المدن الذكية ودورها في التنمية المستدامة: مدينة السلطان هيثم مثالًا
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
تتكشف المزيد من الأخبار في الآونة الأخيرة عن مشروع مدينة السلطان هيثم ومراحله التي دخلت حيّز التنفيذ، ويرتبط بهذا المشروع الوطني الطموح بمصطلح «المدينة الذكية» الذي يعبّر عن مرحلة جديدة في الحضارة الإنسانية تتبنى تنفيذ ما يُعرف بـ«المجتمع الرقمي» الذي سبق الحديث عنه في مقالات سابقة. ويأتي طموح سلطنة عُمان في مواكبة التقدم الرقمي والتقني استنادًا إلى رؤية قائد البلاد وسلطانها المفدّى؛ إذ أولى جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - رعاية خاصة بالمشروعات الرقمية ومساهمتها في التنمية المستدامة، ويأتي مشروع مدينة السلطان هيثم ترجمة لهذه الرؤية السامية.
تُعدُّ المدن الذكية أحد أبرز ملامح التطورات التقنية التي تسعى إلى تحسين جودة الحياة في المجتمعات الإنسانية، ودعم تحولها من المجتمعات الصناعية التقليدية إلى المجتمعات الرقميّة المتقدمة، وتعزيز التنمية المستدامة للاقتصاد، ويتمثل الهدف الرئيس للمدن الذكية في توفير بيئة معيشية مستدامة ومرنة عبر استعمال التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات المرتبطة، والابتكار لتحسين جميع جوانب الحياة اليومية بما في ذلك قطاعات النقل والطاقة والماء والتواصل والخدمات الحكومية والعامة. وتكمن أهمية المدن الذكية في مساهمتها بالتنمية المستدامة، وفي قدرتها على التحسين المستدام للبنية التحتية وأتمتتها؛ إذ تُعتبر المدن الذكية وسيلة لتحديث البنية التحتية بشكل مستدام والتحكم بها؛ مما يقلل من الهدر في استهلاك الموارد مثل الطاقة والمياه وتحسين كفاءة استعمالها، والمساهمة في الحد من الازدحام والاختناق المروري؛ حيث إن النظام الذكي يعمل على تحسين حركة المرور وتوجيه السائقين إلى طرق أقل ازدحامًا، مما يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويحسن جودة الهواء عبر انتشار المستشعرات الذكية التي تعمل بواسطة نظام إنترنت الأشياء المتصل بأنظمة التحليل الذكية المتصلة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، ويرفد هذا التطور الرقمي انتشار السيارات الذكية -التي يُتوقع تزايدها في السنوات القليلة المقبلة- التي يمكنها تبادل البيانات مع المستشعرات الذكية في الشوارع؛ فتزيد من جودة الحركة المرورية المنشودة.
كذلك تسعى المدن الذكية إلى بلوغ مستويات عالية في إدارة الموارد الطبيعية عبر تفعيل التطبيقات الذكية في المدن لإدارة عمليات الطلب والعرض على الموارد الطبيعية مثل المياه والكهرباء بشكل أكثر فعالية؛ مما يساهم في الحفاظ على البيئة وتوفير الموارد للمستهلكين وللأجيال القادمة. وتعمل أيضًا المدن الذكية على رفد الاقتصاد المحلي ومنحه الاستدامة المطلوبة عن طريق توفير فرص عمل جديدة في مجالات التطوير الرقمي والابتكار التقني المتقدم، وتعزيز التجارة والسياحة بمساعدة الأنظمة الرقمية المتطورة التي تعمل على تحليل البيانات بجودة وسرعة عالية وتقديم أفضل الحلول والتوصيات التنفيذية، وتساهم المدن الذكية بشكل عام في تحسين جودة الحياة عبر توفر بيئة معيشية ذات جودة عالية عن طريق تقديم خدمات مبتكرة مثل الرعاية الصحية والتعليم والترفيه بشكل متكامل ومتوازن. كما تجسّد هذه الخدمات التي تُعدّ أحد أهم عناصر المدن الذكية ما يمكن للواحد منا أن يراه مستقبلًا في مشروع مدينة السلطان هيثم التي تعكس واقعًا للتحول الرقمي المنشود عبر توفير المنازل والشوارع والمنشآت الذكية والمؤسسات الصحية المرتبطة بأنظمة رقمية متكاملة ومؤسسات تعليمية معنية بالتعليم التقني والرقمي المتقدم.