مرات ومرات نقرأ حدث القيامة، نتأمل فى معانيه المختلفة والغنية، فننطلق من خلاله بقوة تعيننا على التعامل مع كافة الظروف.

فى كل مرة نتأمل فى قيامة السيد المسيح من الأموات، نقف متعجبين من قوتها المغيِّرة وتأثيرها العظيم.

عندما نقرأ كافة الأحداث المحيطة بها والأشخاص الذين تعاملوا مع هذه الأحداث نرى بوضوح كيف غيَّرت القيامةُ من شخصياتهم، وحوَّلت نقاط الضعف الشخصية إلى نقاط قوة، فجعلت منهم قادةً مؤثرين فى تاريخ الكنيسة وفى تاريخ العالم أجمع.

من هذه الشخصيات التى غيَّرت القيامةُ فى أعماقها، بطرس الرسول، وتحكى لنا الأناجيل عن علاقة بطرس بالسيد المسيح، وكافة التطورات التى صقلت شخصيته منذ دعوته على القارب، وكيف عبرت شخصيته بمراحل مختلفة من التطور حتى تصل إلى النضج الذى يمكِّنها من تحمل المسئولية.

فى أحداث الصليب والقيامة التى ترويها الأناجيل، يأتى بطرس كشخصية مهمة ومؤثرة فى الأحداث، نرى فيه شخصيةً تتسم بالقوة والحماس والاندفاع أحياناً.

ففى إنجيل متى 16: 21- 22، نرى بطرس لا يريد أن يصدق حقيقة أن السيد المسيح سيُصلَب «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِى أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِى الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: حَاشَاكَ يَارَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!»، بالطبع تكلم بطرس هكذا مدفوعاً بحُسن النية.

وكم من مرةٍ كانت الأفعال التى نفعلها بحسن النية ضد مشيئة الله وضد خطته! أحياناً لا نريد أن نصدق الحقيقة إذا كانت لا تتماشى مع ما نريد.

فى ليلة العشاء الأخير، نرى ملمحاً آخر من الاندفاعية فى شخصية بطرس الرسول، ففى إنجيل متى 26: 31- 34، يخبر السيد المسيح تلاميذه بأنهم جميعاً سيشكون فيه، فى محاولةٍ منه لتهيئتهم فى مواجهة يوم عصيب، غير أننا أيضاً نجد بطرس مندفعاً يجيب السيد المسيح قائلاً: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً».

غير أن السيد المسيح يواجهه بحقيقة ما سيحدث قائلاً: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِى هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»، يصر بطرس على موقفه الحماسى، مندفعاً: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!»، غير أنه بعدها بساعات قليلة ينكر بطرسُ ثلاث مرات أنه يعرف يسوع، قبل أن يصيح الديك، هذه العلامة التى أعطاها له السيد المسيح، فيخرج بطرس باكياً نادماً، مراجعاً لنفسه، ليس عيباً أن نتخذ قراراتٍ خاطئةً، لكن الأزمة فى الإصرار عليها ورفض مراجعة النفس.

كثيراً ما تخدعنا قدراتُنا فنظن أننا نستطيع فعل كل شىء، ونقدم وعوداً بما لا نقدر عليه، فنرفع سقف توقعات الآخرين منا، هذه الدائرة المعقدة من الوعود والتوقعات تدمر العلاقات، لكن السيد المسيح كان يعرف شخصية بطرس جيداً وكان يقوده فى رحلة من الإعداد والنضوج.

لم تهدأ حماسة بطرس حتى فى لحظة القبض على السيد المسيح، فيشير إنجيل يوحنا إلى فعل اندفاعى حيث هاجم عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه (إنجيل يوحنا 18: 11)، لكن السيد المسيح يشفى أذن هذا العبد، وينتهر بطرس مؤكداً له أن رسالته رسالة سلام وليست رسالة عنف.

كثيراً ما تقودُنا الحماسة والاندفاع غير المحسوبين إلى اتخاذ قرارات منفلتة خاطئة نندم عليها فيما بعد.

عجيب أن هذا المدافع المغوار الذى أقدم على هذا الفعل العنيف أمام كل هؤلاء الجنود، يخاف وينكر معلمه أمام جارية!

كانت القيامة نقطة تحول جوهرية فى حياة بطرس الرسول، فهذا الذى أنكر بالأمس أنه يعرف السيد المسيح، نجده فى صباح الأحد يركض تجاه القبر ليتحقق مما قالته مريم المجدلية التى ظنت أنهم سرقوا جسد يسوع.

لم يخف بطرس من الذهاب إلى القبر الذى كانت عليه حراسةٌ، ليرى ماذا حدث لجسد يسوع.

ثم نجد السيد المسيح، بعد قيامته، فى موقف يعكس حكمةً فى قيادة الآخرين، يسعى لاسترداد بطرس مرة أخرى، فى إنجيل يوحنا 21: 15- 19، وكأنه يجدد دعوته لبطرس بعد رحلة من النضوج والتغيير فى شخصيته ليؤهله أن يحمل هذه الرسالة إلى أنحاء كثيرة من العالم، وأن يكون واحداً من أبرز قادة الكنيسة الأولى.

قاد السيدُ المسيح بطرسَ من صياد للسمك إلى صياد للناس، من مندفع وخائف إلى مجاهر بالإيمان وشاهد أمام الآلاف من الأشخاص بلا خوف فى يوم الخمسين (أعمال الرسل 2: 14). يا لها من قوةٍ مغيرة!

