جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-25@20:39:39 GMT

حرية التعبير في عالم يُصادر الفكر

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

حرية التعبير في عالم يُصادر الفكر

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

حريةُ التعبير من أجمل وأفضل النعم التي خصَّ بها الله البشر عن غيرهم من المخلوقات في هذا العالم، الذي تزعم فيه كل الأنظمة الاستبدادية أنها تحرص على حرية مواطنيها في الكتابة والنقد البنّاء والتظاهر بلا قيود، وأنه لا سقف يحِد من تلك الحرية.

ولتحقيق هذا المبدأ المزعوم، يحتفل العالم سنويًا، بيوم حرية الصحافة، الذي حددته منظمة "اليونسكو" بالثالث من مايو من كل عام؛ إذ يتم في هذا اليوم استعراض المخالفات الفظيعة- كالسجن والقتل والرقابة والأذى- التي يتعرض لها من يعمل في "مهنة المتاعب"؛ وهي الصحافة الحُرّة التي تحمل شعلة الفكر وتتولى مسؤولية تنوير الأجيال بالحقائق الدامغة، والتي في العادة عبارة عن جرائم القتل والإقصاء، ونهب المال العام، والسطو على المناصب العليا دون وجه حق؛ وذلك بوضع الشخص غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه.

وبالطبع ذلك من الأعمال المعروفة التي ارتبطت بالساسة والمُتنفِّذين من حولنا. من هنا، تأتي صيحات الفقراء والضعفاء ومن لا نصير له غير الكلمة الصادقة التي تمثلها ما يُعرف بـ"السُلطة الرابعة". ولا شك أن عالمنا تضيق فيه الحرية يومًا بعد يوم، وتختفي فيه أفق حرية التعبير وقيم التسامح. ومن المؤسف حقًا أن تسقط وتنزلق دولة- تزعم أنها القائد الأوحد والضمير الحُر للإنسانية في الدفاع عن حرية التعبير، وحماية الصحافة- في مستقنع القمع الوحشي لأبنائها من طلبة العلم في الجامعات الأمريكية، وخاصة في جامعات النخب مثل: هارفارد، وتكساس، وجورج واشنطن، وغيرها من الجامعات التي انتشرت فيها المظاهرات والانتفاضات المباركة كالنار في الهشيم؛ وذلك لكشف الوجه القبيح للصهيونية العالمية وصناع القرار في واشنطن؛ إذ تعرضت إحرامات هذه الجامعات للهجوم الهمجي من قوات الأمن على الطلبة المعتصمين المعبرين عن وجهات نظرهم، وتعرضوا للضرب والسحل والسجن والإهانات؛ لمجرد مطالبتهم حكومتهم الفاشية بوقف تصدير السلاح للكيان الصهيوني الذي ارتكب أفظع إبادة جماعية في التاريخ المعاصر.

إنها بالفعل محرقة القرن الحادي والعشرين في فلسطين، وذلك بالطائرات والمدافع والقنابل الأمريكية الفتاكة. وكان الحدث الأبرز هنا هو رمزية اعتصام الطلبة في أكبر قاعة في جامعة كولومبيا، ورفعهم عليها لوحة تحمل اسم الشهيدة الفلسطينة "هند رجب" والتي استُشهِدَت برصاص الجيش الصهيوني بدمٍ باردٍ في عمر الطفولة؛ إذ لم تتجاوز الست سنوات، كما إن العالم تابع المجازر التي ارتكبتها الدولة المارقة التي تسمى "إسرائيل" بحق الإعلاميين الذين يغطون الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية في غزة؛ إذ ارتفعت حصيلة الشهداء من الصحفيين في قطاع غزة فقط إلى أكثر من 143 شهيدًا منذ "طوفان الأقصى".

يبدو لي أن زمن المزاعم الكاذبة بأن الولايات المتحدة الأمريكية في العالم هي جُزر للحريات المدنية وحماية حرية التعبير، قد ذهب بلا رجعة، فلعل ما ارتكبته الولايات المتحدة من جرائم بحق الإنسانية عبر تاريخها الأسود، ليس في فلسطين المحتلة فحسب؛ بل في فيتنام وسجن أبو غريب في العراق إبان الاحتلال الأمريكي لهذا البلد وكذلك معتقل جوانتانامو سيء السمعة، والسجون السرية التي أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في العديد من دول العالم خارج القانون الأمريكي، ثم كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" قد جرَّد أمريكا وقيّد يدها عن الوصاية على الحكومات الوطنية في مختلف دول العالم.

التقرير السنوي للحريات الذي تُصدره وزارة الخارجية الأمريكية لترهيب الحكومات في العالم الثالث وابتزازها باسم حقوق الإنسان، ويعتمد على مكاتب وكالة الإعلام الأمريكية في سفارات الولايات المتحدة، أصبح يفتقد للمصداقية، ولا يساوي حتى قيمة الحبر الذي كتب بها تلك التقارير.

