بالفيديو والصور.. عرس جماعي فلسطيني في خان يونس تعزيزا لرسالة الحياة والأمل
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
أبو الريش: الرسالة الأساسية للزفاف الجماعي تتعلق بقدرة الفلسطينيين على الاستمرار في حياتهم مهما كانت ظروفهم بائسة
إصرار على حياة ملؤها الأمل وتحديا لكل الظروف، دخل خمسة عرسان محمولين على أكتاف الشبان ساحة حفل الزفاف الجماعي بمخيم للنازحين غرب خان يونس بقطاع غزة، وسط تصفيق الحضور الذين وقفوا يحيونهم وهم يشقون طريقهم ويلوحون بأياديهم لمهنئيهم.
اقرأ أيضاً : قوات الاحتلال تضيق على المسيحيين في محيط كنيسة القيامة تزامنا مع "سبت النور"
وبينما تعالت عبارات الترحيب والتهنئة المصاحبة لما يطلق عليها الفلسطينيون في حفلاتهم "دخلة العرسان" عبر مكبرات الصوت التي وصل صداها لخيام بعيدة عن مكان الاحتفال، كانت النسوة تحتفل بالعرائس داخل خيمة خاصة بهن لا يسمع منها إلا بعض الزغاريد بشكل متقطع.
تعلو الابتسامات وجوه العرسان وهم يصفقون بأياديهم تارة ويتمايلون بهدوء وخجل شديدين تارة أخرى، قبل أن يندفع بعض الشبان حولهم ويلتفون في دائرة واسعة وهم يتحركون على أنغام "الدحية"، وهي رقصة تقليدية، وترتبط كلماتها ونغماتها بواقع الحرب والنزوح المكتظ بكثير من المعاناة إلى جانب الرغبة في الحياة.
يصعد العرسان منصة الحفل ويتزايد التصفيق وصفارات الشباب مع انطلاق أولى الأغاني لفرقة النشيد المكونة من ثلاثة أفراد ألهبوا المكان بالمزاوجة بين أغاني الأعراس الفلسطينية التقليدية المتناغمة مع أوضاع الحرب الراهنة، وأناشيد الحماسة الوطنية التي تفيض بكلمات تحدي تل أبيب وإصرار الفلسطينيين على تحرير وطنهم مهما كانت التحديات.
بين العرسان كان حمادة الخروبي (27 عاماً) الأكثر ابتهاجاً وتفاعلاً مع فقرات الحفل التي بدأت باستقبال الأهالي والمهنئين بعد عصر أمس وامتدت حتى قبيل المغرب، في وقت كان أصحابه يحملونه منفرداً ويجوبون به الساحة المقابلة للمنصة بعض الوقت حتى يوصلوه لمكان جلوس عائلته وجيرانه الذين لا يتوقفون عن التصفيق ومشاركته فرحته.
الشاب النازح مع عائلته من حي الرمال بمدينة غزة إلى منطقة المواصي في خان يونس في رحلة نزوح بدأت قبل ستة أشهر تنقل خلالها عدة مرات، كان مقرراً زواجه في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد خطوبته قبل أربعة أشهر، لكن ظروف الحرب حالت دون ذلك.
يبين الشاب أن عائلته من محبي الحياة والفرح والحفلات كبقية الفلسطينيين، وكانت تنتظر موعد زفافه لتحتفي بهذه المناسبة بأشكال ووسائل الفرح المعروفة والمتاحة بغزة، لافتاً إلى أن العائلة صبرت طوال هذه المدة حتى غاب أي أفق لنهاية الحرب وقرر الجميع عقد القران وإتمام الزواج وفق المتاح.
والمتاح، بحسب العريس، لا يعدو كونه بعض الإمكانات المحدودة للغاية المرتبطة بأوضاع النزوح البائسة، فضلاً عن أن مآسي الحرب سترافق أهل غزة اجتماعياً ونفسياً لسنوات طوال ولن تسمح بأي مظاهر للأفراح التقليدية المعتادة قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما اندلعت الحرب، مهما توفرت الإمكانات لاحقاً، وفق تقديره.
ويقول: "الأمر يتجاوز فكرة عدم وجود صالات أفراح أو بيوت أو أي مكونات لحفلات الزفاف المعتادة لدينا، لكننا نرتبط بواقع مرير عنوانه الإبادة والتدمير الشامل لكل ما يرمز إلى الحياة، ما يعني أننا نفسياً غير قادرين على الاحتفال بالأسلوب المعروف ما قبل الحرب".
ويضيف: "لذلك آثرنا القبول بما يتناسب وظروفنا الحالية سواء من حيث غياب أدنى متطلبات الزفاف والحياة معاً، واكتفينا بحفل جماعي يحضره الأقارب والأصدقاء لنفرح وسط هذا الظلام المميت".
ويوضح الخروبي أن شقته كانت شبه جاهزة قبيل الحرب ليتزوج فيها ويبدأ حياته التي كان يتمناها، لكنها تعرضت لأضرار كبيرة جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه سيتزوج في خيمة بطريقة لم يكن يقبلها أو يتوقعها حتى في أسوأ كوابيسه، حسب وصفه.
هي ذات الفكرة التي عبر عنها العريس سعيد سرار الذي أصيب خلال الحرب بكسور شديدة في قدمه اليسرى، ما اضطره لاستخدام عكازين في المشي، فضلاً عن مقتل والد زوجته خلال قصف الاحتلال، يضاف إلى ذلك نزوحه ومغادرة منزله أسوة بسكان خان يونس وانتقاله إلى المواصي.
ويؤكد سرار (43 عاماً) أنه كان يأمل الاحتفال بزفافه في ظروف مغايرة تماماً، لكن واقع الحرب فرض هذا الاحتفال البسيط في ظل استمرارها للشهر السابع على التوالي ولا يمكن التكهن بموعد نهايتها.
ويعتقد سرار أن الأمر لن يختلف كثيراً حتى وإن توقفت الحرب في ظل تدمير منزله وحالة الحزن المسيطر على الجميع بشكل كبير للغاية جراء سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والمفقودين والتدمير الواسع للمنازل والممتلكات.
ويقول سرار: "في ظل كل هذا، كان لا بد من رسالة تبعث الحياة والأمل في نفوس النازحين الذين يتجرعون مرارات لا تنتهي من العذاب والمعاناة، ولم يكن أمامنا سوى هذا الحفل الجماعي".
ويضيف: "بالطبع هناك من يعترض على الفكرة ومجرد الغناء والزواج بشكل علني رغم أن الحفل منضبط للغاية ويقتصر على المظاهر الوطنية من حيث الأناشيد والفقرات، لكن الغالبية في حالة ارتياح وتنتظر اللحظة التي تفرح فيها وسط كل ما يحيط بها من أحزان".
وتلقى العرسان بعض المساعدات مثل الخيام والأدوات المنزلية والفرش والبطانيات والسلال الغذائية ومستلزمات أخرى تساعدهم على بدء حياتهم وفق المتاح للعائلات الأخرى بمثل هذه الظروف، بحسب عضو لجنة الإغاثة بخان يونس التي قدمت هذه المساعدات جهاد أبو الريش.
وبموازاة تأكيد المسؤول بلجنة الإغاثة على الرسالة الإنسانية التي يحملها الحفل الجماعي من رغبة الفلسطينيين في الحياة والفرح رغم أهوال الحرب، فإنه يدرك استغراب واستهجان البعض من مجرد الاحتفال بالزواج بمثل هكذا ظروف يسيطر عليها الموت والتدمير والنزوح.
ويعد أبو الريش أن الرسالة الأساسية للزفاف الجماعي تتعلق بقدرة الفلسطينيين على الاستمرار في حياتهم مهما كانت ظروفهم بائسة من جانب، والتأكيد على حبهم للحياة بكافة تفاصيلها ومن ضمنها الزواج والاحتفال به ولو بالحد الأدنى من جانب آخر.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: فلسطين قطاع غزة حفل زفاف تل أبيب خان یونس
إقرأ أيضاً:
حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
باريس- لأن "حياة واحدة لا تكفي" كما قال العقاد، نلتجئ للكتب والقراءة لكي تهبنا حيوات جديدة كل مرة. ولأن القراءة سفر وترحال أبدي لا ينتهي عبر سفينة الخيال، يأخذنا كل كتاب جديد نفتحه إلى بحار من حبر وكلم وقصص ليس لها مرافئ ولا تعترف بالوصول.
