بين الإدارة الأمريكية والكونغرس: سنتعلم الحرب في الظلام (1-2)
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
"لم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. وكما قال القائد الروماني "سنتعلم الحرب في الظلام" حين قالوا له إن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض".
بدا من شهادة مندوب أميركا الخاص للسودان توم بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي أن الرتق بين المجلس والإدارة الأميركية حول سياسة الولايات المتحدة حيال السودان اتسع على الراتق.
وكان نحو 12 من النواب الديمقراطيين من المؤرقين بما رشح من دعم الإمارات العربية المتحدة لقوات "الدعم السريع"، بعثوا برسالة إلى أميرها في ديسمبر (كانون الأول) 2023 يلتمسون منه الكف عن ذلك. وفي جلسة استماع لشهادة بيرييلو حمل ريتش على الإدارة بغير هوادة، قائلاً "ما اجتمعنا هناك لتصدعنا الإدارة عن كيف أن الوضع في السودان آخذ في التدهور. ومع ذلك لم تتقدم عملياً وبصورة ملموسة لتحسين الوضع فيه، أو بلوغ حل لمسألته. فبينما يضطلع الكونغرس بدوره القيادي في رقابة السياسة الحكومية، لا تقوم الإدارة بدورها في المقابل".
بعد 27 شهراً من انتظار تعيين المندوب الخاص للسودان التي وقع خلالها انقلاب آخر واندلعت حرب أهلية، لا يزال ريتش غاضباً من استمرار الإدارة في عجزها عن تقديم خطة شاملة للجنة مجلس الشيوخ لما يمكن عمله في شأن السودان. واعترف بأن مثل هذا العمل شاق إلا أنه واجب الإنجاز، ودعا إلى كسر هذه الحلقة المفرغة من انتظار الفرج. فالسودانيون وحلفاؤهم واللجنة يريدون أن يعرفوا كيف ستنتهي هذه الحرب نهاية ترفع معاناة ملايين السودانيين، وتحاكم المسؤولين عن إشعالها. فلجنتهم، في قوله، تريد أن تسمع من وزارة الخارجية كيف رتبت لتفادي السيناريوهات الأسوأ التي تلوح.
وأضاف ريتش أن استجابة بلده لمحنة السودان كانت ضعيفة مقارنة بغزة وأوكرانيا. فهي لا تزال تراوح عند منبر جدة للتفاوض بين الأطراف، مع أن النجاح لم يحالفه في وقف إطلاق النار إلى يومنا هذا. وعلى أهمية انعقاد مفاوضات أخرى في جدة، بحسب قوله، فإن لجنته تريد أن تعرف كيف ستختلف هذه الجولة الجديدة من المفاوضات عن سابقاتها. وتريد أن تعرف بالتحديد كيف لهم وحلفائهم إحباط التدخلات في الحرب من الإمارات وروسيا اللتين "هبطتا على السودان كالصقور تغمس مناقيرها في فضلات ما تبقى من جسد دولته". وناشد بيرييلو قائلاً، "أرجوك لا تنفق وقتك بيننا تحدثنا عن مبلغ رداءة الأوضاع في السودان. نحن نعرف ذلك. نريد أن نسمع عن كيف ستقبض الإدارة بزمام هذه الأزمة، وكيف ستوقف الجنوسايد (الإبادة الجماعية) القائم في دارفور؟". وسأله "هل تساند قانون ماغنيتسكي الدولي لفرض المقاطعة على محمد حمدان دقلو (حميدتي) و’الدعم السريع‘ بسبب الدمار والقتل اللذين يحدثانه؟ وإذا لم تكن ممن يساند القانون فمن غير المشكوك فيه أننا سنعود بعد 12 شهراً نحصي النفوس التي راحت ضحية الجشع والكراهية. وهذه اللجنة من جمهوريين وديمقراطيين تتطلع لتسمع عن طريق عملي إلى الأمام. أكرر أمامك أنه عمل شاق".
وضع ريتش يده على موطن الفشل الأميركي حيال محنة السودان، وهو أنه لا يشكل الأهمية الاستراتيجية التي لأوكرانيا أو غزة. وجاء في نقد آخر لسياسة الرئيس جو بايدن حيال السودان أنه ليس أسبقية. وهذا مؤسف، مع أن السودان هو البلد المثالي في أفريقيا في التعلق بأهداب الديمقراطية التي هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية للرئاسات من الحزب الديمقراطي مثل إدارة بايدن، إذ استعاد السودانيون، بمتانة مجتمعهم المدني، الديمقراطية ثلاث مرات منذ استقلاله في 1956 بما يدخله موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية. ولم تحتفل أميركا بذلك وكان لها ما يشغلها عن هذه المآثر السياسية واحدة بعد الأخرى. فاستدبرت ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 لشبهة الشيوعية خلال الحرب الباردة، وأعطت كتفاً باردة لثورة 1985 باحتفائها بالحركات المسلحة التي ناهضت الديمقراطية المستعادة، ونظرت في ذلك إلى الآثار العصيبة التي أصابت غير المسلمين من جراء دولة الرئيس نميري الإسلامية قصيرة العمر. ولدى نجاح ثورة ديسمبر 2018 كان شاغل الرئيس ترمب أن تتصالح حكومتها الانتقالية مع إسرائيل دون غيرها من جدول أعمال تلك الحكومة.