عمانيًا.. تابعنا خلال الأسابيع الماضية الأخبار الإيجابية التي يجب ذكرها ونحن نحتفل في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي صادف يوم الجمعة؛ إذ اعتمد مجلس الشورى قانون الإعلام الجديد المحال إليه من مجلس الوزراء، وعدّل أصحاب السعادة ممثلو الشعب في هذا المجلس المبارك العديد من المواد التي تُشكِّل قلقًا بالغًا على الصحفيين وحرية الإعلام في هذا البلد العزيز، حيث أضافوا 13 مادة جديدة لمشروع القانون الذي يتكون في الأساس من 61 مادة. وخلصت الحوارات بين الأعضاء التي تقودها اللجان ذات العلاقة إلى حذف كافة العقوبات السالبة لحرية الإعلامي؛ ومنها إلغاء عقوبة السجن، والإبقاء على الغرامات مع تخفيفها إلى الحدود الدنيا. والأهم من ذلك كله تأكيد القانون الجديد على حق الصحفي في الحصول على المعلومة دون فرض قيود عليه من أي جهة كانت.

في الختام.. لا شك أن هذا المشروع القانوني الجديد، قد انطلق بنجاح في محطته الأولى، لكن الأصعب هو الغرفة الأخرى من مجلس عمان: مجلس الدولة؛ حيث بدأ أعضاؤه في نقاش المشروع الذي تم تحويله لهم من مجلس الشورى، وأملنا كبير هذه المرة أن مجلس الدولة لا يتسبب في تعطيل التعديلات التي قام بها مجلس الشورى؛ فعمان في نهضتها المتجددة تستأهل الأفضل. ويجب على هذا البلد العريق بأي حال من الأحوال أن يكون واحة لحرية الفكر والتعبير التي من خلالهما تزهر الأوطان، وينتشر الفكر الرشيد، وتعانق الإبدعات عنان السماء.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بهدف إعادة تأهيل المنطقة وضمان سلامة السكان.. مجلس مدينة اللاذقية يقوم بهدم المباني المتضررة جراء الانفجار الذي وقع في حي الرمل الجنوبي

مجلس مدينة اللاذقية 2025-03-24hadeilسابق وزارة الداخلية: مديرية أمن ريف دمشق تلقي القبض على المجرم شادي عادل محفوظ الذي عمل لدى شعبة المخابرات العسكرية فرع 277 زمن النظام البائد انظر ايضاً مجلس مدينة اللاذقية: يُمنع القيام بأي طلاء أو رسومات على الجدران ‏والممتلكات العامة

اللاذقية-سانا أصدر مجلس مدينة اللاذقية تعميماً يقضي بمنع القيام بأي طلاء أو رسومات ‏على الجدران …

آخر الأخبار 2025-03-24وزارة الداخلية: مديرية أمن ريف دمشق تلقي القبض على المجرم شادي عادل محفوظ الذي عمل لدى شعبة المخابرات العسكرية فرع 277 زمن النظام البائد 2025-03-24إنكلترا تسعى لتحقيق فوزها الثاني حين تواجه لاتفيا بالتصفيات المؤهلة لمونديال 2026 2025-03-24القائم بأعمال وزارة الصحة يناقش عمل المديريات المركزية خلال الربع الأول من العام الجاري ‏ 2025-03-24تعزيل نحو 35 كم من شبكة ري حمص حماة 2025-03-24حملة تبرع بالدم في مشفى كرم اللوز الوطني بحمص 2025-03-24وزارة العدل تصدر تعميماً يقضي بالتقيد بالحصانة الممنوحة للقضاة ‏والمحامين 2025-03-24اجتماع في وزارة التربية لمناقشة تحضيرات العملية الامتحانية وتطبيق ‏تعليمات المركز الصحي 2025-03-24الدفاع المدني يخمد حريقاً في شقة سكنية بمدينة حماة 2025-03-24هيئة تطوير الغاب: وضع محصول القمح جيد ولا توجد إصابات حشرية 2025-03-24سوريا تشارك في أولمبياد آسيا والمحيط الهادي للرياضيات

صور من سورية منوعات المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15 العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • توقيف فرنسي من أصل مالي في طنجة مطلوب دوليا في قضايا عصابات
  • ترامب ومسمار جديد في نعش حرية الإعلام
  • الروبوت الذي يتعلم كالبشر.. سابقة في مجال الذكاء الاصطناعي
  • الأمم المتحدة تدعو لاحترام حرية الصحافة والتظاهر السلمي في تركيا
  • مجلس الأمن القومي الأميركي: نراجع الطريقة التي أُضيف بها صحفي لمجموعة بشأن الحوثيين باليمن
  • وزير الأوقاف: إذاعة القرآن الكريم لعبت دورا مميزا في نشر الفكر الوسطي
  • بهدف إعادة تأهيل المنطقة وضمان سلامة السكان.. مجلس مدينة اللاذقية يقوم بهدم المباني المتضررة جراء الانفجار الذي وقع في حي الرمل الجنوبي
  • ماذا وراء تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط التي قال فيها إن مصر مفلسة والنظام مهدد بالسقوط؟
  • جوتيريش يطرح عدة طرق للتغلب على التهديدات التي تواجه التعددية في العالم
  • رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي يبحثان في جامعة حلب الصعوبات التي تواجهها