ونحن نودّع سنة ونستقبل أخرى، يُطرح سؤال عن أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة الكتاب والمبدعين، بعد عام من القراءة والبحث والتنقيب والكتابة، وتظل أبواب المعرفة والسؤال مشرعة بحثا عن إجابات طريفة، وحصاد أدبي وثقافي متميز، عن أجمل الكتب والقراءات التي بقيت عالقة في ذهن نخبة من الكتاب والمبدعين العرب خلال هذا العام الذي أوشكت شمسه على الغروب، فضلا عن فعل القراءة وأثرها السحري في المبدع والإنسان عموما. فإلى الاستطلاع:
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ريفوبليكا" ثلاثية يوسف فاضل عن الريف والمقاومة والحلم بالتغييرlist 2 of 2صلاح جرار: الفلسطينيون شاركوا بفتح الأندلس وحنين قصائدي لغرناطة وجنين وعمّانend of list القراءة ضرورة والكتاب دواء ووقايةفي رحلةٍ أدبية ثرية، يأخذنا الكاتب الليبي الدكتور "محمد قصيبات" عبر آفاق القراءة التي شكلت عامه 2024. فقد قرأ الكثير من الكتب التي أثرت فيه وهزته، وبعين الناقد والمتذوق عرض تجاربه مع نصوص أدبية خالدة. فمن بين صفحات "تيريز دوكيرو" للكاتب الفرنسي فرنسوا مورياك، الحائز على نوبل للآداب عام 1952، إلى عوالم "المركب المفتوح" للكاتب الأميركي ستيفان كران، يرسم قصيبات خريطة أدبية غنية بالاكتشافات والتأثيرات.
إعلانويستحضر قصيبات ذكريات دراسته في كامبردج، حيث تعرف على أعمال جوزيف كونراد الشهيرة، ليفاجئنا باكتشافه المتأخر لرواية "آمي فوستر" تلك الجوهرة الأدبية المخبأة التي تحمل العنوان الأنثوي الوحيد في أعمال كونراد:
حدثنا الدكتور ترنر عن جوزيف كونراد ورواياته المشهورة مثل "من قلب الظلمات" و"لورد جيم" ولكني لم اكتشف روايته المجهولة التي تحمل عنوان "آمي فوستر" إلا عام 2024
وبحس الروائي المرهف، يسبر قصيبات أغوار هذه الرواية القصيرة، مستعرضاً شخصياتها الثلاث بدقة وعمق، والمتمثلون في شخصيات الدكتور الكندي "طبيب القرية" وهو الراوي، و"يانكو" المهاجر الذي ألقى به البحر، و"آمي فوستر" المرأة غير الجميلة التي يتزوج بها "يانكو".
"آمي فوستر" لجوزيف كونراد الرواية الوحيدة التي تحمل عنوان أنثوي في أعماله (الجزيرة)في سرده للقصة، يلفت قصيبات إلى أن الرواية تمثل صورة إنسانية مؤثرة لمأساة الهجرة والاغتراب والصراع اللغوي، إذ تتناول حكاية "يانكو" الذي يبيع والداه بقرتين وقطعة من الأرض لكي يتمكن من الحصول على أجرة المهربين لتهجيره من بولندا إلى أميركا، من أجل عمل يستطيع من خلاله مساعدة عائلته، لكن المهربين يغرقون السفينة ويلقون بركابها إلى شواطئ كينت في بريطانيا، ليصبح يانكو لاجئا ينظر إليه أهل القرية باحتقار.
ورغم قدم الرواية التي صدرت عام 1901، فإنها ما زالت تنبض بالحياة والراهنية في عالمنا المعاصر. لذا ينوه الكاتب فيقول "قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن أحداث الرواية تدور في زمننا هذا حول المهاجرين غير الشرعيين القادمين من البحر".
وفي غمرة تأثره بالرواية، يصف كيف سكنته حتى ظن أنه كاتبها، وألهمته لمحاولات ترجمة متعددة، يتعاطف من خلالها كل مرة مع إحدى الشخصيات الرئيسية الثلاث، متمنيا أن يستطيع إنهاء هذه الترجمة عام 2025.
