من يقرأ "أعمدة الحكمة السبعة" يُلاحظ، أول ما يُلاحظ، استغراق الكاتب في وصف الأمكنة وتفاصيلها "المورفولوجية" والقبائل التي تعمرها والأحوال الجوية السائدة فيها وصفا دقيقا يشي بأننا أمام متمرس في علم الجغرافيا، وليس أمام رجل أدب عادي أو جندي بسيط وسط مؤسسة عسكرية. ولعل ما يُزكّي القول بوجود علاقة بين "لورنس" وعلم الجغرافيا هو كونه قد عين في وزارة الحرب البريطانية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى بصفته رسام خرائط.

صحيح أن "لورنس" وظف المعطيات الجغرافية التي تأتّى له جمعها خلال مغامراته في الجزيرة العربية توظيفا أدبيا فنيا راقيا، لكن لا يقل صحة كذلك أن المنطق المتحكم في جمع هذه المعطيات وتقديمها كان منطق "جيو-سياسي" يهدف إلى تعبيد الطريق لتدخل المؤسسة العسكرية في الفضاء الموصوف.

ليس من المصادفة أن ينصب اهتمام المكتشفين الفرنسيين على الفضاء المغاربي بالأساس، بينما ينصب اهتمام المكتشفين البريطانيين على صحراء الجزيرة العربية

لقد كان "لورنس" يعي تمام الوعي أن علم الجغرافيا، كما يقول "إيف لاكوست" (Yves Lacoste) في مقالته المشهورة، يصلح أولا لقيادة الحرب (La géographie, ça sert, d’abord, à faire la guerre).

وفق الجغرافي والجيو سياسي الفرنسي "إيف لاكوست"، لا جدال في أن العلاقة بين "لورنس" والمؤسسة العسكرية الإمبريالية هي من جنس العلاقة القائمة بين الجغرافيين الذين يوجدون في الطليعة وبين حس الغزو المرتبط بأجهزة الدول الكبرى. حتى وإن كان اهتمام الفرد بالفضاء اهتماما شاعريا أو فنيا أدبيا خاصا، فإن للمؤسسة العسكرية نظرة أخرى، حيث تعمل على توظيف هذا الاهتمام لتتميم المعلومات الناقصة عن هذا الفضاء بغرض الظفر بصور موحية عن طبيعته.

يقدم "لاكوست" دليلا أن المتحكم في تحديد وجهة الرحالة المكتشفين كانت الأطماع الإمبريالية الاستعمارية، فليس من المصادفة أن ينصب اهتمام المكتشفين الفرنسيين على الفضاء المغاربي بالأساس، بينما ينصب اهتمام المكتشفين البريطانيين على صحراء الجزيرة العربية. يذهب "لاكوست" إلى حد القول بأن مفهوم "المنظر الجميل" الذي هو موضوع وصف الأدباء وتغني الشعراء، لم يولد إلا في القرون الأخيرة وأن الأصل فيه هو العقل الجيو إستراتيجي الذي يربط بين "جمال المنظر والقدرة على التصويب نحوه" أو التحكم فيه (visible, visable).

ما كان "لورنس" ليجهل توجيهات "اللورد كورتزن" (Lord Curzon) المؤكدة على أن الدراسات الاستشراقية "واجب نحو الإمبراطورية" وأن التوسل بعلم الجغرافيا هو السبيل الأوحد للقيام بهذا الواجب. يقول "اللورد كورتزن" مخاطبا "الجمعية الجغرافية" (Geographical Society) في سنة 1912: "بفضل علم الجغرافيا، ولا شيء غير علم الجغرافيا، يمكننا أن نفهم حركة قوى الطبيعة الكبرى، وتوزع الساكنة، ونمو التجارة، وتوسع الحدود، وتطور الدول، والنتائج المذهلة التي تفضي إليها الطاقة الإنسانية في جميع تجلياتها. نحن ندرك أن الجغرافيا مسخرة لخدمة التاريخ".

