يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ (اليوم العالمي لحرية الصحافة)، وهو احتفال يجعل من هذه الحرية أساسا مهنيا للصناعة الصحفية، انطلاقا من أهميتها في الوصول إلى الحقائق والكشف عن الواقع الفعلي وما يحدث على المستويات المحلية والعالمية، بُغية مناقشته وتحليله وإظهاره إلى الرأي العام دونما تظليل أو لبس أو تحريف، ولهذا كان هذا اليوم بمثابة التذكير المستمر بأحقية تلك الحرية باعتبارها واحدة من مبادئ حقوق الإنسان والتعبير عن رأيه وعن ذاتيته.
فمنذ أن تم تحديد هذا اليوم في المؤتمر الذي عقدته اليونسكو في ويندهوك في العام 1991 في اليوم نفسه لإعلان ويندهوك لـ (تطوير صحافة حُرَّة ومستقلِّة وتعدديَّة)، أصبح رمزا لذلك الاحتفال السنوي، الذي يقوم على ترسيخ المبادئ الأساسية والأخلاقيات التي تقوم عليها حرية الصحافة، وهي فرصة سانحة لاحتفال الصحفيين بإنجازاتهم وما يمكن أن يقدموه في سبيل تعزيز تلك الإنجازات ضمن مبادئ الحُرية وتقدير الأخلاقيات التي تقوم عليها ضمن المستوى الذي تمنحه لهم السياسات والتشريعات التي تسنها دولهم.
إن الاحتفاء باليوم العالمي لحُرية الصحافة يمثِّل أهمية ليس فقط من أجل تعزيز تلك الحُرية أو التذكير بتضحيات الصحفيين، والمخاطر السياسية التي قد يواجهها العديد منهم، بل أيضا لمناقشة التحديات العامة التي تمثِّل اليوم توجهات جديدة ومتغيرات قد تُدخل الصناعة الصحفية في منعطفات وتحولات شديدة الحساسية على المستوى المهني؛ منها التحديات الرقمية والتحول التكنولوجي الذي يفرض الكثير من القيود والرقابة من ناحية، والانفلات والجرائم الإلكترونية والعنف من ناحية أخرى، إضافة إلى انتشار الأخبار المظللة والخطابات المضادة التي تجعل من العمل الصحفي المهني أكثر صعوبة خاصة في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي، وتدفق المعلومات والبيانات المغلوطة أو حتى الصور المفبركة التي تؤججها خطابات الكراهية.
ولهذا فإن الصناعة الصحفية اليوم تحتاج إلى مناقشة تلك التحديات من أجل الوصول إلى حلول ومقترحات تُسهم في دعم ممارسة النشاط الصحفي وحرية إبداء الآراء وتقديم خطابات متوازنة تنطلق من الحقائق ومعالجة التحديات وتخطيها بإبداع وابتكار أفضل الحلول، إضافة إلى الاستفادة القصوى من الانفتاح التقني والذكاء الاصطناعي والأخذ بيد الصحفيين وتدريبهم من أجل الارتقاء بمستوياتهم المعرفية والتقنية، وتعزيز مستوى مشاركتهم الفاعلة مع الأحداث المحلية والعالمية بما يضمن حُرية الصحافة المسؤولة والمعزِّزة.
واحتفاءً باليوم العالمي لحُرية الصحافة نشرت مؤسسة مراسلون بلا حدود (التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024)، الذي ركَّز على (المؤشر السياسي) الذي يُعد من بين أهم المؤشرات الخمسة (السياسي، والاقتصادي، والتشريعي، والاجتماعي، والأمني) التي تقوم عليها منهجية تقييم البلدان في هذا التصنيف؛ وذلك لما ظهر خلال التقييم من تراجع لافت في هذا المؤشر حيث انخفض إلى (7.6) نقاط، الأمر الذي كشف الضغوطات التي يواجهها الصحفيون خاصة في تلك البلدان التي تعاني الحروب والنزاعات السياسية، إذ (يشهد العالم غيابا واضحا للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنقاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحفيين) – حسب تقرير التصنيف –، من أبرزها الحرب على غزة من قبل الكيان الإسرائيلي، إذ اتَّسم بعدد (قياسي) من الانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام من بداية تلك الحرب في أكتوبر 2023؛ حيث (قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 صحفي فلسطيني، علما بأن 22 منهم على الأقل لقوا حتفهم أثناء قيامهم بعملهم)، وبسبب تلك الانتهاكات التي اقترفتها إسرائيل جاءت فلسطين في المرتبة (157) في التصنيف على مستوى أمن الصحفيين وسلامتهم.
