مُحمَّد بن حمد البادي *

أوضحنا في المقالين السابقين: "وآتوا الزكاة" و"الزكاة والصدقة وجهان لعملة واحدة"، الدورَ الكبيرَ للزكاة -الرُّكن الثالث من أركان ديننا الحنيف- في إطار التنمية الاجتماعية، واليوم نتناول موضوعًا لا يقل أهمية عن سابقيه؛ ألا وهو: "دور المؤسسات في تجويد العمل الزكوي".

إنَّ رفع كفاءة الإنفاق الزكوي والخيري، وتعظيم القيمة المضافة لفريضة الزكاة في المجتمع، وفق الضوابط الشرعية، يُوْجِب علينا السَّعي الجاد نحو رفع واستدامة الموارد الزكوية؛ وتفعيل أدوار المجتمع ومؤسساته المختلفة؛ كلٌّ في مجاله، ومد جسور التواصل الفعال بين دائرة الزكاة والمجتمع، وتسويق العمل الخيري بصور إبداعية؛ بما يضمن لنا تحقيق الآثار الإيجابية للزكاة في المجتمع بصورتها المثالية.

ومن أجل ذلك، يجب أن تتضمَّن الخطط السنوية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالسلطنة -التي تضم في هيكلها التنظيمي دائرة الزكاة- السعيَ لإيجاد موارد مُتعددة للزكاة؛ بهدف مُضاعفة إيراداتها وفق رؤية شرعية واضحة، ويأتي ذلك من خلال عملية تنسيق متكاملة مع المؤسسات الأخرى في السلطنة لتسهيل امتلاك الأراضي والعقارات -على سبيل المثال- أو أوقاف مُخصَّصة لاستثمارات لجان الزكاة في كل ولايات ونيابات السلطنة، على أن يعود دخلها لمستحقي الزكاة في تلك الولاية أو النيابة، أو من أجل تمويل الفعاليات والأنشطة والبرامج المختلفة التي تقوم بها اللجان، أو للمصروفات الإدارية وفق الضوابط المقرَّرة باللائحة التنظيمية لدائرة الزكاة التابعة للوزارة؛ وهذا الأمر إنْ تحقَّق فهو بلا شك يصب في مصلحة تجويد العمل الزكوي، وبذلك تنعكس صورته البهية على التنمية المجتمعية.

وأيضًا ممَّا قد يُسهم بصورة فعّالة في تجويد العمل الزكوي؛ سعي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وبالتنسيق مع المؤسسات الأخرى بالسلطنة تخصيص مشاريع استثمارية للجان الزكاة في الولايات والنيابات؛ من أجل رفد الصندوق الزكوي وفق رؤى شرعية؛ لما لذلك من دور فعَّال في تحقيق الأهداف الشرعية للزكاة؛ والمقاصد الربانية لفرضيتها، والغايات السامية لتشريعها.

كما أنَّ مُؤسسات القطاع الخاص لا يجب أن تقف بمنأى عن خطط السلطنة في تجويد العمل الزكوي؛ فهناك بعض التوصيات والمقترحات -سواءً على المستوى الرسمي أو الشعبي- التي تنادي باقتطاع نسبة معلومة من المساهمة المجتمعية التي تخصِّصها مؤسسات القطاع الخاص لإنفاقها على المشاريع المجتمعية كأن تكون هذه النسبة 20% أو أقل أو أكثر من جملة مُخصَّصات المساهمة المجتمعية لتُوْدَع في حساب الصدقات التابع لدائرة الزكاة؛ من أجل إنفاقها كصدقات على المستحقين من الفقراء والمساكين والمحتاجين من أبناء هذا الوطن؛ الذي يعدُّ من صميم التنمية المجتمعية.

إنَّ هذه الأعمال التي تقوم بها دائرة الزكاة والأعمال التي تقوم بها الفرق الخيرية  المنتشرة في ولايات ونيابات السلطنة كنهرين يسوقان خيرًا وفيرًا للمجتمع لتنميته، وسد بعض من مآرب الفقراء والمساكين والمحتاجين، يلتقيان أحيانًا كثيرة ويفترقان في بعض الأوقات.

ومن أجل تجويد العمل الزكوي، وتوحيدًا للرؤى، وتضافرًا للجهود، ولَملمة للأوراق المبعثرة؛ كان لِزَامًا علينا السعي بجدية لِتبنّي رؤية واضحة من أجل إنشاء هيئة عامة للزكاة لها استقلاليتها الاعتبارية، على أن تؤول إليها جميع المُخصَّصات والأصول والحقوق والالتزامات والموجودات الخاصة بدائرة الزكاة التي تقع ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

وبما أنَّ الأهداف متكافئة؛ والرؤى متوافقة، فيجب كذلك أنْ تنضوي تحت مظلة الهيئة العامة للزكاة جميع الفرق الخيرية التي تعمل تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية، على أن يكون لهذه الهيئة هيكل تنظيمي يُمكِّنها من تحقيق رسالتها، واختصاصات تتناسب مع أهداف التنمية المجتمعية.

