د. هيثم عبدالكريم احمد الربابعة أثبتت جهود محاربة الفساد فشل سقوط آلية التطبيل لتغطية الفساد الإداري والمالي؛ فالمطبلون إعتقدوا واهمين أنهم سيدخلون منطقة الحماية إذا هم طبلوا، أو واصلوا المديح الزائف، الذي لا يخدم الدولة، بل يؤذيها؛ لأنه زائف، ويشتت الذهن.. وقد تعلمنا من التاريخ أن المنجزات العظيمة لا تحتاج إلى طبول نحوها من أجل أن تكون عظيمة في عيون المجد.
. فلسفة التطبيل والزيف لها جذور في ثقافتنا؛ فقد إزدهرت كثيرًا منذ سيطرة الأحادية المطلقة، وبعد أن أصبحت المحسوبية جزءًا من الثقافة الدينية، وقد وصل الأمر إلى أن يكون الإنسان مزدوجًا في المعايير، ففي الظاهر هو المتدين، بينما في الخفاء له ممارسات فاسدة. وقد أدى نجاح هذا النهج إلى منحه مشروعية في حياة الرموز. وعادة ما ترتفع أصوات المطبلين عن بقية أفراد المجتمع. ومن نتائج إرتفاع أصواتهم كبت الأصوات الأخرى؛ وبهذا يحول جدار من الغوغاء بين التواصل الطبيعي والمنشود بين السلطة والناس، ويؤدي ذلك إلى إجتياح حالة من الكآبة لمشاعر الناس الصامتين، وذلك عندما تتحول الأجواء إلى أشبه بالمهرجان الكلامي الذي لا تسمع فيه موضوعًا، ولكن أصواتًا نشازًا مرتفعة. الملاحظ أن الأجواء قد تغيّرت كثيرًا بعد بدء نهج الحزم مع الفساد وشوائب العلاقات المريبة، وقد كان فيها رسالة واضحة، هي أن إرتفاع وتيرة التطبيل لا يعني أن المرء خارج المحاسبة، ولكن ربما يعني أنه قد يخفي شيئًا ما خلف أصوات الطبول، وهذا ما حدث بالفعل في كثير من الأمثلة التي لا داعي لذكرها.. كان التطبيل عنوانًا بارزًا في عصرنا الحديث؛ فقد وصل التطبيل إلى درجات غير معقولة.. ولا يمكن أن ننسى التجربة الناصرية؛ فقد اشتُهرت بسياسة التطبيل والتضليل لدرجة أن النظام في الإعلام حقق النصر على العدو، بينما كانت الخسائر فادحة على أرض الواقع. اشتُهرت الجماعات المغلقة بسياسة التملق والمدح الزائف، وبترديد الأقاويل التي تروج للأشخاص، والتي قد تصل إلى حد التقديس والتنزيه، ومنها جماعات الصالونات السياسية طوال حقبة البناء والنهضة، وما صاحبها من كوارث بسبب طغيان الصراخ على الحكمة. أؤمن بأن الإنسان كائن متغير، ويتطور بتغير الأحوال والأزمنة؛ ولهذا تجده دومًا ما يزدهر ويتجلى في أجواء الحرية المسؤولة والمجتمعات التي تقنن حرية التعبير، وتجعل له سقفًا وقانونًا، يحدد معالمه وأركانه، بينما يتراجع الإنسان الذي يعيش في أجواء الصراخ من جانب والكبت والحرمان في جانب آخر، ويعود إلى إنسان أقل مهارات وأسوأ قدرات. ما زلت أعتقد أن أسوأ الدول إنجازًا تلك التي تعتقد أن التطبيل والمدح الزائف يساهمان في السيطرة على عقول الناس وفي توجيههم. ولهذا لم يعد في هذا الزمن مكان للزيف بعد ثورة الموضوعية والنقد الذاتي، وبعد خروج وسائل تفرض تلك القيم في وجه المطبلين.. يجب أن تكون التجربة الأردنية الراهنة دليل غير عادي؛ فقد اكتشف الناس أن المطبل لا يلبس طاقية الإخفاء عند المحاسبة أو المساءلة في فساد ما؛ وهو ما قد يفتح أفقًا جديدة للموضوعية والنقد البنّاء في سماء الوطن، والأهم من ذلك أن النزاهة والإنجاز هما المعياران اللذان يجب أن يقوم عليهما تقييم المسؤول ومحاسبته.. بإيجاز.. لا يبني الأوطان المطبلون أو أولئك الذين يذرون الرماد في عيون المجتمع، ولكن يبنيه القادة الذين يرسمون أهدافًا محددة في المستقبل، ثم يعملون باجتهاد وإصرار للوصول إليها، وهو ما سيتحقق – بإذن الله – في مستقبل الأيام. كاتب اردني
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
استئناف بغداد والنزاهة تتفقان على متابعة قضايا الفساد المالي والاداري
شبكة انباء العراق ..
user