طيف الظفيري: مسار القصة يبدأ من الخيال
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
جلسات نوعية أبطالها الأطفال وكُتابهم في الدورة الخامسة عشرة من مهرجان الشارقة القرائي للطفل، والتي تقام تحت شعار «كُن بطل قصتك»، وتتواصل فعالياتها حتى 12 مايو/أيار الجاري في مركز إكسبو الشارقة، ومن ضمن هذه الجلسات جلسة «الكتابة حلم يتحقق»، التي استضافها مقهى المبدع الصغير في المهرجان، وتحدثت فيه الكاتبة السعودية الشابة طيف الظفيري، والتي صنفت كأصغر كاتبة تفوز بجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في دورتها السادسة والثلاثين؛ حيث فازت بالمركز الأول في مجال قصة أدب الأطفال.
الجلسة التي أدارتها الإعلامية هاجر يوسف تطرقت إلى كتابة القصة بشكل مبكر من قبل الأطفال واليافعين، واستعرضت فيها الكاتبة تجربتها في الإبداع القصصي، والزخم الذي خلقه فوز قصتها «كائن غريب» بجائزة راشد بن حميد، ونيلها لقب أصغر كاتبة تفوز بهذه الجائزة، كما تحدثت عن بداياتها المبكرة في الكتابة، موضحة أن مسار القصة يبدأ من الخيالات وينتهي بالتحبير والكتابة؛ حيث وصفت نفسها بأنها مولعة بالخيال، لدرجة أنها حين تدخل مطبخ بيتها تتخيل أدواته كشخصيات يجرون حوارات داخل الأدراج، مشيرة إلى أثر البيئة أيضاً، حيث تربت في أحضان أسرة محبة للقراءة، فوالدها كاتب وأمها قارئة، وفي بيتها مكتبة مليئة بالكتب، وقد عزز هذا الوسط شغفها بالقراءة والكتابة.
الطفل وتقبل الاختلافوحول محتوى كتابها «كائن غريب» أشارت الظفيري إلى أنه يناقش قضية حساسة، خصوصاً حين تكون موجهة للأطفال واليافعين، وهي قضية اختلافنا كبشر وكثقافات، وضرورة تقبل هذا الاختلاف مع الاعتزاز بهويتنا واختلافنا، وأشارت إلى أن التطرق لهذا الموضوع له عدة جوانب قد تترك أثراً على الطفل، لكن من الضروري تمريرها ببساطة ووضوح، حتى لا تترك أثراً عنصرياً أو نفوراً، وقد وفقت في ذلك من خلال إظهار الاختلاف في الكون وبين الكائنات والنباتات وتنوع وفرادة هذا الاختلاف.
الشارقة بيتي
في سياق اللغة والكتابة، قالت إنها تحرص في أسلوبها الكتابي على البساطة والوضوح مع سلامة اللغة، ويساعدها في هذا الأمر والدها كثيراً؛ حيث أشرف على كل مراحل إنجاز وطباعة ونشر كتابها، والذي طبعته دار «السيف» الإماراتية، وأشادت الظفيري بالجهود الكبيرة التي تبذلها الشارقة في حماية اللغة العربية، وجهودها الحثيثة في دعم الثقافة والفكر، ومن ذلك فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل، والذي يفتح المجال لتطوير إبداعات اليافعين، لتقديم منتجات أدبية يستفيد منها القراء، مستطردة حول طموحاتها المستقبلية أنها تعكف حالياً على أعمال قصصية قيد الإنشاء، من ضمنها عمل تحب أن يكون له تأثير على حياة القراء في مساراتهم المهنية والاجتماعية، ومستلهم من محاولتها التوفيق بين شغفها الأدبي وتخصصها الدراسي الهندسي.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات مهرجان الشارقة القرائي
إقرأ أيضاً:
الإمبرياليَّة اللغوية
لم يكن اتساع جغرافيا اللغة الإنجليزية بعد القرن السادس عشر إلا نتاجًا لتوسع المشروع الاستعماري لبريطانيا العظمى، مع ذلك؛ تتعرض هذه الحقيقة التاريخية اليوم للتجاهل بصورة غريبة، فحين يدور الحديث عن عالمية اللغة الإنجليزية وارتباطها بتطور التعليم في المستعمرات القديمة، أو ما تُعرف ببلدان الهامش، يُسكت عن الغاية والوسيلة التي سطت بها اللغة الإنجليزية على ثقافات بأكملها، ويُنسى تاريخها الدموي، في وقتٍ يتباهى فيه سياسيون بريطانيون بأن لغتهم كانت أعظم هدية قدّمها الغرب للشرق.
لوهلة، يبدو كما لو أن نقاش الفكرة على نحو جاد يتطلب شيئًا من العودة إلى سذاجة الأسئلة البدائية البسيطة: كيف تعممت الإنجليزية بهذا الشكل لتتحول على مدى 4 قرون إلى لغة عالمية ساطية، ماحية في طريقها لغات وثقافات محلية؟ أذكر أنني اصطدمت بهذا السؤال خلال دراستي التحضيرية بسنتي الجامعية الأولى، حين كنا ندرس برنامج اللغة الإنجليزية تحضيرًا لدراسة التخصص، غير أني ما زلت لا أفهم تمامًا كيف يبدو النقاش في الماضي الاستعماري للغة الإنجليزية نقاشًا متجاوزًا ومفروغًا منه.
لقد خرجت اللغة الإنجليزية من ذلك الأرخبيل الصغير لتطوف أصقاع العالم، ولم ترجع كما كانت، وبالسيف والبارود فتحت أراضي جديدة، وتحولت تدريجيًا من لغةٍ فقيرة مستورِدة للكلمات لتصبح اللغة العالمية الأكثر تصديرًا للكلمات، ونتيجةً للهيمنة الاستعمارية ترسخت كنظام معرفي يعيد إنتاج الخبرة الكولونياليَّة حتى في البلدان التي سعت فور استقلالها لصناعة ثقافة وطنية، ما بعد كولونيالية.
كانت الإمبريالية اللغوية أحد أعنف أوجه المحو والاضطهاد الذي مارسه البريطانيون في مستعمراتهم، يشير إلى ذلك كتاب «الرد بالكتابة.. النظرية والتطبيق في آداب المستعمرات القديمة».
يجادل مؤلفو الكتاب الثلاثة، بيل أشكروفت وجاريث جريفيث وهيلين تيفن، بأن دراسة اللغة الإنجليزية خلال الحقبة الاستعمارية، من جهة، والنمو التوسعي للإمبراطورية البريطانية من جهة أخرى، مسألتان كانتا قد نشأتا في مناخ أيديولوجي واحد، لكن الإمبريالية اللغوية لم تكن معتمدةً على الإلغاء المباشر فحسب.
فحينما تواجَه بمقاومة اللغات المحلية، كانت الحكومة البريطانية في مستعمراتها تتراجع لتمارس سياسة التبني والاستيعاب والإخضاع الطوعي للثقافات المستعمرة، منتجة بذلك نخبةً محليةً من المتعلمين الطامحين لأن يصبحوا «أكثر إنجليزية من الإنجليز» على حد تعبير الكتاب: «كانت عملية من الانتساب الواعي، على حد تعبير إدوَارد سعيد، تتواصل تحت قناع البنوة، أي محاكاة للمركز منبثقة من رغبة لا تقتصر على نيل القبول، وإنما تمتد لتشمل أيضًا التبني والاستيعاب، وهو الأمر الذي قاد مَن في الأطراف إلى الانغماس في الثقافة المستوردة، مع إنكار أصولهم».
الترجمة عن اللغة الإنجليزية هي وجه آخر لسياسات الإدماج والاستيعاب والتبني التي تمارسها الإمبريالية اللغوية الإنجليزية. لا يمكن أن نفسر ظاهرة استسهال الترجمة وانتشار الترجمات على حساب التأليف الأصلي ظاهرةً بريئة، فعبر الترجمة تمارس الإنجليزية تأثيرًا أسلوبيًا، يتجاوز استيراد المفردات وتصديرها إلى تمرير تغييرات عميقة وخفية على بناء الجملة في اللغة المُترجم إليها، فتخلق تشوهات تصبح سائغة ومألوفة بمرور الوقت.
هكذا تمارس اللغة الإنجليزية تدجين اللغات التي تحاول استضافتها دون أن تغير معجمها بالضرورة، ويتجلى هذا الانحراف بوضوح في لغة الترجمة التي تتطور بصورة مطردة في الترجمات إلى العربية. وقد لفتني مقال لجاكوب ميكانوفسكي، نشره على الجاردين عام 2018 بعنوان عنيف: «الوحش، المتنمر، اللص.. كيف تسيطر اللغة الإنجليزية على الكوكب» يشير فيه إلى تأثير من هذا النوع تمارسه الإنجليزية على لغات أوروبية، كالإيطالية والألمانية والسويدية، من ناحية التغيير في صيغ الملكية وأسماء الإشارة وتقديم الصفات على الأسماء، في محاكاةٍ لقواعد اللغة الإنجليزية.
الإمبريالية اللغوية التي تتوحش اليوم، تحت لواء التعليم الحديث هي في الحقيقة تهديد خطير لثقافات «الهامش» لا يقل عن التهديد الوجودي الذي ظل الاستعمار يمارسه في سيرته التقليدية الدموية والاستغلالية على الأرض. لكن الروائي والناقد الكيني، نجوجي واثيونجو، لا يستسلم لفرضية المركز والأطراف، بل يدعو لمقاومتها.
بالعودة للكتابة بلغة كيكويو المحلية قرر الكاتب الإفريقي الدفاع عن قارته التي يرى أنها ذاهبة شيئًا فشيئًا لأن تصبح امتدادًا للغرب، إذا لم يناضل كُتَّابها، على طريقته، للتحرر من سطوة اللغة الإنجليزية، متسائلًا: «ما الفرق بين السياسي الذي يقول إن إفريقيا لا تستطيع الاستغناء عن الإمبريالية، والكاتب الذي يقول إن إفريقيا لا تستطيع الاستغناء عن اللغات الأوروبية؟».
أخيرًا، نكرر السؤال المكرر الذي يبقى بلا تبرير مقنعٍ حتى اللحظة: ما الذي ينقص الجامعات العربية يا ترى لتتحرر من النظام المعرفي للغة الإنجليزية، إذا كانت إسرائيل، المستعمَرة الغربية الحديثة والمصطنعة، تسعى جاهدة منذ تأسيسها لتطوير سياسات لغوية حازمة لتكريس اللغة العبرية لغة للعلم والمجتمع والصناعة بهدف ليس بعيد أن يكون هو الانقلاب على اللغة الإنجليزية؟! بنو العُرب أولى.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني