سودانايل:
2024-11-20@16:28:46 GMT

تحليل مقارن بين مصطفى سعيد وكيرتز

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

د. أحمد جمعة صديق

تعتبر الشخصيات في ميدان الأدب، في الغالب وسائل يستخدمها الكتاب لاستكشاف تعقيدات الطبيعة البشرية المقعدة أحياناً. تقف شخصيتان، مصطفى سعيد في "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني طيب صالح، وكيرتز في "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، كشخصيات مقنعة تمثلان قوى الظلام الغامض وتفضح ممارسات الاستعمار في حالة كيرتز كمنتج للاستعمار ومصطفى سعيد كمستهلك.

وعلى الرغم من خلفياتهما الثقافية والسرديّة المختلفة، يشترك كل من مصطفى سعيد وكيرتز في مجموعة من التشابهات والاختلافات البارزة في تصويرهما، ودوافعهما، وانزلاقهما النهائي إلى هاوية الظلام. فكلاهما وجهان للاستعمار. فكيرتز شخصية منتجة للاستعمار بكل ما تعني كلمة انتاج من مضامين، بينما مصطفى سعيد مستهلك لمنتجات المستعمر التي لم تكن تشبع طموحاته، بل دمرت حياتهن لجهله في ادراك طريقة استعمال تلك المنتج بصورة سليمة.
يهدف هذا التحليل المقارن إلى فك شفرات غزوات هذين الشخصيتين، وكلاهما جاء غازياً فمصطفى سعيد جاء غازياً ويزعم أن له رسالة هي تحرير إفريقيا عن طريق(....) وكيرتز أيضاً ظن أن له رسالة في مجاهل افريقيا وغاباتها. وكلاهما دمرته طموحاته المسرفة لتكون النهاية في الانسحاب بالغرق والموت. وهي نهايات طبيعية عندما نسرف في ملء الاناء الى حد الطفح. سنسلط الضوء على هذه الجوانب و أهميتهما ضمن قصصهما السردية والمواضيع الأوسع التي يمثلانها.
• الخلفية والسياق
قبل التعمق في الشخصيات نفسها، من الضروري توضيح قصصهما ضمن إطار رواياتهما المعنية. تروي "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، قصة تصادم الهويات الثقافية، والاستعمار، والصراع بين الفكر الشرقي والغربي من خلال شخصية مصطفى سعيد، (السوداني الافريقي العربي العطيلي) الذي يعود إلى وطنه بعد دراسته في أوروبا. من جهة أخرى، تستكشف "قلب الظلام" لجوزيف كونراد رعب الاستعمار والإمبريالية في الكونغو الحر، حيث يمثل كيرتز رمزاً للاستغلال والتدهور الأوروبي.

