واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي يدمر قدرة غزة على زراعة غذائها
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية اليوم السبت أن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب في تدمير قدرة السكان على زراعة غذائها ويهدد بمجاعة قريبة .
وأوضحت الصحيفة بعدما أجرت تحليلا للبيانات الزراعية وصور الأقمار الصناعية والمقابلات مع الخبراء والفلسطينيين في القطاع إن النظام الزراعي الضعيف في غزة بات بالفعل على وشك الانهيار .
وذكرت الصحيفة أنه بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الغزو الإسرائيلي لغزة ، تضررت قدرة القطاع على إنتاج الغذاء والمياه النظيفة بشدة حيث دمرت الغارات الجوية والجرافات الإسرائيلية المزارع والبساتين كما ذبلت المحاصيل التي تركها المزارعون الذين يبحثون عن الأمان في جنوب غزة، وتركت الماشية لتموت.
ونقلت الصحيفة عن أشرف عمر الأخرس الذي كان له مزرعة عائلية في بيت لاهيا، شمال غزة بالقرب من الحدود مع إسرائيل قوله إن الجرافات الإسرائيلية هدمت المنزل في أواخر يناير الماضي، بالإضافة إلى الدفيئات الزراعية ومشاريع الطاقة الشمسية، لإفساح المجال لإقامة منطقة عازلة عسكرية.
وقال للصحيفة بعدما شارك الصور ومقاطع الفيديو عن حياته التي انتهت الآن: "لقد عملنا في مزرعتنا الكبيرة التي ورثناها من أسلافنا، لقد قمنا بزراعة البرتقال والليمون والبطاطس والباذنجان والطماطم والخيار، والآن باتت منطقة عسكرية."
وردا على سؤال للصحيفة للتعليق على مستوى الدمار في القطاع الزراعي في غزة، قال الجيش الإسرائيلي، إن "حماس والمنظمات الأخرى تقوم بشكل غير قانوني بوضع أصولها العسكرية في مناطق مدنية مكتظة بالسكان، وأن أفعاله تستند إلى الضرورة العسكرية وبما يتوافق مع القانون الدولي " .
وأضافت أنه حتى قبل الحرب، كان يتم استيراد معظم الفواكه والخضروات إلى القطاع حيث كانت قدرة غزة على إطعام شعبها محدودة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن بسبب الحصار العقابي الذي فرضته إسرائيل، والذي فُرض بعد استيلاء حماس على السلطة في عام 2007.
وتابعت أن إسرائيل سيطرت على جميع المعابر الحدودية باستثناء معبر واحد مما أدى إلى محدودية إمدادات الكهرباء والمياه ومنع الوصول إلى مياه الصيد العميقة قبالة الشاطئ وقيدت استيراد وتصدير البضائع.
وأشارت الصحيفة إلى أنه نتيجة لذلك ، كانت الزراعة وصيد الأسماك في كثير من الأحيان مشروعات صغيرة الحجم ولكنها ضرورية حيث قام سكان غزة بالزراعة وصيد الأسماك حيثما استطاعوا، وقاموا ببناء الدفيئات الزراعية على أسطح المنازل، وجمع مياه الأمطار لأغراض الري، وتجهيز القوارب لتشغيلها بزيت الطهي أو محركات السيارات. وتنتشر بساتين الزيتون الصغيرة وأشجار الفاكهة في المناظر الطبيعية .
وتابعت ان المنتجات المحلية – الطماطم والخيار والباذنجان والأعشاب والفلفل الحار الأحمر والأخضر – كانت تذهب إلى الأسواق أو مباشرة إلى طاولات المطبخ حيث اعتمدت الأسر على الإنتاج المحلي في أكثر من 40 بالمئة من فواكهها وخضرواتها حتى عام 2022، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ونوهت الصحيفة بأن الزراعة كانت تمثل ما يقرب من نصف إجمالي مساحة أراضي غزة قبل الحرب، وفقا ليونوسات، مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة؛ وقد تضرر الآن 45 بالمائة من تلك الأراضي الزراعية .
ونقلت الصحيفة عن خبراء قانونيين القول إنه بموجب القانون الإنساني الدولي، لا يجوز للأطراف المتحاربة حرمان المدنيين العالقين في النزاع من الحصول على الغذاء أو الماء ويمتد هذا أيضًا إلى استهداف البنية التحتية الغذائية .
وقال توم دانينباوم، الأستاذ المشارك في القانون الدولي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس: "مع استثناءات محدودة للغاية، يُحظر مهاجمة تلك الأشياء أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة الفائدة".
