حاتم الطائي
◄ تباشير النصر تلوح في الأفق بعد انكسار شوكة الاحتلال
◄ الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني سيُخلَّد في تاريخ الملاحم الإنسانية
◄ نهاية المشروع الصهيوني بدأت في 7 أكتوبر.. وزوال إسرائيل حتميٌ
لم تكن القضية الفلسطينية يومًا شأنًا عربيًا أو إسلاميًا خاصًا فقط؛ بل هي منذ يومها الأول قضية تحرر إنساني من أصفاد الاستعمار في أبشع صوره، وقضية عادلة إنسانية في زمن طغت فيه شريعة الغاب؛ حيث القوي ينهش الضعيف، وتحولنا إلى عالم أحادي القطب تمارس فيه الولايات المتحدة هيمنتها بالقوة.
فلسطين قضية الشرفاء والأحرار، قضية المُناضلين والمقاومين للاستعمار بشتى أنواعه: عسكريًا كان أو فكريًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا أو حتى تقنيًا، فبَعد ما يزيد عن 75 عامًا من الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، بدأت تباشير النصر تلوح في الأفق، وكانت البداية بكسر شوكة الكيان المارق المُهترئ في داخله، إثر عملية السابع من أكتوبر 2023، الناجحة بجميع المقاييس، وسحق الكبرياء المزعوم لهذا الكيان الصهيوني الذي لطالما تغنّى بأنه يملك "الجيش الذي لا يُقهر"، أو الاستخبارات التي "تعلم كل شيء"، وهو ما تبيَّن أنه لا يعدو نقطة في بحر الأكاذيب التي تسوّقها دولة الاحتلال الإجرامي، ويساعدها في ذلك إعلام غربي فَقَدَ كل معايير المصداقية والمهنية، وأصبح يمارس أدوارًا مُبتذلة من خلال ترويج الأكاذيب ونشر الصور ومقاطع الفيديو المُزيّفة وتبنِّي الروايات الإسرائيلية المُدلِّسة، وغيرها الكثير من الممارسات، بينما كان الغرب يتشدّق بأن دُوَله واحات للديمقراطية ووسائل إعلامه قلاع للحريات!
نجح "طوفان الأقصى" وما تلاه من مقاومة باسلة لا مثيل لها في العقود الأخيرة، في إلحاق الهزائم المتتالية بجيش الاحتلال، وإظهاره على حقيقته التي كُنّا نؤكد عليها دومًا، لكن البعض ولا سيما السّاسة والخانعين، كانوا يخضعون للرواية الأخرى. لقد استطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية أن تكتب الأمجاد؛ بل وسطّر الشعب الفلسطيني نفسه ملحمة إنسانية سترويها كُتب التاريخ، وستسردها الروايات.. إنها ملاحم أسطورية بالمعنى الواقعي للكلمة، لا الخيالي، فأيُ شعبٍ باسل واجه الإبادة والمجاعة بصدور عارية وأمعاء خاوية، وما زال مُتمسكًا بأرضه رغم كل المُخططات الصهيونية لطرده؟ أيُ شعب مقاوِم نجح في كسب التعاطف الإنساني من كل شعوب العالم، حتى الشعوب التي لم نكن نعرف عنها اهتمامها بقضايا الشرق الأوسط؟ إنه الشعب الفلسطيني الصابر المُرابط المُحتسِب المؤمِن بعدالة قضيته وبأن الإرادة الحُرّة ستنصر في نهاية المطاف، شاء من شاء وأبى من أبى!
ولتأكيد ما حققته المقاومة الفلسطينية الباسلة وفي ظهره الشعب الفلسطيني الصامد، من نصر سيقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتحقيق حلم هذا الشعب في نيل استقلاله والسيادة على أرضه ووطنه، نُوضِّح النقاط التالية:
أولًا: أن الكيان الإسرائيلي فَقَدَ قوة الردع التي كان يُعوِّل عليها دائمًا وعلى مدى عقود، وأنه لا أحد قادرًا على مواجهة إسرائيل في أي حرب أو معركة عسكرية. بينما الواقع يؤكد أن هذا الجيش انهار فعليًا في أقل من 6 ساعات، في يوم 7 أكتوبر 2023، وأنه لولا التسليح الأمريكي اللامحدود وآلاف المستشارين العسكريين وآلاف المُرتزقة من حول العالم، لكانت فصائل المقاومة قد كتبت شهادة وفاة إسرائيل إلى الأبد؛ حيث أثبتت كتائب القسام وجميع فصائل المقاومة الأخرى، قدرتها على إذلال جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأرض ومن "المسافة صفر"؛ الأمر الذي انعكس في حالة الرُعب والذعر لدى جنود الاحتلال، وما يُعانونه من أمراض نفسية وعقلية جرّاء الويلات التي شاهدوها على جبهة القتال في أنحاء غزة العزة.