ولنا في بعض الدول العربية والإسلامية التي سبقتنا في هذا المجال خير مثال، ولا يُمنع أن نستفيد من خبراتها في مجال العمل الزكوي؛ مثل: بيت الزكاة (هيئة حكومية مستقلة) في دولة الكويت، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك (زاتكا) في المملكة العربية السعودية، وصندوق الزكاة (هيئة اتحادية غير حكومية وغير ربحية) في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهيئة الزكاة الفلسطينية... وغيرها في كثير من الدول الإسلامية.

* عضو لجنة الزكاة بولاية صحم

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

درس آخر من الشقيقة كينيا.. يالروعة دولة المؤسسات والديموقراطية

فضيلي جمّاع

سعدت وأنا أطالع الرسائل التي وصلتني صباح اليوم عبر وسائط التواصل، إذ رفدني الأستاذ الخضر دلوم – مدير إحدى منظمات الأمم المتحدة للإغاثة بالقرن الأفريقي- بفيديو يخاطب فيه الرئيس الكيني الشاب وليام روتو مؤتمراً صحفياً بأنه لابد من التنازل والإستجابة لرغبة الشعب. وأنه اتخذ قراراً بعدم التوقيع على (مشروع قانون زيادة الضرائب للعام 2024) والذي أجازه البرلمان الكيني. ظللت أتابع قرابة الأسبوع ، التظاهرات الضخمة التي انتظمت المدن الكينية، احتجاجاً على مشروع القانون الذي أجازه البرلمان الكيني، بانتظار أن يوقع عليه رئيس الجمهورية، ليصبح ساري المفعول. ولأني كنت ولم أزل مشفقاً على التجارب الديموقراطية حديثة النشأة في بعض أقطار قارتنا السمراء، فقد سعدت كثيراً بانتصار الإرادة الشعبية التي أملت على الرئيس روتو عدم توقيع مسودة المشروع!

إنّ الذين يصفقون للمارشات العسكرية ، داعمين لإنقلابات العسكر على النظم الديموقراطية بحسبان أن حكم العسكر هو (الضبط والربط) ، وأن الحكم المدني مجلبة للفوضي، يتجاهلون أو يجهلون أن قبعة العسكر تقف مثلما وقف حمار الشيخ في العقبة متى واجهتها مشكلات عصرنا شديدة التعقيد وعلى رأسها إدارة البلاد والإقتصاد. كما يجهل أولئك أنّ وعي الشعوب وتقبلها للنظم الديموقراطية لن يبلغ سن الرشد بين يوم وليلة. فانتشار الوعي يتطلب قيام مؤسسات تنشر العلم والمعرفة.. وهذا يتطلب استقراراً وجرعات من الحرية. ولقد عانت شعوب الدول التي استقرت بها الأنظمة الديموقراطية ما عانت قبل أن تصبح الديموقراطية نظام حياة في البيت وفي الشارع وفي محل العمل. بينما غرقت بلاد في آسيا وأفريقيا وأميريكا اللاتينية في الفقر والخوف والسجون لأن ضابطاً مغامراً وعصبة من زملائه حسبوا أن استلام مبني الإذاعة والتلفزيون وإذاعة بيان منه ستكون طوق نجاة للشعب والبلاد مما تعانيه. يتبع ذلك تكميم الأفواه ، والإعلام التبريري ذو الإتجاه الواحد. ويولد في هذا الجو الخانق أرذل النخب من الساسة والمثقفين الذين يصبح كل همهم السكوت عن جرائم السلطة وتبرير أفعال البطش والتنكيل بالشعوب.

لقد نجحت التجربة الديموقراطية في كينيا أمس – رغم التخريب وعصابات السرقة التي سطت على المحال التجارية وعلى مكاتب الحكومة إبان هذه التظاهرات – وهو أمر متوقع في بلد ترتفع فيه نسبة الفقر. لكن وبمتابعة سريعة لتقرير صندوق النقد الدولي للعام 2023م (فإن الحصول على الخدمات الأساسية قد تحسن. وبالنسبة لبعض الخدمات فإن الفجوة بين الريف والمدينة وكذلك الفجوة بين الفقراء والأغنياء قد صغرت. علي سبيل المثال فإن حصة الأسرة من وسائل المياه الصالحة للشرب ومياه التحلية قد زادت.كما تحسنت وسائل الحصول على الخدمات الكهربائية بصفة خاصة في المدن ، رغم أنها ظلت محدودة إلى حد كبير في المناطق الريفية.) – ترجمة كاتب المقال من النص الإنجليزي للتقرير.