كثيرة هي المقتطفات من "أعمدة الحكمة السبعة" التي نجد فيها التجسيد الأمثل لروح خطاب "اللورد كورتزن". تأمل عزيزي القارئ فيما يكتب "لورنس" في المقتطف التالي: "بسبب الأهمية المتزايدة التي أصبحت تتمتع بها منطقة حوران، أصبح لزاما علينا التعرف على لهجتها وبنيتها العشائرية وطبيعة الخصومات القائمة بين العشائر، فضلا عن الأسماء والطرق. كان الشباب الثلاثة، رحيل وعساف وحميد، يلقنونني شيئا فشيئا ما كان يجري حولهم ونحن ندردش أثناء رحلتنا".

إذا كان هذا الاهتمام ذو الطبيعة العسكرية الاستراتيجية بالفضاء يفسر مهمة "لورنس" ويحكي قصته كصانع خرائط في المؤسسة الإمبريالية، فإنه لا يكفي بالمقابل لتفسير حضور الجغرافيا كقيمة مضافة في "أعمدة الحكمة السبعة"، هذه القيمة التي تجعل القارئ يتلقف الكتاب بوصفه عملا أدبيا راقيا، لا بوصفه تقريرا أو سلسلة تقارير وضعت تحت تصرف جهة عسكرية أو استخباراتية.

حين نتذكر أن الباعث الأول على كتابة "أعمدة الحكمة السبعة" كان باعثا أدبيا يستحث صاحبه على الارتقاء بفن الكتابة إلى المرتبة التي بلغها مع "نيتشه" و"ميلفل" و"دوستويفسكي"، يمكننا أن نذهب إلى القول إن طموحات "لورنس" الأدبية جعلته لا يتوانى في إخضاع المنطق الجيو استراتيجي في التعامل مع الفضاء خدمة لمقاربة أخرى هي أقرب إلى المقاربة الجيو شاعرية.

حين نقرأ سيرة "لورنس" وجملة رسائله ندرك أن انخراطه في الحرب العالمية الأولى هو من جنس انخراط أبناء جيله في هذه الحرب، كانوا يمنون النفس بأنهم سيجدون في الفعل والحركة ما يدفع عنهم الضجر والقلق الوجوديين القائمين وما سيذكي حماستهم الشعرية ويلبي حاجتهم إلى إنجازات بطولية. عندما نقارن عمل "لورنس" ببعض الأعمال التي تصف مغامرات هؤلاء الشباب نجد أوجه شبه كثيرة، إلا أن هناك فرقا جوهريا يتمثل في كون عمل "لورنس" يأخذ الصحراء مسرحا لانبساط الأحداث البطولية، على عكس الأعمال الأخرى التي تصدر عن خنادق أوروبا المظلمة والموحلة.

لم يكن هؤلاء الشباب يكتبون للمؤسسة العسكرية، بقدر ما كانوا يعبرون عن حالة شعورية ملأها التشوق إلى آفاق وجودية أرحب. حتى قبل انخراطه في المؤسسة العسكرية كان "لورنس" يبدي شغفا كبيرا بوصف الأماكن. فقد دفعه الاهتمام بتاريخ القرون الوسطى وبفنون التصوير إلى القيام بمغامرة على متن دراجته الهوائية، وهو لا يزال في سن مبكرة، قادته من إنجلترا إلى بلاد الغال ثم إلى فرنسا، حيث قطع 2000 كيلومتر إلى غاية بلوغ البحر الأبيض المتوسط. تفيدنا رسائله المبعوثة خلال هذه الرحلة بأنه يتمتع بحس أدبي نافذ وبحرص كبير على التفاعل مع المناظر والأماكن تفاعلا جماليا وجوديا.

