الحياة أقصر من أن تعيشها بدون تحقيق حلمك، قد تمر السنون ويخفت بريق أعيننا قليلًا تجاه تلك الأحلام، ليس لشيء؛ ولكن لم تتحقق!
نفقد الأمل تدريجيًا حتى نظن أنها أصبحت أحلامًا مستحيلة، أحلامًا لمجرد الأحلام فقط، نبدأ فى وضع خطط جديدة لتحقيق أهداف قد تكون ممكنة، راسمين بها أحلامًا جديدة آملين تحقيقها هذه المرة، ولكن أين تذهب أحلامنا القديمة؟ هل حقًا تتلاشي؟.
ولأن المستقبل عظيم والإنجازات عند تحقيقها تصيبنا بفرحة عظيمة، ولأن أحلامنا تستحق أن نتعب من أجلها، ونسرد الصعوبات يومًا فى سبيل تحقيقها، فهى جسر العبور لمعنى الحياة، وهى بالنسبة للبعض سبب تنفّسهم بهذا العالم؛ فنظل نخطط ونحلم ونسعى إلى تحقيق أحلامنا بلا يأس، مهما مر الوقت ومهما تغيرت ملامح الأيام؛ يظل صندوق الأمل القديم مليئا بأحلام قابلة للتحقيق، والنماذج كثيرة ومتعددة.
الفنان ونجم الدراما والسينما، «أحمد أمين»، تخرج فى الفنون الجميلة قسم التصوير، وصل إلى منصب رئيس التحرير لإحدى المجلات الصحفية، براتب كبير، ولكنه بعد فترة طويلة من عمله فى هذا المجال تقدم باستقالته رغم مسئولياته الأسرية، فهو متزوج ومسئول عن أسرة وأطفال، ولكنه قال: «عايز أعمل الحاجة اللى بحبها»، فترك كل شىء ودخل مكتبه وثبت هاتفه أمامه وبدأ فى تصوير مقاطع فيديو «ثلاثين ثانية» التى كانت بداية تحقيق حلمه، ليصبح اليوم مقدمًا لمهرجان قناة النهار وبرنامج «البلاتوه» ونجمًا سينمائيًا ومسرحيًا، مستمرًا فى النجاح، قائلًا: «أنا كنت ناجح فى عيون كل الناس بس عمرى ما حسيت بنجاح غير لما عملت اللى بحبه».
مذيع التليفزيون ونجم الدراما والسينما الفنان «أكرم حسنى».. كان ضابط شرطة، إلا أنه ومنذ صغره كان عاشقا للتليفزيون فدرس بكلية الإعلام أربع سنوات وهو ضابط، وفى يوم سمع إعلانًا بمحطة «نجوم إف إم» عن الرغبة فى مذيعين جدد، فتقدم ونجح فى الاختبار، إلا أنه لم يوفق بسبب ظروف العمل، لكنه لم ييأس، وبعد فترة تقدم مرة أخرى إلى إعلان عن مذيعين جدد وتم قبوله، وعمل مذيعًا بالتليفزيون لتكون بداية لبرنامج «أسعد الله مساءكم» وعندما سأله أحدهم: «فى حد يسيب شغله يقبل يدرس من أول وجديد ويبقى مذيع؟! « كان رده... «الحياة أقصر من إنك تعيشها من غير ما تحقق حلمك».
فى النهاية.. يظل أقسى أنواع الأحلام تلك التى لم ولن تتغير، الأحلام التى لا تفارق القلب لحظة ولا ننفك نحلم بتحقيقها مهما طغت عليها أحلام أخرى، بمجرد ذكرها تلمع أعيننا مجددًا بذلك البريق القديم نفسه، ودقات القلب ذاتها، كالفراشة الجميلة التى لا تستطيع أن تتوقف عن النظر إليها ولا تستطيع كذلك الأمساك بها.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب
جامعة المنصورة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د أحمد عثمان جامعة المنصورة خطط جديدة أحلام ا
إقرأ أيضاً:
أحلام العصافير
سعيد ذياب سليم
في الصباح، حينَ يبدأُ النورُ بالانتشارِ، يكونُ الهواءُ محمَّلًا بالرُّطوبةِ، وقطراتُ النَّدى تتكثَّفُ على أوراقِ الشَّجرِ. في هذا السُّكونِ، حيثُ تقلُّ الضَّوضاءُ، تصدحُ العصافيرُ بأصواتٍ واضحةٍ، كأنَّها تهمسُ بأسرارِ الفجرِ.
