الإنقاذ النهرى بالغربية ينتشل جثة غريق فى السنطة
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
تمكنت قوات الإنقاذ النهرى بمحافظة الغربية من استخراج جثة الشاب الذى غرق أمس السبت فى ترعة بحر شبين الواقعة على الحدود الإدارية لمركزى السنطة وزفتى بمحافظة الغربية.
كانت الأجهزة الأمنية بمحافظة الغربية، قد تلقت بلاغ من شرطة النجدة يفيد بغرق شاب أثناء الاستحمام فى ترعة بحر شبين.
وتمكنت قوات الإنقاذ النهرى من استخراج جثة الشاب محمد حمدى قنديل طالب بالمرحلة الثانوية الذى بلغ من العمر ١٧ عامًا ومقيم بقرية القرشية مركز السنطة.
تم نقل الجثة إلى مستشفى السنطة المركزى للتحفظ على الجثة لحين إنتهاء الإجراءات القانونية تمهيدًا لدفنه بمثواه الأخير بمقابر القرية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الغربية السنطة غريق بحر شبين
إقرأ أيضاً:
ماذا أفعل يا عمِّي؟
علي بن سالم كفيتان
"ماذا أفعل يا عمِّي؟" قالها لي شاب تجاوز الثلاثين من العمر، في أحد مساجد الضواحي بمدينة صلالة، التي تعودت أن أقرأ فيها وردي اليومي من القرآن؛ بعيدًا عن جامع الحارة بقصد السكينة والبُعد عن روح المُجاملة والأحاديث الجانبية قدر المستطاع، وقد ذهب المصلون الذين قرأوا ما تيسَّر من القرآن، وغابت مُتعلقات المعتكفين المركونة في ردهة جانبية من المسجد.
تبقينا أنا وهذا الشاب في هذا المسجد الصغير الذي أشعر فيه بطمأنينة عجيبة. لم ألتفت إليه ولم يلتفت إليَّ، فكلانا يجلس إلى عمود، ويُناجي ربه من خلال المصحف الشريف. وبعد مرور الساعة تقريبًا، اقترب منِّي على استحياءٍ ومكث غير بعيد، أغلقتُ المصحف والتفتُ إليه؛ فسلَّم بهدوء، وتزاحمت على وجهه الكثير المشاعر؛ فالمجاملة رَسمتْ ابتسامة ناقصة، بينما الهدوء الظاهر حكمته المحاذير، وشعرت بمسحة حزن عميقة في نبرة صوته وتعابير وجهه. دنا مني وجلس على ركبتيه كالمصلي في التشهد الأخير.
علمتُ من هيئته ولهجته أنه ليس من ظفار، رحَّبتُ به بلطف، وأبديتُ بشاشةٍ لعلِّي أمحو بعض الربكة التي بدت عليه، ومن الوهلة الأولى تبادر إلى ذهني أنه سيطلب مبلغًا ماليًا كمساعدة؛ فعمل العقل الباطن مسح سريع لمحتويات المحفظة، وهل فيها ما يمكن تقديمه، والإجابة كانت نعم. وفي هذه اللحظات قال لي: أعتذر عمِّي أخذتك من القرآن، فقلت له: لا بأس عليك، تفضل بُني. صَمَتَ لحوالي دقيقة، ثم حلَّق في السقف، ومن ثم استرسل في الكلام، مُتلعثمًا بعض الشيء، وبمرور الوقت والتحفيز الذي أُبديه عبر تعابير وجهي، صار حديثه أكثر ثباتًا؛ فبدأ الحكاية من قرية عُمانية هادئة في عمق جبال الحجر الأشم؛ حيث نشأ وتعلم، وكيف كان يساعد أسرته أثناء التعليم، ومن ثم رحلة الجامعة، وعناء السكن في إحدى حواضر المحافظات، والتنقُّل من وإلى القرية خلال الإجازات، وكيف كانت الأسرة تقدم له كل ما عندها؛ ابتداءً من ريالات بسيطة يقتطعها أبوه المزارع الذي لم يعمل يومًا في الحكومة ولا القطاع الخاص، إلى قصعة والدته التي