سودانايل:
2024-10-03@21:01:50 GMT

عندما يبكي الإبداع لرحيل عبود سيف الدين

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أخر عقد السبعينات و بداية الثمانينات شهدت الإذاعة السودانية تطور جديدا من الناحية الإبداعية طالت كل الأقسام، و كان لخريجي معهد الموسيقى و المسرح القدر المعلا في ذلك. هؤلاء كانوا مستوعبين في إدارة الإخراج و المنوعات و هي الأقسام التي تعطي للمؤسسة شخصيتها الاعتبارية و خاصة برامجها في مختلف حقول المعرفة.

. و الغريب كان يستوعب خريجي الجامعات في اقسام الأخبار و السياسة و الثقافة و غيرها. كانت كوكبة يقودهم محمد سيايمان و احمد عبد الله عجيمي و الخاتم عبد الله و صلاح الدين الفاضل و معتصم فضل و محمود يسينو محمد سعيد دفع الله و عبد المطلب الفحل و رأس هؤلاء كان الأستاذ محمود أبو العزائم يمثل هؤلاء المدرسة الحديثة الى خلفت المدرسة التي تقليدية التي كانت تجعل من إذاعة " BBC" مدرسة حيث كانت الإذاعة ترسل أغلبية الإعلاميين فيها لتلقي التدريب في إذاعة " BBC" كان رائد التحول البروفيسور على شمو بعد عودته من أمريكا حيث جاء بفكرة البرامج السريع و موجة "FM" و كانت تجربتها التي أسسها محمود إبو العزائم في إذاعة " صوت الأمة" ذات البرامج الخفيفة.
تدرب على هذا الجيل العديد من الإذاعيين الذين جاءوا في نهاية عقد السبعينات و بداية الثمانينات و خاصة في الإخراج خطاب حسن أحمد و أبراهيم البزعي و صلاح التوم و سلمى الشيخ سلامة و المرحوم إحسان و عوض بابكر و طارق البحر و السر السيد و احمد طه أمفريب، العبادي و عوض بابكر و معهم البعض الذين اختاروا العمل أولا ثم مواصلة الدراسة في المعهد منهم عبود سيف الدين و عماد الدين إبراهيم و سيد احمد إبراهيم. و بعدهم جاء أزهرى العمرابي و خفاجة حتى لا تخونني الذاكرة.. هذه الكوكبة و الحديث عن الفنون و الإخراج هؤلاء هم الذين وضعوا اللبنة الأساسية الذي غيرالأداء من الدرسة التقليدية للمدارس الحديثة في العمل الإذاعي.
كانت جلساتنا نحن الذين نعمل في " إدارة الأخبار و السياسة" ذات المواد الجافة و التي تقع تحت مجهر المسؤولين على مدار الساعة، و لا نجد خلوة للحكى و بناء علاقات اجتماعية مع الزملاء إلا بعد الثالثة ظهرا، حيث يذهب أغلبية العاملين في الإذاعة، و يبقى قسم الأخبار و المذعيين و الإخراج و القسم الهندسي. و عم قطبي الذي يوزع للكل الشاي و القهوة عليه الرحمة. هذه الفترة التي التقيت فيها مع الأخوين الراحلين عبود سيف الدين و عماد الدين إبراهيم اللذان كانا تلميذان في مدرسة البروف صلاح الدين الفاضل عبود لم يكن متعود الجلوس كثيرا بعد الثالثة، لكن عماد كان يجيء بعد الثالثة، و الغريب الأثنين لا يتحدثون كثيرا.. تأثير صلاح الدين كان ظاهرا على أداء عبود سيف الدين في كيف توظيف الحواس في استيعاب الرسالة الإذاعية، لآن صلاح الفاضل يعتقد: يجب أن لا يعتمد الخيال من جانب واحد " الراسل" بل كيف يستطيع الراسل أن يحرك خيال " المتلقي" لكي يتجاوب مع الرسالة و يشارك أيضا في توظيفها لكي يتم استيعابها، و كان عبود يجيد هذا الضرب من الإبداع من خلال توظيف المؤثرات التي تبدأ صاخبة ثم تتدرج هبوطا، كان عبود يستخدم المؤثر للإنتباه و يتغير في حالة الصعود و الهبوط حسب لونية البرنامج.