ولذلك فإن التصنيف يجعل من التحديات السياسية وما قد يمر به الصحفيون في العالم من مخاطر جراء الحروب والنزاعات الجيوسياسية التي تجر الصحافة إلى منعطفات أيديولوجية، والانتخابات والأحزاب السياسية التي يشوبها التحريض والتهديد وتضييق الخناق على حرية الصحافة، وغير ذلك من التحديات التي تفاقم من تلك التحديات، والتي تجعل من حُرية الصحافة وسلامة الصحفيين أمرا في غاية الصعوبة في الكثير من دول العالم.
ففي التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024 جاءت النرويج في المرتبة الأولى، تليها الدنمارك ثم السويد، فهولندا وبعدها فنلندا في المرتبة الخامسة، وقد اتسم تصنيف دول (المغرب العربي والشرق الأوسط) بتقهقر مستوى المؤشر السياسي نتيجة لما يحصل في فلسطين، وما تقوم به إسرائيل من (خنق المعلومات المتدفقة من القطاع المحاصر، بينما أصبحت المعلومات المضللة جزءا من منظومتها)، فيما تقدمت دولة قطر في جدول الترتيب، وقد قفزت سلطنة عُمان 18 مركزا لتكون في المرتبة (137) بمجموع 42.52.
وعلى الرغم من الصعود الذي شهدته عُمان في التصنيف في المؤشرات جميعها، إلاَّ أن التقرير الخاص بالدولة لم يكن قادرا على كشف ما تمر به من متغيرات وانفتاح في مستوى حرية الصحافة وما تشهده من اتساع في مستوى حرية التعبير عن الرأي في الصحافة بشكل عام؛ فلم يستطع التصنيف استيعاب خصوصية الهُوية الدينية والأخلاقية والمجتمعية للدولة، كما اعتمد على بيانات قديمة ما بين (2016-2021) في تقييم (المشهد الإعلامي)، الأمر الذي لم يكن على قدر واف من الموضوعية والإنصاف، ناهيك عن أن هذه البيانات والعبارات نفسها قد وردت في تقرير التصنيف للعام الفائت!
إن قدرة هذه التقارير والتصنيفات على متابعة التطورات لحرية الصحافة على مستوى بلدان العالم، قد تشوبها العديد من الإشكالات والتحديات؛ إذ لا يمكن حساب تلك التطورات وفق ميزان واحد دون النظر إلى خصوصية كل دولة أو حتى كل إقليم، الأمر الذي قد يوقعها في الكثير من التناقضات أو عدم الموضوعية، فمع أهميتها بوصفها إحدى أدوات التقييم والتطوير إلاَّ أن موضوعيتها وصدقها يجب أن ينبني وفق معطيات سنوية وحديثة وقابلة للقياس، آخذة في الاعتبار تلك الخصوصيات الاجتماعية والدينية التي تتميَّز بها بلدان العالم.
وعلى الرغم من ذلك فإن التصنيف يمثِّل مؤشرا مهما باعتباره تقييما عاما يمكن الإفادة منه في تطوير العمل الصُحفي وبناء منظومة إعلامية أكثر حُرية وانفتاحا، وقدرة على مواكبة المتغيرات المتجددة والمتسارعة خاصة على المستوى التقني؛ فالمشهد الإعلامي في عُمان يتَّصف بالكثير من المميزات على مستوى حُرية التعبير، وحُرية الصحافة المتَّزنة التي تجعل من الكتابة الصُحفية والإعلام بشكل خاص قطاعا تنمويا قادرا على إظهار التنوُّع والتعدد بطريقة موضوعية تتَّسم بالمصداقية، إلاَّ أنه ومع انفتاح العالم الرقمي وتدفق المعلومات والبيانات وانتشار آفاق المعالجات التقنية لبرامج الذكاء الاصطناعي، فإن تحقيق مستوى أعلى من الحرية الصحفية، وتيسير الوصول إلى المعلومات وضمانه، سيكون له الأثر الفاعل في تعزيز دور الصحافة والإعلام في البناء التنموي في كافة القطاعات.
