تقدمت سلطنة عمان 18 مركزا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة «مراسلون بلا حدود» وانتقلت من المركز 155 عالميا إلى مركز 137. ويستخدم مؤشر حرية الصحافة 5 مقاييس لتقييم مستوى حرية الصحافة تشمل «السياق السياسي» و«الإطار القانوني» و«السياق الاقتصادي» و «السياق الاجتماعي والثقافي» و «السلامة».
ورغم التقدم الذي أحرزته سلطنة عمان في هذا المؤشر العالمي إلا أن وضع سلطنة عمان الحقيقي في مجال حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير أفضل بكثير مما يشير إليه هذا المؤشر الذي لا يراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية، إضافة إلى عدم مراعاته لاختلاف القيم والمبادئ من دولة إلى أخرى.. ولا يمكن عمليا بناء استمارة تقييم واحدة تقيس الإطار الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لجميع الدول فيما إطار كل دولة يختلف عن الأخرى؛ فالعالم ليس نموذجا واحدا وقيمه تختلف وكذلك مبادئه، فما تراه فرنسا على سبيل المثال ذروة التقدم الأخلاقي تراه دولة عربية قمة في الانحطاط الأخلاقي والقيمي!
وفي سياق آخر ما زال مؤشر «مراسلون بلا حدود» يعتمد على معلومات وتقارير قديمة مضى على تاريخ نشرها أكثر من عقد من الزمن وهي مدة طويلة جدا تغير العالم فيها كثيرا وتغيرت الكثير من المفاهيم التي يتكئ عليها.. وخلال هذه المرحلة كان الزمن في عُمان -على سبيل المثال- يسير في خطه التقدمي الطبيعي، واستطاعت حركة التاريخ أن تُحدث الكثير من التغيرات الكبرى في سلطنة عُمان تجاوزت الكثير من التقارير التي ما زال «المؤشر» يقرأ سلطنة عُمان عبرها.
لكنّ فكرة التقدم تؤكد أن ما يحدث في سلطنة عمان يفرض نفسه على العالم فيُرى، وهذا ليس المؤشر الوحيد المعني بالإعلام الذي تقدمت فيه سلطنة عمان هذا العام، ففي مارس الماضي وفي مؤشر القوة الناعمة العالمي الصادر عن مؤسسة «براند فاينانس» البريطاني تقدمت سلطنة عمان في مؤشر الإعلام 6 مراتب لتحل في المرتبة الـ40 عالميا ما يؤكد أن عملا كبيرا يبذل في سلطنة عمان في مجال الإعلام وفي حرية الصحافة.
يحتاج مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره «مراسلون بلا حدود» إلى مراجعة منهجية، فلا يمكن أن تتصدر القائمة دول لم يَسمع عن صحافتها أحدٌ، فيما تتراجع دول صحافتها ساحة واسعة لمعارك الرأي اليومية. وضمن المؤشر تتصدر دول لا تكاد صحافتها تنشر مقال رأي واحدا فيما تتراجع دول يتناقل القراء مقالات الرأي التي تنشرها باعتبارها تعبر عن هموم الناس ومشاكلها وتسعى إلى بناء وعي مجتمعي حديث.
وإذا كان المؤشر يعتمد على مجموعة مقاييس تشكلها في مجملها الصورة العامة لحرية الصحافة في دولة ما فكيف نفهم أن إسرائيل التي اغتالت أكثر من 135 صحفيا خلال 7 أشهر فقط تراجعت 4 مراتب عما كانت عليه العام الماضي وهي إضافة إلى عملية الاغتيالات تمنع نشر أي خبر خلال حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة لا يمر عبر الرقيب العسكري! والأمر لا يختلف كثيرا من بعض البلاد الغربية التي تعتمد سردية واحدة منحازة فيما يخص الحروب الكبرى التي تدور في العالم اليوم ومنها الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الإبادة في قطاع غزة إلى آخر ذلك من صراعات مختلفة في العالم.