هلِ انتبهتَ يومًا لصَخَبِ العصافيرِ عندَ الفجرِ؟ عَمَّ تتحدَّثُ؟ هل فاجأها خبرٌ مثيرٌ؟ أم أرعبَها أمرٌ غامضٌ؟ أم أنَّها ببساطةٍ تثرثرُ بأسرارِنا، نحنُ الكائناتِ العُليا؟ لعلَّ هذا ما يجعلُها تُقيمُ مستعمراتِها قُربَ البشرِ.
أتراها تُغنِّي جزءًا من طقوسِها الطَّبيعيَّةِ؟ وسيلةً للتَّواصلِ، لجذبِ الشَّريكِ، أو للدِّفاعِ عن موطنِها؟ أم أنَّ أصواتَها تحملُ أكثرَ من ذلكَ؟ هل تُغنِّي احتفالًا بالحياةِ؟
ربَّما تُناقشُ أفضلَ الطُّرقِ لصَيدِ الحشراتِ. أو تُفكِّرُ فيما ترجوهُ قبلَ أن تنطلقَ في رحلتِها اليوميَّةِ: مكانٍ آمنٍ، طعامٍ وفيرٍ، شريكِ حياةٍ متفهِّمٍ. هل تُدركُ تلكَ المساحةَ الشَّاسعةَ التي تمتلكُها بينَ السَّماءِ والأرضِ؟ هل تشعرُ بحُريَّةٍ قد نفتقدُها نحنُ؟
لعلَّها تفعلُ مثلَنا تمامًا، تستمعُ إلى موسيقاها الصَّباحيَّةِ، وترتشفُ فنجانًا من قهوتِها، بينما تُتابعُ أهمَّ الأخبارِ على منصَّاتِها الاجتماعيَّةِ الخاصَّةِ. فالعصافيرُ كائناتٌ اجتماعيَّةٌ، مثلَنا تمامًا.
لكن، لماذا نستخفُّ بأحلامِها، ونظنُّها زهيدةً؟ حتى صارتْ أحلامُ العصافير مرادفا للبساطةِ والتَّفاهةِ؟ وهلْ أحلامُنا، حقًّا، أكبرُ؟
هناكَ طائرٌ يعيشُ بينَنا، لكنَّهُ مختلفٌ قليلًا. العصفورُ الورديُّ السِّينائيُّ، الطائر الوطني للأردن، لا يهاجرُ بعيدًا، بلْ يدورُ في الأفقِ ذاتِه، يطيرُ بينَ الجبالِ والوديانِ، كأنَّهُ يحرسُ أرضًا يعرفُها جيِّدًا. هل أخذَ من البتراءِ لونَها؟ أم أنَّهُ جزءٌ من أسطورةٍ ترويها الأمهاتُ لأطفالِهنَّ قبلَ النَّومِ، عن أميرٍ نبطيٍّ مسحورٍ؟ تروي الأسطورةُ أنَّ ساحرةً ألقتْ عليهِ تعويذةً، فصارَ عصفورًا ورديًّا بلونِ المدينةِ. ومنذُ ذلكَ اليومِ، وهو يطوفُ في سمائِها، يهبطُ إلى الصَّحراءِ، ثمَّ يعودُ، منتظرًا لحظةً يتحرَّرُ فيها منَ السِّحرِ. فإذا زرتَ البتراءَ يومًا، ورأيته يحلقُ فوقَ صخورها الوردية، فلا تتعجل بالمضيّ، فقد يكونُ في انتظارهِ رسالةٌ لم تصلْ بعد.