قلنا إنّ الوعي هو الذي يسند ويعلي القيم الديموقراطية ويمضي بالتجربة قدماً من جيل لآخر. تقول صحيفة ( نيشن Nation ( الكينية في موقعها الإليكتروني عن مردود هذه التظاهرات المصحوبة بالعنف : (أن ما حدث ينبغي أن يكون علامة فارقة لكل القادة السياسيين بأن السلطة التي يتمتعون بها تعود إلى سيدهم الحقيقي – الناخب الكيني) The (Nation/ 27-6-2024))
في مقال قبل بضع سنوات عن تجربة الحكم في كينيا ، أشار كاتب هذه السطور إلى أن كينيا وبلدان أخرى في قارتنا السمراء تخطو بثقة إلى الأمام في إرساء الديموقراطية ودولة القانون. كان ذلك حين استجاب الرئيس الكيني السابق أوهورو كنياتا للمثول أمام محكمة الجنايات في لاهاي بتهمة ارتكاب مجزرة عرقية في انتخابات سابقة بكينيا. أذكر أن الرئيس أوهورو قام وقتها بتسليم سلطاته لنائب الرئيس أمام البرلمان الكيني ، ثم استقل سيارته الخاصة إلى مطار جومو كينياتا في العاصمة نيروبي. وأكمل مراسم الخروج والصعود إلى الطائرة كمواطن عادي.

وفي المحكمة الجنائية بلاهاي ، وقف ومحاموه بكل شموخ مفندين التهم التي الصقت به. الكل يعرف أن المحكمة لم تجد بينة ضده ، فأخلت طرفه ليعود إلى عاصمة بلاده بذات الكيفية- مواطناً عادياً في طائرة الخطوط الجوية الكينية. وفي دعوة عاجلة للبرلمان الكيني حدثت إجراءات التسليم والتسلم أمام نواب الشعب الكيني بين الرئيس المؤقت (نائب الرئيس) والرئيس المنتخب الذي أسقطت عنه التهم في المحكمة الجنائية. كتبت حينها أن كينيا تعطي الشعوب درساً في الممارسة الديموقراطية. لم يمثل أوهورو كنياتا آنذاك دور هرقل أو شمشون الجبار أو عنترة العبسي ويصيح أن امريكا والمجتمع الدولي تحت حذائه. ذهب أهورو كنياتا إلى لاهاي بكل وقار المواطن المسئول وعاد منها لبلاده مرفوع الرأس دون أن يملأ الدنيا ضجيجاً في غير معترك!

وها شعب كينيا يعود اليوم ليعطينا درساً في حق الشعوب أن ترفض دفع ديون الدولة بقانون هدفه سرقة جيوب الفقراء. ويستجيب رئيس الجمهورية لصراخ الملايين، فيرفض – وفق الدستور – أن يوقع مشروع قانون 2024 لزيادة الضرائب. ويقول في كلمته للشعب – بعد أن ترحم على الذين قضوا في التظاهرات- استجابة لطلب الشعب الكيني فإنني أرفض توقيع مشروع القانون الذي أجازه البرلمان. لكن دعونا نفكر معا كيف يمكننا سداد الديون والمضي قدماً.

شكراً يا حفدة الماوماو.. ما زالت صرخة مقاتليكم الشجعان إبان حقبة التحرر والإستقلال بقيادة الرمح الملتهب جومو كنياتا – ما زالت صرختكم (أهورو) – أي الحرية – يتوارثها أبناؤكم وحفدتكم ! شكرا على الدرس المجاني الذي اعطيتمونا. نحن – حفدة بعانخي والمك نمر والمهدي والسلطان عجبنا والسلطان تاج الدين – ما نزال بحاجة لمثل هذا الدرس ، لننفض عن ذاكرتنا غبار التاريخ!

لندن
27-06-2024

الوسومفضيلي جماع

مقالات مشابهة

  • حملة لتوزيع المياه والمثلجات على مليون عامل في دبي
  • وزيرة الثقافة تفتتح ورشة العمل الدولية حول حماية وصون تقاليد الطعام
  • وزيرة الثقافة تُفتتح ورشة العمل الدولية حول "حماية وصون تقاليد الطعام"
  • وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية: ما يدخل إلى غزة الآن قطرة في محيط الاحتياجات المطلوبة لسكان القطاع
  • وزيرة التعاون الدولي والمدير العام للمفوضية الأوروبية يعقدان مائدة مُستديرة مع المؤسسات الدولية وشركاء التنمية
  • الشرطة المجتمعية تُعزز الحِسّ الأمني لموظفي المحميات الطبيعية بالشارقة
  • تواصل فعاليات «صيف آمن وسعيد» في الحمرية
  • القصبي: في ذكرى 30 يونيو دعونا نستعيد مسيرة التنمية والتقدم التي شهدتها مصر خلال فترة حكم الرئيس السيسي
  • درس آخر من الشقيقة كينيا.. يالروعة دولة المؤسسات والديموقراطية
  • "التعاون والمشاركة المجتمعية للمرأة" ضمن نقاشات ثقافة الفيوم