• مصطفى سعيد: مستهلك الحضارة الغربية التي دمرته.
تظهر شخصية مصطفى سعيد كشخصية معقدة وغامضة في "موسم الهجرة إلى الشمال". فبعد تلقيه تعليمه في إنجلترا وامتلاكه فهماً عميقاً للثقافة الغربية، حيث هضمها بل وتفوق على اقرانه، ليصبح أستاذاً في هذه المصانع الحضارية ويحاضر في نظريات (كنز) الاقتصادية بل ويتحدث عن الاقتصاد المبني على الحب.
يعود مصطفى إلى السودان الأم بعد اذلاله وتعرضه للمحاكمة التي فضحت مجموعة العقد التي كان يعيشها مصطفى سعيد المتناقض. عاد الى السودان مملوء بالإحباط والانفصال حتى عن ذاته. وبالرغم من سحره الخارجي وذكائه، يحمل مصطفى أسراراً مظلمة وماضٍ مضطرب، بما في ذلك سلسلة من العلاقات العاطفية المضطربة الفاشلة والميل إلى العنف. تتجلى في قلب شخصية مصطفى الصراعات العميقة بين إرثه الشرقي وتعليمه الغربي. يتردد بين تبني هويته السودانية ورفضها لصالح القيم الغربية، محاولًا التوفيق بين العالمين اللذين يعيشهما، ولكن يؤدي هذا الصراع الداخلي في النهاية إلى انزلاق مصطفى إلى البحث عن المنفى الارادي الذاتي، بعيداً عن وطنه وعن الغرب الأوربي لتكون النهاية في الانعتاق والعناق الابدي مع النيل، الإله الأفعى كما كان يطلق عليه.
• كيرتز: صوت الظلام الاستعماري
يعتبر كيرتز في "قلب الظلام" تجسيداً حياً للاستعمار الأوروبي ونتائجه الكارثية. يظهر كيرتز في البداية كمصباح للتنوير والتقدم. كان يُشْهد له بالبصيرة والحكمة من قبل نظرائه الأوروبيين. ومع ذلك، كما يتكشف في السردية، يصبح جلياً أن كيرتز قد استسلم لغرائز السلطة والثروة والاستغلال، وانزلق نحو الجنون والوحشية حينما سعى لتحقيق اقصى درجات الاسراف في اشباع رغباته الحيوانية.
تعكس رحلة كيرتز رحلة مصطفى سعيد في العديد من الطرق، حيث يتصارع كل منهما مع الصراع بين الحضارة والوحشية. ومع ذلك، فبينما يتميز صراع مصطفى بالطابع الداخلي والشياطين الشخصية، يتم تحريك كيرتز بقوى خارجية، وهي حقائق الاستغلال الأوروبي بكل بشاعتها وفظاظتها. ويظل مصير مصطفى غامضاً في النهاية، مما يترك القراء يتأملون في طبيعة تعويضه بالتعاطف معه أو الادانة، بينما يواجه كيرتز نهاية مؤلمة وحاسمة، وهو يندرج تحت الظلام الذي كان يسعى إلى القضاء عليه، اذ لم يختار النهاية كما فعل مصطفى سعيد بان يغمر احلامه في الاندماج الكلي مع نهر النيل. عانق مصطفى سعيد الموت باختيار المكان والزمان والطريقة التي افرغ بها نهايته القدرية، بينما فشل كيرتز ان يختار نهاية بطولية لانهاء حياته المسرفة، اذ ياتي الموت فيختطفه ليعلن نهاية الاكذوبة. وكلا البطلين كان مجرد اكذوبة. فمصطفى سعيد يقر بنفسه بانه اكذوبة ويطلب منهم أن يقتلوا الاكذوبة، بينما كيرتز عاش في اكذوبة التأله التي اخترعها خياله المريض، فمات وبموته ايضا ماتت الاكذوبة.
المستخلص
تعتبر شخصية مصطفى سعيد وكيرتز رموزاً مقنعة لتعقيدات الطبيعة البشرية ومخاطر التصادم الثقافي والاستعمار. فمن خلال رواياتهما، يدعو الطيب صالح وجوزيف كونراد القراء لمواجهة الجوانب المظلمة للإنسانية والتأمل في القوى التي تشكل هوياتنا ومصائرنا. سواء كانوا يعبرون عن مياه سودان ما بعد الاستعمار الخطيرة أو أعماق الغابة الموحشة في الكونغو، فمصطفى سعيد وكيرتز يظلان رمزين دائمي الصمود للصراع الدائم بين النور والظلام والخير والشر في الروح البشرية.
ومع أن هذه الشخصيات، تذكر بالهشاشة الأساسية للحضارة والتأثير الدائم للاستعمار، ففي مصطفى سعيد وكيرتز، لا نجد مجرد قصص للعبرة، بل هي تأملات عميقة في الحالة البشرية - دليل على القوة الدائمة للأدب في إلقاء الضوء على أظلم زوايا النفس البشرية. فالأدب ربما يكون أكثر واقعية من الحياة نفسها كما كان يحاضرنا بذلك بروفيسر ((Wood في كلية التربية جامعة الخرطوم في ايام سلفت، ما أجملها من أيام!!

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: شخصیة مصطفى

إقرأ أيضاً:

تحليل.. التعداد لن يحقق مراد الكرد في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل - عاجل

بغداد اليوم_السليمانية

أكد الباحث في الشأن السياسي لطيف ميرزا، اليوم الثلاثاء (19 تشرين الثاني 2024)، أن الكرد في إقليم كردستان يعتقدون أن التعداد السكاني المزمع يومي 20 والـ 21 من الشهر الجاري، سيحقق المراد في المناطق المتنازع عليها بين بغداد ,اربيل وهي رؤية يشوبها الكثير من اللغط والشكوك بعدد النسبة والغالبية للكرد فيها.

وقال ميرزا في حديث لـ "بغداد اليوم" إن "السياسيين الكرد في الإقليم يندفعون في جعل الغالبية والغلبة للكرد في مناطق التماس السياسي الحاد (الكردية العربية) ذات الخلاف لتحقيق تلك المآرب، لكن الحقيقة ان التعداد السكاني المقرر إقامته سوف يكون القشة لعدم إدراك الكرد منظومة الحراك التعدادي، وغاياته عكس ما يطمحون اليه وفق الرؤية الكردية". 

وأضاف أن "الأسئلة الـ 70 دقيقة وهامة في إطار التفتيش الاحصائي ليس فقط عن عدد الساكنين، إنما يتعدى ذلك الى خيارات المستوى المعاشي وتاليا ينعكس على ميزانية الإقليم في دائرة الموازنة الاتحادية العامة العراقية والتي تصل الى 12 % وفق المعطيات وتنقص أحيانا لكنها لم تعطى الى الإقليم بشكل كلي لغاية الآن بغض النظر عن رواتب الموظفين بطريقة (التقطير) وهي لم تروي من عطش ولا تسمن من جوع وسد حاجة المواطن الكردي في الإقليم".

وأشار إلى أن "هنالك مخاوف من أن التعداد السكاني سيفرز النسبة الحقيقية لسكان الإقليم، كما حصل في الاحصائيات السابقة منذ العهد البريطاني والملكي العراقي وفي عهد النظام السابق، وهي إحصاءات لم تلامس العدد الحقيقي للمناطق والقوميات".

