سواليف:
2025-02-20@02:25:15 GMT

بلا مجاملة

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

#بلا_مجاملة د. #هاشم_غرايبه

من اللافت للنظر، مدى استغراق فئة من هذه الأمة في التصدي لمحاولة عودة الأمة الى منهجها القويم الذي ارتقت به من جاهليتها وعصبيتها عندما اتبعته، ولما نكصت عنه عادت الى ما كانت عليه قبله، رغم أنه تبين للأعمى قبل البصير أن المنهج البديل (منظومة سايكس- بيكو) فاشل إداريا، وعاجز بنيويا، لعدم أهليته لحمل المشروع النهضوي المأمول.


تكونت هذه الفئة بداية من الزعماء القبليين الذين خشوا فقدان امتيازاتهم، والدهماء من أتباعهم، وانضم إليهم أغلبية أهل الكتاب حسدا من أنفسهم للعرب أن اختصهم الله بالرسالة الخاتمة، فباتوا معسكرا داخليا معاديا، فسماهم الله تعالى بالمنافقين.
نما هذا المعسكر في الخفاء مع نمو الدولة الإسلامية، ولم يكن لينشط ويكشف أفراده أنفسهم إلا كلما حدث عدوان خارجي، أملا في انتصار الغزاة والقضاء على الإسلام واسئصاله من الأرض.
عندما نجح الغرب أخيرا بالقضاء على آخر صورة للدولة الإسلامية في مطلع القرن العشرين، وجد في هذا المعسكر من كان طامحا للسلطة من التزم بطاعته وتنفيذ إملاءاته، والتي تحددت بمنع عودة تلك الدولة الجامعة للأمة، والبديل الذي كانت تعد به هو موالاة الغرب واتباع منهجهم.
شهدت الألفية الجديدة انتقال السلطة من جيل الآباء المؤسسين لهذه المنظومة الى الجيل الثاني، بعد أن أنجزوا برنامج الراعي الغربي في حصار الإسلام وتحويله الى مجرد طقوس عبادة، إضافة الى حماية اللقيط بتحقيق النكبة والنكسة والتطبيع.
لكن استغراق الجيل الجديد في مهامهم الموكلة إليهم فاق كثيرا آباءهم، فقد حققوا للغرب من مصالح في عقدين من الزمن، أكثر مما حققه جيل الآباء في ثمانية عقود، بداية بتقسيم المقسم من أجل شرذمة الأمة أكثر، ثم أشغلوها بحروب مع الذات (الحرب على الإرهاب) للقضاء على كل معالم المقاومة للغزاة، ثم التدمير الذاتي وتقطيع أوصال المجتمع في الأقطار العربية الأقوى، فبدأوا بالجزائر ثم العراق ثم مصر ثم سوريا ثم ليبيا ثم اليمن، وبعد أن أنجز ذلك، كانت الحلقة الأخيرة وهي تدمير اقتصادات الأقطار التي نجت من كل تلك الحرائق وهي الدول الخليجية، فكانت (عاصفة الحزم) استنساخا للحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات بلا هدف ولا نتيجة سوى الإستنزاف.
رغم ذلك فالجيل هذا لم يكونوا بحكمة آبائهم وتمرسهم، ويشعرون بالقلق جراء انفصالهم عن المواطنين، إذ يحسون بالفارق الكبير عن جيل الآباء، الذين تسلموا الحكم خارج الشرعية الإنتخابية الشعبية، فنزلوا جميعهم على كراسي الحكم بمظلة الراعي الأوروبي-الأمريكي، لذلك تعاملوا مع مواطنيهم بتودد حذر، وتقربوا منهم ليأمنوا نقمتهم، لكن الغلمان جاءوا جميعا بفعل الأمر الواقع، وتربوا في الغرب على مباديء الليبرالية النفعية، فلا يهتمون كثيرا بأنات المسحوقين، ويرون المواطنين رعية تبعا، لا يقبلون منهم إلا الولاء المطلق، لذلك لا يجدون حاجة لتلمس احتياجاتهم ولا يقبلون حتى سماع شكاياتهم.
بناء على ذلك نفهم لماذا كانت تتفاقم المشكلات البسيطة وتتعقد، فالسمة العامة لهؤلاء أبعد ما تكون عن الحكمة والتعقل، بل يغلب النزق الصبياني، الذي يتميز بعدم الإستئناس بأفكار أصحاب الخبرة والإختصاص ولا الأخذ بآراء العقلاء الناصحين.
والأمثلة كثيرة نلمسها في كل المصائب العربية الحالية، وللتمثيل لا الحصر، نرى كيف زينت الأحقاد الطائفية للمنافقين سوء عملهم، عندما تحالفوا مع الأعداء لتدمير حواضر الأمة في العراق وسوريا، فكانت الخسارة للسنة والشيعة على السواء، والمستفيد الوحيد هو الكيان اللقيط.
ورأينا كيف حوّل الطيش وانعدام بطانة الحكماء، النزاع في سوريا من سياسي داخلي يمكن حله بالحوار، الى ميدان صراع دولي يربح منه كل الطامعين، والخاسر الوحيد هو سوريا.
وشهدنا دمار الأمة كيف حققه طيش الغلمان بتوريط دول الخليج في تدمير مصر خوفا من تمدد الهبة الشعبية، ثم اليمن وليبيا، فلانعدام إيمانهم، عرّضوا الأمة الى لدغة إثر لدغة من جحر الاحتواء المزدوج، فاستنزفوا كل مقدراتها.
حتى لو تجاوزنا كل ماسبق، فأن اصطفاف منظومة سايكس بيكو وراء الراعي الأمريكي في معركة الطوفان لم يدع عذرا حتى لأهبل، لكن المرعوبين من الإسلام لا يبدون أية نية في مراجعة موقفهم، ورغم فداحة الخسائر التي ألحقوها بالأمة التي يدعون حرصهم عليها.
هكذا لينكشف حلف المنافقين.
فهل عرفنا الآن لماذا توعد الله المنافقين بالدرك الأسفل من النار؟.

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

سوريا.. ضبط مجموعة متورطة بتهريب السلاح لحزب الله في لبنان

سوريا.. ضبط مجموعة متورطة بتهريب السلاح لحزب الله في لبنان

مقالات مشابهة

  • القائد الأمة
  • بوتين: المحادثات الروسية الأمريكية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض كانت “إيجابية”.. ويسعدني لقاء ترامب
  • سوريا.. ضبط مجموعة متورطة بتهريب السلاح لحزب الله في لبنان
  • عطاف يؤدي زيارة مجاملة إلى رئيس موزمبيق الأسبق
  • جواد نصر الله: هكذا كانت نظرة سماحته لـاليمن والسيد عبدالملك!
  • ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يناقش دور القبلة في وحدة الأمة الإسلامية
  • الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
  • الهوية الإيمانية تحقيق لخير أمة أُخرجت للناس
  • القوات: انتهى الزمن الذي كانت إيران تعتبر فيه بيروت إحدى العواصم التي تسيطر عليها
  • الراعي: يد الرَّبّ يسوع المسيح وقديسي لبنان كانت تمنعه من السقوط