مشروطة وهي للبنانيين وتشمل القطاعات الصحيّة والتربويّة والحماية الاجتماعيّة والعائلات الأكثر فقرًا، إضافة إلى مساعدة الجيش والقوى الأمنية لضبط الحدود البرية.
ثلاثة مسارات حكوميّة داخليّة وخارجيّة
ما تحقّق على أهميته ليس كافيًّا، ولكنّه بداية مسار جديد، لم يكن ليحصل من دون الحملة الدبلوماسيّة التي قامت بها الحكومة، ولم تهملها في زمن تصريف الأعمال، بل تمكّنت من إقناع دول أوروبيّة بإحداث تبدّل في تعاطيها مع الملف. في الزمن الراهن يعمل الرئيس ميقاتي وفق ثلاثة مسارات أطلقها بالتزامن، وبدأ بتنفيذها، المسار الأول داخلي، وقضى بتوزيع المهام والمسؤوليات على الوزارات والإدارات المختصّة لضبط النزوح، الثاني التواصل مع الحكومة السورية للتنسيق في إعادة نازحين إلى المناطق الآمنة، والمسار الثالث انتزاع موافقة عواصم القرار على ترحيل السوريين إلى المناطق الآمنة في بلدهم، وإعطائهم المساعدات والحوافز في تلك المناطق وليس في لبنان، وهذا المسار سيبلغ أوجه في مؤتمر بروكسل بنسخته الثامنة، حيث سيقدّم ميقاتي مقاربة لبنان الرسمي إلى الاجتماع الوزاري، الذي سينعقد في 27 من أيار الحالي.
سوريا: أعلى نسب ولادات في العالم
الخبير الدولي في شؤون الديموغرافيا والجغرافيا السياسية الدكتور علي فاعور الذي يتابع ملف النزوح السوري منذ وصول قوافل النازحين الأولى إلى لبنان، ويعدّ الدراسات والكتب والخرائط حول أعداد هؤلاء وتصنيفاتهم بين نزوح سياسي وآخر اقتصادي، وتبعات أعبائهم على المجتمع المضيف بكلّ الأبعاد الاجتماعيّة والاقتصادية والأمنيّة، يوصّف الواقع في اتصال مع لـ "لبنان 24" قائلًا "بات لبنان خزّانًا كبيرًا على وشك الانفجار في أيّ لحظة". كاشفًا أنّ سوريا سجّلت أعلى نسبة ولادات وزيادة سكنيّة على مستوى العالم، بنسبة 6.5% سنويًّا، بالمقابل احتل لبنان المرتبة الأولى على مستوى العالم بين الدول التي يتناقص عدد سكانها بنسبة 2.8% سنويًا، حيث تناقص معدل الإنجاب في لبنان ما دون الخط الأحمر ووصل إلى 1.4%عام 2022 ، كما أنّ الولادات المسجّلة في مستشفيات لبنان للنازحين السوريين هي أعلى من ولادات اللبنانيين، لاسيّما في مناطق عكار والبقاع. يضاف إلى ذلك أنّ لبنان هو البلد الأول في العالم بعدد اللاجئين والنازحين على أرضه بالمقارنة مع عدد سكانه.
قانونياً: لبنان غير ملزم بالنازحين
يرى الدكتور فاعور بصيص نور، ولكنّه لا يغالي بالتفاؤل "بتقديري لا زال البرلمان الأوروبي على موقفه بعدم دعم عودة النازحين قبل بلورة الحلّ السياسي في سوريا". ولكن لدينا نقاط قوّة "لبنان لم يوقّع على اتفاقيّة اللاجئين عام 1951، وغير ملزم بالتعامل مع النازحين على أنّهم لاجئون، كما أنّ الاتفاقيّةنفسها تتيح للبلد العضو فيها أن يّرحّل ويبعد من يشاء من أرضه، إذا شعر بخطر على البلد وسيادته. ولدينا أيضًا منظومة قانونيّة تحمي سيادتنا، منها القانون 1962 المختص بتنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه،وهو ما لا نحتاج إلى مناقشته مع أي جهة دوليّة".
