الجزيرة:
2024-07-06@02:05:40 GMT

السودان .. ماذا يحدث داخل سجون الحرب؟

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

السودان .. ماذا يحدث داخل سجون الحرب؟

خلال الأيام الأولى للحرب، اقتحمت قوات الدعم السريع سجون العاصمة السودانية الخرطوم عنوة، وأطلقت سراح كافة المعتقلين. ولك أن تتخيل أن على رأس المفرج عنهم، تجّار مُخدِّرات ولصوصًا كبارًا، وقتلة محكومًا عليهم بالإعدام! لكن تلك السجون التي أُفرغت بالكامل من أصحاب السوابق، أعيد فتحها، مرةً أخرى، لتصبح معتقلات جديدة للأسرى والمخطوفين، قبل أن يتم نقلهم إلى سجون أخرى سرية، يُخّيم عليها الظلام، ويحوم فوقها شبح الموت يوميًا، ولا يعرف الداخل إليها، أين هو، ومتى سيخرج؟

انتهاكات خلف الأبواب الموصدة

هكذا هو الحال إذن، بمجرد مرورك بنقاط التفتيش الخاصة بالدعم السريع، يمكن أن تكون ضحية للشكوك وسوء الظن والتفتيش الإجباري، وربما يتمّ اتهامك بلا حيثيات قانونية طبعًا، بأنك رجل "استخبارات" أو "فلولي" تلك الكلمة الفضفاضة التي تشمل كل من لا ينتمي للجنجويد، وبالتالي لهم الحق في قتلك أو اقتيادك إلى مكانٍ مجهول، وتعذيبك، دون أن تحظى بفرصة أن تظلّ صامتًا ولا تتحدث إلا في وجود محاميك.

يحدث ذلك يوميًا، مئات المعتقلين، يتم توقيفهم بصورة عشوائية، في الطُرقات أو من داخل بيوتهم، أو حتى عندما يعترضون على نهب ممتلكاتهم، فيتم الزجّ بهم في سجون قاسية تحت الأرض، أو في أحد أقبية الأبراج المهجورة، لا كهرباء ولا ماء، ولا يتسرب الهواء من أية نافذة، حيث ثمّة حياة كاملة مُنتهكة خلف تلك الأبواب الموصدة.

أشهر وأسوأ المعتقلات

لا أحد يعرف أين تلك السجون، ومن بداخلها، ولكن وفقًا لتقرير صدر عن "محامي الطوارئ" بالسودان، فقد أحصى 44 مركز اعتقال، في الخرطوم فقط، لقوات الدعم السريع، و8 مراكز اعتقال للجيش، وتحدث عن مراكز اعتقال مؤقتة يتم فيها جمع المعتقلين، في مبانٍ سكنية أو أعيان مدنية، قبل أن يتم فرزهم ونقلهم إلى مراكز الاعتقال الدائمة، الأكثرة قسوة.

تكاد تتطابق روايات الذين نجوا من تلك الاعتقالات – بعد أن تمت مساومتهم بدفع مبالغ مالية طائلة، أو هرب منها أفراد الحراسة؛ بسبب ضربات الطيران – حول الأوضاع المأساوية لتلك المُعتقلات، سيئة السُمعة، بطبيعة الحال، ففي واحدٍ منها، يقبع نحو 500 شخص، في مكان ضيق بالكاد يتسع لنصفهم، إذ إنه في حقيقة الأمر مجرد "بدروم" تحت عمارة سكنية، تفتقر إلى التهوية، ولا يوجد فيها مراحيض، وتغمرك أحيانًا بالرطوبة العالية، لدرجة لن تقوى فيها على التنفس، وهي لا تختلف عن بقية المعتقلات، مجرد سجون ينشب فيها الموت أظفاره بين كل حين، والسمّة الغالبة فيها، هي الإساءات العُنصرية.