الآن إسرائيل في حالة إنعاش سريري، يُؤمل منه أن تعود مرة أخرى إلى الحياة، فهي الآن دولة مارقة، مُنهارة اقتصاديًا، ومُنقسمة مُجتمعيًا، تعيش رُعبًا أمنيًا، وعُزلة إقليمية وعالمية، وباتت سمعتها مُلطّخة في الوحل، وأصبح العار يُلاحقها في كل مكان.
وما فاقم من هذا الانهيار، الضربة الإيرانية المُحكَمة التي أثبتت أن بيت العنكبوت الإسرائيلي لا يتحمل أبدًا أي حرب أو أي معركة، وأنه مرة أخرى لولا الجيش الأمريكي لما استطاعت أي منظومة دفاع جوي إسرائيلية وحدها (لا القبة الحديدية ولا مقلاع داوود)، أن تصد أعنف أضخم هجوم في تاريخ إسرائيل بسلاح المُسيّرات والصواريخ البلاستية، وغيرها من الصواريخ. نجحت الضربة الإيرانية في زلزلة الكيان الإسرائيلي، وخلخلة مفاصله، وزعزعة أركانه، وتحوّل إلى كيانٍ هشٍ ضعيفٍ لا يقوى على أي مواجهةٍ عسكريةٍ بمفرده، فقد أصبحت إسرائيل اليوم "نمرًا من ورق" بالمعنى الحرفي للكلمة.
ثانيًا: فشل الدعم الأمريكي والغربي في حماية إسرائيل أو مساعدة المُجرم نتنياهو على تحقيق أهدافه المُعلنة من العدوان العسكري. فعلى الرغم من الدعم العسكري بمليارات الدولارات وإرسال مستشارين عسكريين بمن فيهم وزير الدفاع الأمريكي نفسه إلى إسرائيل، إلّا أن هذه الدولة المارقة فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أي هدفٍ سعت إليه في عدوانها الغاشم على قطاع غزة؛ بل تسببت في قتل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، وتكبدت أكبر خسائر عسكرية في تاريخ المواجهات المباشرة مع المقاومة الفلسطينية. كما فشل الدعم السياسي الذي قدمته الولايات المتحدة والغرب إلى إسرائيل، رغم الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن ضد وقف إطلاق النار، والزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين بمن فيهم الرئيس الأمريكي نفسه جو بايدن.
ثالثًا: المقاومة تُملي شروطها على المُحتل، فقد نجحت فصائل المقاومة في وضع شروطها للموافقة على صفقة تبادل الأسرى، استطاعت من خلالها أن تكون لها اليد العُليا، وأن تُحقق أكبر قدر من المكاسب لصالح الشعب الفلسطيني، وهو ما برهن صلابة قيادات المقاومة وقدرتهم على إجراء مفاوضات تحقق المصالح الوطنية الفلسطينية.
رابعًا: كسب تعاطف الرأي العام العالمي مع قضية فلسطين.. فرغم الانحياز السافر للحكومات والأنظمة الغربية للاحتلال الإسرائيلي، إلّا أن الشعوب كانت لها كلمة أخرى، فقد صدحت بقول الحق وأعلت راية الحرية وأشهرت سيف العدالة في وجه الجبروت والظلم، من خلال تنظيم مظاهرات شارك فيها الملايين حول العالم، لتؤكد أن الشعوب لا تموت، والضمائر الإنسانية ما زلت يقظة، مهما تعرضت للوأد والتنكيل، كما حدث في جامعات أمريكا وأوروبا، من اعتصامات للطلبة الشرفاء المؤمنين بعدالة قضية فلسطين، وهُم ليسوا عربًا ولا مسلمين؛ بل نُخب طلابية مؤمنة بالحرية والحق في التعبير عن رأيها، والأهم من ذلك وعيها التام بخطورة ما تقوم به الحكومات من دعم لأعنف جريمة إبادة جماعية في التاريخ، ولذلك كان المطلب الأساسي في هذه المظاهرات والاعتصامات وقف إطلاق النار، ووقف الاستثمارات في إسرائيل، ووقف الدعم الأمريكي لجيش الاحتلال.