تبرز في المدن الذكية الكثير من التطبيقات الذكية منها أنظمة النقل الذكية التي تشمل الحافلات والقطارات الذكية التي تتيح التنقل بسهولة وفعالية داخل المدينة الواحدة وبين المدن الأخرى، وسيارات الأجرة التي تعتمد على وسائل رقمية متطورة، كذلك إدارة النفايات عبر استعمال التطبيقات الذكية التي يمكنها أن توفّر جدولًا دقيقًا لجمع النفايات وتوجيه القاطنين إلى الأماكن الصحيحة للتخلص من النفايات أو عبر قنوات النقل المتطورة التي يعمل بعضها وفق نظام الأنابيب الأرضية الذكية المدعومة بأنظمة الشفط التي تملك قدرة الفرز الذكي للنفايات ما يساهم بمنح الاستدامة في قطاع الصناعة التكريرية للنفايات والتقليل من التلوث البيئي. كذلك من التطبيقات الذكية المهمة المستعملة في المدن الذكية تقنيات تحسين الزراعة وإنتاجاتها عبر أنظمة الري الذكية ورصد الآفات ومقاومتها بواسطة وسائل المراقبة الأرضية بالمستشعرات الذكية وأجهزة التصوير الذكية، وبالمراقبة الجوية بواسطة طائرات «الدرون» التي تعمل على جمع البيانات وتحليلها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ لمضاعفة الجودة الزراعية وإنتاجها بكلفة أقل، ويوفر مصادر غذائية محلية خالية من الآفات. كذلك ثمّة تطبيقات أخرى تعتمد عليها المدن الذكية مثل تقنيات الحكومة الذكية، وتشمل استعمال الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة؛ لتحسين الخدمات الحكومية مثل التخطيط العمراني والأمن العام، وتعتمد -حاليا- بعض المؤسسات الحكومية على مثل هذه التقنيات مثل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني التي تسعى إلى إبراز البصمة الرقمية في مشروعاتها الحديثة مثل مشروع مدينة السلطان هيثم والمدن الذكية الأخرى القادمة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التطبیقات الذکیة المدن الذکیة الذکیة التی الذکیة فی التی ت
إقرأ أيضاً:
خبراء ومسؤولون : محو الأمية شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة
في خطوة تعكس التزام جامعة الدول العربية بتعزيز التعليم ومكافحة الأمية في العالم العربي، أعلن الدكتور فراج العجمي، مدير إدارة التربية والبحث العلمي، عن التحضير لعقد عربي جديد لمحو الأمية وتعليم الكبار. هذا الإعلان جاء خلال احتفال الأمانة العامة باليوم العربي لمحو الأمية، حيث تم تسليط الضوء على التحديات الجديدة التي تواجه التعليم في عصر التكنولوجيا المتسارعة. ومع تفشي ظاهرة الأمية في العديد من الدول العربية، تبرز الحاجة الملحة لتطوير استراتيجيات تعليمية تواكب المستجدات العالمية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية.
أكد الدكتور فراج العجمي، مدير إدارة التربية والبحث العلمي بجامعة الدول العربية، أن الجامعة بصدد إعداد العقد العربي الثاني لمحو الأمية وتعليم الكبار، بالتعاون مع الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة "الإلكسو"، وذلك بعد انتهاء العقد الأول. جاء ذلك خلال احتفال الأمانة العامة لجامعة الدول العربية باليوم العربي لمحو الأمية، تحت شعار "مستقبل تعليم وتعلم الكبار في مصر والعالم العربي".
وأشار العجمي إلى أن إطلاق العقد الجديد يهدف إلى التكيف مع التحديات المعاصرة في مجال محو الأمية، مشدداً على أهمية دور المجتمع المدني كشريك رئيسي في تنفيذ خطط محو الأمية.
من جانبه، أكد الدكتور عيد عبد الواحد، رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية، أهمية دمج التوعية والتعايش الرقمي في برامج تعليم الكبار. وأشار إلى ضرورة التفكير في مستقبل محو الأمية، حيث يتطلب الأمر استراتيجيات تتجاوز القراءة والكتابة إلى مهارات تتعلق بالوسائط الإلكترونية.
