فصح الطوائف الشرقية بالقدس.. تحضيرات باهتة وأسواق منهكة
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
القدس المحتلة- لم تنهمك ساندرا حنّا، قبيل حلول عيد الفصح للطوائف المسيحية التي تسير وفق التقويم الشرقي، بالتحضير له كما اعتادت أن تفعل كل عام، ورغم أن أسبوع الآلام الذي يحلّ في نهايته "سبت النور" مخصص للصلوات في الكنائس صباحا ومساء، إلا أن طقوس فرح ترافق هذه الصلوات وتتهيأ العائلات المسيحية لإحيائها كل عام.
ففي "أحد الشعانين"، الذي حل الأسبوع الماضي، تخرج العائلات المقدسية المسيحية في مسيرة تجوب عدة شوارع وأزقة في القدس، يحملون خلالها سعف النخيل وأغصان الزيتون وتتزين شموعهم بكثير من الزخارف اللافتة.
لكن ساندرا وبقية العائلات المسيحية خرجت هذا العام لتشارك في المسيرة دون أن تُحضّر الشموع المزينة، ودون مظاهر احتفال التي تتمثل عادة بالمسيرات الكشفية.
وقالت للجزيرة نت: "زوجي وأولادي أعضاء في إحدى الفرق الكشفية المسيحية وينتظر أطفالي كل عام حلول أحد الشعانين وسبت النور ليشاركوا مع الكشافة بالعزف ونشر الفرح.. لكنهم خرجوا في الشعانين سيرا على الأقدام دون عزف وكذلك ستكون مشاركتهم خلال سبت النور".
ساحة كنيسة القيامة يفترض أن تعج بالسياح خلال عيد الفصح تبدو شبه خالية (الجزيرة) الوصول المستحيلصبغُ البيض وإعداد "المعمول" طقوس ستحرص هذه السيدة على إحيائها في منزلها، وستلتئم على مائدة غداء العيد مع بعض أفراد العائلة لأن الجزء الآخر لن يتمكن من دخول القدس بسبب منع سلطات الاحتلال إصدار تصاريح خاصة بالعيد لأهالي الضفة الغربية.
وستحرص ساندرا أيضا على أداء كافة الصلوات الخاصة بعيد الفصح في كنيسة "مار يعقوب" المجاورة لكنيسة القيامة، والتي يصلي بها الروم الأرثوذكس العرب، لكنها تعلم جيدا أنها لن تتمكن من دخول كنيسة القيامة اليوم في "سبت النور" بسبب حواجز الشرطة التي تنصب على مداخل البلدة القديمة وفي الأزقة المؤدية لكنيسة القيامة في إجراء احتلالي اعتاد المسيحيون على مواجهته سنويا.
وتضيف ساندرا: "رغم خلو مدينة القدس من السياح هذا العام، ومنع مسيحيي الضفة من الدخول للاحتفال معنا بسبت النور، فإننا نتوقع أن تبقى التضييقات على حالها، وستقيد الاحتفالات بمنع المسيحيين من الوصول إلى كنيسة القيامة وساحتها، وتحديد عدد من سيسمح لهم بذلك".
ومنذ ساعات الصباح الأولى يتجه الآلاف في "سبت النور" نحو البلدة القديمة في القدس آملين الوصول إلى كنيسة القيامة التي تتم فيها أحد أعظم طقوس الديانة المسيحية خلال عيد الفصح وهو "سطوع النور المقدس من قبر السيد المسيح عيسى عليه السلام" وفق اعتقادهم.
وبخروج "النور المقدس من القبر بعد دخول البطريرك إليه لأداء الصلوات وانتظار سطوعه، تصدح حناجر المسيحيين بالقول: "المسيح قام.. حقّا قام"، ويتبارك المصلون بإشعال الشموع التي يحملونها قبل أن تبدأ رحلة النور إلى المدن الفلسطينية والعالم من خلال مندوبي الطوائف.
محل بركات الخاص بالتحف السياحية والذي يبعد بضع خطوات عن كنيسة القيامة بلا متسوقين (الجزيرة) أهل رباطالجزيرة نت تجولت في البلدة القديمة بالقدس بدءا من باب العامود، مرورا بسوق خان الزيت وصولا إلى كنيسة القيامة لرصد حركة السيّاح والأسواق قُبيل حلول هذا العيد الذي ترفض العائلات المسيحية الابتهاج بحلوله في ظل العدوان على غزة.
وفي منتصف السوق صادفنا مجموعة سياحية واحدة فقط تتكون من قرابة 40 إثيوبيا كانوا متجهين نحو كنيسة القيامة لإضاءة الشموع وأداء الصلوات في كنيسة الأحباش المجاورة لها، وخلال مرورهم حاول تاجر عصائر طبيعية مقدسي إغراءهم بالشراء منه عبر الترحيب بهم بعدة لغات.