خامسًا: محاكمة إسرائيل لأول مرة في التاريخ أمام محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة أُممية في العالم، وفضح كل المُمارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني أمام أعين الجميع بالصوت والصورة. إلى جانب صدور القرار الأممي رقم 2728 الذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة يؤدي إلى وقف ثابت ومُستدام للحرب، وإلزام دولة الاحتلال بضمان وصول كل المساعدات الإنسانية، والامتثال للقانون الدولي الإنساني. علاوة على ما يجري حاليًا من إجراءات في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال في الحكومة المتطرفة أو الجيش، وهو ما يمثل حدثًا غير مسبوق في التاريخ بأسره.
ويبقى القول.. إنَّ كُل هذه المُعطيات تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، نهاية المشروع الصهيوني، وهي نهاية حتمية قادمة لا محالة، نؤمن بها ونعتقد فيها أشد اعتقاد؛ لأن ما بُني على باطل فهو باطل، ولم يكتب التاريخ أن استعمارًا مصحوبًا بجرائم إبادة جماعية، قد نجح في تحقيق أهدافه؛ بل إنَّ كُل صور الاستعمار تنتهي بإذلال المُستعمِر والقضاء عليه. ولا يُنازعنا شك أن المستقبل القريب جدًا يحمل لنا بُشريات النصر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وزوال الكيان الإسرائيلي المُحتل إلى الأبد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حينما تسعى إسرائيل وأمريكا وبعض حكومات المنطقة لتعويض خسائرها في الحرب بالسياسة
لا شك أن خسائر الاحتلال الصهيوني باتت أكبر من مجرد التجاهل الإعلامي لها في تل أبيب أو في أوروبا وأمريكا، رغم محاولات التعتيم والالتفاف على فضائحه في ظل الهزائم التي مُنّيَ بها جيشه، ولم تعد تُجدي محاولات التجميل التي يمارسها إعلام الصهيونية العالمية وذيله في بلادنا العربية، خاصة بعدما تحرر العالم من قبضة الإعلام الواحد الذي يملي ما يريده على جمهور المشاهدين، كما كان في حقبة الستينيات وقبل ظهور الإنترنت والسوشيال ميديا التي قلبت الموازين وأوصلت الحقائق -رغم أنف الحكومات- كما هي دون تدخل من أي جهة كائنة من كانت..
ولا شك أن الضربات الموجعة التي تلقتها دولة الاحتلال في وجه الاستعلاء والعنجهية المبتذلة لقادتها السياسيين والعسكريين من المَرضى بالسادية الذين يتصدرون المشهد في حكومة "بنيامين نتنياهو" أمثال "إيتمار بن غفير" و"بتسلئيل سموتريتش"؛ لم تُبق لهم إلا عض الأنامل ومص الشفاه على مقدار الألم الذي سببته لهم أذرع المقاومة في فلسطين والجنوب اللبناني!..
ووجب علينا أن ننوه لحزب الله لحفاظه على أهم مسلّماته وثوابته: المساندة والدعم الكاملين لغزة، والحفاظ على مبدأ وحدة الساحات؛ ذلك الذي سبب صداعا للدول الحاضنة للأذرع المساندة للمقاومة الفلسطينية في اليمن ولبنان والعراق، ورغم الأعباء التي تفوق القدرة على التحمل فلقد حافظ الحزب على دوره الأخلاقي -بعيدا عن خطاب الكراهية الطائفية المُعَد والمُجَهّز في غرف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية- والذي يحمله ببغاوات الشحن الطائفي من أشباه الدعاة!..
ورغم الخسائر الكبيرة في صلب قيادات الحزب من الصف الأول إلى مستوى الأمين العام ورئيس أركان التنظيم ثم المرشح الأول لتولى الأمانة العامة وغيرهم من القيادات، إلا أن الحزب استعاد عافيته وحافظ على دوره في الاصطفاف، جنبا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية التي ظهرت في العراء وحدها وجموع العرب والمسلمين عاجزون لا يقدرون على شيء سوى المشاهدة لكل ما تُحدثه الآلة الصهيونية الجبارة فيهم، ولا مغيث لهم إلا الله..
