عربي21:
2025-01-26@06:48:22 GMT

في الخلفيات الثقافية لحراك الجامعات الأمريكية

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

ما الذي يدفع طلبة ليسوا من أصول عربية ولا إسلامية في أغلبهم، ولا يربطهم تاريخ وثقافة مشتركة مع أهالي غزة، أن يواصلوا منذ منتصف الشهر الماضي مظاهراتهم المناهضة للجريمة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي كل يوم في قطاع غزة؟ على الرغم من الضغوطات الشديدة التي يتعرضون لها من الشرطة الأميركية: بعضها تهديدات علنية وبعضها الآخر تهديدات مبطنة من جهات غير رسمية.



بالمقابل، لماذا لم يحدث في عالمنا العربي سيرورة تظاهرية لطلاب الجامعات نصرة لأهالي غزة، ممن يشتركون معهم في التاريخ، واللغة، والدين، والثقافة، والمصير الواحد، والعدو المشترك؟

كيف يمكن تفسير مستوى الحس الأخلاقي العال عند الطلاب الأميركيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والثقافية عندما يصرون على التظاهر حتى يوقف الاحتلال الإسرائيلي حربه على غزة؟ وكيف يمكن تفسير المستوى المعرفي والسياسي عند هؤلاء الطلاب الذي رفعوا شعارات "فلسطين من النهر إلى البحر" في تناقض مع السردية الإسرائيلية التاريخية؟

ما هو الفارق، أو المتغير السببي في الحالتين؟

لن يهتم هذا المقال بقراءة المشهد داخل الجامعات الامريكية، بل ما يهتم به هو الخلفيات الثقافية والسياسية التي أنتجت هذه الظاهرة.

بداية لنضرب مثالين عن العملية التعليمية في الولايات المتحدة:

ـ منذ عقود أخذت الجامعات الغربية تعتمد تجربة رابندرانات طاغور ـ الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1913 ـ التعليمية، وهي عملية تركز على تطوير التلميذ من خلال ممارسات الجدل السقراطي، والتعرض للعديد من الثقافات العالمية، وضخ الموسيقي والفنون الجميلة، المسرح، والرقص في كل جزئية من المنهج.

ـ في عام 2005 حصل اعتكاف للمدرسين في المدرسة المخبرية بشيكاغو، أجرى جون ديوي (لُقب بأبو الفلسفة التربوية) تجاربه في تحسين التعليم الديمقراطي: اجتمع المدرسون لمناقشة موضوع التعليم للمواطنة الديمقراطية، وأخذوا بعين الاعتبار تشكيلة واسعة من التجارب التعليمية، دارسين رموز تتفاوت من سقراط إلى ديوي في التراث الغربي إلى أفكار طاغور المقاربة لهم في الهند.

هذا المثالان كافيان لإدراك الفارق الجوهري بين التعليم المدرسي بيننا في العالم العربي وبين العالم الغربي.

من خلال هذين المثالين فقط يمكن إدراك المستوى المعرفي والسياسي والأخلاقي والعلمي للطلبة، سواء في المرحلة المدرسية أو في المرحلة الجامعية.

ليست المدرسة ولا الجامعة مجرد تلقين معرفي جامد للمعلومات، بقدر ما هي تجارب حياتية معرفية وقيمية، ومن هنا ذهبت عالمة الاجتماع الأمريكية مارثا نوسباوم في كتابها الشهير "ليس للربح: لماذا تحتاج الديمقراطيات إلى الإنسانيات؟" إلى أن العلوم الإنسانية (الأدب والفلسفة والتاريخ.. إلخ) تقدم مساهمة كبيرة في نوعية المواطنة السياسية، إذ تنمي ثلاث قدرات حاسمة للمواطنة الجيدة:

الأول، التمحيص الذاتي السقراطي، فالدورات في التفكير النقدي والفلسفة تعلم المهارة الحاسمة للمفاوضة والتحليل التأملي، فيتعلم الناس فهم أسباب دعمهم لهذه السياسة أو تلك يخلق هذا مساحة للتفاوض الحقيقي في ساحاتنا العامة الصاخبة جدا بالمجمل، وتفضي إلى أن يحترم المرء خصومه، الذين لا يُنظر إليهم كمجرد أعداء، ولكن كبشر لديهم أسبابا لما يعتقدون.

إن فضاء الديمقراطية ـ الليبرالية وفضاء المواطنة مع مستوى التعليم العالي ومؤسسات عقلانية متطورة، أدت كلها إلى نشوء جيل من الشباب لديه منظومة معرفية ـ قيمية متشابكة، بخلاف العالم العربي، حيث الاستبداد، وهدر كرامة الإنسان، وغياب حوامل اقتصادية، جعل الطلاب الشباب ليسوا في حالة اغتراب مجتمعي وسياسي فحسب، بل أفقدهم القدرة على الإحساس بالقضايا الإنسانية الكبرى التي تهمهم بشكل مباشر.الثاني، تعلم الإنسانيات حسا من المواطنة العالمية، حيث ينقل التاريخ حسا من التعقيد في كل أمة، بل أبعد من ذلك، حسا بالعالم أكمله.

الثالث، تغذي وتطور الإنسانيات الخيال السردي، الحس بما هو الشعور.

وتضرب نوسباوم أمثلة على التأثيرات السلبية لضعف العلوم الإنسانية في التعليم، مستشهدة بدراسة خرجت من المجلس البريطاني عام 1995 ذكرت أن أغلب المتطرفين القادمين من الشرق الأوسط هم خريجو طب أو هندسة، وبأن تدريسا كهذا يفشل في دمج التفكير النقدي كما تفعل الإنسانيات، وهذا يؤدي إلى الخضوع والامتثال مما يجعلهم يكتسبون ذهنية يمكن التلاعب والتحكم بها بسهولة.

