ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
سبت النور.. سبت الفرح ... ليلة عيد القيامة المجيد ، حيث ينطلق النور المقدس من القبر المقدس من كنيسة القيامة في البلدة القديمة في القدس إلى باقي ربوع فلسطين ثم إلى كنائس العالم كله ولكن هذا العام بدون فرح، وسط أجواء الحرب حيث حل الركام بدل سعف النخيل الذي كان يزين المكان في مثل هذا الوقت من العام حيث يحتفل بعض الطوائف هناك حسب التوقيت الغربي والبعض الأخر يحتفل في نفس التوقيت الذي يحتفل فيه أقباط مصر بعيد القيامة حسب التوقيت الشرقي، في كنيسة القيامة وهي قبلة حجاج المسيحيين ، الذين يتكبدون الكثير من الأموال والجهد للوصول لها والحج إليها.
كانت تسمح قوات الاحتلال للحجاج الذهاب إلى كنيسة القيامة من أجل السياحة وكسب الأموال ولكن هذا العام تزداد العراقيل من قبل شرطة الاحتلال الذين يعرقلون بها الطريق المؤدى إلى كنيسة القيامة قبل سبت النور ، فتغيب أجواء الفرح عن عيد القيامة خاصة للطائفة الأرثوذكسية، هذا هو نفس المشهد ونفس تلك الحواجز التي وضعوها في المسجد الأقصى في شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك وكأن إسرائيل لا تيقن أن القدس هي ليست حكرًا على أحد ولكن مقدساتها هي ملك لكل الأديان السماوية .
وابان ذلك وعلى الصعيد السياسي تطل علينا جريدة " لو فيجارو" الفرنسية بخبر وتصريح هام عن أن مصر أصبح لها اليد العليا في المفاوضات بين الجانب الاسرائيلى وحركة حماس وذلك لعدة أسباب ومنها إن إسرائيل لا تثق كثيرا في الجهود القطرية للوساطة فضلا عن علم الجانب الفلسطيني أو قادة حركة حماس بأهمية الحفاظ على الأمن القومي المصري ، وعلى الرغم عن كثرة الكلام عن اجتياح رفح بريًا منذ أيام قليلة ولكن عاد مرة أخرى الحديث عن وقف إطلاق النار والهدنة الكاملة في القطاع وعودة للنازحين إلى شمال القطاع مرة أخرى وكأن الجهد الدبلوماسي المصري عن منع كارثة اجتياح رفح يؤتى ثماره .
أمّا على الصعيد الانسانى فدور مصر لا يقتصر فقط على السياسة والاغاثات الطبية فحسب ، بل أن هناك لفتات إنسانية مصرية جميلة تحكى روايات عند الحدود المصرية ، ترويها أمهات فلسطينيات من المخيمات في رفح الفلسطينية والمتاخمة للحدود المصرية عن إنارة الأضواء على الحدود المصرية الفلسطينية ليلا لإنارة المخيم الذي يفتقر إلى الطاقة وعن بعض من الفعاليات والمسابقات الشبابية التي تنظم من قبل الجانب المصري لشباب المخيم لكسر حدة الحزن الذي يخيم على المكان هناك وتمرير وجبات الإفطار والغذاء .
قتل الصحفيين ووأد حرية الصحافة ، تهجير قسري ، إبادة جماعية ، مجازر ، اختطاف فرحة العيد عرقلة وصول الحجاج المسيحيين إلى وجهتهم ، كلها جرائم بشرية لا تليق أن تحدث في القدس مدينة المقدسات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: کنیسة القیامة
إقرأ أيضاً:
رواية يوم القيامة!
يظن المرء وهو يقرأ الكتب القديمة ذاتها، ويرى تأثيرها فـي الناس والثقافة والحياة؛ أنه لن يأتي كتاب بعدها يغير التاريخ، أو يكون نقطة فاصلة لا يمكن تجاوزها فـي المعرفة المكتوبة. ورواية اليوم إحدى هذه الكتب التي أجمع الناس على أهميتها وبراعة مؤلفها الفذ فـي استشراف المستقبل، حتى ليكاد المرء يحسب أنه سافر عبر الزمن ثم عاد إلى زمنه لا لشيء، إلا ليكتب روايته هذه، ويصيح بأعلى صوته، رأيتُ المستقبل!. ارتبط كائن آخر برؤية اليوم الآتي من الحياة، رغم أن الأيام التالية لظهور هذا الكائن ليست من الأيام المحببة على الإطلاق، فهو ينذر بالكوارث البيئية الآتية بُعيد رؤيته؛ وهي سمكة يوم القيامة.
تمثل رواية اليوم بديلا موازيا لسمكة يوم القيامة فـي الأدب العالمي كله، فمؤلفها جورج أورويل -كما ألبير كامو- ولد فـي مستعمرة بلده الأم بريطانيا، فـي الهند الاستعمارية آنذاك. وبدا أن حياة الضابط -والصحفـي والناقد السياسي فـيما بعد- تسير بوتيرة جيدة فـي سبيل التمتع بخيرات بلاد ليست بلاده، وثروات لا ناقة لبريطانيا لها فـيها ولا جمل سوى أنها القوة التي تتحكم برقاب الناس فـي تلك البقعة الجغرافـية من العالم التي كتب لها القدر أن تكون ضعيفة فـي تلك المرحلة المظلمة من التاريخ. تنقّل مؤلفنا فـي الوظائف، وكعادة أي إنسان حر؛ لا يستطيع المرء أن يعارض ما يختلج فـي نفسه ويسيرَ عكس النهر الكبير للروح. فلم يقدر أن يكمل حياة الانتفاع من أموال الاستعمار ومنافعه، فـي حين أن الشعب المُستَعمَر يرزح تحت نير الاحتلال والاستعمار المقيت، فـي وضع وحالة لا يمكن أن يوصف المستَعمِر والمُستَعمَر بنفس التوصيف وبغير تفريق بينهما فنقول بأن كليهما إنسان!.
أما وجه الشبه بين الرواية والسمكة المعروفة أيضا بـ«نذير الهلاك»، أن هذه السمكة مرتبطة فـي الوعي الجمعي لعدد من الشعوب بأنها النذير الأولي لحدوث كارثة طبيعية ليست ببعيدة، كالزلازل والبراكين والأعاصير وغيرها، وهي ما أضحت فـيما بعد خرافة عالمية يترقبها صائدو الكوارث الطبيعية، ويستدلون بها على المصيبة التي تطرق أبواب الدولة التي ظهرت فـيها هذه السمكة. كذلك رواية أورويل، فهو يخبرنا فـي عهد مبكر بالمآل الذي ستؤول إليه الأمور فـي الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية التي لا يأمن أحد فـيها ابنه أو أخيه الذي سيقدمه قرابنا وعرفان ولاء للدكتاتور إن رأى فـيه ما يثير الريبة، أو شم فـيه ما يدل على نظام عقلي يحاول مكافحة الهدير الهادر لوسائل التضليل التي يتحكم بها الديكتاتور المعروف فـي الرواية باسم «الأخ الأكبر».
تحمل الرواية طابعا سياسيا تراجيديا، فأسماء الوزارات التي سماها أورويل بنقيض تأثيرها أو عملها، فوزارة الحقيقة هي البديل لوزارة الإعلام التي يبث منها الديكتاتور دعايته المضللة، ووزارة السلام هي المختصة بشؤون الحرب، ووزارة الحب هدفها التجسس والتعذيب والترويع والترهيب، ووزارة الوفرة هي وزارة الاقتصاد الذي يجب أن يعيش فـيه الجميع بالحد الأدنى الذي يضمن بقاء أجسادهم حية قادرة على العمل والكدح فـي سبيل «الأخ الأكبر». لن يستطيع المرء وهو يقرأ هذه الرواية ألا يسقطها على بعض الطغاة الذين جرفتهم أمواج الحياة، وبعضهم الذي نراه عيانا اليوم. بل لن يستطيع أن يقرأها -والحال هذه- بمعزل عن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق شعب أعزل. فالعبارة التي صارت علامة وأيقونة مرتبطة بالرواية «الأخر الأكبر يراقبك»، نجد نموذجها التطبيقي فـي القدس المحتلة وفـي الضفة كذلك. فقبل سنوات -وفـي عام 2018 تحديدًا- أعلنت منظومة الاحتلال تنفـيذها مشروع «عين القدس»، «الذي يتضمن تركيب 500 كاميرا مراقبة ذكية جديدة فـي أنحاء مختلفة بالمدينة المقدسة المحتلة» كما أوردت أسيل جندي فـي مقالتها فـي موقع شبكة الجزيرة الإعلامية. من يقرأ رواية أوريل، سيصعق وهو يقرأ هذه القطعة من المصدر نفسه «وتختلف جودة وإمكانيات الكاميرات الذكية من جيل إلى جيل -حسب غوشة- ويمكن للحديثة منها أن تظهر ما كتب على قصاصة ورق يحملها شخص أثناء سيره، كما يمكنها التعرف على بصمة العين ورصد لوحات المركبات بالشوارع واختراق الزجاج الأسود الموجود على بعضها». فهي تتطابق مع ما ذكره أورويل فـي روايته عن الكاميرات التي تراقب كل شيء، حركة العين، الإيماءة، تشنجات الوجه، فضلا عن الكلام!.
من يقرأ الرواية سيلاحظ بأنها تخيّل عمّا سيكون عليه الحال لو أصبحت الدولة تحت قيادة الشر المطلق، ولكن المؤلف لم يكن يتوقع بأن روايته ستكون واقعًا معاشًا لشعب من الشعوب فـي يوم ما. يحسب له أنه رأى مآل الأمور فـي فترة لم يبلغ التقدم التكنولوجي فـيها عُشر معشار ما عليه الأمور اليوم. يعلو صوت المفكر فـي الرواية كثيرا، وتظهر بين الصفحات العبقرية السياسية والنقدية لأورويل. فهو يتحدث عن دور الديكتاتورية فـي صنع الذاكرة الشعبية أو محوها وفق التحالفات والعداوات، يتحدث عن تغير المصالح وتبدلها، عن عذابات النفس والجسد، عن تغير العقائد فـي السِّلم والتعذيب، عن المتناهي واللامتناهي فـي الحياة والسياسة والعمل، عن الخيبة والانكسار واكتشاف الخديعة. إنها عمل خالد بامتياز، عمل يُشعرك بعظم المآسي فـي التاريخ البشري، عمل يخبرك عن النقيض، عما يحدث فـي الحياة اليوم وفـي الساحة السياسية والجغرافـية. إنه يخبرك عن البشاعة أيضا، ولن يستطيع المرء أن يقرأها بعد أحداث غزة الأخيرة، وبشاعة الاحتلال وجرائمه، كما كان يقرؤها من قبل. وكمثال على ذلك «..وإذا ما كانت كل السجلات تذكر نفس الحكاية، عندئذ ستدخل هذه الكذبة التاريخ لتصبح حقيقة واقعة... إن من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي».
صحيح أن رواية «1984» لجورج أورويل كتبها عام 1949م، لكن وبسبب هذا بالذات لو كان له أن يعود إلى الحياة ليوم واحد فحسب، فسيصيح بأعلى صوته «رأيتُ المستقبل!»، لكنه لن يكون سعيدا بالطبع، فما أسوأ أن يريد المرء تنبيه الناس من المصير المظلم؛ ثم يراهم يتساقطون فـيه كما لو كانوا يقادون دون بصيرة أو بصر. من الجدير بالذكر أن الرواية الشهيرة الأخرى لأورويل «مزرعة الحيوان»، ترجمها الروائي والأديب العماني محمد عيد العريمي فـي إحدى ترجماتها المميزة.