لا بد من التغيير في موازين القوى وعدم تركها في يد أمريكا!
أصبحت الحاجة ملحة إلى قرارات قوية من بعض الدول ذات الثقل الإقليمي والدولي، مثل تركيا المقُصّرة في مسئوليتها تجاه المذابح التي ترتكبها دولة الاحتلال! وبجوارها تصطف بعض الدول العربية والإسلامية البعيدة عن فلك التطبيع أو غير المرتمية في أحضان الراعي الرسمي لجرائم الاحتلال (أمريكا)، وخلفها بعض القوى الدولية الكبيرة مثل روسيا والصين، من أجل إحداث هزة في موازين القوى التي تسيطر عليها أمريكا منفردة، والتي لن تحيد -مع سيطرة اللوبي الصهيوني على البيت الأبيض- عن الانحياز الفاجر للاحتلال!..
أمريكا الممول والشريك الرئيس للمذابح التي يرتكبها العدو الصهيوني، والتي تقف على رأس الوسطاء لن تكترث لآلام الفلسطينيين أو لحرمان الأطفال من أبسط ما يحتاجه الطفل، ولن تسمع لصرخات الثكالى ولم ولن تنظر بعين الرحمة والشفقة إلا لأسرة أحد الأشقياء من الصهاينة القتلة، ولن نسمعها تتحدث إلا عن أسرى العدو ممن يسمونهم بالرهائن، ولن تحرك ساكنا إن كانت الغلبة لحليفتها ولسوف نستمع ساعتها لتصريحات البيت الأبيض ووزارة الخارجية عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها!
احذروا الصهاينة.. يعوضون خسارتهم في الحرب بالسياسة!
ما يشعرنا بالأسى هو حالة الخذلان التي تتلقاها المقاومة من محيطها العربي المدجج بالأسلحة التي جعلت منه الأكثر شراء على مستوى العالم، ومع ذلك فقد أحجم عن نصرة المقاومة وتركها تواجه العالم الغربي كله تحت راية اسرائيل! إلا أن المقاومة قد حققت ما يشبه المعجزة وأوقعت في الصهاينة الخسائر الكبيرة حتى ضجّوا وتعالت صرخاتهم، وتوالت هجراتهم العكسية هربا بحياتهم ورفض أبنائهم التجنيد، وفرت الاستثمارات وأحجمت الشركات التجارية الكبرى، وانخفض مؤشرهم الائتماني وحدث العجز في ميزانهم التجاري، وهنا جاء الدور الأمريكي الشيطان الراعي لما يسمى عملية التفاوض من أجل إيقاف الحرب!
وتتوالى الجولات المكوكية للمبعوث الأمريكي إلى لبنان حاملا أخطر أدوات اللعبة التي تجيدها إدارته، مخاطبا الطوائف اللبنانية لإيقاظ نار الخلاف فيما بينها، فتظهر مصلحة السنّة وممثليها في مواجهة تغول حزب الله الشيعي في الأرض اللبنانية! وهكذا تشيع الفرقة بين مكونات الدولة اللبنانية وتتعاظم نقاط الخلاف التي اختفت أو كادت، مع تلويح الإدارة الأمريكية بعصا العقوبات وجزرة المساعدات للحكومة اللبنانية للحديث عن ضرورة نزع سلاح المليشيات غير الشرعية (حزب الله)! وضرورة رجوع قوات الحزب إلى الوراء لمسافة 10 كيلومترات، وبذلك تجد المقاومة اللبنانية نفسها بين مطرقة الأمريكان وسندان الفرقاء!..
لا حل -كما أسلفنا- سوى دخول بعض القوى الإقليمية والدولية، متعاضدة فيما بينها لنزع فتيل الفرقة بين مكونات الدولة اللبنانية لمواجهة ما تريده الإدارة الأمريكية، الشريك الرئيس للعدوان الصهيوني، وتقديم بعض الضمانات للفرقاء من أجل نزع فتيل الفُرقة والعداء السني الشيعي؛ حتى يلتفت الجميع لمواجهة العدو الرئيس لشعوبنا وثرواتنا ومقدساتنا وتاريخنا وجغرافيتنا، أمريكا وذيلها في المنطقة العربية (إسرائيل)..