من أشهر تلك المعتقلات: معسكر هيئة العمليات بضاحية الرياض، ومباني حي المطار، والمدينة الرياضية، وأبراج ومساكن وسط الخرطوم، ومبنى جامعة السودان المفتوحة، ومكتب الوحدة الإدارية بضاحية الحاج يوسف شرقي الخرطوم، و17 مبنى في محطة الكيلو بالحلفايا شمالي الخرطوم بحري، ومعسكر طيبة جنوب الخرطوم، إلى جانب قسم الدرجة الأولى، وسجن سوبا، وقسم أبو آدم، ومباني جوار مركز عفراء وجسر المك نمر في الخرطوم، على سبيل المثال لا الحصر.

وتدُل كثرة تلك المُعتقلات على الأعداد المهولة التي تقبع داخلها، من المدنيين والعسكريين، وتشير بعض التقارير إلى أكثر من 10 آلاف مواطن في معتقلات الدعم السريع، من ضمنهم كبار سن ومعاشيّون وأطفال وذوو احتياجات خاصة، ومجانين، أو من أصيب بالجنون؛ بسبب ما حدث له، منهم تقريبًا حوالي ثلاثة آلاف، ماتوا بسبب التعذيب والجوع والقصف العشوائي، تم دفنهم في مقابر جماعية، أظهرت الأقمار الصناعية بعض الصور منها.

مُعتقلات سياسية

ثمة معتقلات سرية، أعدت خصيصَى للسياسيين وكبار ضباط الجيش، على رأسِهم المفتش العام للجيش الفريق مبارك كجو، والقيادي بالمؤتمر الوطني أنس عمر، والدكتور محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة ورئيس حزب دولة القانون، وجميعهم ظهروا في مقاطع فيديو قصيرة في الأيام الأولى لخطفهم، وهم يدلون باعترافات بدا جليًا أنهم أُرغموا عليها، ثم اختفوا بعد ذلك، بينما تم اتهام قوات الدعم السريع بتصفية المفتش العام، والذي كان حميدتي يريده أن يذيع البيان الأول لانقلابه، ليقنع الرأي العام بأن ذلك الانقلاب تم بالتنسيق مع ضباط الجيش. وتعج تلك المعتقلات أيضًا، سواء كانت خاصة بالجيش، كالمشافي المحروسة، أو الدعم السريع، بعشرات من قادة ورموز وأعضاء النظام السابق.

الدكتور الرشيد محمد إبراهيم، أحد المفرج عنهم من معتقلات الدعم السريع مؤخرًا، روى وقائع صادمة داخل تلك المُعتقلات، وقال: إن استخبارات الدعم تجبر من تقوم بإطلاق سراحهم، على القسَم على المصحف الشريف، بألا يبوحوا بأي شيء شاهدوه في المُعتقل، بمن في ذلك رفاقهم الذين ماتوا تحت التعذيب.

كما أن الوضوء ممنوع، وكان يُسمح لهم فقط بالتيمّم على الجدران، كذلك ممنوع الاغتسال، ومن يتم القبض عليه متلبسًا بقارورة ماء يتم جلده، وقد شاهد الرشيد عشرات الجثث حوله، ممن لفظوا أنفاسهم ببطء، كثير منهم مرت عليه أيام وهو قد فارق الحياة، دون أن ينتبه إليه أحد، حيث لا تتوفر الأدوية لأصحاب الأمراض المُزمنة، ولا الطعام الذي يقيم أودهم، وكل شيء هنالك يكرّس للمعاناة واليأس.

نساء في سجون الحرب

ممارسة التعذيب والمعاملة القاسية هي الصورة الأكثر رواجًا داخل تلك المُعتقلات، ولا تحظى النساء، ضحايا حملات الخطف بمعاملة أفضل، فهنّ، وعلى كافة المناطق، يتم حملهنّ تحت تهديد السلاح، إلى داخل معسكرات، وعصب عيونهنّ، وتتحول أجسادهنّ إلى ساحة عنف، ومعارك جنسية، وهو ما أشار إليه بيان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بالاستخدام الوحشي والواسع النطاق للاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي من قِبل قوات الدعم السريع.

حيث أفادت التقارير التي وردت إليهم بأن الكثير من النساء والفتيات قد تعرضن للاختفاء القسري وأعمال ترقى إلى الحد الذي أُجبرن فيه على السُخرة والاستغلال الجنسي. وما لم يذكره التقرير أن العديد من الفتيات خرجن من تلك المعتقلات في أوضاع حرجة، إلى درجة الحمل، بعد أن تناوب عليهنّ عشراتُ الجنود، بصورة سادية.

