صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-16@15:12:06 GMT

كراهية وخطاب

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

كراهية وخطاب

 

كراهية وخطاب

أمير بابكر عبد الله

لم يكن خطاب الكراهية غائباَ عن فضاء السودان، مثلما ظل منتشراَ في كثير من بقاع العالم، وإن بدا متفاوتاَ في درجة انتشاره وتأثيره حسب السياقات التي تنتجه والبيئة التي تحتضنه. فقد شهد السودان تصاعد هذا الخطاب في منعطفات تاريخية وكانت من أبرز تداعياته إنقسام السودان إلى دولتين، ولعل الحرب الدائرة الآن تمثل أعلى تجلياته.

بتفكيك مفهوم “خطاب الكراهية” نجده مركب من مفردتين لا بد وأن تجتمعا معاً لتشكلا وحدة يمكن التعامل والتعاطي مع إفرازاتها وتداعياتها. فالكراهية هي مشاعر معبرة عن حالتين متناقضتين في السياق الذي نتناولها فيه، هما الإحساس بالاستعلاء أو الإحساس بالدونية؛ وهو إحساس مرتبط بإمتلاك خصائص وامتيازات فعلية أو متوهمة يُخشى عليها من الفقدان أو التلاشي والذوبان، أو على النقيض من ذلك فيكون ناتجاً عن فقدان تلك الخصائص والامتيازات التي يراها، حامله، حقاً أصيلاً، أو متوهماً، من حقوقه حُرم منها قسراً.

وهي مشاعر تنتشر وتتعاظم في ظل المجتمعات والدول التي تَغيب أو تُغيَّب فيها العدالة والقانون ومؤسساته، ويحكم نظامها الاجتماعي القهر والتسلط، وتتجلَّى في مظاهر الازدراء والعداوة والبغضاء تجاه الآخر. وتكون مثل هذه المشاعر أكثر وضوحاً في الدول والمجتمعات ذات الطبيعة التعددية التي تنفشل أتظمتها، بطبيعة توجهاتها، في إدارة الاختلاف والتنوع بين مكوناتها.

المفردة الثانية، وهي الخطاب، فهي كيفية التعبير عن تلك المشاعر من إزدراء وعداوة وبغضاء. ويمكن ان يتخذ التعبير أشكالاَ مختلفة ابتداء من اللفظ إلى الكتابة واستخدام كل الفنون التعبيرية لتوصيل الرسالة المعنية، ويبلغ التعبير أعلى درجاته باستخدام العنف إلى مرحلة الحرب الفعلية.

تحديات كثيرة تواجه حملات مواجهة تفشي خطاب الكراهية في حالة السودان الراهنة، وهي حالة زرع بذرتها تراكم ذلك الخطاب على مدى سنوات وليس وليد لحظة الحرب. وتبرز الصعوبات في غياب المنظومات التي لها القدرة على السيطرة خاصة مع سيولة الدولة واجهزتها.

يواجه العمل على محاصرة ذلك الخطاب الانتشار الواسع للمنصات التي يتم استخدامها في بثه، إلى جانب استمرار الحرب التي تتغذى من مثل هذا الخطاب لدى طرفيها، وبالتالي يُفرد له ما يكفي من المساحات لكيما ينتشر. لذلك يتطلب العمل على مسارات متعددة على جبهة إيقاف الحرب لاستعادة ضبط مصنع الخطابات المواجهة للكراهية. ففي ظل استمرار الحرب وسيولة الدولة وأجهزتها، يكون الحديث عن فعالية تلك الخطابات وقدرتها على التأثير محدوداً.

ولعل أبرز المعوقات هو عدم القدرة على بث تلك الخطابات وسط القطاعات المتضررة المستهدفة إلا في نطاق ضيق بسبب مشكلات حقيقية تواجهها شبكات الاتصال والتواصل. فإذا كانت شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي هي الأكثر فعالية في نشر خطاب الكراهية، فذلك يأتي في سياق الحشد والحشد المضاد وارتفاع صوت الرصاص المرافق له، في مقابل غياب أو ضعف الفعاليات والحشد المناويء للحرب والداعي للسلام وذلك لأسباب موضوعية يتمثل بعضها في حالة النزوح وعدم الاستقرار التي خلقتها الحرب، إلى جانب فرض الحرب نفسها لشروطها على الأرض والتي يحتاج تجاوزها لوقت إلى جانب فعل مستمر يتخطى واقع الصدمة التي سببتها.

يأتي في مقام متوازٍ غياب أجهزة الدولة، وخاصة العدلية والنظامية. التشريعات القانونية أصلا ضعيفة في مواجهة خطاب الكراهية، ويأتي غياب الأجهزة العدلية في ظل الحرب ليضاعف من تأثير ذلك الخطاب. ويمكن اتخاذ لحديث مدير جهاز الأمن السابق بولاية كسلا عن قبيلتي البني عامر والحباب في “الإذاعة القومية” كنموذج لذلك الغياب، وأمثلة كثيرة كانت سبباً في انزلاق البلاد إلى هاوية الحرب.

