لجريدة عمان:
2024-11-16@13:52:26 GMT

نهاية فـكر الديون السحري

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

على مدار أكثر من عقد من الزمن، زعم عدد كبير من خبراء الاقتصاد -المنتمين إلى اليسار في المقام الأول ولكن ليس حصرا- أن الفوائد المحتملة المترتبة على استخدام الديون لتمويل الإنفاق الحكومي تفوق كثيرا أي تكاليف مرتبطة به. كانت فكرة أن الاقتصادات المتقدمة قد تعاني من أعباء الديون المتراكمة مرفوضة على نطاق واسع، وكانت الأصوات المعارضة موضع سخرية غالبا.

وحتى صندوق النقد الدولي، الذي كان تقليديا من أشد المدافعين عن الحيطة المالية، بدأ يدعم مستويات عالية من التحفيز الممول بالاستدانة.

ثم انقلب المد خلال العامين الماضيين، حيث اصطدم هذا النوع من الـفِـكر السحري بالواقع القاسي المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم والعودة إلى أسعار الفائدة الحقيقية الطبيعية الطويلة الأجل. تؤكد عملية إعادة تقييم حديثة أجراها ثلاثة من كبار خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي على هذا التحول اللافت للنظر.

ويتوقع الباحثون المشاركون في إعادة التقييم أن يرتفع متوسط نسبة الدين إلى الدخل في الاقتصادات المتقدمة إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، ويرجع هذا إلى توقعات نمو هذه البلدان المنحدرة في الأمد البعيد. وهم يشيرون أيضا إلى أن البلدان المتقدمة يتعين عليها، مع تحول تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى الوضع «المعتاد الجديد»، أن تعمل تدريجيا وبشكل جدير بالثقة على «إعادة بناء هوامش الأمان المالية، وضمان استدامة ديونها السيادية». الواقع أن هذا التقييم المتوازن والمدروس بعيد كل البعد عن إثارة الذعر.

ولكن، قبل وقت ليس ببعيد، كان أي اقتراح يوصي بالحصافة المالية سرعان ما يُـرفَـض باعتباره «تقشفا» من قِبَل كثيرين على اليسار. على سبيل المثال، نجد أن كتاب آدم توز الذي نُـشِـر عام 2018 وتناول الأزمة المالية العالمية 2008-2009 وعواقبها، يستخدم كلمة «تقشف» 102 مرة.

في الواقع، حتى وقت قريب للغاية، كانت فكرة التعامل مع عبء الدين العام المرتفع باعتباره مشكلة تكاد تكون من المحرمات. في شهر أغسطس الماضي، قدم باري آيكنجرين وسيركان أرسلانالب ورقة بحثية ممتازة حول الدين العالمي في إطار الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومنغ، حيث وثقا المستويات غير العادية من الديون الحكومية المتراكمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19.

ولكن من الغريب أن المؤلفين امتنعا عن تقديم شرح واضح للأسباب التي قد تجعل هذه الديون تمثل مشكلة تهدد الاقتصادات المتقدمة. هذه ليست مجرد مسألة محاسبية. فبرغم أن البلدان المتقدمة نادرا ما تتخلف رسميا عن سداد ديونها المحلية -حيث تلجأ غالبا إلى تكتيكات أخرى مثل التضخم المفاجئ والقمع المالي لإدارة التزاماتها- فإن عبء الديون المرتفع يضر في عموم الأمر بالنمو الاقتصادي. كانت هذه هي الحجة التي سقتها أنا وكارمن راينهارت في مقال موجز لمؤتمر انعقد عام 2010 وفي تحليل أكثر شمولا شاركنا في تأليفه مع فنسنت راينهارت في عام 2012. أثارت هذه الأوراق البحثية نقاشا محتدما، شابَـه في كثير من الأحيان مغالطة جسيمة. ولم يكن من المفيد أن قسما كبيرا من عامة الناس ناضلوا للتمييز بين تمويل العجز، الذي قد يعمل بشكل مؤقت على تعزيز النمو، والديون المرتفعة التي تميل إلى إحداث عواقب سلبية طويلة الأجل. يتفق خبراء الاقتصاد الأكاديميون إلى حد كبير على أن مستويات الديون الشديدة الارتفاع من الممكن أن تعيق النمو الاقتصادي، سواء من خلال مزاحمة الاستثمار الخاص أو عن طريق تضييق نطاق التحفيز المالي أثناء فترات الركود العميق أو الأزمات المالية.

من المؤكد أن الديون، في حقبة ما قبل الجائحة التي اتسمت بأسعار الفائدة الحقيقية الشديدة الانخفاض، بدت وكأنها بلا تكلفة حقا، الأمر الذي عمل على تمكين البلدان من الإنفاق الآن دون الاضطرار إلى السداد في وقت لاحق. لكن فورة الإنفاق هذه استندت إلى افتراضين. كان الأول أن أسعار الفائدة على الديون الحكومية ستظل منخفضة إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل ترتفع تدريجيا بحيث يتسنى للبلدان ضبط الإنفاق على مدى عقود من الزمن.