رد السائحون بابتسامة وواصلوا سيرهم، أما التاجر المقدسي فبقي واقفا أمام حانوته بانتظار مرور آخرين، وخلال حديثه للجزيرة نت ظلّ هذا الرجل مبتسما رغم ملامح الإحباط التي تسيطر على وجوه معظم التجار.
قال التاجر ماجد درويش: "بلغة العقل والمنطق لا يمكن لأي تاجر الصمود في القدس حتى الآن مع الانتكاسات المتتالية.. لكن لأننا نعرف قيمة وأهمية الرباط في القدس نصمد رغم كل الصعاب".
وأضاف درويش في حديثه للجزيرة نت أن أهل القدس هم أهل العز والكرم إذا مرّ عليهم جائع أطعموه، وإذا مرّ عليهم فقير ألبسوه ولا يمكن لمجتمع اعتاد على العطاء أن يستسلم في وقت الأزمات.
وعند سؤاله عمّا يشتريه السيّاح خلال موسم عيد الفصح عادة، قال إن الإثيوبيين يترددون على حوانيت العطارة لشراء البُخور بأنواعها، والأقباط المصريين -الذين لم يصل منهم أحد حتى الآن- يترددون على محلات السكاكر والحلويات، ويشتري معظم السياح المرطبات والمياه بالإضافة للهدايا التذكارية.
كنيسة القيامة شبة خالية من المصلين عشية سبت النور سوى مجموعة سياحية إثيوبية وسياح وصلوا فرادى (الجزيرة) القيامة بلا ازدحاموبالسير إلى الأمام باتجاه كنيسة القيامة بدا الوضع أكثر ألما فلا سيّاح يزدحمون أمام المحال ولا في الساحة المؤدية إلى الكنيسة، ومعظم التجار يجلسون أمام حوانيتهم يراقبون المارة الذين يعرفون أن وجهتهم هي الكنيسة لأداء الصلوات وفي أحسن الحالات شراء رزمة الشموع لإيقادها مع أمنياتهم، أو للتبرع بها لصالح الكنيسة.
المسن أبو أحمد بركات تاجر التحف السياحية يجلس منذ سبعينيات القرن الماضي في محله الذي يبعد عن الكنيسة بضع خطوات، ويقول للجزيرة نت: "منذ اندلاع الحرب أفتح محلي للتهوية فقط خوفا من تلف البضائع داخله.. البيع والشراء معدوم وهكذا هو حالنا مع كل انتفاضة أو هبّة شعبية أو حرب".
وفي جولة سريعة داخل كنيسة القيامة يمكن للزائر أن يلمس عمق تأثير الحرب على توافد السياحة الدينية إلى مدينة القدس، فلا طوابير طويلة تنتظر الدخول إلى "القبر المقدس" ولا أدلاء سياحيين ينتظرون التجول بمجموعاتهم لتعريفها على مراحل درب الآلام الخمسة التي تقع داخل كنيسة القيامة وفق المعتقد المسيحي.
وعدد شحيح من السياح الإثيوبيين يتجولون داخل الكنيسة ويضيئون الشموع بهدوء ودون صخب لعلّ أمنياتهم في الفصح المجيد تتحقق.
ولعلّ أمنيات ساندرا حنّا وآلاف المسيحيين في القدس تتحقق بحلول السلام في القدس، والراحة والسكينة على من بقي قلبه ينبض من مسيحيي غزة الذين استهدُفت منازلهم وكنائسهم مرارا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات کنیسة القیامة للجزیرة نت عید الفصح سبت النور فی القدس
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط الأسد..العلويون يطالبون بدولة لا طائفية في سوريا
بعد يومين من الإطاحة بنظام عائلة الأسد، التي تولت السلطة أكثر نصف قرن، بقيادة حافظ ثم نجله بشار، أضرم مسلحون النار في قبر الزعيم السابق في بلدة القرداحة، معقل آل الأسد في محافظة اللاذقية.
في الموقع من قلب المنطقة العلوية، قطع محمد محمود رزق أكثر من 300 كيلومتر لزيارة قبر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الذي تعرض للتخريب، وانطلق في رحلته لزيارة الضريح، المحترق والمغطى بالكتابات على الجدران، ليشفي غليله من آل الأسد، ولمحاولة يده للأقلية العلوية.وقال رزق إنه جاء من محافظة الرقة لإظهار دعمه لأمة موحدة دون انقسامات دينية، و"لرؤية قبر هذا الطاغية الذي أحرق سوريا خلال الخمسين سنة الماضية بالنيران".