لا يبدو أن ثمة أحدًا يكترث بالإنسانية التي تُمتهن في سجون الحرب، كما أن تلك الاعتقالات المتواصلة، خلّفت الكثير من الأحزان والمآسي في البيوت، التي فقدت من يعولها، وهنالك، بالمرّة، من لا يعرفون مصير أبنائهم، والأخطر من ذلك أنه لا توجد بعد عمليات منظمة لتبادل الأسرى، ولا توجد أية رقابة على تلك السجون البشعة، أو تصنيف من هم بداخلها، حتى يتسنى التعامل معهم، وهذا بالضرورة يتطلب المزيد من الاحتجاج والتصعيد من أهالي المعتقلين والمنظمات الحقوقية، لوضع حدّ لمعاناة هؤلاء السجناء، ومعاقبة من ينتهكون آدميتهم، دون وجه حقٍّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يعلن تحرير نساء من قبضة الدعم السريع

الجيش السوداني قال إنه تم تسليم النسوة المحررات من قبضة قوات الدعم السريع- بينهن فتيات- إلى ذويهن.

الخرطوم: التغيير

أعلن الجيش السوداني، الأربعاء، تحرير (20) امرأة من قبضة قوات الدعم السريع بمنطقة أم بدة في أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.

ومنذ 15 أبريل 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع معارك عنيفة خلّفت نحو 15 ألف قتيل وآلاف الجرحى، وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، واتسعت رقعة القتال لتشمل عدداً من الولايات.

وقال مصدر عسكري لـ(التغيير)، إن الجيش حرر (20) امرأة، كانت تعتقلهم “مليشيا الدعم السريع المتمردة” في منطقة امبدة السبيل، وذلك بعد تحريرها لمنطقة الدوحة شمال مقابر حمد النيل بأم درمان.

وأضاف المصدر أن المحررات نساء وشابات وأطفال، وفتيات تترواح أعمارهن بين  13 و14، تم تسليمهن إلى ذويهن.

وفي السياق، نشر أفراد من الجيش السوداني مقطع فيديو ظهر فيه بعضهم مهللين ومكبرين احتفالاً بتحرير النسوة اللاتي ظهرت إحداهن وسط جموع الجنود مبتهجة بعملية الجيش.

وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، في تعميم الثلاثاء، إنه حقق نجاحات مهمة في مدينة أم درمان وتم تطهير منطقة الدوحة وما حولها واستلام وتدمير عدد من المركبات القتالية لقوات الدعم السريع، وهلاك عدد من مقاتليها- حسب البيان.

وفي يناير الماضي، قالت الأمم المتحدة إن قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها، اختطفت أكثر من 160 امرأة وفتاة اُحتجزن وسط ظروف أشبه بالعبودية خلال العام 2023م.

وأشارت إلى أن هناك تقارير تفيد بأن النساء والفتيات اللاتي اختطفن في ولاية الخرطوم نُقلن إلى مناطق أخرى خاصة دارفور وهن مقيدات بالسلاسل في الجزء الخلفي للشاحنات، تورطت قوات الدعم السريع أو المليشيات التابعة لها في جميع الحالات تقريباً.

وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة التي نفذتها بحق المدنيين في المناطق التي دخلتها، خاصة ضد النساء والفتيات.

وتتزايد مؤخراً، الدعوات الدولية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 من أصل 18 ولاية في البلاد.

الوسومأم درمان الأمم المتحدة الخرطوم الدعم السريع السودان جرائم حرب حرب 15 ابريل حي الدوحةـ أم درمان مقابر حمد النيل

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: الحرب تشرد 136 ألفاً من جنوب شرق السودان
  • وفيات جراء غرق سودانيين في أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • وفيات جراء غرق سودانيين أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب معارك سنار
  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • الهروب من الحرب إلى الموت.. مصرع 25 شخصا غرقا بالنيل الأزرق بشرق السودان
  • الجيش السوداني يعلن تحرير نساء من قبضة الدعم السريع
  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان