ميدان «الثقافة والفن» بنزوى والحال الذي عليه
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
لم تمض إلا بضع سنوات على افتتاحه، حتى تحوَّل «ميدان الثقافة والفن» بنزوى إلى مكان عامر بالأتربة المتكدِّسة، والعمال الآسيويين اتخذوه مُستراحًا للتدخين وشرب الشاي، تسع سنوات مضت على افتتاحه عام 2015م، بعد أن تم تنفيذه في مركز المدينة، ضمن البرنامج الثقافي لنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، والحال الذي عليه لوحاته اليوم لا تسر الناظرين.
كنت أتابع تنفيذ هذا الميدان منذ أيامه الأولى، بحضور مجموعة من التشكيليين العمانيين، الذين أقاموا في نزوى أيامًا، يأتون إلى الميدان كل يوم، لرسم لوحات على حوامل إسمنتية خصصت لذلك، إحدى عشرة لوحة رسمتها ريشة فنانين متحققين، لهم الخبرة في تشكيل لوحات فنية، بين الحروفيات، والرُّسومات التعبيرية والتجريدية، وأعمال فنية أخرى، كالنَّحت والرَّسم على الجرار، والتشكيل الخطي، وسكبَ كل فنان ما استوحاه من مدينة نزوى.
في عام 2015م، العام الذي احتفلت فيه نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، أقيمت فعاليات ثقافية وفنية كثيرة، سلطت الضوء على تاريخ المدينة، وأبرزت مكوناتها الثقافية، ونفذت مشروعات ثقافية، من بينها إنشاء «ميدان الثقافة والفن»، في قلب نزوى القديمة، وسوقها التجاري النابض بالحركة والنشاط، وقريب من القلعة الأثرية، والمُجسَّم التذكاري الشبيه بمنارة.
نفذ الميدان كل من وزارة التراث والثقافة، والجمعية العمانية للفنون التشكيلية، في مسمياتهما السابقة، ورشحت الجمعية مجموعة من الفنانين العمانيين، لتنفيذ أعمال فنية في هذه الميدان، ليطلق كل فنان خياله، فيرسم لوحة يستوحيها من تراث وتاريخ المدينة، أو من معايشاته التي ترمز للمدينة، وقد أبدع المشاركون في رسم لوحات وُصِفت بالجداريات، نفذت على حوامل إسمنتية، إلى جانب أعمال فنية أخرى، كالمجسَّمات، والمنحوتات، والجرار الفخارية، رسم عليها بعض الفنانين حروفيات، تعكس ملمحًا من التراث الخطي العماني، فمن نزوى خرج فقهاء وشعراء تركوا إرثًا ثقافيًا وفكريًا، حفظته المخطوطات.
إحدى عشرة لوحة جدارية، ومجموعة من الجرار الفخارية، وأعمال نحتية أخرى، كتبت أسماء مبدعيها في صفائح صغيرة، رصِّعت بجانب كل لوحة، منهم: أنور سونيا، وأيوب بن ملنج البلوشي رحمه الله، وافتخار البدوي، وحمد السليمي، وخلود الشعيبية، وخليل الكلباني، وزهرة الغطريفية، وسالم الكلباني، وسعود الحنيني، وعدنان الرئيسي، وعبدالمجيد كاروه، وفخراتاج الاسماعيلية، ومحمد الصايغ، ونبيلة دشتي، فنانون مبدعون، أقاموا في نزوى بضعة أيام خلال عام 2015م، فرسموا أعمالًا فنية، حولت الميدان إلى جاليري مفتوح في الهواء الطلق، لكنها بعد سنوات اهترأت تلك اللوحات، وبهتت فيها الألوان، وطال العبث بكل عمل مرسوم داخل الجدار، أو المنحوتات القائمة، فسقط أحدها طريحًا على الأرض، كالعمل النحتي للنحات الراحل أيوب ملنج، يبدو أشبه بكائن منتَحِر، حُزنًا على وفاة صاحبه.
ولكن ما هي اللوحات التي رسمها الفنانون في ميدان الفنون بنزوى؟
هناك عدة أعمال فنية شارك بها الفنان المحترف أنور سونيا، إذ لم تقتصر مشاركته على رسم لوحة جدارية، عكست صورة تجارية للناس في السوق، بل قام بالرسم على الجرار الفخَّارية: «الخروس»، وحوَّلها إلى قطع فنية، وهذا العمل ذكرني بحروفيته التي رسمها على مُجسَّم «المَها» ذات يوم، بالاشتراك مع مجموعة من الفنانين، عرضت بعد ذلك في أكثر من معرض، من بينها متحف بيت الزبير.