ومن الأسباب الموضوعية، أيضاً، عدم القدرة على التحكم في مستخدمي تلك المنصات لبث خطاب الكراهية. فكثير منهم يقيم في دول غير السودان تختلف قوانينها في نظرتها لمثل هذا الخطاب وبالتالي يصعب إخضاعه لقوانين البلد إن وجدت، إلى جانب إستخدام كثير من الحسابات المزيفة في حملات خطاب الكراهية أو ما يعرف بالذباب الإلكتروني لصالح طرف من الأطراف.

لا يعني ذلك الوقوف مكتوفي الأيدي في مواجهة هذا الخطاب المدمر، بل وضع خطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لمواجهته ومحاصرته. ياتي في المقام الأول مواصلة وزيادة الجهود من أجل وقف أصوات الرصاص والحرب، ودعم كل الجهود المحلية والإقليمية والدولية التي تقود إلى ذلك، مع الاستمرار في مواجهة خطاب الكراهية بكافة الوسائل المتاحة.

ما بعد إيقاف الحرب سيتضاعف الجهد أكثر بدءً من إعلاء قيمة الإختلاف والتعدد الذي تتميز به بلادنا، فنحن “لسنا واحد” وهي نعمة حولتها خطابات الكراهية إلى نقمة. كما أن تأثيرات خطاب الكراهية في مرحلة ما بعد الحرب ستستمر تداعياتاتها لفترات يجب العمل على قِصَرِها بالعمل المكثف والمستمر والضغط من أجل وضع التشريعات والقوانين التي تحاربه، وهذا يتطلب إصلاحات واسعة في القوانين والتشريعات إضافة إلى إصلاحات واسعة في أجهزة إنفاذ القانون.

كل ذلك لن يكون فاعلاً إذا لم تسفر الجهود التي تقود إلى إيقاف الحرب للاتفاق على حكم ديمقراطي مدني كامل الدسم محمي بجيش واحد وخروجه من المشهد السياسي إلى رحاب الدولة، ودستور قائم على التعدد والتنوع لديه من الآلايات القادرة على إدارة الاختلافات والحد من الخلافات.

#كلنا-واحد

 

الوسومالجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان حملة كلنا واحد خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تحذر من الارتفاع المقلق للتعصب ضد المسلمين وتدعو للحد من خطاب الكراهية

شمسان بوست / متابعات:

حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من الارتفاع المقلق للتعصب ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم، ودعا المنصات الإلكترونية للحد من خطاب الكراهية والمضايقات.

وقال غوتيريش، في رسالة مصورة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام، “نشهد تصاعداً مقلقاً في التعصب ضد المسلمين والتنميط العنصري والسياسات التمييزية التي تنتهك حقوق الإنسان وكرامته، إلى العنف الصريح ضد الأفراد وأماكن العبادة”.

واضاف “ان شهر رمضان المبارك أقبل فيما يعيش العديد من المسلمين في جو من الخوف من التمييز والإقصاء بل وحتى الخوف من العنف”..مشدداً أن هذا الواقع ليس سوى مظهر من آفة أوسع نطاقاً قوامها التعصب والسياسات التمييزية المنتهكة لحقوق الإنسان وكرامته والاعتداءات ضد الطوائف الدينية والفئات المستضعفة.

واشار الى انه كلما تعرضت فئة من الفئات للاعتداء أصبحت حقوق وحريات جميع الفئات الأخرى عرضة للخطر لذا يجب علينا بوصفنا أسرة عالمية أن ننبذ التعصب ونستأصل شأفته.   

مقالات مشابهة

  • قائد في الجيش السوداني: لا جديد بخطاب حميدتي غير ربطة “الكدمول
  • الأمم المتحدة تحذر من الارتفاع المقلق للتعصب ضد المسلمين وتدعو للحد من خطاب الكراهية
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • ارتفاع مقلق في التعصب ضد المسلمين.. الأمم المتحدة تدعو لـ«مكافحة كراهية الإسلام»
  • “الإنسانية أقوى من الكراهية”: دعوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة كراهية الإسلام 
  • صناعة الكراهية وإعادة إنتاج الخطاب الطائفي - التواصل الاجتماعي أنموذجًا
  • الاتحاد لحقوق الإنسان: ندعم التدابير المحلية والدولية لمكافحة كراهية الإسلام
  • بعثة الأمم المتحدة في ليبيا: خطاب الكراهية ضد المهاجرين يؤجج التوتر
  • البعثة الأممية تعرب عن قلقها إزاء “خطاب الكراهية ضد المهاجرين”
  • بعثة الأمم المتحدة تحذّر من «المعلومات المضللة وخطاب الكراهية»