مرة بعد الظهر؛ ذهبت و جدت عماد و عبود في قسم الإخرج، عماد جالسا و عبود واقفا بيتحدث، و عماد صمت لا يرد على عبود، من خلال الحديث فهمت أن عبود يتحدث عن شخصية أو مسألة عماد لم يريد أن يتجاوب معه. و فجأة صمت و صرخ و مسك يمعط شعر رأسه.. سألته مالك ياعبود قال عندي حاجة في رأسي ما عاوزه تخرج، و قال دا و هو يشير إلي عماد ما عاوز يتفاهم.. فجاة عماد نقر في التربيزة و غني " يا زمن وقف شوية" و صرخ عبود أي أي أي ياخ.. و ثانية كان في مكتبة الإذاعة..
بعد إفتتاح الإذاعات الإقليمية، عين صلاح طه مديرا لإذاعة الجزيرة في ود مدني و عبود سيف الدين مديرا للبرامج و الإخراج، و ذهبت إليهم عدة مرات، كان عبود في أمدرمان يكثر من الموسيقي المتنوعة سودانية و غربية كمؤثرات صوتية، لفت نظري في أول زيارة أن عبود بدأ يستخدم المؤثرات الطبيعية في البرامج، سألته.. هل المؤثر الطبيعي الذي تستخدمه فرضته البيئة أم تعتقد هو أكثر انتباها؟ قال عبود البيئة لها أثرها في العملية الإخراجية، في أم درمان كنت بشتغل على بعض من الدراما إلي جانب المنواعات، الأن الشغل هنا متنوع دراما و منوعات و ثقافة و سياسة و برامج اجتماعية و غيرها، و كل يحتاج للونية مختلفة، و البيئة بتعطي لونيات مختلفة، و لآن آهل الجزيرة دائما يكونوا في الحواشات و الخضرة و التعب يريدون مؤثرات تتناغم مع هذه الحالات التي تبعث الهدوء و التأمل، كان عبود فعلا مدرسة تتغير من الاحسن إلي الأفضل في تصاعد، لأنه كان يملك بالفعل خيالا موارا و مترع بتفاصيل الإبداع و الأوانه، و كانت تتماشى مع شخصيته الهادئة..
المشاهدة عبر الأذن.. قد كتب فيها أثنين دراسة أكاديمية في عملية توظيف الحواس في الفهم و الاستيعاب، كتب فيها البروفيسور صلاح الدين الفاضل المدير السابق للإذاعة السودانية و الدكتور السعودي المثقف عبد الله القزامي. و هي كيف تحول الصوت لمشاهد رؤية من خلالها يتم الاستيعاب الكامل للرسالة.. و هي القاعدة التي أتخذها عبود سيف الدين محور أدائه من خلال أن يحول الرسالة بدلا من التلقي فقط إلي رسالة حوارية لأن الحوار يخرج بنتاج أكثر نضجا، و هي تعتمد على كيفية التحكم و التوظيف للخيال. رحم الله عبود سيف الدين كان جميلا في كل شيء.ز في حالة صمته و سكونه في حديثه و ضحكتة و سريرته و طبعه، و أخلاقة نسأل الله له الرحمة و المغفرة و القبول الحسن و أن يجعل الجنة مسواه و الخير قفي ذريته...إنا لله و أنا إليه راجعون..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: صلاح الدین کان عبود

إقرأ أيضاً:

وسع عقلك.. العفو

 