كما نقلت عن هي يين، محلل صور الأقمار الصناعية والأستاذ المساعد في جامعة ولاية كينت قوله إنه وجد أن ما يقرب من نصف أشجار الزيتون والفاكهة في القطاع قد تضررت أو دمرت حتى 3 أبريل الماضي. وفي شمال غزة، كما قال، يمكن أن تصل الخسائر إلى ما يصل إلى 71 بالمائة.
ووفقا للصحيفة، يعتمد سكان غزة - الذين يعتمدون تاريخيا على المساعدات التي تقدمها الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين - بشكل أكبر على المساعدات المحدودة المسموح بها .
وقال ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إن مستوى انعدام الأمن الغذائي وصل إلى مرحلة حرجة وأن هذا من صنع الإنسان بالكامل حيث أن الآلاف من الأرواح، وربما مئات الآلاف من الأرواح، معرضة الآن للخطر.
وأضافت أن ما زاد من تأثير الحرب أن أجزاء من غزة فقدت الكثير من البنية التحتية لإمدادات المياه، وبحسب توريرو، فإن 50% منها غير صالحة للاستخدام في شمال غزة، و54% في وسط غزة، و50% في خان يونس، و33% في رفح. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن اثنتين فقط من محطات تحلية المياه الثلاث تعملان جزئياً، ويعيش العديد من سكان غزة على المياه قليلة الملوحة.
وتابعت الصحيفة أن اصلاح عن كل هذا الضرر يحتاج عقودًا من الزمن حيث أشارت جورجينا مكاليستر، الأستاذة المساعدة في جامعة كوفنتري في إنجلترا، إلى الطريق غير المسبوق الذي ينتظرهم لإعادة البناء في غزة، قائلة :" خلال 30 عامًا من العمل كأخصائي في النظم الغذائية والزراعية في ظل الصراع، لم أتعامل مطلقًا مع هذا المستوى من الدمار وعدم الاستقرار."
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
القدس المحتلة- في كل عام، يحمل المهندس سليمان فحماوي ذاكرته المثقلة بالحنين والوجع، ويسير على خُطا قريته المهجرة "أم الزينات" الواقعة على سفوح جبال الكرمل في قضاء حيفا، والتي اضطر لمغادرتها قسرا كباقي مئات آلاف الفلسطينيين، تاركا خلفه طفولته وذكرياته لتصبح جزءا من تاريخ النكبة الذي لا ينفك يعيد نفسه.
سليمان، اللاجئ في وطنه، عاش فصول النكبة الفلسطينية متنقلا بين بلدات الكرمل والساحل، قبل أن يستقر به الحال في بلدة أم الفحم، على تخوم حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
واليوم، وفي الذكرى الـ77 للنكبة، وبعد عقود من التهجير، يقف كعضو ومتحدث باسم "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" بالداخل الفلسطيني، محاولًا الحفاظ على ذاكرة القرى التي طمست معالمها، وفي مقدمتها قرية "كفر سبت" المهجرة، في قضاء طبريا في الجليل شمالي فلسطين.
منذ تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" عام 1997، اعتاد سليمان ورفاقه تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، حيث أصبحت المسيرات ذات رمزية تقول للعالم "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وتعيد للأذهان قصص البيوت المهدومة والأرواح التي لا تزال معلقة بأطلال قراها.
"هذا العام كان مختلفا" يقول فحماوي للجزيرة نت بنبرة يغلب عليها الأسى، فبدلا من التحضير المعتاد للمسيرة الـ28 نحو "كفر سبت"، اصطدمت الجمعية بسلسلة من الشروط التعجيزية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية، ما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب "سحب طلب التصريح".
يوضح فحماوي "كما كل عام، قدمنا طلبا للحصول على التصاريح، لكن الشرطة هذه المرة وضعت شروطًا غير مسبوقة، كان أولها عدم رفع العلم الفلسطيني، ذلك العلم الذي لطالما خفقت به القلوب قبل الأيادي، كما اشترطت الحصول على موافقة المجلس الإقليمي في الجليل الغربي، الذي تقع القرية ضمن نفوذه، إضافة إلى تحديد عدد المشاركين بـ700 شخص فقط".
إعلان"بالنسبة لنا، العلم الفلسطيني خط أحمر" يؤكد سليمان، ويتساءل "كيف لمسيرة تحمل اسم العودة أن تقام دون علمنا، ودون مشاركة الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين يحملون هم القضية؟".