يعطينا الفصل الأول من "أعمدة الحكمة السبعة" انطباعا قويا بأننا لسنا أمام تقارير تؤرخ لما يعاينه "لورنس" العسكري في الميدان، بل أمام كتابة تتوسل بأسلوب يغلب عليه المجاز الشعري. يتحدث "لورنس" عن "الصحراء العارية" و"السماء اللامبالية" و"الشمس الحارة التي تُخمِّرنا" و"ضروب الصمت التي تعلق بالنجوم" و"الريح اللافحة الضاربة".

يذهب الشغف بوصف الفضاء بـ "لورنس" إلى درجة يشيح عندها بنظره عن الأشخاص الماثلين أمامه ليسترسل في وصف ظواهر الطبيعة، منساقا وراء لغة المجاز، فيقول مثلا: "كان الوقت زوالا، وكان ضوء الشمس في الشرق، كما هو ضوء القمر، يُغشِّي الألوان النعاس".

بعد وصف جمال ألوان مساء من أماسي الصحراء ينتقل "لورنس" إلى وصف حالة مرافقيه النفسية فيقول: "يبدو أن رجالي كانوا يحدثون أنفسهم قائلين إن هذا المساء ليس للموت. لأول مرة انهارت أعصابهم، فامتنعوا عن مغادرة مخبئهم ليهدفوا صدورهم لوابل رصاص العدو". يُمعن "لورنس" في الحديث عن جمال اللحظة الأخاذ وهدوء المكان الذي يفوق كل وصف حتى يقنع القارئ بأن الباعث وراء إحجام مرافقيه البدو عن مواصلة المسير هو إحساس ذو طبيعة فنية بالمكان أو ذوق شاعري.

هذا المقتطف وأشباهه يشهد على ضرب من ضروب الإسقاط التي تحولت إلى سمة من سمات أسلوب "لورنس" البارزة، بحيث يُلاحَظ أنه يتخذ من وصف حالة المحيطين به الشعورية وسيلة لإتمام وصف الأمكنة، دون اكتراث يذكر بحقيقة الواقع التاريخي. إذا كان "اللورد كورتزن" يريد أن يجعل الجغرافيا في خدمة التاريخ، فإن "لورنس" يجتهد في "أعمدة الحكمة السبعة" كي يجعل التاريخ في خدمة الجغرافيا.

إن انزياح "لورنس" عن تاريخ الحرب، أو عن التاريخ عموما، بغرض التعبير عن لحظات وجودية ترتفع فيها الحواجز بين الإنسان والطبيعة، يشهد على توجه أدبي وفكري باتجاه تكثيف الحضور الإنساني في المكان بغرض تخليص هويته من عوالق حضارة أصبحت تورث من القلق أكثر مما تورث من السكينة. وقد استعار "لورنس" من البيئة البدوية مقومات بلاغية تسعف في توصيل أسلوب آخر في الوجود، أسلوب يسمح بتناغم الحياة مع الترحال والجولان.

إن "أعمدة الحكمة السبعة" تقوم شاهدا على أن "لورنس" كان يرغب في توظيف تجربته "الجيوسياسية" لأغراض "جيوشاعرية"، أو لنقل شاهدا على رغبته في إخضاع منطق المؤسسة السياسية العسكري لمنطق الفرد. أمام استحالة تحقق هذا المراد، ظل "لورنس" يتخبط في قلق وجودي رهيب، لا يدري على أي جنب يميل، فلا هو استطاع أن يندمج في مسار مهني من وسط المؤسسة السياسية أو العسكرية، ولا هو استطاع أن يحيى مثقفا مفكرا أديبا. لم تكن الثورة العربية إلا حدثا عابرا في مسار حياة مضطربة، حاول أن يتخذها وقودا لإذكاء روح الإبداع الشعري.

ما كان لـ "لورنس" أن يجد السكينة والهدوء إلا في الموت، فنحن لا ندري إن كان الموت هو الذي اختاره أم هو الذي اختار الموت. تظل حادثة السير التي مات على إثرها مثار جدل. كل يدلي بدلوه في تفسير ما حدث، حتى أن بعضهم يذهب إلى القول إنه رفع سبابته على طريقة المسلمين كأنه يعلن الشهادة قبل موته.