من المفارقات الغريبة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا أهالي الطلاب إلى عدم إرسالهم لكليات العلوم الإنسانية، وإرسالهم بدلا من ذلك إلى الكليات العلمية التطبيقية، مثل البرمجة، تحت عنوان "حيشتغلوا إيه".

إنه ديدن الاستبداد الذي يرى التطور والتقدم الحضاري وفق الأرقام والمنتجات المادية، فيما يرى أن توسع وتطور المعارف الإنسانية: الحقوقية، الفلسفية، التاريخية تساهم في زعزعة الأنظمة الاستبدادية.

وبالتالي، لا يمكن رؤية حراك الجامعات الأمريكية إلا كثمرة مباشرة لهذا التعليم ودوره في رفع مستوى الوعي بالقضايا الإنسانية العامة، وقد نلاحظ هنا أن الحراك الجامعي الأمريكي حول غزة هو من أجل قضايا تحريرية عالمية ليست مرتبطة بالشؤون الحياتية اليومية للطلاب.

إن فضاء الديمقراطية ـ الليبرالية وفضاء المواطنة مع مستوى التعليم العالي ومؤسسات عقلانية متطورة، أدت كلها إلى نشوء جيل من الشباب لديه منظومة معرفية ـ قيمية متشابكة، بخلاف العالم العربي، حيث الاستبداد، وهدر كرامة الإنسان، وغياب حوامل اقتصادية، جعل الطلاب الشباب ليسوا في حالة اغتراب مجتمعي وسياسي فحسب، بل أفقدهم القدرة على الإحساس بالقضايا الإنسانية الكبرى التي تهمهم بشكل مباشر.

في عام 1990، أكد تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة أن التنمية البشرية لا تقتصر على مجالات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الحياتية، بل تشمل مجموعة من الإمكانات والقدرات، منها الحريات السياسية وحقوق الإنسان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الجامعات حربه فلسطين فلسطين غزة جامعات تضامن حرب مقالات مقالات مقالات سياسة عالم الفن سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

«التعليم العالي»: نعمل على تقديم برامج دراسية مزدوجة الشهادة بالتعاون مع الجامعات الدولية

شهد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فعاليات ورشة العمل التي عُقدت بعنوان «الإتاحة في التعليم في ضوء الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي»، بحضور أمناء المجلس الأعلى للجامعات ومجلس الجامعات الأهلية ومجلس الجامعات الخاصة، ولفيف من رؤساء الجامعات وقيادات الوزارة.

التوسع في إنشاء الجامعات

وأكد «عاشور» أن منظومة التعليم العالي تشهد توسعًا كبيرًا بفضل الدعم الهائل الذي تقدمه القيادة السياسية لاستيعاب الإقبال المتزايد على الالتحاق بالتعليم الجامعي، مشيرًا إلى أن النمو السكاني يتطلب التوسع في إنشاء الجامعات المختلفة، لافتًا إلى أهمية تقديم الجامعات برامج دراسية بينية حديثة تواكب متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، وكذلك المساهمة في جذب الطلاب للالتحاق بالجامعات، وتدريب الطلاب عمليًا بالتعاون مع الشركات المختلفة لتأهيل الطلاب ليكونوا مؤهلين للالتحاق بسوق العمل، لصقل خبرات الطلاب وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، بما يتماشى مع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي ورؤية مصر 2030.

وأوضح أن منظومة التعليم العالي تتسم بالتنوع، حيث تضم جامعات حكومية وجامعات أهلية وجامعات خاصة وجامعات تكنولوجية وأفرع جامعات دولية وجامعات باتفاقيات دولية وإطارية وقوانين خاصة، بالإضافة إلى المعاهد، مشيرًا إلى أن هذا التنوع يساعد على الارتقاء بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي.

الارتقاء بمنظومة التعليم الجامعي

وأشار الدكتور أيمن عاشور إلى أهمية استمرار عقد الشراكات مع الجامعات الدولية المرموقة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة لتطوير المنظومة التعليمية والبحثية في مصر، وتقديم برامج دراسية متميزة مزدوجة الشهادة، بالتعاون مع كبرى الجامعات المرموقة، فضلًا عن جذب الطلاب الوافدين للدراسة بالجامعات المصرية، ودعم تنفيذ الأبحاث العلمية التطبيقية، والتمويل المُشترك للأبحاث، وكذلك التعاون والتكامل مع مختلف المؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة كفر الشيخ يشترك بورشة عمل حول الإتاحة في التعليم بأسوان
  • جامعة المنيا تشارك فى ورشة عمل حول الإتاحة في التعليم
  • «عاشور» يترأس ورشة عمل بأسوان حول الإتاحة في التعليم
  • ورشة عمل حول الإتاحة في التعليم في ضوء الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي بجامعة المنيا
  • رئيس جامعة المنيا يشارك فى ورشة عمل حول "الإتاحة في التعليم"
  • عاشور يشهد ورشة عمل حول تطوير الإتاحة في التعليم وفق الإستراتيجية الوطنية"
  • وزير التعليم العالي يشهد ورشة حول الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي
  • رئيس جامعة أسيوط يشارك فى ورشة عمل حول الإتاحة في التعليم
  • «التعليم العالي»: نعمل على تقديم برامج دراسية مزدوجة الشهادة بالتعاون مع الجامعات الدولية
  • وزير التعليم العالي يشهد ورشة عمل حول "الإتاحة في التعليم"