تتكشف المزيد من الأخبار في الآونة الأخيرة عن مشروع مدينة السلطان هيثم ومراحله التي دخلت حيّز التنفيذ، ويرتبط بهذا المشروع الوطني الطموح بمصطلح «المدينة الذكية» الذي يعبّر عن مرحلة جديدة في الحضارة الإنسانية تتبنى تنفيذ ما يُعرف بـ«المجتمع الرقمي» الذي سبق الحديث عنه في مقالات سابقة. ويأتي طموح سلطنة عُمان في مواكبة التقدم الرقمي والتقني استنادًا إلى رؤية قائد البلاد وسلطانها المفدّى؛ إذ أولى جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - رعاية خاصة بالمشروعات الرقمية ومساهمتها في التنمية المستدامة، ويأتي مشروع مدينة السلطان هيثم ترجمة لهذه الرؤية السامية.

تُطرح الكثير من التساؤلات عن مَاهِيّة مدينة السلطان هيثم وعن مدى ارتباطها بمفهوم المدن الذكية، ويمكن للقارئ أن يعود إلى الكثير مِمَّا نُشر من معلومات تخص هذا المشروع وتفاصيل مراحله التي سيكون إنجازها وفق خطة زمنية محددة تبدأ من عام 2024م وتنتهي بعام 2045م، ونحاول في هذا المقال التركيز على المفهوم العام للمدن الذكية التي تعتبر مدينة السلطان هيثم جزءا من منظومتها المستدامة.

تُعدُّ المدن الذكية أحد أبرز ملامح التطورات التقنية التي تسعى إلى تحسين جودة الحياة في المجتمعات الإنسانية، ودعم تحولها من المجتمعات الصناعية التقليدية إلى المجتمعات الرقميّة المتقدمة، وتعزيز التنمية المستدامة للاقتصاد، ويتمثل الهدف الرئيس للمدن الذكية في توفير بيئة معيشية مستدامة ومرنة عبر استعمال التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات المرتبطة، والابتكار لتحسين جميع جوانب الحياة اليومية بما في ذلك قطاعات النقل والطاقة والماء والتواصل والخدمات الحكومية والعامة. وتكمن أهمية المدن الذكية في مساهمتها بالتنمية المستدامة، وفي قدرتها على التحسين المستدام للبنية التحتية وأتمتتها؛ إذ تُعتبر المدن الذكية وسيلة لتحديث البنية التحتية بشكل مستدام والتحكم بها؛ مما يقلل من الهدر في استهلاك الموارد مثل الطاقة والمياه وتحسين كفاءة استعمالها، والمساهمة في الحد من الازدحام والاختناق المروري؛ حيث إن النظام الذكي يعمل على تحسين حركة المرور وتوجيه السائقين إلى طرق أقل ازدحامًا، مما يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويحسن جودة الهواء عبر انتشار المستشعرات الذكية التي تعمل بواسطة نظام إنترنت الأشياء المتصل بأنظمة التحليل الذكية المتصلة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، ويرفد هذا التطور الرقمي انتشار السيارات الذكية -التي يُتوقع تزايدها في السنوات القليلة المقبلة- التي يمكنها تبادل البيانات مع المستشعرات الذكية في الشوارع؛ فتزيد من جودة الحركة المرورية المنشودة.