ألمْ ترَ طفلةً صغيرةً تقفزُ حولَ والدِها، تُغرِّدُ بلغتِها الخاصَّةِ، تطلبُ دُميةً أو قطعةَ حلوى؟ وحينَ يَعِدُها، تدورُ حولَهُ بسعادةٍ. تكبُرُ أحلامُها، فتصيرُ فستانًا، ثمَّ حقيبةً مدرسيَّةً، ثمَّ مقعدًا جامعيًّا. أليستْ هذهِ الأشياءُ، كما الضَّوءُ والماءُ والهواءُ للعصفورِ؟
وذلكَ العجوزُ، ما زالَ هناك، خلفَ زجاجِ نافذته، يتابعُ الحياةَ كغريبٍ في مشهدٍ مألوف، علّ رسالةً عابرةً تُذكرهُ بأنهُ لا يزالُ هنا. أليستْ هذهِ أيضًا بعض أحلامِ العصافيرِ؟
لطالما لجأ الإنسان إلى إسقاط مشاعره وحكمته على عالم الحيوان، فجعل منها أبطالًا لحكاياته، كما نرى في تراث الهند واليونان
لا بدَّ أنَّ بيدبا، الفيلسوفَ الهنديَّ، قدِ استوقفَهُ هذا الصَّخَبُ الصَّادرُ عن العصافيرِ، فأطلقَ لخيالِه العنانَ، ووضعَ كتابَه “كليلةَ ودِمنةَ”، تحدَّثتْ فيه الطُّيورُ والحيواناتُ، فهذهِ الحمامةُ المطوَّقةُ، تحُضُّ صويحباتِها على التَّعاونِ، فتحلِّقُ بهنَّ في الهواءِ، متَّحدةً في قوَّتِها، ممَّا يساعدُها على النَّجاةِ من الصَّيادِ. وتلكَ الغربانُ التي اتَّحدتْ لتوقِعَ بالبُومِ، مستخدِمةً الخِداعَ والدَّهاءَ. وفي قصة الأسد والثور، يتلاعب دمنة بمكرٍ ليوقع بين الأسد وصديقه الثور، فيدفع الثور ثمن المؤامرة غدرًا. تكشف هذه القصة كيف يمكن للخداع أن يقلب موازين القوة، حيث تصبح الثقة المفرطة مدخلًا للهلاك.
حكاياتها المليئةُ بالحِكمةِ والموعظةِ تُذكِّرُنا بأنَّ لكلِّ كائنٍ أمَّةً، كما قالَ تعالى:
﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرضِ ولا طائرٍ يطيرُ بجناحَيهِ إلَّا أُمَمٌ أمثالُكُم﴾ (الأنعام: ٣٨)
مما يعكسُ حكمةَ بيدبا في ربطِ الحيواناتِ بالبشرِ في فلسفتِه.
لم تكن هذه القصص الرمزية مقتصرة على التراث الهندي وحده، فقد لجأت ثقافات أخرى إلى تصوير القيم الإنسانية عبر حكايات الحيوانات، كما نجد في حكايات إيسوب.
وكما فعلَ بيدبا، استخدمَ إيسوبُ أيضًا الحيواناتِ في حكاياتِه الرَّمزيَّةِ، حيثُ اشتهرَ بأسلوبِه في ترسيخِ القيمِ الأخلاقيَّةِ من خلالِ تصرُّفاتِها. تهدِفُ حكاياتُه، مثل “الغُرابِ والجُبنِ” حينَ احتالَ عليه الثَّعلبُ وأوهمَهُ أنَّ لهُ صوتًا جميلًا، و” الأسدِ والفأر ِ” التي تُثبتُ أنَّ لكلِّ شخصٍ دورَهُ وإنْ كانَ صغيرًا، إلى نقلِ دروسٍ حياتيَّةٍ عن التَّعاونِ، والصدقِ، وأهمِّيَّةِ الصِّفاتِ البشريَّةِ من خلالِ تصرُّفاتِ الحيواناتِ.
لماذا نعتقدُ أنَّ أحلامَها صغيرةٌ، بينما قد تكونُ أكثرَ نقاءً وصدقًا من أحلامِنا؟ أم أننا لا نلتفت لأحلامنا إلا حين نجدها خلف قضبان غير مرئية؟