المناطق الآمنة في سوريا وأعداد النازحين منها
يقول فاعور "كنا قد طرحنا إعادة النازحين إلى المناطق الآمنة خصوصًا أنّه استنادًا إلى دراساتنا هناك حوالي 700 ألف نازح سوري في لبنان ينتمون إلى مناطق في سوريا هي آمنة ومجاورة للحدود اللبنانية، منها حمص وجوارها، بحيث تشمل أكثر من 350 ألف نازح في لبنان، وكذلك دمشق وجوارها تشمل حوالي 300 ألف نازح، وهناك ما بين 800 ألف ومليون نازح، من الممكن إعادتهم اليوم إلى تلك المناطق الآمنة، وهؤلاء يشكلّون قرابة نصف النازحين في لبنان، الذين يتراوح عددهم ما بين مليوني وثلاثة ملايين نازح. هذا الطرح بدأ يلاقي صدىً إيجابيًّا، خصوصًا أنّ الرئيس القبرصي وهو عضو في الاتحاد الأوروبي، لمس خطورة وحساسية معضلة النزوح".
وضع 80% من النازحين غير قانوني
بطبيعة الحال تسعى قبرص وخلفها الاتحاد الأوروبي لمنع هجرة القوارب منشواطىء لبنان، وقد أقرّ البرلمان الأوروبي قوانين تهدف إلى تشديد إجراءات اللجوء في الاتحاد الأوروبي. في لبنان أكثر من 80% من النازحين السوريين يتواجدون بشكل غير قانوني، وغالبيتهم دخلوا عبر معابر التهريب وبشكل غير شرعي، ولأسباب اقتصاديّة وفق فاعور لافتًا إلى اجراءات اتخذها لبنان الرسمي، منها قرار المجلس الأعلى للدفاع عام 2019 القاضي بترحيل السوريين المتواجدين في لبنان بشكل غير قانوني.
موقف لبناني موحد يحصّن الحكومة
كثيرة هي الدوافع والأسباب التي تحصّن الحكومة في خطّة معالجة النزوح السوري "تبدأ بأعباء النزوح الأمنيّة والاقتصاديّة والديمغرافيّة والتي باتت تفوق قدرة لبنان على استيعابها، ولا تنتهي بالأزمات الصحية التي يعانيها لبنان، ولعّل أبرزها تلوث منطقة حوض الليطاني التي تشكل 21% من مساحة لبنان، ويعدّ ذلك سببًا رئيسيًّا في تسجيل لبنان أعلى نسبة إصابة بالسرطان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
القرار النهائي بيد السلطة السياسية يقول فاعور، لافتًا إلى أنّ العائق الأساسي لم يكن فقط في تعاطي المجتمع الدولي، بل في الانقسامات الداخلية حيال الملف، والتي بدأت تشهد إعادة مراجعة من قبل قوى سياسية على وقع الجرائم والمخاطر الأمنيّة الأخيرة، وفي مقدمها الحزب التقدمي الإشتراكي الذي كان رافضًا إلى جانب العديد من القوى السياسية مبدأ التعامل الرسمي مع النظام السوري، ومؤخرًا أقرّ بوجوب التواصل الحكومي مع الحكومة السورية للتنسيق في هذا الملف، بالتزامن يعدّ الإشتراكي ورقته للنزوح لمناقشتها مع القوى السياسية، ومن شأن ذلك أن يدعم موقف الحكومة أمام مؤتمر بروكسل الثامن.