وبين تهديدات الشرطة بالاقتحام، والوعيد بقمع المسيرة حال تجاوز الشروط، وجدت الجمعية نفسها أمام مفترق طرق، ويقول فحماوي "خلال المفاوضات، لمسنا نوايا مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين من أطفال ونساء وشباب".
وفي مشهد تتداخل فيه الوطنية بالمسؤولية الأخلاقية، اجتمعت كافة الأطر السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، ليصدر القرار الأصعب (سحب الطلب)، لخصها فحماوي بقوله "نقطة دم طفل تساوي العالم"، مضيفا "لن نسمح بأن تتحول مسيرتنا إلى ساحة قمع جديدة، اخترنا العقل على العاطفة، لكن شوقنا للعودة لا يلغيه انسحاب مؤقت".
قبل نحو 30 عاما، لم تكن مسيرات العودة جزءا من المشهد الوطني الفلسطيني، وكانت قضية القرى المهجرة تعيش في طي النسيان، مطموسة في ذاكرة مغيبة، تكاد تمحى بفعل الإهمال والسياسات الإسرائيلية المتعمدة، يقول فحماوي، ويضيف "لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا مع انطلاق المبادرات الشعبية، وعلى رأسها مسيرة العودة".
وعلى مدى هذه العقود الثلاثة، شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني -وخاصة من فلسطينيي الداخل- في مسيرات العودة، التي تحوّلت إلى محطة وطنية سنوية ثابتة، تحمل رسائل سياسية وشعبية عميقة، وتؤكد على حق العودة بوصفه حقا فرديا وجماعيا غير قابل للتنازل أو التفاوض.
ورغم قرار سحب طلب التصريح لمسيرة العودة الـ28، لا يتوقف التساؤل لدى أدهم جبارين، رئيس اللجنة الشعبية في أم الفحم، وابن عائلة لاجئة من قرية اللجون المهجرة عن "ماذا يعني أن يمنع لاجئ فلسطيني من العودة، ولو ليوم واحد، إلى قريته التي طُرد منها؟ وماذا يعني أن يجرم رفع العلم الفلسطيني؟"
إعلان"هذه ليست النهاية" يؤكد جبارين للجزيرة نت، ويقول "نحن مستمرون، فحق العودة ليس مناسبة، بل حياة كاملة نعيشها يوميا"، مضيفا "رغم القيود والتهديدات، تبقى مسيرة العودة أكثر من مجرد حدث سنوي، هي ذاكرة حية تورَّث للأجيال، ورسالة واضحة بأن القرى المهجرة ستظل حاضرة في القلوب والعقول، حتى يتحقق حلم العودة.
ويؤكد جبارين أن قرار سحب الطلب "لم يكن تراجعا، بل خطوة واعية اتخذت من منطلق المسؤولية الوطنية، بعد أن اتضح خلال مفاوضات الجمعية مع الشرطة الإسرائيلية وجود نية مبيتة للترهيب والترويع، وحتى تهديد ضمني بإمكانية قمع المسيرة بالقوة، وربما ارتكاب مجزرة بحق المشاركين".
ويقول "نرى ما يجري من حرب إبادة في غزة، وعمليات التهجير في الضفة الغربية، وما لمسناه من سلوك الشرطة يعكس تحضيرات لتنفيذ سيناريو مشابه في الداخل، حيث بات استهدافنا على خلفية إحياء المناسبات الوطنية مسألة وقت لا أكثر".
لكن رغم المنع، لم تتوقف الفعاليات، فالجمعية أطلقت برنامج زيارات موسعًا إلى أكثر من 40 قرية مهجّرة، بمرافقة مرشدين مختصين، لتتحوّل ذكرى النكبة من فعالية مركزية واحدة إلى عشرات الجولات والأنشطة الميدانية.
ويختم جبارين حديثه للجزيرة نت بالقول إن "مسيرة العودة ليست مجرد تظاهرة، بل رسالة متجددة وتذكير سنوي بالنكبة، وتجذير للوعي الوطني، وانتقال للذاكرة من جيل إلى آخر، ورسالة واضحة بأن لا حق يضيع ما دام هناك من يطالب به".
ويضيف أنها "أيضا رد مباشر على المقولة الصهيونية الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، فالصغار لم ينسوا، بل باتوا في مقدمة الحشود، يحملون الراية، ويرددون أسماء القرى التي هُجرت، وكأنها ولدت من جديد على ألسنتهم".