إن حُرية الصحافة والانفتاح والتعدد الإعلامي يمثِّل قوة تنموية داعمة لكافة القطاعات؛ ولهذا فإن تطويره وبناءه باعتباره صناعة يُعد من الأولويات التي تتأسَّس عليها التنمية الوطنية، الأمر الذي يقتضي أهمية تمكين الصحفيين وتدريبهم وتقديم الدعم الكامل لهم للقيام بعملهم المهني، إضافة إلى إيجاد سياسات وتشريعات تواكب التطورات المتسارعة في المنظومة الإعلامية بما يُعزِّز دور الإعلام ويمكِّنه من القيام بدوره الإعلامي الرائد.
فحُرية الصحافة وحُرية التعبير عن الرأي في عُمان من المكتسبات التي علينا المحافظة عليها والبناء على ما تم إنجازه وتطويره خدمة لوطننا الغالي وإعلاءً لمسيرته التنموية حتى يكون (في مصاف الدول المتقدمة).
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لحریة الصحافة حریة الصحافة الأمر الذی فی المرتبة
إقرأ أيضاً:
فال كيلمر.. نجم باتمان الذي رحل صامتا
جاء رحيله، كما لو كان كذبة أبريل/نيسان الشهيرة، فقد أعاد مشهد الموت الغامض والمفاجئ للمثل الأميركي فال كيلمر إلى الذاكرة صخب حياته، التي كانت أكثر غموضا، لممثل صعد بسرعة الصاروخ إلى قمة الشهرة والنجاح، ومن ثم انطفأ نجمه بالسرعة نفسها.
وقد عرف كيلمر كأحد أكثر شخصيات هوليود غموضًا وجاذبية، إذ كان ممثلا من الطراز الأرفع، وتمتع بمظهرٍ أنيق وروح متمردة، وسعيٍ دؤوبٍ نحو الأصالة. من بداياته المسرحية الواعدة إلى فترة ارتدائه زي باتمان، وصولا إلى التجارب الشخصية والمهنية العميقة التي أعادت صياغة حياته ومسيرته المهنية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعيدا عن هوليود.. اكتشف متعة 6 مسلسلات قصيرة غير أميركيةlist 2 of 2هل تنتهي صيحة مسلسلات ضيوف الشرف قريبا؟end of listولد فال إدوارد كيلمر في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 1959 في لوس أنجلوس بكاليفورنيا، وانجذب إلى عالم التمثيل منذ صغره، وساعده على ذلك نشأته في عائلة تقدر الإبداع، لكنها اتسمت أيضا بعدم الاستقرار. كان والده، يوجين كيلمر، موزعا لمعدات الطيران ومطورا عقاريا، بينما كانت والدته، غلاديس سوانيت، متدينة للغاية ومن أصل سويدي.
انفصل الزوجان عندما كان فال في التاسعة من عمره فقط – وهو حدثٌ شكّل حياته وترك أثرًا لا يُمحى، وشكّل العديد من الشخصيات الكئيبة والمحطمة عاطفيًا التي سيجسدها لاحقًا. كان لدى كيلمر شقيقان: ويسلي ومارك. توفي ويسلي في سن الخامسة عشرة بسبب مضاعفات الصرع، وهي خسارة أثرت بشدة على فال وعززت حساسيته تجاه هشاشة الحياة، وهو موضوعٌ يتجلى بوضوح في جميع عروضه.