وينتقل قصيبات بسلاسة من عالم الأدب إلى مجال تخصصه الطبي، مسلطاً الضوء على العلاقة الوثيقة بين القراءة والصحة العقلية، وتأثير القراءة على الإنسان من أكثر من زاوية. ويستعرض بعين العالِم والأديب معاً أهمية القراءة في الوقاية من مرض ألزهايمر، فقد صار هناك تخصص يتعلق بالعلاج بالقراءة، والتي تعد ضرورةً ملحة وحاجةً هامة للإنسان.
إعلانوخلص إلى أن أهم الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع تلك التي تم نشرها بمجلة علم الأعصاب، وهي تتعلق بحوالي ألف من المصابين بألزهايمر تم توزيعهم إلى مجموعتين: الذين يقرؤون والذين لا يقرؤون، حيث كانت النتائج تقول إن نسبة الإصابات بالمرض هي 18% و35% على التوالي.
ويختتم قصيبات حديثه مؤكداً أن الكتاب قد أصبح في عصرنا هذا دواءً ووقاية، في مزيج فريد يجمع بين متعة الروح وصحة العقل.
القراءة مقدمة لأي مشروع ابداعييرى الروائي والشاعر المغربي عبد النور مزين أن القراءة تشكل جزءًا لا يتجزأ من مشروع الكتابة لأي كاتب يعتز بقضايا الكتابة ومسؤولياتها، فهي العنصر الأساسي في تكوين أي تجربة إبداعية. ويصف القراءة كفعل يومي ملازم لمشروع الكتابة لديه ولصيق بها، فهي تتيح له التجدد والتعمق في روح الأشياء، كونها مقدمة ضرورية لأي فعل إبداعي.
وفي حديثه للجزيرة نت، عبّر مزين عن تأثير بعض الكتب في حياة الإنسان ونظرته للأمور بشكل لا رجعة فيه. وهو ما حدث معه أثناء قراءته رواية الكاتبة الأميركية توني موريسون بعنوان (Home) والتي ترجمها بكلمة "وطن" وأعاد قراءتها هذا العام.
عبد النور مزين: بعض الكتب لها تأثير في حياة الإنسان مثل رواية توني موريسون بعنوان (Home) (الجزيرة)سأترجمها بكلمة "وطن" مع العلم أنه يصعب إيجاد كلمة أقرب إلى عمق المعنى الذي يجسد عمق الانتماء كالبيت. هذا لأن السؤال الرئيسي الذي دار في رأس بطل الرواية "فرانك ماني"، الشاب الأسود الذي حارب من أجل أميركا في الحرب الكورية، وظل يتساءل بعد عودته إلى بلده التي استقبلته بواقع التمييز العنصري المنظم، كان بالذات عن معنى هذا الانتماء
ومع تطور الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي، يرى صاحب رائعة "رسائل زمن العاصفة" أن سؤالي الهوية والانتماء يزدادان أهمية بشكل مخيف.
وشدد مزين إلى أن الوعي بهذه الأبعاد التي طرحتها موريسون -في روايتها عن معاني الانتماء المتعددة- غيّره وأثر فيه لدرجة تركيزه بوعي على هذا البعد الهوياتي في روايته الأخيرة "جسر النعمانية" بالغوص عميقا في كل الأبعاد التي تميز الهوية المغربية.
وخلص إلى أن هذه الومضات -التي تحدثها بعض النصوص في المبدع- تجعله أكثر نضجًا وأقرب إلى فطرته وطفولته التي تأثرت بتغيرات الحياة المتلاحقة والسريعة.
إعلان عناق إنساني لا يمكن وصفهتنسج الكاتبة الروائية الجزائرية حياة قاصدي، المقيمة في مرسيليا، رؤية بديعة للكتاب، فتصوره بالنافذة الجميلة التي نطل من خلالها على أنوار الثقافة والإبداع. وعبر حروفه وصفحاته، ننطلق نحو المدن الفاضلة والقيم الإنسانية الراقية، لنستكشف جوهر الإنسان وربيعه الداخلي المتجدد. فالقراءة، في عيني حياة، ليست مجرد نشاط، بل هي غاية سامية تسعى إليها على مدار العام، بحثًا عن عوالم الدهشة المتجددة.
وبالنسبة لقاصدي، تمثل القراءة لها ككاتبة ما تمثله التربة الخصبة للبذرة، فهي المادة الحيوية التي تنمي بذور الإبداع وتغذي النهم الثقافي الذي يحتاجه المبدع لتجديد طاقاته الفكرية وبناء جسور التواصل الإنساني. فالكتاب -في رؤيتها- هو مهد الحضارات والطاقة الإيجابية التي تدفع عجلة التطور البشري، بغض النظر عن الأفكار والتوجهات التي يحملها. وبقدر اطلاع الكاتب يستمر بداخله ذلك الامتداد الروحي بينه وبين عوالم الإبداع والمعرفة، فالقراءة في جوهرها عناق إنساني منساب لا يمكن وصفه.
قاصدي: هذه الرواية رحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا (الجزيرة)وعن رحلتها القرائية بالأدب الإنساني العربي والعالمي لعام 2024، استوقفت قاصدي رواية "أنا والمستحيل" للمبدع الجزائري خليفة عبد السلام. إذ تصف هذا العمل كرحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا. ولكن ما أثار دهشتها أثناء قراءتها للرواية هو البنية الجديدة التي قدمها الكاتب في صياغة النص الروائي:
اعتدنا على كون الإنسان هو من يمثل شخوص الرواية، ولكن أن نعثر على إبداع يخرج الإنسان كعنصر أساسي في بنية العمل الروائي، ويعوض وجوده بأيقونات فلسفية نكون قد اطلعنا على بنية جديدة في طريقة كتابة النص الروائي العربي
وتستعرض قاصدي بعين الناقد الحصيف شخصيات الرواية، فتقول "شخوص هذه الرواية أيقونات تتصارع في حوار فلسفي وهي الذات والتاريخ والماضي والحاضر والمستحيل والانكسارات والأمل. ولهذه الشخصيات وجودها الملموس ومثلت الجانب السّيكولوجي لـ(الأنا) والتي نجح الكاتب في جعلها تلعب دورا أساسيًا داخل عباءة فلسفية قوية عندما أخضع (الأنا) لسلطة الفلسفة".
إعلان الكاتب الذي لا يقرأ لا يجدّد أدواته ومضامينهأما الكاتب والمترجم التونسي "أبو بكر العيادي" المقيم في باريس، فقد أشاد بقوة برواية "الطوفان" للأميركي ستيفن ماركلي والتي صدرت ترجمتها الفرنسية الصّيف الماضي، ويصف العمل بأنه آسر للقارئ، فبالرغم من حجمها الضّخم (1039 صفحة) فإنّ قارئها لا يمكن أن يتركها لحظة، ولا يستطيع أن يمنع نفسه من المرور إلى الصفحة الموالية، تباعًا، حتى النهاية، بفضل لغتها الواضحة، ومضمونها الذي يرجّ القارئ، ويجعله يعيد النّظر في كثير من ممارساته اليوميّة تجنّبا لخطر حقيقي.
ويصنف العيادي الرواية -في معرض حديثه للجزيرة نت- فيقول:
الرواية من النّوع الديستوبي، الاستباقي، ولكنّها ليست من الخيال العلمي، بل تستند إلى واقعنا الحالي، وهو واقع كرة أرضية صارت مهدّدة بالزّوال
ويسرد القصة التي تمتد أحداثها من عهد أوباما حتى نهاية ثلاثينيات القرن الحالي. فعلى الرغم من تحذيرات المتخصصين المتكررة، ودعوات المنظّمات العالمية إلى توخّي تدابير لا محيد عنها لإنقاذ الأرض وما فيها ومن عليها، يستهين زعماء البلدان المصنّعة بالتحذيرات ويعتبرونها من قبيل "نظريّات المؤامرة".
كينغ وصف رواية "الطوفان" للأميركي ماركلي بأنها "تنبؤيّة ومرعبة" (الجزيرة)أما عن شخصية البطل بالرواية "توني بيتروس" فيسلط العيادي الضوء عليه، فهو يصدر كتابًا عن اختلال المناخ، وبعدها يتلقّى تهديداتٍ ممّن لا يفكّرون إلّا في مصالحهم الخاصّة.
ويرسم الكاتب من خلال كل هذا صورة للعالم وهو يشهد تصاعدًا في الكوارث الطبيعية كارتفاع درجات الحرارة واستشراء القيظ والفيضانات والحرائق والأعاصير التي باتت تهدّد البشريّة قاطبة وتضعها على شفير الهاوية. ويطرح سؤالًا جوهريًا: بِمَ تقبل أن تضحّي لأجل إنقاذ الإنسانيّة؟
ويذكر العيادي قول "ستيفن كينغ" عن الرواية أنها "تنبّؤيّة ومرعبة" فالقارئ لا يمكن أن يتخلّص منها بعد طيّها، لأنّها تطرح أسئلة آنية حارقة وتتحدّث عن البشر وعن مصيرهم ومصير الأجيال المقبلة على وجه أرض يهدّدها سكّانها، فيهدّدون بذلك وجودهم وبقاء جنسهم.