يبقى أن "أعمدة الحكمة السبعة"، إذ تكشف لنا جانبا من جوانب ما وقع، تخفي حقائق كبرى لا يجليها إلا البحث في تاريخ صراع القوى الأوروبية حول المشرق العربي.

(يُتبع)

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ما کان

إقرأ أيضاً:

الذكرى 25 لعيد العرش..ملكية مواطنة في خدمة الإصلاحات والتقدم

يحق للشعب المغربي وهو يحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش،أن يفتخر بما تحقق في عهد جلالة الملك محمد السادس من إنجازات كبرى في تجديد الملكية  وجعلها ملكية مواطنة تتحقق في ظلها العديد من الإصلاحات والمبادرات لترسيخ الوحدة الترابية للبلاد وتعزيز مسارها الديمقراطي وتحقيق تقدمها وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية.

وقد أوفى جلالة الملك بعهده في المسار الذي رسمه للمغرب في  خطابه الأول قبل 25 سنة ، بتأكيده التشبث بنظام الملكية الدستورية والتعددية الحزبية والليبرالية الاقتصادية، وسياسة الجهوية واللامركزية، وإقامة دولة الحق والقانون، وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وصون الأمن، وترسيخ الاستقرار للجميع وتجديد الالتزام بإكمال الوحدة الترابية التي تشكل فيها قضية الأقاليم الصحراوية القضية الوطنية المركزية، مع الطموح إلى أن يسير المغرب قدماً على طريق التطور والحداثة، وينغمر في خضم الألفية الثالثة مسلحاً بنظرة تتطلع لآفاق المستقبل ، محافظاً على خصوصيته وهويته دون انكماش على الذات، في كنف أصالة متجددة، وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيم  المغرب الثابتة.

ملكية مواطنة تتجاوب مع تطلعات المواطن

وأراد جلالة الملك أن تكون الملكية المتجددة في عهده ملكية وطنية ومواطنة، عمادها التلاحم القوي والبيعة المتبادلة، بين العرش والشعب، تعمل على ترسيخ القيم الوطنية  التي توحد المجتمع المغربي وتعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها  في تعزيز الخيار الديمقراطي والتنموي،  وتجسد ذلك في مقتضيات دستور 2011 و الإصلاحات والمشاريع الكبرى التي شملت القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وفي سياق تعزيز المسار الديمقراطي للبلاد، أصبح  التداول على تدبير الشأن العام أمرا طبيعيا في الاستحقاقات الانتخابات ،التي يظل الرهان فيها هو الوصول إلى إقامة مؤسسات قوية ذات مصداقية ، تخدم تطلعات المواطنين، وتدافع عن مصالح الوطن في مواجهة التحديات  الداخلية والخارجية.

الالتزام بالنهوض بحقوق الإنسان

وتعزز التزام بلادنا بالنهوض بحقوق الإنسان ، بالسعي إلى طي صفحة ماضي الخروقات التي شابتها وتكريس هذه الحقوق في دستور 2011  وجعلها محددا رئيسيا للاختيارات الاستراتيجية للبلاد في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية وبحرص جلالة الملك على النهوض بوضعية المرأة، و إصدار مدونة الأسرة، واعتماد الدستور  المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، و مبدأ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه، فضلا عن قرار إصلاح مدونة الأسرة  لتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها تجربة تطبيقها، وأن يكون هذا الإصلاح قائما على اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح ، والتشاور والحوار وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية،بما يؤدي إلى صيانة حقوق المرأة والطفل ومصلحة الأسرة.

جعل الصناعة رافعة للتنمية الاقتصادية

وفي المجال التنموي  سجل المغرب  تنوعا في الاقتصاد ،بتحقيقه تقدما هاما في القطاع الصناعي ،الذي اعتمد مبدأ الانفتاح الاقتصادي العالمي واستند  إلى استراتيجيات طموحة أرادها جلالة الملك أن تجعل  من الصناعة رافعة محورية للتنمية الاقتصادية في المغرب، ومصدراً رئيسياً لتوفير فرص الشغل، ومحفزاً للاستثمار المنتج وللتصدير، وقاطرة للنمو والتنمية في خدمة المواطن، علما أنه  تقرر أن تكون مدعومة بشبكة من البنيات التحتية الصناعية واللوجستية والطاقية، والرفع من تكوين الكفاءات وبإصلاحات هيكلية، بهدف تحسين مناخ الأعمال.

وأصبح المغرب  بفضل هذا الخيار حاضنا لصناعة  قائمة على مهن وتخصصات ذات تقنية عالية ووجهة عالمية لقطاعات متطورة كصناعة السيارات والطيران ،معززا ،بتطويره صناعة الأسمدة موقعه فاعلا رئيسيا في مجال الأمن الغذائي العالمي، خصوصا في إفريقيا.

وفي هذا السياق قرر جلالة الملك أن يكون صندوق محمد السادس للاستثمار فاعلا    في النهوض بالاستثمار ،بتمويل مبادرات إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، من أجل الرفع من قدرات الاقتصاد الوطني .

اهتمام بالتنمية الاجتماعية  وتجديد النموذج التنموي

و كانت التنمية الاجتماعية في صدارة اهتمامات جلالة الملك ، الذي دعا في إطار حرصه على ترسيخ  قيم التضامن والتماسك الاجتماعي، بين الفئات إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، بتعميم التغطية الصحية الاجبارية وتعميم التعويضات العائلية  في نهاية السنة الماضية وتوسيع الانخراط في نظام التقاعد، للمواطنين الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.

وسن جلالة الملك في عهده قواعد تقييم ومراجعة وإصلاح  الأنظمة والاستراتيجيات ، في حالة ظهور عجزها عن تحقيق الأهداف المنشودة منها وهذا ما تجلى  في مراجعة مدونة الأسرة والنموذج التنموي ،الذي تقرر تجديده ،بعدما أبان عن عدم قدرته على تلبية حاجيات فئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية وتدارك الخصاص في العالم القروي.

اعتراف العالم الخارجي بتقدم المغرب

وعلى العموم اعترف العالم الخارجي بالتقدم الذي يحرزه المغرب في مساره التنموي، بما يعزز ريادته في المنطقة   ، بل ذهبت بعض  الأوساط في أوروبا، إلى حد التحريض على عرقلة هذا التقدم ، من قبيل المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الموجود مقره في برلين، المعتمد لدى البرلمان والحكومة في ألمانيا ،الذي أوصى قبل ثلاث سنوات  هذا الأخير بالحد من دعم البرامج التنموية ومخططات التنمية الاقتصادية المغربية لإحداث نوع من التوازن بينه وبين الجزائر وتونس ولمنع  ما زعمه « هيمنته » على المنطقة المغاربية.

واعتبر المعهد في دراسته إن المغرب « يتقدم بوتيرة أعلى من جارتيه الجزائر وتونس »، مدعيا أن ما يحدث يمثل « اختلالا في توازن المنطقة المغاربية »، غير أن بلادنا لم تتأثر ، بفضل قدراتها الذاتية  ومناعتها ،بهذه الحملات  المغرضة التي   شنتها أيضا بعض الدول والمنظمات ، مستهدفة  بها استقرارها وخيارها التنموي ومصداقيتها على الصعيدين القاري والدولي.

قيم ومفاهيم لتدبير الشأن العام

لقد وضع جلالة الملك  منهاجا لتدبير الشأن العام بقيم ومفاهيم جديدة تضع البلاد على سكة الإصلاح والتقدم ،من بينها المفهوم الجديد للسلطة  و الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والجدية، التي قال جلالته أنها « يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات  وكلما كانت حافزنا كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات »، فضلا عن الانشغال ،بعد أزمة كوفيد 19 بقضايا السيادة وجعلها في جدول أعمالنا الوطني للعمل على تحقيقها وتحصينها ، في مختلف أبعادها ، الصحية والطاقية ، والصناعية والغذائية  وغيرها .

مكتسبات في تثبيت وحدتنا الترابية

وحققت بلادنا في عهد جلالة الملك مكتسبات كبيرة في تثبيت وحدتنا الترابية.  وبفضل  رعايته دبلوماسية مقدامة، اندحرت مؤامرات الخصوم وتوالت اعترافات الدول بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ،مقرونة بفتح مجموعة منها قنصليات عامة في العيون والداخلة، وتزايد الدعم  الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، بصفتها الحل الوحيد للنزاع المفتعل، بتمكين ساكنة المنطقة من تدبير شؤونها بمؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية في إطار السيادة الوطنية.

وواصلت بلادنا ، في إطار سياستها الخارجية بقيادة جلالة الملك دعوتها إلى إقامة علاقات بين البلدان المغاربية ،على أساس متطلبات حسن الجوار وخدمة المصالح المشتركة ،كما دافعت عن مصالح الأمة العربية وأكدت دعمها المطلق لعدالة القضية الفلسطينية، وحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق الثابتة، في إقامة دولته المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية.

الدفاع عن تقاسم ثمار التنمية في إفريقيا

وإيمانا منه بأهمية تقاسم ثمار التنمية في فضائه الإقليمي والقاري لتوطيد الاستقراروالأمن ،نسج  المغرب في عهد جلالة الملك علاقات تعاون وشراكات مع مختلف الدول ،مركزا في الوقت نفسه على العلاقات المتميزة، التي تجمعه بدول القارة الإفريقية، لخدمة المصالح المشتركة لشعوبها .وتندرج في هذا الإطار المبادرة الملكية   لإطلاق مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب الاستراتيجي الرابط بين إفريقيا وأوروبا ،الذي  يخدم منطقة غرب إفريقيا كلها، البالغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة، بما سيوفره من  فرص في مجال الأمن الطاقي، والتنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية لخمسة عشردولة، إضافة إلى موريتانيا والمغرب.

وتأكيدا لأهمية التعاون جنوب-جنوب، أطلق جلالة الملك  مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، كمسار لشراكة إفريقية، هدفها الأسمى تعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، لتوطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة.
كما أطلق جلالة الملك مبادرة على المستوى الدولي، لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي،معلنا استعداد المغرب لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة،باعتبار أن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها.

والمؤكد أن المكتسبات المحققة على مدى الخمسة والعشرين سنة الماضية، تحفزالشعب المغربي بقواه الحية على التعبئة وراء  جلالة الملك واستنهاض قدراته لمواصلة بناء المغرب الديمقراطي والمتضامن والمتقدم، القادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وحماية موقعه المؤثر في محيطه الإقليمي والقاري وعلاقاته مع مختلف دول العالم.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • أين ذهبت أموال رأس الحكمة؟ رئيس الوزراء يُوضح
  • “السودان والسقوط الحر”
  • "خدمة" تحقق رقما قياسيا بمليون تحميل للتطبيق
  • الإمارات تعلن عودة إقامة الكوارث اعتبارا من هذا التاريخ
  • الذكرى 25 لعيد العرش..ملكية مواطنة في خدمة الإصلاحات والتقدم
  • دائرة الشارقة الرقمية تثري تجربة المتعاملين على منصتها الرقمية
  • فلم السرقة الاكبر في التاريخ…!!
  • إطلاق نسخة محدثة من خدمة دفع فواتير «سيوا»
  • توفير خدمة أبل مابس لمستخدمي الإنترنت
  • أبين…رياح شديدة تخلف أضرار واسعة في أعمدة وأسلاك كهرباء زنجبار