أجابت دار الإفتاء عن سؤال: ما حكم الحج عن الغير؟، وما هي شروطه، وذلك من خلال موقعها الرسمي، بالتزامن مع أشهر الحج. 

حكم الحج عن الغير 

وقالت الإفتاء إن النيابة عن الحي في الحج جائزةٌ شرعًا، مع اشتراط كون المحجوج عنه عاجزًا عن الحج بنفسه، وأن تكون النيابة بإذن مُسْبقٍ منه، ولا يُشترط أن تكون نفقة الحجِّ من مال العاجز عن الحجِّ، فمن حجَّ عن غيره وكانت النَّفقةُ من ماله وليست مال الشخص العاجز، فالحجُّ صحيحٌ حينئذٍ؛ أخذًا بما ذهب إليه الشافعية في أحد الوجهين، وعملًا بما قَرَّره الأصوليون من أنَّ تصرُّفات المكلفين وأفعالهم بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممَن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء.

وذلك في جواب سائل يقول: ما حكم الحج عن الغير تبرعًا؟ فأنا كنتُ قد حَجَجتُ عن نفسي مِن قَبْل، وفي هذا العام كان لي صديق مريضٌ، فقمتُ بمشاورته في أن أحُجَّ عنه مع تحملي لنفقة السَّفَر، فهل يشترط أن يشاركني صديقي في النفقة، أو يجوز لي أن أحجَّ عنه دون مساهمةٍ منه في نفقة الحج؟

ضوابط الحج عن الغير

الحج من العبادات التي أناطها الله سبحانه وتعالى بالاستطاعة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حجة الإِسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنفسه، فلا يُجزئه أن يحج غيرُه عنه، كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 389، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (3/ 223، ط. مكتبة القاهرة).

وأَمَّا العاجزُ الذي لا يُرجَى زوال عجزه إذا وَجَد مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فيجوز -على المختار للفتوى- أن ينيب غيره عنه في أداء الفريضة، بناء على ما صَرَّح به الحنفية والشافعية والحنابلة من مشروعية النيابة في الحج إذا توافرت شروطها، والتي منها: أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عن أداء الحج بنفسه، ووافقهم في ذلك المالكية في قولٍ، كما تقرَّر في "البناية" لبدر الدين العَيْني الحنفي (4/ 470، ط. دار الكتب العلمية)، و"الذخيرة" للقرافي المالكي (3/ 193، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي (1/ 450، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"شرح المنتهى" للبُهُوتي الحنبلي (1/ 519، ط. عالم الكتب).

والأصل في جواز النيابة عن الغير في الحج: ما ورد عن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعْن، قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه في "سننهم"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "صُومِي عَنْهَا". قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا» رواه مسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ.

قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟" قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ قَرِيبٌ لِي- قَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟" قَالَ: لَا. قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم".

فقد أجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم النيابةَ في الحج عن الغير بالسُّنَّةِ القوليةِ والتقريريةِ، وذلك باعتبار عجز الواجب عليه الحج أن يؤديه بنفسه.

ومن شروط النيابة في الحج عن الحي التي نَصَّ عليها الجمهور أيضًا: تَوقُّفها على إذن المحجوجِ عنه؛ لأنَّ الحج يفتقر إلى النية، ونيةُ الحي كإذنه، أَمَّا الميت فلا تتوقَّف النيابة عنه على إذنه قبل موته، أو عدم إذنه، ومعنى النيابة في ذلك: أن يكون الإذنُ بالمنوب فيه سابقًا على الشروع في الفعل، وهو ما نصَّ عليه الفقهاء في سياق كلامهم عن الحج عمَّن عَجَز عنه. يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (2/ 213، ط. دار الكتب العلمية)، و"المجموع" للنووي (7/ 114، ط. دار الفكر)، و"المغني" لابن قدامة الحنبلي (3/ 226).

حكم الحج عن الغير تبرعًا

اشترط الحنفيةُ في جواز النيابة في الحج: أن تكون نفقة الحج من مال المحجوج عنه لا من غيره، كما في "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (2/ 212-213)، والمعنى في هذا الشرط: أنَّ فرض الحَجِّ تعلَّق بمال العاجز بالبدن، فإذا لم يحج من ماله لم يسقط الحكم، وأيضًا لعِظَم الـمِنَّة مِن الغير في ذلك الأمر.

وما اشترطه الحنفيةُ هو مذهب الشافعية في أصحِّ الوجهين، كما في "روضة الطالبين" لمحيي الدين النَّوَوي الشافعي (3/ 15، ط. المكتب الإسلامي)، وهو المفهوم مِن كلام الحنابلة تخريجًا على كلامهم في تَبرُّع قائدِ الأعمى في الحج بأجرته، كما في "كشاف القناع" لأبي السَّعَادات البـُهُوتي الحنبلي (2/ 392، ط. دار الكتب العلمية).

ومقابل الأصح عند الشافعية صِحَّةُ التبرع بالمال في الحج عن الغير، سواء كان المُتبرِّع بالحج ولدًا للمحجوج عنه أو أجنبيًّا عنه، كما نصَّ على ذلك الإمام محيي الدين النَّوَوي في "المجموع" (7/ 94-95، ط. دار الفكر).

وشددت على ذلك: فإنَّ النيابة عن الحي في الحج جائزةٌ شرعًا، مع اشتراط كون المحجوج عنه عاجزًا عن الحج بنفسه، وأن تكون النيابة بإذن مُسْبقٍ منه، ولا يُشترط أن تكون نفقة الحجِّ من مال العاجز عن الحجِّ، فمن حجَّ عن غيره وكانت النَّفقةُ من ماله وليست مال الشخص العاجز، فالحجُّ صحيحٌ حينئذٍ؛ أخذًا بما ذهب إليه الشافعية في أحد الوجهين، وعملًا بما قَرَّره الأصوليون من أنَّ تصرُّفات المكلفين وأفعالهم بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممَن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء.

وأكدت: لا يُشْتَرط أن يشارك السائل صديقه في نفقة الحج عنه، سواءٌ كانَ الحجُّ فَرْضًا أو نفلًا، مع اشتراط إذنٍ مُسبقٍ منه قَبْل الحَجِّ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحج الحج والعمرة حكم الحج عن الغير حكم الحج عن الغير تبرعا أشهر الحج نفقة الحج النیابة فی النیابة عن فی الحج أن تکون ن الغیر عن الحج الله ع من مال کما فی

إقرأ أيضاً:

«الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد

أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال حول حكم الانتقال إلى سكن جديد وتأثيره على استقبال القبلة خلال الصلاة، بأن الانحراف اليسير في استقبال القبلة- بحيث يكون جزء من الوجه متجهًا للقبلة- لا يؤثر على صحة الصلاة ولا يبطلها، وقدرت الدار الانحراف المسموح به عن جهة الكعبة بـ45 درجة يمينًا ومثلها شمالًا.

حكم تغيير اتجاه القبلة 

وأضافت «الإفتاء» عبر موقعها الرسمي :«أما إذا كان الانحراف كبيرًا ولم يتم التحري الدقيق لتحديد جهة القبلة، فإن صلاة الشخص في هذه الحالة غير صحيحة ويجب إعادتها، وفي حالة التحري الدقيق والخطأ في تحديد جهة القبلة، فإن الجمهور يرى وجوب إعادة الصلاة، في حين يرى الحنفية عدم وجوب الإعادة، ويفضل في حال عدم وضوح الأمر إعادة الصلاة خروجًا من الخلاف».

واختتمت دار الإفتاء المصرية بالتأكيد على أن من يواجه هذه الحالة يمكنه اتباع الفتوى التي تروج لعدم الإعادة، ويدعو إلى التسامح والاحترام لكافة الآراء الفقهية في هذا الشأن.

مقالات مشابهة

  • حقيقة رؤية ملك الموت عند خروج الروح.. الإفتاء توضح
  • حكم قراءة القرآن بصورة جماعية.. الإفتاء توضح
  • هل يجوز مشاركة محتوى الكورسات التعليمية مع الغير؟.. «الإفتاء» توضح 
  • «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد
  • حكم الصلاة فترة في غير اتجاه القبلة.. «الإفتاء» توضح
  • موعد صيام عاشوراء.. «الإفتاء» توضح فضله وحكم صيامه
  • ما هو موعد صيام عاشوراء؟.. «الإفتاء» توضح فضله وحكم صيامه
  • حكم صيام أول العام الهجري الجديد.. «الإفتاء» توضح
  • «الإفتاء» تكشف فضل سورة يس وحُكم السحر في الشرع (فيديو)
  • «الإفتاء» توضح حكم زيارة قبور أولياء الله الصالحين