صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-16@23:57:51 GMT

كراهية وخطاب

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

كراهية وخطاب

 

كراهية وخطاب

أمير بابكر عبد الله

لم يكن خطاب الكراهية غائباَ عن فضاء السودان، مثلما ظل منتشراَ في كثير من بقاع العالم، وإن بدا متفاوتاَ في درجة انتشاره وتأثيره حسب السياقات التي تنتجه والبيئة التي تحتضنه. فقد شهد السودان تصاعد هذا الخطاب في منعطفات تاريخية وكانت من أبرز تداعياته إنقسام السودان إلى دولتين، ولعل الحرب الدائرة الآن تمثل أعلى تجلياته.

بتفكيك مفهوم “خطاب الكراهية” نجده مركب من مفردتين لا بد وأن تجتمعا معاً لتشكلا وحدة يمكن التعامل والتعاطي مع إفرازاتها وتداعياتها. فالكراهية هي مشاعر معبرة عن حالتين متناقضتين في السياق الذي نتناولها فيه، هما الإحساس بالاستعلاء أو الإحساس بالدونية؛ وهو إحساس مرتبط بإمتلاك خصائص وامتيازات فعلية أو متوهمة يُخشى عليها من الفقدان أو التلاشي والذوبان، أو على النقيض من ذلك فيكون ناتجاً عن فقدان تلك الخصائص والامتيازات التي يراها، حامله، حقاً أصيلاً، أو متوهماً، من حقوقه حُرم منها قسراً.

وهي مشاعر تنتشر وتتعاظم في ظل المجتمعات والدول التي تَغيب أو تُغيَّب فيها العدالة والقانون ومؤسساته، ويحكم نظامها الاجتماعي القهر والتسلط، وتتجلَّى في مظاهر الازدراء والعداوة والبغضاء تجاه الآخر. وتكون مثل هذه المشاعر أكثر وضوحاً في الدول والمجتمعات ذات الطبيعة التعددية التي تنفشل أتظمتها، بطبيعة توجهاتها، في إدارة الاختلاف والتنوع بين مكوناتها.

المفردة الثانية، وهي الخطاب، فهي كيفية التعبير عن تلك المشاعر من إزدراء وعداوة وبغضاء. ويمكن ان يتخذ التعبير أشكالاَ مختلفة ابتداء من اللفظ إلى الكتابة واستخدام كل الفنون التعبيرية لتوصيل الرسالة المعنية، ويبلغ التعبير أعلى درجاته باستخدام العنف إلى مرحلة الحرب الفعلية.

تحديات كثيرة تواجه حملات مواجهة تفشي خطاب الكراهية في حالة السودان الراهنة، وهي حالة زرع بذرتها تراكم ذلك الخطاب على مدى سنوات وليس وليد لحظة الحرب. وتبرز الصعوبات في غياب المنظومات التي لها القدرة على السيطرة خاصة مع سيولة الدولة واجهزتها.

يواجه العمل على محاصرة ذلك الخطاب الانتشار الواسع للمنصات التي يتم استخدامها في بثه، إلى جانب استمرار الحرب التي تتغذى من مثل هذا الخطاب لدى طرفيها، وبالتالي يُفرد له ما يكفي من المساحات لكيما ينتشر. لذلك يتطلب العمل على مسارات متعددة على جبهة إيقاف الحرب لاستعادة ضبط مصنع الخطابات المواجهة للكراهية. ففي ظل استمرار الحرب وسيولة الدولة وأجهزتها، يكون الحديث عن فعالية تلك الخطابات وقدرتها على التأثير محدوداً.

ولعل أبرز المعوقات هو عدم القدرة على بث تلك الخطابات وسط القطاعات المتضررة المستهدفة إلا في نطاق ضيق بسبب مشكلات حقيقية تواجهها شبكات الاتصال والتواصل. فإذا كانت شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي هي الأكثر فعالية في نشر خطاب الكراهية، فذلك يأتي في سياق الحشد والحشد المضاد وارتفاع صوت الرصاص المرافق له، في مقابل غياب أو ضعف الفعاليات والحشد المناويء للحرب والداعي للسلام وذلك لأسباب موضوعية يتمثل بعضها في حالة النزوح وعدم الاستقرار التي خلقتها الحرب، إلى جانب فرض الحرب نفسها لشروطها على الأرض والتي يحتاج تجاوزها لوقت إلى جانب فعل مستمر يتخطى واقع الصدمة التي سببتها.