وأوضح أن جهود محو الأمية تحتاج إلى تكاتف عربي، مؤكداً أهمية وضع معايير جديدة للمعلمين وأطر تعليمية مبتكرة لتحقيق الأهداف المشتركة في هذا المجال.
ومن جانبها تناولت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، الأبعاد المختلفة للأمية، والتي ترتبط بشكل وثيق بالفقر، مشيرة إلى أن الأمية لا تمثل مجرد عائق تعليمي، بل تهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن القومي في المنطقة. وقد أبدت خطاب تفاؤلاً حيال الجهود المصرية في هذا المجال، مؤكدة على أهمية وضع خارطة طريق شاملة لحل المشكلة.
أكدت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، على ضرورة التنسيق بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني للقضاء على الأمية، مشددة على أهمية وجود خارطة طريق لحل هذه المشكلة في الوطن العربي. وأشارت خطاب إلى التزام الدول العربية بتوفير التعليم لكل المواطنين، بموجب المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها.
ولفتت إلى العلاقة المتبادلة بين الأمية والفقر، حيث يؤدي الفقر إلى الأمية، وتكرس الأمية الفقر، مما ينعكس سلبًا على تعليم الأطفال في الأسر الفقيرة، خاصة الفتيات. وأشادت بنجاح وزارة التربية والتعليم في تقليل الكثافة في الفصول، مشيرة إلى أن الأطفال الفقراء يحتاجون إلى جودة أعلى من التعليم لضمان استمرارهم في المدارس.
كما أشارت إلى التطورات الكبيرة في مصر في مجالات الرعاية الصحية، مما ساهم في زيادة متوسط الأعمار ونسب كبار السن، وهو ما يعكس اهتمام الدولة بمحو الأمية.
وأثنت جليلة العبادي، مدير إدارة التربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو"، على الجهود المصرية في محو الأمية، مؤكدة على أنها ليست مجرد قضية تعليمية بل استثمار في مستقبل الأمة. وشددت على ضرورة تضافر الجهود العربية لمواجهة الأمية، وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ البرامج والمشاريع ذات الصلة.
وحذرت العبادي من التحديات المرتبطة بالتوسع العمراني السريع والهجرة والنزاعات، داعية إلى تطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة هذه التحديات والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.
من جانبه، أشار الدكتور طلعت عبد القوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، إلى الالتزام الدستوري في مصر بقضايا كبار السن ومحو الأمية، مؤكدًا على دور المجتمع المدني كحلقة وصل فعالة في هذه القضية.
وفي سياق متصل، أكدت الدكتورة سحر السنباطي، رئيس المجلس القومي للطفولة والأمومة، على أهمية تحديث نظام التعليم في فصول محو أمية الكبار، ليتماشى مع المجال الرقمي، مشددة على ضرورة إدماج حقوق وواجبات المواطن في المناهج التعليمية.
تتفاوت نسبة الأمية بين الدول العربية، ولكنها بشكل عام أعلى من المتوسط العالمي.
وأوضح مرصد الألكسو أن عدد الأميين في العالم العربي سيضاهي 100 مليون شخص بحلول العام 2030.
تشير التقديرات إلى أن نسبة الأمية الكلية في الوطن العربي تتراوح بين 25% و30%، مع ارتفاع هذه النسبة بين النساء والأفراد في المناطق الريفية.
وتعاني النساء من نسبة أمية أعلى مقارنة بالرجال في معظم الدول العربية. هذا يعود إلى عوامل اجتماعية وثقافية عدة، منها محدودية فرص التعليم للفتيات، والتزاماتهن المنزلية.
لا تقتصر مشكلة الأمية على عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل تشمل أيضًا الأمية الوظيفية، وهي عدم امتلاك المهارات الأساسية اللازمة للنجاح في سوق العمل.
على الرغم من هذه التحديات، حققت العديد من الدول العربية تقدمًا ملحوظًا في مجال محو الأمية، وذلك بفضل برامج تعليم الكبار والمبادرات الحكومية والمدنية.