تحتفظ فيها بثمن عرقها وكدها من صناعة السعفيات وصف الخرز الملون للبنات، تبيع الواحدة بمئتيْ بيسة، بعد أن تسرح أختي ذات العشر سنوات بالبضاعة على قارعة الطريق وبجوار مدرسة البنات وبين حارات القرية، لتجمع ما جمعت إلى قصعة أمي المباركة. أبي لم يشتر سيارة؛ بل ظل يستلف من الجيران ليوصلوه ويجلبوا له أغراض المنزل، والمزرعة الصغيرة "اللي حيلتنا" كما يقول، وبيتنا قديم، لكنه دافئ بوجود أسرتي المتفانية في البقاء والعيش. أبي يقول للشُيَّاب على دكة المسجد متباهيًا: "لمَّا خميس يشتغل بنشتري سيارة"، وأمي تُخبر جاراتها في جلسة الفوالة الصباحية جنب الطوي بأنها "راح تُعيد بناء البيت لمَّا خميس يتخرج ويشتغل"، مضيفًا: "أخوي سالم باغي سيكل، ونور هاتف". بعدها تساقطت دموع الولد وحدث مشهد تراجيدي لم أكن أتوقعه مُطلقًا، حاولت التخفيف قدر استطاعتي والظهور بالقوة؛ فغالبت دموعي بالذهاب إلى المحراب، وأحضرت له بضع مناديل، كفكف الولد بها دموعه، واعتذر مجددًا، وقلت له لا بأس عليك بُني، أكمِل!
يقول الشاب: عملتُ في كل وظيفة وجدتها بعد التخرج؛ حمَّال في سوق شعبي، إلى سائق عربات، وبائع متجول مُقابل نسبة، وصرتُ أغيبُ عن أهلي كثيرًا، ولما أعود يسألني أبي: اشتغلت؟، فأقول له: بعد، مقدم هنا وهناك، وبعده ما حالفني الحظ، وأحضر لهم كل بيسة اكتسبتها من عرق جهدي، لكنها تظل ريالات معدودة، لم تكن هي الحلم، وأعود أدراجي في نهاية الأسبوع لأقف على الشوارع العامة، ومنها إلى مسقط؛ فهي حاضرتنا وارتكاز حضارتنا وعصارة مالنا، تبدو لي مدينة كبيرة، وأخاف منها كلما دخلتها، وزاد تلك الرهبة مقابلاتي المتعثرة لأصحاب شركات مُرفَّهين ينظرون إلى شكلي قبل مضموني، وأول وآخر كلمة يقولوها لي: روح قدم في وزارة العمل. هنا كأنك تصفعني، فكم ذهبتُ هناك واصطفيت في الطابور أو انتظارًا للرقم الإلكتروني الناطق، وعندما أصل للموظف، يقول لي بكل برود: "طلبك مُفعَّل وأمورك طيبة، روح الشركات، هما اللي يقدروا يوظفوا، الحكومة خلاص ما عندها وظائف.. بح". يضيف الشاب مسترسلًا: عندها قررت الذهاب بعيدًا إلى ظفار، والاختفاء من حرج وتساؤلات أسرتي علِّي أجدُ رزقًا هنا، أنا لا أريد منك مالًا يا عمِّي، فقط توسمتُ فيك خيرًا بأن تكون وسيط خيرٍ أو داعياً لي بالتوفيق".
هذا المشهد وهذا الانكسار العائلي يحدث اليوم في معظم ربوع عُمان، بعد أن سلَّمت الحكومة مفتاح التشغيل للقطاع الخاص ونفضت يدها تمامًا. وأثناء حديث الشاب، تذكرتُ الأريحية التي كان يُخاطب بها وزير العمل- في إحدى جلسات التواصل الحكومي في رمضان- الباحثين عن عمل قائلًا: "الحكومة لم يعد لها زمام المبادرة في التوظيف؛ الأمر أُوكل للقطاع الخاص". وهنا نسأل: كيف لنا أن نُسلِّم أحلام وطموحات شبابنا لبضع شركات، كل همّها الاستحواذ على المناقصات الحكومية، وديدنها التسريح والنكران. هنا وفي نهاية الحديث قال لي الشاب: "ماذا تريدني أن أعمل يا عمِّي؟".
ارحموا هذا الجيل رحمكم الله.
رابط مختصر