إعلانالتحق فال بمدرسة هوليود الاحترافية قبل أن يصبح أصغر طالب يقبل في قسم الدراما بمدرسة جوليارد المرموقة في سن السابعة عشرة، حيث صقل موهبته بتفانٍ شديد، مُظهرًا موهبة مبكرة تبشر بمسيرة مهنية جادة في عالم المسرح. عكست أعماله الأولى هذا الطموح، إذ شارك في كتابة مسرحية "كيف بدأ كل شيء" (How It All Began)، وقام ببطولتها في المسرح، وشارك في إنتاجات خارج برودواي وأعمال تجريبية، ورغم خلفيته الكلاسيكية، لم يمضِ وقت طويل حتى تهافتت عليه هوليود.
ظهر كيلمر لأول مرة في السينما عام 1984 في الفيلم الكوميدي الساخر "سري للغاية!" (Top Secret!)، حيث فاجأ الجمهور بحسه الكوميدي ومواهبه الموسيقية. لكن فيلم "توب غان" (Top Gun) عام 1986 هو ما دفعه نحو النجومية. وعبر شخصية الطيار المقاتل "آيس مان" المتغطرس والبارد، أصبح كيلمر رمزًا للثقافة الشعبية، إذ لم تقل جاذبيته في كل لفته بالعمل عن النجم توم كروز.
وخلال السنوات التالية، أثبت كيلمر وجوده كواحدٍ من أكثر الممثلين تنوعًا في أدوارهم في التسعينيات. فمن تجسيده لشخصية جيم موريسون في فيلم "الأبواب" 1991 (The Doors) وهو دور استعد له بشغف شديد، ثم انتقل إلى تجسيد دور تاجر السلاح دوك هوليداي في فيلم "تومبستون" 1993 (Tombstone)، وأشاد النقاد بأدائه لدور موريسون وتصويره لشخصية هوليداي.
ومع بداية عام 1995 انتقل فال كيلمر إلى مرحلة جديدة تماما في حياته المهنية، حيث دخل كيلمر عالم الأبطال الخارقين، مرتديا العباءة والقلنسوة في فيلم "باتمان للأبد" (Batman Forever)، الذي أخرجه جويل شوماخر، وشكل انطلاقة من عالم الأبطال الخارقين المظلم الذي بناه تيم بيرتون مع مايكل كيتون. كان باتمان كيلمر كئيبًا ولكنه أنيق، معقد نفسيًا ولكنه رزين.
وجاء اختيار فال كيلمر لدور باتمان بمثابة انتصار ونقطة تحول في مسيرته الفنية، وخلفًا لمايكل كيتون، قدّم كيلمر أحد أشهر أدوار هوليوود في ذروة شهرته، بفكه المنحوت، وعينيه الحادتين، وحضوره الهادئ والغامض، بدا كيلمر مُناسبًا للدور، وأضفى على شخصية بروس واين تعقيدًا نفسيًا وهدوءا وتأملًا يفوق سابقيه.
اعتمد فيلم "باتمان للأبد" على المؤثرات البصرية والمشاهد المُصممة إلا أن كيلمر قدّم الدور برؤية جادة، تكاد تكون مأساوية، مُركزًا على الصراع الداخلي لرجل يعيش حياة مزدوجة. لم يكن بروس واين مجرد ملياردير لعوب، بل كان يتيمًا مُطاردًا لا يزال يصارع الحزن. كان باتمان أنيقا وصامدًا، يظهر القوة ويخفي ضعفًا عاطفيًا. درس كيلمر ازدواجية الشخصية بعمق حقيقي، مضيفا عليها دلالات دقيقة في الحوارات والصمت على حد سواء.
إعلانلكن على الرغم من النجاح التجاري للفيلم، وجد كيلمر التجربة مُحبطة. فبدلة باتمان، كما كشف لاحقًا، كانت تقيده، لدرجة أنها جعلت من الصعب عليه السماع أو التواصل مع زملائه الممثلين. يتذكر قائلًا: "لا تسمع، لا تتحرك. إنها مُنعزلة للغاية".