مع ذلك لا يمكن الاستهانة بتقارير هذه المنظمات فهي مؤثرة في بناء الصورة الذهنية العالمية عن الدول، وعلى كل دولة، بما في ذلك سلطنة عمان، أن تقرأ هذه المؤشرات وتعمل على معالجة التحديات التي تشير إليها التقارير وتعمل على تجاوزها إن وجدت. والمرحلة القادمة حيث يتوقع صدور قانون الإعلام الجديد من شأنها أن تعزز مقياس تطور القوانين وتحديثها الذي يعتمد عليه المؤشر في جانب من جوانبه وهذا ضمن خريطة الطريق الذي تتبناها سلطنة عمان لتطوير الإعلام وتمكينه ليمارس دوره الرقابي إضافة إلى دوره في بناء الوعي المجتمعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حریة الصحافة سلطنة عمان سلطنة ع
إقرأ أيضاً:
فعالية موسيقية تستحضر إرث التسعينيات والموسيقى التقليدية في سلطنة عمان
• سالم الفلاحي: تأسيس أكاديمية موسيقية متخصصة ضرورة حتمية لتأهيل أجيال قادرة على المنافسة عالميًا
• مسلم الكثيري: الموسيقى العمانية تعكس تاريخ المجتمع وحضارته وعلينا توثيقها لضمان استدامتها
أقيمت أمس بكلية عمان للسياحة فعالية موسيقية حملت عنوان "الموسيقى بين تسعينيات القرن العشرين واليوم" برعاية الدكتور ناصر بن حمد الطائي مستشار مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط، وحضور نخبة من الموسيقيين والأكاديميين، وفي الجلسة الحوارية الموسيقية التي جمعت الموسيقي سالم الفلاحي، المتخصص في الموسيقى الغربية والأوركسترا، والباحث مسلم الكثيري المتخصص في الموسيقى الشرقية والعمانية التقليدية، وأدار الجلسة بدر الذهلي من كلية عمان للسياحة تناول الباحثان تاريخ تطور الموسيقى في سلطنة عمان، والتحديات التي واجهت تأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية، وأهمية الحفاظ على التراث الموسيقي التقليدي العماني.
وتحدث سالم الفلاحي عن البداية الطموحة لتأسيس الاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية تحت إشراف المغفور له بإّن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-. وأكد "الفلاحي" أن تحديات تأسيس الأوركسترا كانت كبيرة، إذ شكك بعض الخبراء الأجانب في قدرة عمان على تقديم أوركسترا تضاهي نظيراتها العالمية، إلا أن إصرار السلطان الراحل ودعمه المستمر أسفرا عن نجاح كبير، مع تقديم الأوركسترا السيمفونية السلطانية أولى حفلاتها عام 1989، وحظيت بإشادة دولية.
وأكد "الفلاحي" خلال الجلسة الحوارية أن تطور الآلات الموسيقية ارتبط بمراحل تاريخية متعددة، بدءًا من العصر الميلادي وصولًا إلى العصر الباروك والكلاسيكي. وأوضح أن الآلات الموسيقية القديمة كانت تختلف بشكلها وأدائها عن الآلات الحديثة التي نعرفها اليوم، مشيرًا إلى أن الكمان على سبيل المثال تطور عبر العصور، إذ كان شكله مختلفًا في عصر الباروك، ولم يصل إلى صيغته الحالية إلا بعد التعديلات التي أجراها الإيطاليون لاحقًا.
وتطرق الفلاحي إلى العصر الكلاسيكي (1750-1820)، واصفًا إياه بالعصر الزاهر للموسيقى الكلاسيكية، ومسلطًا الضوء على دور العباقرة الذين برزوا في تلك الفترة، مثل الطفل المعجزة الذي أظهر موهبة استثنائية في العزف على البيانو والتأليف منذ سن الخامسة. وبيّن أن هذا النوع من الموسيقى لم ينتشر عالميًا إلا بفضل التعليم الأكاديمي المتخصص الذي توفر في الجامعات والكليات الأوروبية.
وفي حديثه عن سلطنة عمان، أشاد "الفلاحي" بالتطور الكبير الذي شهدته الموسيقى في عمان، مشيرًا إلى تأسيس أوركسترا مسقط للموسيقى الهرمونية والأوركسترا السيمفونية السلطانية، إضافة إلى دار الأوبرا السلطانية التي تعد منارة ثقافية وفنية مهمة. إلا أنه أشار إلى غياب أكاديمية موسيقية متخصصة تُعنى بتدريس الفنون الموسيقية بشكل أكاديمي متكامل، مؤكدا على ضرورة إنشاء أكاديمية موسيقية متكاملة في سلطنة عمان ترتكز على مقومات عالية لتعليم علوم الموسيقى بحذافيرها. وبيّن أن عُمان تمتلك كفاءات وطنية مؤهلة يمكن الاستفادة منها في تطوير الموسيقى محليًا.
مشيرا إلى أن أوروبا لم تصل إلى مستوى الأوركسترا العالمي إلا بعد تأسيس مدارس وكليات متخصصة في تدريس الموسيقى بشكل منهجي وعلمي منذ المراحل الدراسية المبكرة. كما شدد على أن المناهج الحالية في سلطنة عمان، مثل قسم الموسيقى في جامعة السلطان قابوس، لا تؤهل بشكل كافٍ لإعداد موسيقيين محترفين خلال فترة قصيرةـ داعيا إلى ضرورة تدريس الموسيقى بدءًا من الصفوف الدراسية الأولى، كما هو الحال في الدول الأوروبية، بحيث يتم تأهيل الطلبة بشكل علمي مدروس، ليتمكنوا من اختيار مسارات موسيقية متخصصة كالملحنين أو المؤلفين. وأوضح أن النهضة المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- تتيح الفرصة لتأسيس أكاديمية عمانية متخصصة يمكنها تخريج موسيقيين مؤهلين على مستوى عالمي.