وكان عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد حسين، كشف الاحد (17 تشرين الثاني 2024)، عن أبرز المخاوف الكردية من تأثيرات التعداد السكاني على اقتصاد الإقليم.

وقال حسين لـ "بغداد اليوم" إن "هناك خشية لدى حكومة الإقليم من تأثيرات الإحصاء على حصة كردستان في الموازنة المقبلة".

وأضاف أنه "يجب مراعاة نقطة مهمة في التعداد، وهي ان هنالك الكثير من المواطنين الكرد يعيشون خارج البلد، ويجب مراعاة هذا الأمر، لآن هذا التعداد هو تنموي اقتصادي، لهذا يجب أن لايؤثر على وضع الإقليم وتقليل حصته من الموازنة".

وأشار إلى أنه "يجب التعامل بشكل مهني، وعدم تجيير الأمور سياسيا، وحل جميع المشاكل الفنية".

والتعداد السكاني لعام 2024، ليس تعدادا يخص السكان وعددهم وجنسهم وأعمارهم وتوزيعهم الجغرافي فحسب، وإنما عملية ضخمة وكبيرة كرست لها العديد من التحضيرات والإمكانيات بعد سلسلة من التأجيلات بمختلف الأعذار.

ووفقا لخبراء، فإن للتعداد السكاني أهداف استكشافية شاملة يتم من خلالها نقل صورة الواقع السكاني في العراق من جوانب متعددة، منها الاجتماعي والاقتصادي وما يرتبط بها من تفاصيل، وهي أمور تضمنتها استمارة التعداد السكاني.

وفي السياق ذاته، أثار التعداد العام للسكان في كركوك والمناطق المتنازع عليها موجة اعتراضات من قبل المكون الكردي، الذي اعتبر الإحصاء "غير عادل" ومخالفاً لمطالبهم باعتماد سجلات تاريخية محددة.

وفي هذا السياق، علق عضو الاتحاد الوطني الكردستاني إدريس حاج عادل، السبت (16 تشرين الثاني 2024)، حول أسباب هذا الامتعاض، مشيراً إلى أن التعداد السكاني يمثل قضية حساسة تتجاوز كونه مجرد إجراء تنموي.

وقال حاج عادل في تصريح لـ"بغداد اليوم": "هذا الإحصاء سيكون بمثابة هوية لكل سكان كركوك، ومرجعاً رسمياً لهم في القضايا الحكومية ودوائر الطابو والتسجيل العقاري". 

وأوضح أن "رفض الكرد ينطلق من التخوف من اعتماد سجلات إحصاء عام 1997، الذي أُجري في عهد نظام صدام حسين، حيث تم تسجيل آلاف العوائل العربية القادمة من محافظة صلاح الدين، ما تسبب بتغيير ديموغرافي واضح".

وطالب عضو الاتحاد الوطني بـ"الاعتماد على سجلات عام 1957 فقط، لأنها تمثل النفوس الحقيقية لسكان كركوك قبل أي تغييرات ديموغرافية متعمدة"، مؤكداً أن "المنطقة شهدت نزوحاً كبيراً في فترات لاحقة"، مستدلا، بمنطقة داقوق قائلاً، إنه "من أصل 30 قرية، لم يبقَ سوى 100 عائلة، ما يعكس حجم التغيير الديموغرافي الذي شهدته كركوك".

والتعداد السكاني لعام 2024، ليس تعدادا يخص السكان وعددهم وجنسهم وأعمارهم وتوزيعهم الجغرافي فحسب، وإنما عملية ضخمة وكبيرة كرست لها العديد من التحضيرات والإمكانيات بعد سلسلة من التأجيلات بمختلف الأعذار.

ووفقا لخبراء، فإن للتعداد السكاني أهداف استكشافية شاملة يتم من خلالها نقل صورة الواقع السكاني في العراق من جوانب متعددة، منها الاجتماعي والاقتصادي وما يرتبط بها من تفاصيل، وهي أمور تضمنتها استمارة التعداد السكاني.




مقالات مشابهة

  • تحليل: ماذا يعني الإغلاق المؤقت للسفارة الأمريكية في كييف؟
  • مساجلات حول تحليل: الوطني العقدة والحل
  • "إعصار القنبلة" يغرق كاليفورنيا في الظلام ويقتل امرأة
  • آل باتشينو يصرح عن النهاية الأصلية لفيلم The Godfather Part 3
  • "لعبة النهاية" يمثل مصر في مسابقة أيام قرطاج المسرحية
  • برلماني: الشائعات محاولة فاشلة من جماعات الظلام لزعزعة أمن واستقرار الدولة
  • تحليل.. لا توجد خسارة أو ربح في التعداد السكاني لأي حزب كردي
  • تحليل.. التعداد لن يحقق مراد الكرد في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل - عاجل
  • "السفاح في الفن والسينما: استكشاف الظلام الإنساني أم تجسيد للشر المطلق؟"
  • تحليل :بفضل الروس والصينيين.. ترامب لا يستطيع تجاهل أفريقيا