سلطان بن محمد القاسمي

هل شعرت يومًا أن قلبك مُثقل؟ ليس بالتعب الجسدي الذي يُمكن التخلص منه بقليل من الراحة، بل بذلك الثقل الذي يسكن أعماق روحك، ثقل الضغائن والغضب الذي لا يُرى، لكنه يستنزف طاقتك، ويُكدر صفوك. من هنا، سنتحدث اليوم عن هذا الثقل، وما سأشاركه معك هو:  فن العفو. كيف تستطيع أن تترك الضغائن خلفك، وتفتح لنفسك أبوابًا جديدة نحو السلام الداخلي؟ وكيف تصل إلى تلك المرحلة التي تشعر فيها بأنك سيد نفسك، وملك قرارك، متحررًا من أغلال الماضي؟

عندما نتأمل في هذه الفضيلة، نجد أن العفو ليس مجرد تصرف نبيل تجاه الآخرين، بل هو عملية شفاء للنفس وتطهير للروح. ولذلك، فإنَّ العفو هو تحرر من الأعباء التي نضعها على كاهلنا. كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم":فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"الحجر: 85. تأمل معي في هذه الكلمات، "الصفح الجميل"، ذلك الصفح الذي لا انتظار فيه لمُقابل، لا ضغينة ولا ألم. بالتالي، هو عفو ينبع من قلب صافٍ يُريد أن ينعم بالسلام الداخلي، ويُحرر نفسه قبل كل شيء.

وهنا تبدأ الحكاية. نحن بحاجة للعفو، ليس فقط للإحسان إلى الآخرين، بل للإحسان إلى أنفسنا أولاً. إذا تأملنا في حياتنا اليومية، سنجد أننا نعيش حياة مليئة بالسكينة والسلام فقط عندما نُحرر أنفسنا من أثقال الضغائن القديمة وأوجاع الماضي.  ما الجدوى من تكرار الذكريات المؤلمة التي تجعلنا سجناء للماضي؟ العفو يُحررنا، ويفتح لنا أفقًا جديدًا لنعيش الحياة بنقاء روحي، حيث لا نعود أسرى للماضي.

إضافةً إلى ذلك، العفو لا يعني نسيان ما حدث أو تجاهل الألم الذي شعرنا به. بل يعني تجاوز تلك المشاعر السلبية التي تربطنا بالأحداث المؤلمة. نأخذ العبرة ونتجاوز الألم. انظر إلى موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة. كان في موضع قوة، وكان بإمكانه الانتقام، لكنه قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". هذا القرار لم يكن فقط عفوًا عن الناس، بل كان عفوًا عن أي ضغينة تُثقل قلبه. بالتالي، هو مثال على القوة الحقيقية، تلك التي تجعل من العفو طريقًا لتحويل الأعداء إلى أصدقاء، وتحقيق السلام الداخلي.

إذاً، كيف يمكن للعفو أن يكون قوة؟ ببساطة، عندما تعفو، أنت تتحرر من العبء الذي يُثقل روحك. تتحرر أيضًا من المشاعر السلبية التي تأكل من طاقتك الداخلية. بل وأكثر من ذلك، فقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن العفو له فوائد جسدية ونفسية ملموسة. بمعنى آخر، العفو يساعد على تخفيف التوتر والقلق، ويعيد للنفس الراحة والصفاء. فأنت حين تعفو، لا تهدي الآخرين فقط، بل تهدي نفسك صحة نفسية وجسدية لا تقدر بثمن.

وبالإضافة إلى ذلك، إذا تأملنا في حياة الأنبياء والصالحين، سنجد أن العفو كان دائمًا حاضرًا في تعاملاتهم. خذ مثلاً قصة النبي يوسف عليه السلام. عندما عفا عن إخوته الذين ألقوه في البئر، لم يكن ذلك نسيانًا للألم، بل كان اختيارًا أكبر وأعمق للسلام الداخلي، رؤية واضحة للمستقبل، بعيدة كل البعد عن أسر الماضي وأوجاعه. هكذا، يوسف عليه السلام علّمنا درسًا خالدًا في أن العفو هو الطريق الوحيد للتحرر الحقيقي.