وقال الرجل السني، من أمام القبر المتفحم: "الذي أدخل الطائفية إلى هذا البلد هو حافظ الأسد، ومن بعده بشار. لقد وجهنا رسالة إلى شعبنا العلوي، فهم إخوتنا وأصدقاؤنا، وهم جزء من هذا البلد وأكثر".
جيش للجميعوتعد سوريا دولة ذات أغلبية سنية، ويمثل العلويون وهم طائقة شيعية، 10% من الشعب ويتركزون في معاقل آل الأسد على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ورغم أن الفصائل الإسلامية المسلحة التي أطاحت بالنظام تعهدت باحترام الأقليات، فإن الكثيرين يشعرون بالخوف.
ويؤكد أبو علي، وهو علوي من القرداحة، أن طائفته "عنصر أساسي" في البلاد، وأنها تريد العمل مع باقي الطوائف لبناء "سوريا جديدة" خالية من الظلم والتمييز والطائفية.
ويقول الرجل: "ما نريده هو أن تكون البلاد آمنة، وعودة المؤسسات الاقتصادية والعامة ومؤسسات الدولة بشكل عام لبناء جيش جديد. جيش لكل الناس من كل الطوائف، وحكومة لكل الطوائف". وكان جيش بشار الأسد يتكون في معظمه من العلويين، خاصة في المناصب العليا.
ويشير أبو علي إلى أن سكان القرداحة يقبلون بأي سلطة جديدة طالما استمر الوضع على ما هو عليه، دون مشاكل طائفية، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يصف نفسه بالسعيد بعد الإطاحة بالأسد.
ويوضح في هذا الصدد "لا أحد سعيد بهذا التغيير الصادم، لأننا لا نزال في صدمة، ولم نتعافَ بعد من ذلك"، رغم إدراكه أن الرئيس وغيره من المنتمين إلى النظام تسببوا في "ضرر كبير" في جوانب معينة.
ويتذكر العلوي الوضع الاقتصادي "الممتاز" خلال ولاية حافظ، ويبرز أنه بعد تولي بشار زمام الأمور بعد وفاة والده في 2000، بدا كل شيء على ما يرام.
ومع ذلك، فإن اندلاع الانتفاضة الشعبية المناهضة للنظام في 2011 والحرب الأهلية اللاحقة أدى لفترة من "الضغط" الكبير على مجتمعه.
ويضيف آسفاً "ضحينا بالدماء، وسقط منا الكثير من الضحايا، جنوداً ومدنيين. منذ بداية الأزمة، فقدنا العديد من الضحايا، وواجهنا ضغوطاً هائلة وملاحقات. وأيضاً من أبناء طائفتنا من اختفوا، ولا نعرف شيئا عن مكانهم منذ 2011".
مشايخ الطائفة العلوية: نطلب عفوا عاما عن كل أطياف السوريين#سوريا#الطائفة_العلوية#جسور_نيوز pic.twitter.com/ddXTXnC8L3
— جسور نيوز (@JusoorNews) December 9, 2024 بلا خدماتوتوافق علوية أخرى من القرداحة على أن أولويتها هي الأمن و"الوحدة بين الطوائف"، لكنها تأمل أيضاً أن تجلب هذه المرحلة الجديدة متنفساً من الوضع الاقتصادي الصعب، ونقص الخدمات الأساسية الذي عاشه جميع السوريين تقريباً في الأشهر الأخيرة.
وتتذكر النقص الحاد في الوقود، وانعدام وسائل التدفئة سوى الحطب. وتبين إن انتمائهم إلى طائفة بشار الأسد لم يمنحهم أي نوع من المعاملة التفضيلية.
وتقول: "نحن نعرفه كما يعرفه باقي الناس في سوريا، من خلال التلفزيون والشاشات، ولم نحصل على أي منفعة أخرى".
وفي تلك المنطقة، كما هو الحال في معظم سوريا، لم تكن الكهرباء متاحة لسنوات عديدة إلا على مدار ساعتين أو بضع ساعات في اليوم، وهو تقنين ينبع من أزمة تسببت منذ فترة طويلة في تزايد السخط الشعبي على النظام في سوريا.
الطائفة العلوية في سوريا توجه رسالة الى الحكومة السورية الانتقالية المشكلة حديثا تطالبها برفض الشعارات الطائفية وتشكيل وحدات حماية ذاتية لمناطقهم مرتبطة بالحكومة وايقاف الاجراءات الانتقامية. pic.twitter.com/rW4SOjQPWm
— Dr. Haider Salman (@sahaider75) December 18, 2024