يأتي في مقام متوازٍ غياب أجهزة الدولة، وخاصة العدلية والنظامية. التشريعات القانونية أصلا ضعيفة في مواجهة خطاب الكراهية، ويأتي غياب الأجهزة العدلية في ظل الحرب ليضاعف من تأثير ذلك الخطاب. ويمكن اتخاذ لحديث مدير جهاز الأمن السابق بولاية كسلا عن قبيلتي البني عامر والحباب في “الإذاعة القومية” كنموذج لذلك الغياب، وأمثلة كثيرة كانت سبباً في انزلاق البلاد إلى هاوية الحرب.

ومن الأسباب الموضوعية، أيضاً، عدم القدرة على التحكم في مستخدمي تلك المنصات لبث خطاب الكراهية. فكثير منهم يقيم في دول غير السودان تختلف قوانينها في نظرتها لمثل هذا الخطاب وبالتالي يصعب إخضاعه لقوانين البلد إن وجدت، إلى جانب إستخدام كثير من الحسابات المزيفة في حملات خطاب الكراهية أو ما يعرف بالذباب الإلكتروني لصالح طرف من الأطراف.

لا يعني ذلك الوقوف مكتوفي الأيدي في مواجهة هذا الخطاب المدمر، بل وضع خطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لمواجهته ومحاصرته. ياتي في المقام الأول مواصلة وزيادة الجهود من أجل وقف أصوات الرصاص والحرب، ودعم كل الجهود المحلية والإقليمية والدولية التي تقود إلى ذلك، مع الاستمرار في مواجهة خطاب الكراهية بكافة الوسائل المتاحة.

ما بعد إيقاف الحرب سيتضاعف الجهد أكثر بدءً من إعلاء قيمة الإختلاف والتعدد الذي تتميز به بلادنا، فنحن “لسنا واحد” وهي نعمة حولتها خطابات الكراهية إلى نقمة. كما أن تأثيرات خطاب الكراهية في مرحلة ما بعد الحرب ستستمر تداعياتاتها لفترات يجب العمل على قِصَرِها بالعمل المكثف والمستمر والضغط من أجل وضع التشريعات والقوانين التي تحاربه، وهذا يتطلب إصلاحات واسعة في القوانين والتشريعات إضافة إلى إصلاحات واسعة في أجهزة إنفاذ القانون.

كل ذلك لن يكون فاعلاً إذا لم تسفر الجهود التي تقود إلى إيقاف الحرب للاتفاق على حكم ديمقراطي مدني كامل الدسم محمي بجيش واحد وخروجه من المشهد السياسي إلى رحاب الدولة، ودستور قائم على التعدد والتنوع لديه من الآلايات القادرة على إدارة الاختلافات والحد من الخلافات.

#كلنا-واحد

 

الوسومالجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان حملة كلنا واحد خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