كان كيلمر يعتقد أن الدور يقيد قدرته على التفاعل العاطفي والأداء الحي، لذلك عندما عُرضت عليه فرصة العودة إلى باتمان وروبن، رفض، ليس رفضا للشخصية، بل رغبةً منه في التركيز على أدوار أكثر تعبيرًا وتحديًا، وكشف المخرج جويل شوماخر- في تصريحات صحفية- أنه وجد كيلمر صعبا في العمل، وهي سمعة بدأت تطارده في تلك الفترة.
ورغم استمراره في أداء أدوار بارزة في أفلام مثل "الحرارة" 1995(Heat)، مع آل باتشينو وروبرت دي نيرو، و"القديس" 1997(The Saint)، إلا أن أخبار سلوكياته الصعبة في موقع التصوير بدأت تطغى على مسيرته المهنية، وعرف بصعوبة أسلوبه، وصرامة قراراته، وعدم استعداده للتنازل عن قراراته الإبداعية، لذلك بدأ المخرجون والاستوديوهات ينظرون إليه على أنه مصدر خطر، مما أدى إلى تراجع عروض الأفلام الكبرى.
وتزامنت هذه الفترة أيضًا مع تراجع في ايرادات شباك التذاكر لبعض أعماله، ومنها فيلم "جزيرة الدكتور مورو" 1996(The Island of Dr. Moreau)، الذي عانى من فوضى إنتاجية، وقد تحولت خلافاته مع المخرج جون فرانكنهايمرحديث الصحافة، وانعكس الأمر على الصورة المحاطة بالشكوك لنجم صعب المراس.
في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كاد كيلمر أن يختفي عن الأضواء، ولم يعلم محبوه إلا لاحقًا بمعركته مع سرطان الحنجرة، الذي أبقاه سرًا في البداية. تسبب المرض في تغيير صوته بشكل كبير نتيجة عملية ثقب القصبة الهوائية، وتأثرت قدرة فال كيلمر على الكلام، وظنّ الكثيرون أن مسيرته الفنية قد انتهت.
إعلان توب ما فريك.. الحنينخالف كيلمر كل التوقعات، وذلك حين أصدر الفيلم الوثائقي "فال" (Val) في عام 2021، والذي احتوى على لقطات منزلية صوّرها على مدار عقود طوال حياته ومسيرته الفنية. قدّم الفيلم صورة مؤثرة وحميمة لفنان عاش حياته بشروطه الخاصة، بعيوبه، وعبقرتيه، وعمق إنسانيته، فتأثر النقاد والجمهور على حد سواء بصدق الفيلم وهشاشته.
وكان الممثل الهوليودي قد رزق بطفلين، هما جاك ومرسيدس من الممثلة جوان والي، التي التقى بها في موقع تصوير فيلم "ويلو" 1988(Willow)، وطلقا عام 1996، لكن كيلمر ظلّ قريبا من أبنائه. في السنوات الأخيرة، انخرط كلاهما في مجالات إبداعية: جاك كممثل، ومرسيدس كممثلة وعارضة أزياء.
ولعب جاك ومرسيدس أدوارا محورية في الفيلم الوثائقي "فال"، حيث كانا سندا عاطفيا لوالدهما ضد وحش السرطان الذي التهم جسده وسعادته.
ثم جاء فيلم "توب غان: مافريك" 2022 (Top Gun: Maverick)، حيث أعاد كيلمر تمثيل دور "آيس مان" في مشهد مؤثر أمام توم كروز. ورغم قدرته المحدودة على الكلام، إلا أن الجاذبية العاطفية لحضوره جعلت المشاهدين يذرفون الدموع، حيث كان الفيلم تذكيرًا قويًا بفنان لم يكف عن النضال من أجل صوته، حتى عندما سُلب منه.
لم تكن رحلة فال كيلمر مجرد مشوار لنجم هوليودي، بل كانت نضالا لروح لا تعرف اليأس، وتسعى وراء الفن بشغف لا نظير له، ويمثل كيلمر اليوم رمزا للنجاح الخاطف، ودرسا عن الثمن الباهظ للهوس الإبداعي. ومع ذلك، ورغم المرض، ورفض الوسط الفني، والتحول الشخصي، بقي كما كان دائمًا، ممثلًا لا يخشى المخاطرة، ولا يهاب الحقيقة.