كذلك تسعى المدن الذكية إلى بلوغ مستويات عالية في إدارة الموارد الطبيعية عبر تفعيل التطبيقات الذكية في المدن لإدارة عمليات الطلب والعرض على الموارد الطبيعية مثل المياه والكهرباء بشكل أكثر فعالية؛ مما يساهم في الحفاظ على البيئة وتوفير الموارد للمستهلكين وللأجيال القادمة. وتعمل أيضًا المدن الذكية على رفد الاقتصاد المحلي ومنحه الاستدامة المطلوبة عن طريق توفير فرص عمل جديدة في مجالات التطوير الرقمي والابتكار التقني المتقدم، وتعزيز التجارة والسياحة بمساعدة الأنظمة الرقمية المتطورة التي تعمل على تحليل البيانات بجودة وسرعة عالية وتقديم أفضل الحلول والتوصيات التنفيذية، وتساهم المدن الذكية بشكل عام في تحسين جودة الحياة عبر توفر بيئة معيشية ذات جودة عالية عن طريق تقديم خدمات مبتكرة مثل الرعاية الصحية والتعليم والترفيه بشكل متكامل ومتوازن. كما تجسّد هذه الخدمات التي تُعدّ أحد أهم عناصر المدن الذكية ما يمكن للواحد منا أن يراه مستقبلًا في مشروع مدينة السلطان هيثم التي تعكس واقعًا للتحول الرقمي المنشود عبر توفير المنازل والشوارع والمنشآت الذكية والمؤسسات الصحية المرتبطة بأنظمة رقمية متكاملة ومؤسسات تعليمية معنية بالتعليم التقني والرقمي المتقدم.تبرز في المدن الذكية الكثير من التطبيقات الذكية منها أنظمة النقل الذكية التي تشمل الحافلات والقطارات الذكية التي تتيح التنقل بسهولة وفعالية داخل المدينة الواحدة وبين المدن الأخرى، وسيارات الأجرة التي تعتمد على وسائل رقمية متطورة، كذلك إدارة النفايات عبر استعمال التطبيقات الذكية التي يمكنها أن توفّر جدولًا دقيقًا لجمع النفايات وتوجيه القاطنين إلى الأماكن الصحيحة للتخلص من النفايات أو عبر قنوات النقل المتطورة التي يعمل بعضها وفق نظام الأنابيب الأرضية الذكية المدعومة بأنظمة الشفط التي تملك قدرة الفرز الذكي للنفايات ما يساهم بمنح الاستدامة في قطاع الصناعة التكريرية للنفايات والتقليل من التلوث البيئي. كذلك من التطبيقات الذكية المهمة المستعملة في المدن الذكية تقنيات تحسين الزراعة وإنتاجاتها عبر أنظمة الري الذكية ورصد الآفات ومقاومتها بواسطة وسائل المراقبة الأرضية بالمستشعرات الذكية وأجهزة التصوير الذكية، وبالمراقبة الجوية بواسطة طائرات «الدرون» التي تعمل على جمع البيانات وتحليلها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ لمضاعفة الجودة الزراعية وإنتاجها بكلفة أقل، ويوفر مصادر غذائية محلية خالية من الآفات. كذلك ثمّة تطبيقات أخرى تعتمد عليها المدن الذكية مثل تقنيات الحكومة الذكية، وتشمل استعمال الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة؛ لتحسين الخدمات الحكومية مثل التخطيط العمراني والأمن العام، وتعتمد -حاليا- بعض المؤسسات الحكومية على مثل هذه التقنيات مثل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني التي تسعى إلى إبراز البصمة الرقمية في مشروعاتها الحديثة مثل مشروع مدينة السلطان هيثم والمدن الذكية الأخرى القادمة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التطبیقات الذکیة المدن الذکیة الذکیة التی الذکیة فی التی ت

إقرأ أيضاً:

سالم القاسمي يؤكد التزام الإمارات بدمج الثقافة في التنمية المستدامة

ضمن اجتماع وزراء الثقافة لمجموعة العشرين، الذي عقد في مدينة سلفادور دي باهيا البرازيلية، أكد وزير الثقافة الشيخ سالم بن خالد القاسمي، التزام الإمارات بدمج الثقافة في التنمية المستدامة والعمل المناخي.

