بقلم عمر العمر
التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.
*****
أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****
هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****
غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****
حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين - ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****
نحن أبناء الخيبات الثلاث - اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون - و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****
النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****
فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****
من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی البحر القدیم
إقرأ أيضاً:
«فروق واختلافات جوهرية».. طريقة امتحانات الثانوية العامة للنظامين القديم والجديد
امتحانات الثانوية العامة 2025.. أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، تفاصيل امتحانات الثانوية العامة 2025 والفرق بين النظامين الجديد والقديم، استعدادًا لانطلاق الامتحانات في يونيو المقبل.
إعادة هيكلة الثانوية العامةأوضحت وزارة التربية والتعليم، أنه تم هيكلة المرحلة الثانوية خلال العام الحالي من خلال تقليل عدد المواد عن طريق دمج بعضها وإلغاء البعض الأخر، ليؤدي الطلاب امتحانات الثانوية العامة 2025 في 5 مواد فقط.
وأشارت الوزارة في بيان لها، إلى أنه سيتم عقد امتحانات الثانوية العامة 2025 بنظام الكتاب المفتوح «الأوبن بوك»، حيث سيتم إتاحة 4 نماذج من امتحانات الثانوية العامة 2025 بنفس الأسئلة لكن مختلفة الترتيب.
نسبة الأسئلة في امتحانات الثانوية العامة 2025وتابعت الوزارة، أنه امتحانات الثانوية العامة 2025 تتضمن على أسئلة مقالية وأسئلة موضوعية، لتكن نسبة الأسئلة المقالية نحو 15% من الامتحان ويتم الإجابة عنها في ورقة بيضاء، والموضوعية «اختار من متعدد» بنسبة 85% من الامتحان.
وبالنسبة لطريقة التصحيح، أوضحت وزارة التربية والتعليم، أنه يتم تصحيح امتحانات الثانوية العامة 2025 بالنسبة للأسئلة الاختيارية بالشكل الإلكتروني داخل الكنترولات، بينما يتم تصحيح أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2025 المقالية من قبل المعلمين الذين يتم اختيارهم من قبل الوزارة.
الفرق بين امتحانات الثانوية العامة 2025 للنظامين- المجموع الكلي لامتحانات الثانوية العامة 2025 بالنسبة للنظام الجديد 320 درجة.
- المجموع الكلي لامتحانات الثانوية العامة 2025 للنظام القديم 410 درجات.
- اللغة الأجنبية الثانية مادة أساسية مضافة للمجموع للنظام القديم، وغير مضافة للمجموع للنظام الجديد لكنها مادة رسوب ونجاح.
- يعقد امتحان منفصل في مادة الجيولوجيا للشعبة العلمية فرع العلوم بالنظام القديم.
- بينما تم إضافة الجيولوجيا لمادة الأحياء لتكن مادة واحدة، ويتم عقدها في ورقة واحدة.
- تحتوي مادة الرياضيات للنظام القديم على 4 فروع بـ 4 امتحانات منفصلين.
- تم دمج فروع مادة الرياضيات للنظام الجديد، لتعقد بها اختبارين فقط.
- مواد الفلسفة وعلم النفس واللغة الثانية مواد أساسية مضافة للمجموع للنظام القديم.
- استحداث مادة الإحصاء كمادة مضافة للمجموع لطلاب الشعبة الأدبية النظام الجديد.
- مادتي الاقتصاد والإحصاء مادتين غير مضافتين للمجموع لطلاب النظام القديم.
اقرأ أيضاًللأدبي والعلمي.. تعرف على ترتيب المواد في جدول امتحانات الثانوية العامة 2025
حقيقة عقد امتحانات الثانوية العامة 2025 في الجامعات.. «التعليم» تحسم الجدل
تبدأ 15 يونيو المقبل.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2025