وشاركت الفنانة فخراتاج الإسماعيلية، برسم لوحة تتمحور فكرتها حول: «نزوى بيضة الإسلام»، و«نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية»، جسَّدت فخراتاج في لوحتها نافذة تطل على جامع قلعة نزوى، مع مشهد يظهر القلعة، وحولهما إطار إسلامي، ولكن لم يبق من هذه اللوحة إلا بقع لونية، فقد اهترأت وأصبحت تالفة، ويبدو أن لوحة فخراتاج من أكثر اللوحات التي تعرَّضت للتلف بعد مرور تسع سنوات، وكذلك لوحة زميلتها التشكيلية نبيلة دشتي، التي رسمت لوحة تجريدية، جسدت فيها قبة جامع نزوى، مع رموز فنية أخرى، مثلت جانبًا من الموروث التراثي في المدينة، واصطبغت لوحتها باللون الذهبي، ممزوجًا بألوان الفجر والشفق، وكأنها اختزلت في عملها ألوان النهار.
أما زهرة الغطريفية، وهي من مدينة نزوى، فقد رسمت من وحي خيالها ملمَحًا مستوحى من تراث المدينة، أظهرت في لوحتها الحارة ومآذن المساجد والأبراج، اجتمعت معًا في لوحة واحدة، جامعة بين استلهامات المدينة ومناسبتها الثقافية.
ورسم الفنان حمد السليمي صورة فتاة تلوح من سحنتها نضارة الحياة، هكذا بدت في يوم افتتاح الميدان لتمثل وجه الحياة الباسم، ترتدي الفتاة عِقدًا فضيا، وحولها بعض المصنوعات الفخارية والنحاسية، وما تزال اللوحة كما رسمها الفنان.
أما النحاتة خلود الشعبية فقد نحتت عملًا تجريديًا، يمثل التلاحم والتعانق بين الناس، وأظهرت لوحة افتخار البدوي ملابس المرأة العمانية وبعض المشغولات اليدوية.
ولا تزال لوحة الفنان سعود الحنيني صامدة، لم تتأثر بحرارة الطقس والرطوبة، جسَّدت لوحته صورة من إحدى شرفات قلعة نزوى، وعكست ملمحا داخليا من القلعة، وفي وسط اللوحة تظهر مئذنة الجامع وقبته الزرقاء، ومن ورائهما تلوح الجبال الوردية، فيما تزيِّن السحب جانبًا من اللوحة.
وجسَّدت لوحة سالم السَّلامي، صورة من نزوى لشاب يقود درَّاجة نارية، وهي إحدى خصوصيات الحياة في نزوى أكثر من غيرها، فالدرجات هي الوسيلة الأشهر في التنقل بين البيت والسوق، والمدرسة، والأندية، لدى فئة الشباب الذكور، وتظهر مدينة نزوى في خلفية اللوحة، وللأسف الشديد فهذه اللوحة من بين اللوحات التي اهترأت وبهتت ألوانها، بل يكاد تكون ملامحها ذابت، ولم تعد إلا في خيال الفنان، أو في الواقع، حيث نشاهد يوميًا فتيانًا يركبون الدرَّاجات، وكأن أحدهم خرج من إطار اللوحة الصَّغير إلى نهار الحياة.
ولا يزال الفنان الحروفي محمد الصائغ، يتمثل أمامي وفي خيالي، وأنا أراه يرسم لوحته الحروفية الجميلة، وقد التقطت له مجموعة من الصور الضوئية، كان الفنان منهمكًا في رسم شكل إسلامي، يمثل قبة الجامع، مع امتداد أنيق لحرف الألف، الذي تجسَّد على شكل جذع نخلة خضراء، كما بدت الحروف في قاع اللوحة أشبه بأوراق نباتات خضراء، ولعل الفنان أوْمَأ من خلال لوحته، إلى الطبيعة الخضراء في مدينة نزوى.
هذه نظرة سريعة إلى الأعمال الفنية المنجزة فيما يعرف بـ«ميدان الثقافة والفن» بنزوى، وقد كان الأمل استغلال الميدان، والاستفادة من ركن المكتبة الذي بداخله، ليقدم للزائر والسائح صورة عن الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام في نزوى، وعرض خرائط وكتب تعريفية بأهم المعالم التراثية في نزوى، فهل أُنجِز ما تم التصريح به؟، كان الأمل أن يستفاد من هذا المكان الجميل، بإقامة فعاليات أدبية، وورش فنية متجددة، ولو ليوم واحد في الشهر، في مساء نزوي ذهبي النسمات، أو تحويل جانب منه إلى مكان لبيع الكتب، وما أكثر الكتب التي صدرت عن نزوى تاريخًا وحضارة.