ولفت إلى أنّ الإمارات تعمل على حشد التعاون الدولي لدمج الثقافة باعتبارها عاملاً رئيسياً في تمكين التنمية المستدامة، مؤكّداً على الجهود التي تبذلها الدولة في تعزيز دور الثقافة في العمل المناخي، ودفع عجلة النمو الاقتصادي الشامل.
وأضاف "تعد الثقافة من الأدوات المهمة في التصدي للتحديات العالمية، فهي تقدّم حلولاً تساهم في الحفاظ على التراث الإنساني وصونه، وكذلك تطرح حلولاً في مجال تغيّر المناخ، كما أنها تلعب دوراً فاعلاً في تعزيز قدرتنا على التكيّف، والصمود أمام مختلف التحديات".
وأثنى على الجهود المشتركة بين الإمارات والبرازيل في تأسيس "مجموعة أصدقاء العمل المناخي المرتكزة على الثقافة" (GFCBCA) والدعم الكبير الذي حظيت به المجموعة منذ إطلاقها خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، الذي استضافته الإمارات أواخر العام الماضي.
وذكر "يعكس هذا التحالف التزامنا بمعالجة التحديات المناخية من منظور ثقافي، ونقدّر الدعم الذي قدمه شركاؤنا في هذا الملف، ونحن فخورون بأنه قد تم دمج إطار عمل الإمارات للمرونة المناخية العالمية، ومجموعة أصدقاء العمل المناخي القائم على الثقافة (GFCBCA) في الإعلان، مما يبرز أهمية اعتماد مقاربات ثقافية ومرنة للعمل المناخي على الصعيد العالمي".
وركز على الدور المهم الذي تلعبه الصناعات الثقافية والإبداعية في بناء المستقبل المستدام، مؤكداً على أن جمع البيانات حول أداء قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية مهم  لصياغة القوانين والإجراءات الضرورية التي تعزز نمو هذا القطاع، حيث تكشف البيانات عن التوجهات الناشئة وتفضيلات الجمهور إضافة إلى المجالات المفتوحة للابتكار، مما يتيح المجال للمطالبة بالموارد اللازمة لدعم تطور هذا القطاع محلياً وعالمياً، منوهاً إلى أن الدولة تعمل مع شركاء عالميين لتعزيز آليات جمع البيانات واستثمارها في وضع وتحديد التوجهات المستقبلية لها.
يشار إلى أن وفداً من وزارة الثقافة قد شارك في الاجتماع الرابع لمجموعة العمل الثقافية لمجموعة العشرين خلال الفترة من 4 إلى 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، إذ ناقش الوفد أربع مجالات ذات أولوية تشمل حماية واستعادة الممتلكات الثقافية، وتسخير التراث الحي لمستقبل مستدام، وتعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية، بالإضافة إلى الاستفادة من التقنيات الرقمية في قطاع الثقافة، وقد ساهمت جميعها في صياغة إعلان وزراء الثقافة في مجموعة العشرين.

مقالات مشابهة

  • خبير: مصر تتبنى نهجا وطنيا متكاملا للتحول إلى التنمية المستدامة
  • أستاذ التنمية المستدامة: صادرات مصر الزراعية تصل إلى أكثر من 163 دولة
  • سالم القاسمي يؤكد دور الثقافة في التنمية المستدامة
  • سالم القاسمي يؤكد التزام الإمارات بدمج الثقافة في التنمية المستدامة
  • مدبولي: تحرص مصر على تبني نهج وطني متكامل يهدف إلى التحول إلى التنمية المستدامة
  • رئيس الوزراء: مصر تنتهج نهجا وطنيا متكاملا للتحول إلى التنمية المستدامة
  • “كافد”.. استدامة المدينة الذكية عبر شراكة إستراتيجية
  • تحقيق أهداف التنمية الحضارية بمصر.. دور الدولة وحلول هندسية مبتكرة في الجمهورية الجديدة
  • "مدينة السلطان هيثم" تتصدر مشاركة عُمان في "سيتي سكيب" بالرياض
  • منال عوض: وزارة التنمية تتابع خطة تطوير 27 محافظة بالتنسيق مع مؤسسات الحكومة