وكان الافتراض الثاني يتلخص في أن احتياجات الإنفاق المفاجئة والضخمة -على سبيل المثال، التعزيز العسكري ردا على عدوان أجنبي- يمكن تمويلها من خلال تحمل مزيد من الديون.

في حين قد يزعم بعض المراقبين أن البلدان قادرة ببساطة على تحقيق النمو للخروج من الديون المرتفعة، مستشهدين بطفرة ما بعد الحرب في الولايات المتحدة كمثال، فإن بحثا حديثا أجراه الاقتصاديان جوليان أكالين ولورنس م. بول يدحض هذه الفكرة. يُـظـهِـر بحثهما أنه في غياب الضوابط الصارمة على أسعار الفائدة التي فرضتها الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والارتفاعات التضخمية الدورية، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا لتبلغ 74% عام 1974، بدلا من 23%. النبأ السيئ هنا هو أن هذه التكتيكات، في البيئة الاقتصادية اليوم والتي تتسم باستهداف التضخم والأسواق المالية العالمية الأكثر انفتاحا، ربما لم تعد قابلة للتطبيق، الأمر الذي يستلزم إدخال تعديلات كبيرة على السياسة المالية في الولايات المتحدة.

من الإنصاف أن نقول أيضا إن الذعر بشأن الدين العام غير مبرر، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة. والنوبات العَرَضية من التضخم المرتفع أو الفترات الطويلة من القمع المالي ليست كارثية. لكن من الأهمية بمكان أن نؤكد على أنه في حين يتمكن الأثرياء من الوصول إلى مجموعة من خيارات الاستثمار التي تمكنهم من تخفيف التأثير المترتب على مثل هذه التعديلات المالية، فإن المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يميلون إلى تحمل القسم الأعظم من وطأة التكاليف.

باختصار، قد يكون الدين الحكومي أداة قيمة لمعالجة عدد لا حصر له من التحديات الاقتصادية. لكنه ليس -ولم يكن قَـط- بلا ثمن.

كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد وحاصل على جائزة دويتشه بنك في الاقتصاد المالي لعام 2011، وهو مؤلف مشارك لكتاب «هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة المالية» ومؤلف كتاب لعنة النقد.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصادات المتقدمة

إقرأ أيضاً:

نائب وزير المالية: مصر تشجع الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية بإصلاحات هيكلية محفزة للقطاع الخاص

أكد ياسر صبحي نائب وزير المالية، للسياسات المالية، أننا نتطلع لمزيد من الشراكات للقطاع الخاص دوليًا وإقليميًا، بدلًا من التوسع فى السياسات الحمائية، فالقطاع الخاص قد أثبت قدرته على التطوير والابتكار والتقدم، وقيادة النمو الاقتصادي الشامل والمستدام أيضًا، كما أن «الممارسات الحمائية» تُخل بمبادئ «التنافسية»، وتؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي والأسواق النامية والناشئة، موضحًا أن زيادة دعم الدول للاستثمارات ستكون على حساب الإنفاق الاجتماعي والخدمات الأساسية.

وقال صبحي، في مؤتمر «استدامة الاستثمار» الذي نظمته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية «OECD» بباريس، إن مصر تشجع الاستثمارات فى القطاعات ذات الأولوية بإصلاحات هيكلية محفزة للقطاع الخاص، وأن الإصلاحات الضريبية الأخيرة خطوة جادة تمهد الطريق لنمو الاستثمارات الخاصة، لافتًا إلى أننا لدينا مبادرات فعالة لمساندة بعض الصناعات بمستهدفات واضحة فى إطار زمنى محدد.

وأوضح أننا نسعى للحفاظ على الاستقرار المالي، من أجل دفع جهود نمو القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، على نحو يعزز معدلات الإنتاجية والتصدير ويوفر المزيد من فرص العمل، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين وتحسين مستوى الخدمات المقدمة إليهم.

مقالات مشابهة

  • نائب وزير المالية: نتطلع لمزيد من الشراكات للقطاع الخاص دوليا وإقليميا
  • المالية: مبادرات فعالة لمساندة بعض الصناعات
  • نائب وزير المالية: مصر تشجع الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية بإصلاحات هيكلية محفزة للقطاع الخاص
  • مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط
  • أبوظبي للأوراق المالية يتوقع إدراجاً جديداً قبل نهاية 2024
  • مجلس الوزراء: تفعيل قانون المالية الموحد لتحديد سقف الدين الحكومي
  • الدفاع المدني بغزة: نحاول السيطرة على حريق بمدرسة صلاح الدين التي تؤوي نازحين شمال غربي غزة إثر قصف إسرائيلي
  • عاجل.. وزير المالية: نتطلع لاستكشاف آليات تمويلية مبتكرة كسندات الاستدامة ومبادلة الديون بالاستثمار الأخضر
  • هيئة السوق المالية تعتمد أكبر حزمة من التحسينات التنظيمية منذ إطلاق سوق الصكوك وأدوات الدين
  • انهيار الائتلاف الحاكم يهدد الاقتصاد الألماني.. وخلاف حول السياسات المالية