وأشار إلى تاريخ الموسيقى العربية وأثر الفارابي وزرياب في إرساء قواعد الموسيقى، مؤكدًا أهمية الاستفادة من الإرث الموسيقي العربي، وتطويره ليواكب العصر. وختم حديثه بأن عمان تمتلك كافة المقومات لتأسيس أكاديمية موسيقية عالمية تخرّج مبدعين قادرين على المنافسة الدولية، داعيًا إلى استثمار الطاقات الوطنية في هذا المشروع الطموح.
توثيق الموسيقى العمانية
من جانبه، استعرض الباحث مسلم الكثيري الدور التاريخي للموسيقى الشرقية والعمانية، مشيرًا إلى أنها تعكس الحراك الثقافي والاجتماعي في سلطنة عمان. وأوضح أن السلطان قابوس -رحمه الله- أدرك أهمية توثيق التراث الموسيقي، وأطلق في عام 1983 مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العمانية، والذي أثمر عن تأسيس مركز عمان للموسيقى التقليدية، مؤكدا أن الموسيقى العمانية تعد مرآة للحراك الاجتماعي والسياسي للمجتمع العماني، حيث تعكس الأنماط الغنائية والنصوص الشعبية الظروف التاريخية والجغرافية التي مرت بها البلاد. وأوضح أن التأثيرات السياسية والجغرافية، خاصة في منطقة المحيط الهندي وغرب آسيا والجزيرة العربية، أسهمت في إثراء الموسيقى العمانية وجعلها جزءًا أصيلًا من الموسيقى الشرقية.
وتحدث "الكثيري" عن التاريخ العريق لهذا الإرث الفني، مشيرًا إلى أن الموسيقى العمانية مرت بمراحل ثلاث أساسية: الأولى مرحلة ما قبل الإسلام، التي برزت فيها بعض الآلات والألوان الموسيقية التي ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم، والمرحلة الثانية مرحلة ما بعد الإسلام، والتي تأثرت بالنظرة الإسلامية وتطورت بما يتناسب مع القيم الثقافية والاجتماعية. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة النهضة الحديثة، التي انطلقت مع حكمة السلطان الراحل -طيب الله ثراه-، الذي أولى اهتمامًا كبيرًا بالموسيقى العمانية وضرورة توثيقها باعتبارها جزءًا من الهوية الوطنية.
وأشار الكثيري إلى أن سلطنة عمان، حتى سبعينيات القرن الماضي، لم يكن لديها إذاعات موسيقية أو مؤسسات توثق هذا التراث، لكن بفضل رؤية السلطان قابوس، أُطلقت مشاريع بحثية لدراسة وتوثيق الموسيقى التقليدية. وأضاف أن المؤثرات السياسية كان لها دور كبير في تشكيل الموسيقى العمانية، وأن توثيق هذا الإرث الفني يُعد ضرورة حتمية للحفاظ عليه من الاندثار ونقله للأجيال القادمة.
واضاف "الكثيري" أن الموسيقى العمانية ليست مجرد فن، بل هي انعكاس لتاريخ طويل وثقافة غنية، داعيًا إلى بذل مزيد من الجهود لتعزيز حضورها وتوثيقها بشكل علمي يسهم في إبراز هذا التراث محليًا ودوليًا.
كما تطرق الباحث مسلم الكثيري إلى تجربته الشخصية في إدخال قالب "الموشحات" إلى الموسيقى العمانية، مؤكدًا أن الشعر العماني الفصيح يشكّل كنزًا لم يُستغل بالشكل الكافي. وذكر تجربته في تأسيس فرقة موسيقية تسعى لإعادة تقديم الشعر العماني في قالب موسيقي راقٍ يُسهم في نشر الأدب العماني عالميًا.
وكانت قد شهدت الجلسة تقديم مقطع مرئي تناول "تاريخ الموسيقى الكلاسيكية"، بعدها، قدم يحيى الضنكي، مدير أكاديمية مسقط للموسيقى والفنون، ورقة عمل سلطت الضوء على جوانب مهمة من تطور الموسيقى. كما شهدت الفعالية عروضًا موسيقية متنوعة، حيث عزف الفنان نزار البلوشي على البيانو، ليأخذ الحضور في رحلة موسيقية أظهرت براعة الأداء، كما تضمنت الفعالية عزفًا مميزًا على آلة الكمان استعرض الجوانب الموسيقية بين الماضي والحاضر، واختُتمت العروض بأداء رائع للعازف يعقوب الحراصي على آلة العود. وفي ختام الفعالية، تم تكريم المشاركين، تلا ذلك جولة في المعرض المصاحب الذي قدم لمحات توثيقية عن الموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة.
تجدر الإشارة إلى أن الفعالية كانت ثمرة جهود طلاب تخصص إدارة الفعاليات بكلية السياحة، لتقديم مهاراتهم في التنظيم وتقديم فعالية تجسد الاهتمام بالفنون الموسيقية وتاريخها.