وفي الحديث الشريف: "من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن يُنفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيِّره في أي الحور شاء". هذا الحديث يذكرنا بأن كل مرة نختار فيها كتمان الغضب والعفو، نرتقي بأنفسنا خطوة نحو الرضا الداخلي، خطوة نحو السمو الروحي الذي يجعلنا أكبر من الضغائن وأسمى من الأحقاد.

وعلاوة على ذلك، العفو هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الإنسانية القوية. تخيل كيف يمكن أن تستمر العلاقات العائلية أو الصداقات دون عفو! كل علاقة قد تمر بمراحل من التوتر والخلاف، لكن ما يميز العلاقات المتينة هو القدرة على التجاوز والعفو. ولنا في قصة الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثال رائع. عندما عفا عن مسطح بن أثاثة في حادثة الإفك، رغم الجرح العميق الذي خلفته الحادثة في قلبه، اختار أبوبكر أن يغلب العفو على الألم، ليضرب لنا مثالًا خالدًا في كيفية التعامل مع الأذى بمستوى من السمو الأخلاقي.

وفي جانب آخر، لا يمكننا أن ننسى أهمية العفو عن الذات. كم مرة قسونا على أنفسنا، حاكمناها على أخطاء مضت، قرارات اتخذناها في لحظات ضعف؟ إذا كان الله، في عظمته ورحمته، يغفر لعباده ويمنحهم فرصة للتوبة والتجديد، فلماذا نبقى نحن أسرى لذواتنا وأخطائنا؟ مسامحة الذات هي أولى خطوات الحرية. إنها تلك اللحظة التي نقرر فيها أن نمنح أنفسنا فرصة ثانية، نغفر لأنفسنا ونبدأ من جديد، متحررين من كل قيود الندم.

لكن العفو لا يقف عند حدود الفرد، بل هو ثقافة نحتاج لتعزيزها في مجتمعاتنا. المجتمع الذي يتبنى التسامح والعفو بين أفراده هو مجتمع قوي ومستقر. العفو لا يعني ضعفًا، ولا تنازلًا عن الحقوق، بل هو قرار واعٍ بجعل الإنسانية والمحبة أعلى من أي خلاف. وبالتالي، هذه الرسالة يجب أن ننقلها للأجيال القادمة: العفو قوة، والتسامح هو الطريق الحقيقي للنجاح والعيش بسلام.

وفي النهاية، العفو ليس فقط وسيلة لتحقيق السلام الداخلي، بل هو قوة تمنحنا الحرية من قيود الماضي. هو تلك اللحظة التي نختار فيها أن نعيش بقلوب طاهرة، خالية من الأعباء. ما أجمل أن تعيش حياتك بلا ضغائن، متحررًا من كل ما يُعكر صفاء قلبك. فكلما اخترت العفو، صرت سيد نفسك، حرًا من قيود الماضي، ومستعدًا لتجارب جديدة بروح نقية ونفس متفائلة.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • القبض على ارهابيين اثنين في صلاح الدين والانبار
  • الدبيبة يتفقد سير العمل في مشروع طريق صلاح الدين ـ ترهونة بطول 82 كيلومترا
  • ألوية الناصر صلاح الدين: السيطرة على طائرة صهيونية "إيفو ماكس" في غزة
  • هاني صلاح سرى الدين رئيسًا للجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار بالشيوخ
  • “الدبيبة” يتفقد سير العمل في مشروع طريق صلاح الدين ترهونة
  • بالفيديو.. «الدبيبة» يفتتح المرحلة الثانية من مشروع طريق «صلاح الدين- ترهونة»
  • عماد الدين حسين: الجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ حملت رسائل مهمة
  • عماد صاروخ باليستي في الترسانة الإيرانية
  • وسع عقلك.. العفو
  • صلاح الدين.. القبض على أحد أكبر المشعوذين في الشرقاط