البيان الوزاري يستند إلى الطائف وخطاب القسم.. حراك الشارع مستمر والحزب لن نرضخ

فيما تعقد الحكومة اجتماعاً يوم غد لإقرار البيان الوزاري، وفق ما أكّد رئيس الحكومة نواف سلام بعد لقائه الرئيس جوزاف عون، أصبح مؤكداً أن البيان الوزاري سيكون مضمونه مستندا الى خطاب قسم الرئيس العماد جوزاف عون واتفاق الطائف، وسيؤكد ان الدولة والجيش مسؤولان عن تحرير لبنان من الاحتلال، فضلا عن تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته وإنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها.     ووفق معلومات "لبنان24"، سيدعو الرئيس نبيه بري  مجلس النواب الى عقد جلسة الخميس المقبل لمناقشة البيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة.   الى ذلك لا تزال "قضية الطائرة الإيرانية" تخيم على المشهد السياسي والامني، مع استمرار  الاحتجاجات  الشعبية على طريق المطار ومشهد قطع الطرقات عند جسر الرينع وطريق سليم سلام وحارة صيدا.     وشدد نائب رئيس المجلس السّياسيّ في "حزب الله" محمود قماطي، في كلمة من الاعتصام  في طريق المطار القديم امس، على "أننا لن نقبل أن يصبح الوطن في القبضة الأميركية والإسرائيلية، ولن نقبل بهذا الذل على الإطلاق"، مشيرًا إلى "أننا نصبر ونصبر ونصبر ولكن للصبر حدود".     وأضاف قماطي أن "القرار بمنع الطائرة بالهبوط في مطار بيروت هو إهانة للدولة والاجهزة الامنية فلماذا تخضعون للاملاءات الاميركية والاسرائيلية".     وتوجه قماطي للمسؤولين قائلاً  "إن كنتم تريدون أن تخضعوا، فإن المقاومة لن تخضع وستواجه وتقاوم وترفض الإذلال والإملاءات الأميركية والإسرائيلية".   ونفّذ الجيش امس واول امس  سلسلة عمليات أمنية ومهمات حفظ أمن في إطار ملاحقة المتورطين في تلك التعديات"، وأكّد أنّه "في هذا السياق، تم توقيف عدد من المتورطين، ويجري التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص". وشددت قيادة الجيش على ضرورة الالتزام بالتعبير السلمي عن الرأي"، مؤكدة أنّها "لن تتهاون مع أي إخلال بالأمن أو مساس بالسلم الأهلي".   وزار رئيس الحكومة نواف سلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وبحث معه التطورات على الأرض والإجراءات التي تنفذ، مشدداً على أن"الاعتداء على اليونيفيل أمرٌ مُدان وبعيد كل البعد عن التظاهر السلميّ ويجب التشدّد بالحكم على كل من أخلّ بالأمن، وسنستمر بحشد الدعم الديبلوماسيّ لتطبيق الانسحاب الكامل في 18 من شباط الحالي".     وأضاف: "نحن على تواصل مع السّلطات الإيرانيّة ويهمنا أوّلًا إعادة اللبنانيين من طهران وبأسرع وقتٍ ممكن، وسلامة مطار بيروت فوق كل اعتبار ولن نتساهل بهذا الموضوع وعلى القوى الأمنيّة التصدي لأعمال الشغب".   وفي هذا السّياق، بحث وزير الخارجية عباس عراقجي  في اتصال مع نظيره  يوسّف رجّي سبل حل المشكلة التي نشأت في تنفيذ الرحلات الجوية بين البلدين".     واكد الوزيران استعدادهما لإجراء حوارات بناءة بشأن مشكلة الرحلات الجوية بين البلدين".   وأشار وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني الى  إنّه "لم نحصل على أذونات من إيران لإعادة اللبنانيين العالقين في طهران عبر الطيران اللبناني"، مؤكدًا أن "الهاجس الأول اليوم هو أمن مطار بيروت واتخذنا قرارات لتحييد مطارنا عن أي اعتداء".     وتجدر الإشارة إلى أن وزير الأشغال كان قد طلب بعد التنسيق مع الرئيس جوزاف عون والرئيس نواف سلام  حجب الأذن عن الطائرة الإيرانية ومنع قدومها إلى مطار بيروت وإبلاغها بذلك قبل أن تأتي،  بعدما كان لبنان الرسمي تبلغ من الجانب الأميركي أن إسرائيل سوف تستهدف مطار بيروت في حال هبوط الطائرة الإيرانية يوم الخميس على ارضه.   وعلى خلفية ما يحصل على طريق المطار بدأت المطالبات بإعادة العمل بمطار القليعات، وكشف رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطية، عن "وعد نهائي وقاطع من رئيس الحكومة نواف سلام والحكومة بتلزيم مطار القليعات والأمر لا يحتاج إلّا لتوقيع وزير الأشغال فايز رسامني".   وقبل يومين من تاريخ 18 شباط الموعد الذي يفترض ان  تنسحب فيه إسرائيل من الأراضي الّتي تحتلها في جنوب لبنان، لكنها تنوي الإبقاء على قوّاتها في خمسة مواقع  تصنفها بالاستراتيجية، استهدفت طائرة إسرائيليّة مُسيّرة بصاروخٍ موجَّه سيارةً كانت تسير على طريق عبرصاليم، جرجوع - اللويزة في منطقة إقليم التفاح، عند مفرق قطر الندى، ما أدّى إلى اندلاع النيران فيها وسقوط 3 الشهداء و 5 جرحى.       المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تدفع قانونين يمنعان توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها
  • البيان الوزاري يستند إلى الطائف وخطاب القسم.. حراك الشارع مستمر والحزب لن نرضخ
  • انقسام وشيك للسودان المنهك
  • صمود قوى الثورة لاسترداد عافية السودان
  • كاميرون هدسون: ردة فعل أمريكا ستكون قوية على القاعدة الروسية في السودان
  • ما بعد الحرب.. السياسة تعود للسودان
  • الاتحاد الإفريقي يدعو لوقف فوري للقتال في السودان
  • هل السودان بديل محتمل لتهجير أهالي غزة؟؟
  • القاعدة الروسية تطل براسها من جديد
  • ارتفاع نسبة خطاب الكراهية على منصة إكس بعد شرائها من قبل ماسك