ومما حال دون تصميم أميركا سياسة ناجزة حيال السودان، مما اشتكى منه ريتش، هو أنها لا تزال ترتهن لسياسات نصرتها لدارفور وما لقيته تحت أيدي الجنجويد ثم قوات "الدعم السريع" تحت ظل نظام دولة الإنقاذ (1989-2019) منذ 2003. وبدا لها من مقاتلة "الدعم السريع" في دارفور للعناصر الأفريقية مثل المساليت وكأن التاريخ يعيد نفسه كمأساة للمرة الثانية. فتنادت أميركا في أيامنا هذه لوقف الحرب الوشيكة بمدينة الفاشر التاريخية عاصمة ولاية شمال دارفور. فحذرت المندوبة الدائمة لأميركا بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينلاند من الهجوم الوشيك في يوم المسلمين هذا على الفاشر. وناشدت "حميدتي" والقوى المتحالفة مع الجيش والجيش ألا يصعدوا الحرب، قائلة، "قد بلغنا حداً من الفظائع المؤكدة البشعة مما يذكر بقوة بما رأيناه يحدث في 2004 والذي صح فيه وصفه بالجنوسايد". ولغرينلاند خبرة مباشرة عن بشاعة الحرب في دارفور وقفت عليها عند زيارتها اللاجئين منها إلى تشاد في سبتمبر (أيلول) 2023. وقالت كلمة غاية في العذوبة عن خذلان العالم لدارفور، "من بين أصوات طلقات الرصاص والقصف سمع السودانيون صمتنا".
ولم نسمع هذا الانزعاج المستحق من حرب الفاشر حين أوشكت "الدعم السريع" على الهجوم على مدينة مدني بولاية الجزيرة في نهاية العام الماضي سوى من بريطانيا، بل لا يطرق سمعك هذا الإشفاق من تصعيد الحرب في يومنا ومدن مثل شندي وعطبرة ومروي في ولايتي النيل والشمالية على النيل الأوسط تعيش رعب المسيّرات والتهديد بغزوها لتصفية حسابات تاريخية مع أهلها جميعاً ممن زعموا أنهم أساؤوا حكم السودان منذ ورثوه عن الإنجليز عام 1956. وبلغوا في الشطط في هذا التهديد حد الإلحاد، والعياذ بالله، فقال أحدهم إن لدخول مدينة شندي غازياً مقدماً عنده من دخول الجنة. فلم تخرج أميركا أو غيرها بعد باسم لعمليات إخلاء "الدعم السريع" دور المواطنين في الخرطوم وإسكان قبيلهم فيها سوى قولهم إنها "انتهاكات". ولهذا الانتهاك مصطلح هو "الاستعمار الاستيطاني" وبينه وبين "الجنوسايد" مسافة قريبة.
ونواصل
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع الحرب فی
إقرأ أيضاً:
40 قتيلا بهجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بوسط السودان
الخرطوم - قُتل أربعون شخصا في هجوم شنه عناصر من قوات الدعم السريع مساء الثلاثاء على قرية في ولاية الجزيرة التي تشهد أعمال عنف منذ نحو شهر في وسط السودان الذي دمرته الحرب الدائرة منذ عام ونصف، على ما أفاد طبيب الأربعاء 20نوفمبر2024.
وقال طبيب في مستشفى ود رواح إلى الشمال من قرية ود عشيب التي تعرضت للهجوم لوكالة فرانس برس إن "القتلى الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص". وطلب الطبيب عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته بعد تعرض الفرق الطبية لهجمات.
وقال شهود في قرية ود عشيب إن قوات الدعم السريع التي تخوض حربا مع الجيش السوداني منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، شنت هجومها مساء الثلاثاء على القرية الواقعة على بعد 100 كلم شمال عاصمة الولاية ود مدني.
وقال شاهد في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس إن "الهجوم استؤنف صباح" الأربعاء، موضحا أن المهاجمين يرتكبون "أعمال نهب".
ويندرج الهجوم الأخير في سلسلة هجمات نفذتها قوات الدعم السريع خلال الشهر الماضي على قرى بولاية الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائد كبير فيها انضم إلى الجيش في تشرين الأول/أكتوبر.
ومنذ ذلك التاريخ، وثقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 340 ألف شخص من سكان الولاية وهي منطقة زراعية رئيسية كانت تعد سلة الخبز في السودان.
وحذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الجمعة من أن اندلاع أعمال العنف هناك "يعرض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر".
- نازحون ينقصهم كل شيء -
خلفت الحرب بين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يمسك بالسلطة، عشرات الآلاف من القتلى معظمهم من المدنيين.
ولم يتم تسجيل الضحايا، بحسب الأطباء. وتتراوح التقديرات بين 20 ألفا و150 ألفا.
كما أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص، فر منهم أكثر من ثلاثة ملايين إلى البلدان المجاورة.
واتُهم كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب. فقد حاصر مقاتلو قوات الدعم السريع قرى بأكملها، وقاموا بتنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة ونهبوا ممتلكات المدنيين بشكل منهجي.
وتعرضت قرى شرق محافظة الجزيرة لحصار كامل في الأسابيع الأخيرة، مما تسبب بكارثة إنسانية فيها، بحسب الأمم المتحدة وشهود عيان وجماعات حقوقية.
وفي قرية الهلالية، لم يعد بإمكان السكان الحصول على الضروريات الأساسية وأصيب العشرات منهم بالمرض.
ويصل العديد من النازحين إلى الولايات المجاورة بعد "السير لعدة أيام ... وليس عليهم سوى الملابس التي يرتدونها"، وفق ما قال دوجاريك الجمعة.
وحتى في المناطق التي نجت من القتال، يواجه مئات الآلاف من النازحين الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا والمجاعة الوشيكة، في غياب المأوى الملائم أو وسائل الرعاية.
وقال دوجاريك "إنهم مضطرون للنوم في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى".
وتقدر الأمم المتحدة ومسؤولون صحيون أن النزاع تسبب بإغلاق 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة.
وتقول الأمم المتحدة إن السودان يواجه حاليا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يعاني 26 مليون شخص من الجوع الحاد.
Your browser does not support the video tag.