قراءة الكتب تنير البصائر، وتفتح العيون على تقاليد أمم أخرى وتجارب إنسانيّة متنوّعة، وتزيد الانسان معرفة بموقعه من العالم
وبوصفه كاتبّا، يشدد على أهمية القراءة للكاتب في حلّه وترحاله، لأن الكاتب الذي لا يقرأ باستمرار نصيبًا من نتاج البشريّة، قديمه وحديثه، لا يجدّد أدواته، ولا مضامينه.
إعلان اقرأ حتى أراكتمتلك الشاعرة والروائية اللبنانية شادن دياب شهية قرائية ثرية، ففي عام 2024، قرأت حوالي 40 كتابًا بين الروايات الأجنبية والعربية، وكتب الفلسفة والعلوم السياسية. لكن من بين كل هذا، برزت رواية "غداء في بيت الطباخة" للكاتب المصري محمد الفخراني كجوهرة فريدة استحوذت على اهتمامها، متميزة بسياقها الاستثنائي وأسلوبها الفني المبتكر.
الرواية استعرضت أبعاد الحرب الإنسانية حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان (الجزيرة)وتكشف شادن عن شغفها الخاص بموضوع الرواية قائلة:
لدي اهتمام خاص بموضوع الحرب والسلام، وهذه الرواية كُتبت في سياق استثنائي بعيد عن النمطية، مما جعلها تجربة أدبية مميزة بالنسبة لي. فهي تقدم رؤية أدبية جديدة للحرب تتجاوز الصور النمطية المألوفة. بعيدًا عن مشاهد الأشلاء والدماء المعتادة، وتعيد الرواية تعريف الحرب كحالة إنسانية عميقة، وتكشف عن روح الإنسان وهشاشته في مواجهة الصراعات، وقد فازت بجائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024
وعن براعة الفخراني في توظيف الرموز والألوان، تقول شادن إنه استخدم أسماء مجردة تضفي على العمل طابعًا فلسفيًا وتأمليًا عميقًا. وعبر هذه الشخصيات، يستعرض الكاتب أبعاد الحرب الإنسانية، حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان، ومن خلال حوارات ومواقف تجمع شخصين من طرفين متعارضين وسط الحرب، تظهر إنسانيتهما رغم عدائية الظروف التي تحيط بهما.
وتستشهد الشاعرة اللبنانية بمقطع من الرواية يجسد عمقها الفلسفي "لا أحد يعرف. في الحرب لا يمكنك أن تعرف حتى ترى بعينيك. وعندما ترى بعينيك تتأكد أكثر أنك لا تعرف". وهذا المقطع يلخص الأسئلة الجوهرية التي تثيرها الرواية حول طبيعة المعرفة والحقيقة في زمن الحرب.
وبنظرة عميقة، تخلص الروائية إلى جوهر القراءة، والتي تمثل وجهة نظر تعكس وعينا الواعي وغير الواعي في اختياراتنا للكتب التي نقرأها، أو هي في عبارة موجزة "اقرأ حتى أراك".
كالميت بين يدي غاسلهيعيش الكاتب التونسي "شكري الباصومي" منذ أشهر تحت سلطان كتاب "الموازي في أخبار المسرح النشازي.. ومهملات أخرى" للمبدع المسرحي توفيق الجبالي الذي ضل طريق الكتابة.
ويتساءل حائرا كيف بإمكانه في سطور أن يعبر عن محتوى هذا الكتاب الملغوم؟ فهو يرى أنه حين يكتب الجبالي فهو قادر على امتاع القارئ، فقد اعتنق الكتابة الشاملة المنفلتة التي تتميز بأن المعرفة عمادُها، والجبالي يمتلك جرأة في القول، ويقدر على تسمية الأمور بأسمائها، قدر المستطاع، ويتميز بسخرية تغيظ بعض الفاعلين، وتشفي صدور القراء.