إن «ميدان الثقافة والفن»، يجب ألا يكون مهملًا، وإهمال تلك اللوحات التي تزينه، والأعمال الفنية المعروضة فيه، يفقدها قيمتها وتبهت فيها إشراقتها، فقد رأيناها في يوم الافتتاح تُحفًا فنية، تستحق من الزائر نظرة تأمل، وكأنه داخل متحف في فضاء مفتوح، ولعل الأنسب محاكاتها بأعمال جديدة من هواة الرَّسم، واستضافة أحد من أولئك المشاركين بين الحين والآخر، ليقيم ورشات تدريبية للطلبة، أو هواة الرَّسم، وتخصيص يوم لإقامة هذه الفعالية المفتوحة، ويومًا بعد آخر سيتزايد الإقبال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللوحات التی أعمال فنیة مجموعة من فی نزوى
إقرأ أيضاً:
مدحت العدل ينتقد قرارات المنع: المشاهد حر والفن مرآة المجتمع
أكد الدكتور مدحت العدل، الكاتب والسيناريست والمنتج ورئيس جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين، أن تطوير الدراما المصرية لن يتحقق إلا بضمان حرية التناول ومنع الاحتكار في الصناعة، مشدداً على أن تقييد الإبداع يؤثر سلباً على جودة الإنتاج الفني.
لا للمنع.. المنافسة هي الحلوأوضح مدحت العدل أن فرض قيود على الأعمال الدرامية بدعوى أنها تقدم صورة غير دقيقة عن المجتمع ليس هو الحل، بل يمكن تقديم أعمال أخرى تعرض وجهة نظر مختلفة دون اللجوء إلى المنع.
وأشار إلى أن المشاهد يمتلك حرية الاختيار بفضل أدوات التحكم المتاحة، مما يجعل فرض الرقابة الصارمة غير ضروري في ظل تنوع المحتوى الإعلامي.
وأكمل: "إذا منعت عرض أي عمل فني سوف يتم عرضه على منصة ما، ويجب ألا تتعدد الجهات الرقابية فهناك جهة واحدة فقط هي الرقابة على المصنفات الفنية وهناك لجنة تظلمات وهكذا كانت تسير الأمور طوال الوقت".
الفن مرآة المجتمعوأكد أن سيكولوجية الجمهور تلعب دوراً رئيسياً في تحديد نجاح أي عمل فني، حيث تحقق بعض المسلسلات ذات المحتوى المثير للجدل نسب مشاهدة مرتفعة، مما يعكس تغيّرات في الذوق العام، وهو ما يستوجب دراسته من قبل المتخصصين في علم الاجتماع والثقافة.
كما تطرق العدل إلى أهمية تطوير منظومة الرقابة على المصنفات الفنية، مشيداً بتولي الكاتب عبد الرحيم كمال مسؤولية الرقابة، معرباً عن أمله في تعزيز الوعي الثقافي لدى العاملين في هذا المجال.
ودعا إلى إشراك خريجي معهد السينما في عملية التقييم لضمان فهم أعمق للمنتج الفني، مؤكداً أن التصنيف العمري يعد بديلاً أكثر فاعلية من المنع المطلق، خاصة مع توفر المنصات الرقمية التي تتيح عرض المحتوى المحظور بطرق بديلة.
الاحتكار عائقوأكد مدحت العدل أن الاحتكار يمثل عائقاً رئيسياً أمام تطور صناعة السينما، حيث يحدّ من قدرة الشركات المستقلة على الإنتاج، مما يؤدي إلى ضعف التنوع في الأعمال الفنية.
وتابع: "خطوات حل أزمة الدراما هي مزيد من الحرية وإتاحة الفرصة لعودة شركات الإنتاج الكبري التي أحجمت جزئياً عن الإنتاج لظروف كثيرة نتمني دراستها والوصول إلي حلول عملية لها".
وأوضح أن المنافسة ضرورية لازدهار الصناعة، مشيراً إلى أن العديد من شركات الإنتاج الكبرى توقفت عن العمل بسبب الظروف التي تواجهها الصناعة، وهو ما يتطلب حلولاً عاجلة لإنعاش السوق الفني.
مطالبة بالتسهيلاتكما لفت مدحت العدل إلى التحديات التي تواجه صناع الدراما والسينما عند التصوير في الأماكن العامة، حيث تتطلب الإجراءات الإدارية والرسوم المرتفعة ميزانيات ضخمة، ما يدفع المنتجين إلى بناء ديكورات بديلة تفقد الأعمال جزءاً من واقعيتها.
وضرب مثالاً بتجربة المغرب في توفير التسهيلات اللازمة لاستقطاب شركات الإنتاج العالمية، داعياً إلى الاستفادة من هذه النماذج لدعم الإنتاج الفني في مصر.