تعامل السيد المسيح تعاملاً تدريجياً مع عيوب شخصية بطرس، إلى أن قاده فى رحلة التغيير، لا يستطيع الإنسان أن يتغير فجأة ولا يستطيع إنسان مهما بلغ من عظمة أن يغير فى الآخرين تغييراً صادماً.

تلامس السيد المسيح مع نقاط الضعف فى شخصية بطرس ليحولها إلى نقاط قوةٍ وتأثير.

لم يوجه السيد المسيح لبطرس لوماً قاسياً على نقائصه وقراراته الخاطئة، إنما استرده بالمحبة.

ليتنا فى قراءتنا للقيامة وتأثيرها فى كل ما يحيط بها من شخصيات أن نتعلم من حكمة السيد المسيح فى قيادة الأشخاص وتغييرهم، والصبر عليهم، وبنائهم والاستثمار فيهم، لنصل إلى قيادة دافعها المحبة وأدواتها الصبر والإصرار والعمل.

أصلى أن تُلهمنا روعة القيامة وقوتها القدرة على التغيير والتعامل بمرونة مع كافة الظروف الصعبة. أصلى لبلادنا ورئيسها وحكومتها وشعبها أن يمنحها الرب السلام والازدهار.

*رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: عيد القيامة المجيد الطائفة الإنجيلية بمصر المحبة التسامح السید المسیح

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الله قد يلغي النار يوم القيامة

وارد ربنا يلغي النار في الآخرة.. بحسب كلام الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، فى تصريحات سابقة له، ليفسر اليوم فى تصريحاته خلال حوار مع برنامج تليفزيوني على قناة العربية، فى سؤاله عن "هل يمكن ان يلغي الله النار يوم القيامة؟".

ليرد جمعة، موضحًا:" أن هناك أدلة شرعية ودوافع تثبت ذلك، فهذا الرأي ليس جديدًا، بل هو متفق عليه بين علماء أهل السنة والجماعة عبر العصور، مستندًا إلى تفسيرات شرعية وأقوال كبار العلماء مثل ابن القيم وابن تيمية.

وأشار جمعة إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، لكن قد يخفف وعيده في بعض الأحيان، موضحًا أن النار قد تُفنى أو تُلغى أو يتصرف الله فيها كما يشاء بتجلي رحمته. 

وأكد أن "وعيد الله قد يتخلف"، لافتًا إلى أن هذه الأفكار جزء من مذهب أهل السنة والجماعة وليست مبتدعة.

«هذا رأي أهل السنة والجماعة؛ وليس رأيًا جديدًا، بل هو ما يدرس في مذهب أهل السنة عبر العصور، فالله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده؛ ولكن قد يخفف وعيده».

وأوضح أن «قضية أن النار قد تفنى أو تلغى أو أن الله يفعل ما يشاء بتجلي رحمته؛ هو مذهب أهل السنة، وقد أورده ابن القيم، وكان ذلك مذهب ابن تيمية رحمهم الله».

وأكد أن «هذا الرأي ليس جديدًا ولا حديثا توصلنا إليه؛ بل هو كلام الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين عبر القرون، فالله تعالى لا يخلف وعده أبدًا؛ ولكنه في الوعيد ومن رحمته قد يتخلف هذا الوعيد».

وأشار إلى سيادة ثقافة جديدة في الدولة العثمانية بعد تولي العثمانيين شئون المسلمين، مستشهدًا بحديث الرسول عليه السلام «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار»، قائلا: «كل الناس في ثقافتهم العامة أخذوا الجزء الثاني من الحديث، وذلك عن ثقافة سائدة؛ وليس عن حقيقة دينية موثقة، وهو أن القبر حفرة من حفر النار، وبه عذاب القبر وفيه السؤال والعقاب ونسوا صدر الحديث المتفق عليه».

وتساءل «القضية هي كيف ننزل بهذا الحديث إلى قلوب الناس وقد ملأتها هذه الثقافة بالرعب»، مؤكدا أنه يريد أن يعبد المسلم ربه عن حب وشغف؛ وليس عن ارتجاف وخوف واضطراب، لا سيما وأن هذا هو أصل الدين؛ لكن «هناك ثقافة سائدة للأسف شاعت في أوساط الدين حتى أصبحت؛ وكأنها حقائق دينية»

مقالات مشابهة

  • بابا الفاتيكان يعاني من إرهاق شديد وبداية فشل كلوي.. كيف تنتقل البابوية؟
  • بيضون: السيد حسن نصر الله قدّم نموذجًا فريدًا في القيادة السياسية والمقاومة تبدأ مرحلة جديدة
  • شحاته السيد يكتب: لغز اختراق Bybit
  • «فتح»: الخوف يعتري أهل غزة من انقطاع الهدنة
  • فتح: الخوف يعتري أهل غزة من انقطاع الهدنة وعودة آلة الحرب الإسرائيلية
  • ننشر حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط
  • تربويون: "يوم التأسيس" بوابة لتعزيز الانتماء وبناء الأجيال القيادية
  • علي جمعة: الله قد يلغي النار يوم القيامة
  • مخالفا للتقاليد ومغايرا لأسلافه.. أين اختار البابا فرنسيس مكان قبره؟
  • إزالة 469 حالة تعد وبناء مخالف بالمرحلة الأولي من الموجة الـ25 في المنوفية