كلنا ندرك أنّ عودة النازحين ليست قريبة، وإذا كنا على قناعة بوجود خيوط مؤامرة تحاك في الكواليس الدوليّة لتوطين هؤلاء في بلدنا، ولدينا الكثير من الأدلة على ذلك، وفي مقدمها ضغوط المجتمع الدولي وتمويل دمجهم في المجتمعات المضيفة ومجاهرته بذلك، فليشّكل ذلك دافعًا لنتحّد كلبنانيين حول تلك القضيّة التي باتت تهدد وجودنا وكياننا ومستقبلنا، لأنّ تبادل الاتهامات فقط ووضع العصي في طريق عمل الحكومة ورئيسها لن يحلّ معضلة النزوح المليوني.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى المناطق الآمنة فی لبنان فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الطريق لا يزال طويلا.. غياب خطط الحكومة السورية لإعادة الإعمار يجعل كثيرين يفكرون قبل العودة للوطن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أشعلت نهاية الحرب الأهلية السورية التي استمرت ١٣ عامًا موجة أمل لدى ملايين النازحين السوريين الذين يتوقون للعودة إلى ديارهم. ومع ذلك، يجد العديد من السوريين أن منازلهم لم تعد موجودة أو تحولت إلى أنقاض. الواقع على الأرض قاتم، ووعد إعادة بناء الوطن يثبت أنه أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً حول هذه القضية، ذكرت فيه: عادت لبنى لبعد، مع زوجها وابنها الصغير، إلى حي القابون بدمشق. وبينما كان منزل العائلة لا يزال قائمًا، فقد تعرض للنهب وجُرّد من جميع محتوياته وخدماته. وجدت العائلة نفسها محظوظة مقارنةً بآخرين عادوا ليجدوا منازلهم مدمرة في مكانها. إن الدمار الذي خلفته سنوات الحرب، لا سيما في مناطق مثل القابون، جعل مهمة إعادة البناء بعيدة المنال ومُرهقة. فالعديد من المنازل، بما فيها منزل لبعد، لم تعد صالحة للسكن دون إصلاحات جوهرية.
إن حجم الدمار في سوريا مُذهل. إذ يُقدر أن ٣٢٨٠٠٠ منزل قد دُمرت أو تضررت بشدة، بينما يعاني ما بين ٦٠٠ ألف إلى مليون منزل آخر من أضرار متوسطة إلى طفيفة، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام ٢٠٢٢.
وتفاقمت الخسائر على البنية التحتية والمساكن في سوريا جراء آثار زلزال عام ٢٠٢٣ المدمر الذي تسبب في دمار إضافي في أجزاء من الشمال الغربي.
ومع ذلك، ورغم الدمار الهائل، فإن بعض السوريين، مثل خلود الصغير وسمير جالوت، مصممون على العودة، حتى إلى مبانٍ دُمّرت بالكامل. وأكدت خلود الصغير، التي عادت لتجد جدارًا واحدًا فقط من منزلها قائمًا، عزمها على إعادة إعماره فورًا، وقالت: "سأنصب خيمةً وأنام هنا. المهم أن أعود إلى منزلي". وبالمثل، جالوت، الذي دمرت الحرب منزله في مخيم اليرموك، يُصلح ببطء حطام منزله السابق، على أمل أن يجعله صالحًا للسكن لعائلته.
ومع تقديرات بخسائر فادحة في المساكن وحدها تُقدّر بنحو ١٣ مليار دولار، وغياب خطط واضحة من الحكومة السورية حول كيفية معالجة جهود إعادة الإعمار الضخمة، يبقى الطريق إلى الأمام غير واضح. فالحكومة السورية، التي لا تزال تُصارع عدم الاستقرار الاقتصادي والمخاوف الأمنية، لم تُبدِ بعدُ خطةً ملموسةً لدعم إعادة الإعمار أو توفير الموارد اللازمة للمواطنين العائدين. كما أن الواقع يُشير إلى أن العديد من اللاجئين، الذين أسسوا حياة جديدة في الخارج أو في مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، يترددون في العودة دون ضمانات بإعادة بناء منازلهم ومجتمعاتهم. ولذلك، فإن العودة إلى الوطن في الوقت الحالي لا تزال بالنسبة للعديد من السوريين رحلةً يشوبها عدم اليقين والدمار، والمهمة الشاقة المتمثلة في إعادة بناء المنازل والأهم: إعادة بناء نسيج المجتمع نفسه.