أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة الرقمية
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
طوال قرابة ربع قرن من الزمان، تمسّكت الشقيقتان بيسانو بمزاولة طقوسهما الصباحية بدأب في قلب العاصمة الإيطالية روما، سواء أمطرت السماء أم أشرقت الشمس بأشعة حارة، وهي طقوس تتمثّل في بيع الصحف بلا كلل أو ملل في كشك خاص بهما، يعرف باللغة الإيطالية باسم "إديكولا".
وباستثناء شهر أغسطس/آب عندما تتوقف الأنشطة والأعمال في إيطاليا بسبب موسم العطلات، وأيضا باستثناء أيام الآحاد المقدسة الموافقة لعطلات نهاية الأسبوع، تفتح أليسندرا وباتريشيا منصة بيع الصحف الخاصة بهما، في ميدان فيتوريو إيمانويل الثاني، وهو أحد أجمل الميادين في روما، وذلك في الساعة الخامسة والنصف من صباح كل يوم، وتغلقانها مرة أخرى في الثالثة عصرا.
غير أن أليسندرا التي بلغت 59 عاما من العمر أصيبت بالمرض الآن، وهي أصغر من شقيقتها باتريشيا بعام، مما أدى إلى ترك الأخت الكبرى تواجه بمفردها مستقبلا يسوده الغموض.
وتقول باتريشيا "لم أعد أستطيع مواصلة هذا العمل بمفردي، ولم نتمكن من العثور على من يساعدنا أو يواصل هذا العمل".
ويعني ذلك أن إيطاليا ستخسر قريبا "إيديكولا" آخر، وهو أحد أكشاك بيع الصحف التقليدية الرائعة، التي زينت شوارع المدن الإيطالية بما فيها روما طوال عدة عقود.
وفي مطلع القرن الـ20 عندما استحوذت الأختان بيسانو على الكشك، كان لا يزال يوجد أكثر من 36 ألفا من هذه الأكشاك في ربوع إيطاليا، واليوم لم يعد يوجد سوى أقل من ثلث هذا العدد ولا تزال أعدادها تتقلص كل شهر.
ويرجع هذا التراجع في أعداد أكشاك بيع الصحف إلى عدة عوامل، أهمها اختفاء كثير من الصحف المطبوعة أمام زحف الصحافة الرقمية، في إيطاليا كما هو الحال في دول أخرى، وهناك سبب آخر هو تغيّر أنماط السياحة.
فمن الملاحظ بشكل خاص في روما هذه الأيام، أن العديد من الأنشطة التجارية لم يصمد أمام موجة فصل الشتاء، وليست أكشاك الصحف وحدها هي التي أغلقت أبوابها، بل أيضا بعض متاجر بيع المنتجات الحرفية واليدوية والملابس إلى جانب بعض متاجر البقالة المحلية، حيث يبدأ السياح في العودة لزيارة روما التي يطلق عليها اسم المدينة الخالدة مع مطلع الربيع.
وبدلا من تلك الأنشطة يلاحظ زيادة في حجز الغرف الفندقية عن طريق منصة "أيرنب"، والإقبال على مطاعم البيتزا ومتاجر الهدايا التذكارية من جانب زوار، يحملون حقائب أمتعتهم على ظهورهم أو يدفعونها على عربات بعَجل.
وحتى أعداد أكشاك بيع الصحف في جميع أنحاء إيطاليا، البالغة 11 ألفا لا تكشف عن كامل الحقيقة.
وفي روما على وجه الخصوص يتم في كثير من الأماكن، إطلاق اسم إديكولا بشكل خطأ، على أكشاك أخرى غير المخصصة لبيع الصحف، وهي تشبه الأكشاك التقليدية ولكنها تبيع الآن الهدايا التذكارية.
وفي الأكشاك التي كان من المعتاد أن تباع فيها الصحف، يمكن للسياح الآن شراء مختلف أنواع الحليِّ المقلدة المشكوك في قيمتها، وأيضا خوذات بلاستيكية للمصارعين وجوارب عليها رسومات عجيبة، وقمصان مدون عيها شعارات وقحة المعنى، وألعاب محببة للأطفال وشواحن للهواتف المحمولة، وتذاكر لركوب حافلات مكشوفة تنظم جولات لمشاهدة معالم المدينة.
وأعربت مؤخرا صحيفة لا ريبوبليكا اليومية الإيطالية، التي تباع أيضا في أكشاك توزيع الصحف في مختلف أنحاء البلاد، عن أسفها إزاء أن "أصحاب أكشاك بيع الصحف الذين نثق فيهم، تحولوا إلى بيع السلع التافهة وضحّوا بالصحف من أجل تحقيق أرباح سريعة".
ومع إعلان بابا الفاتيكان فرانسيس عام 2025 "عاما مقدسا"، تتوقع روما تدفق ما يصل إلى 40 مليون زائر، مع انتظار أن يشهد قطاع السياحة مزيدا من الازدهار بينما يستمر تراجع مبيعات الصحف.
وأدى تزايد الاطلاع على الأخبار عن طريق المنصات الرقمية، إلى تفاقم تراجع مبيعات الصحف الورقية، خاصة في خارج المدن الكبرى مثل روما وميلانو وفلورنسا.
كما أسهمت جائحة كورونا في انخفاض توزيع الصحف، غير أن الكثيرين ينظرون إلى الأكشاك التقليدية لبيع الصحف، على أنها أكثر من مجرد كشك لتوزيع الصحف والمجلات؛ ذلك أنها تعد -بمثابة- مؤسسة ثقافية ومكانا للالتقاء والتقابل.
وفي هذا الصدد تقول باتريشيا بيسانو، "إننا لا نرى أنفسنا مطلقا كمكان للبيع فقط، وإنما نمثل مكانا في منطقتنا السكنية يتوجه إليه الجيران للحصول على مختلف أنواع المعلومات وتبادلها، كما أننا نمثل موقعا يتوجه إليه السكان لتبادل الأحاديث والثرثرة، وعندما يأتي شخص إلينا يكون واثقا على الدوام، من أنه سيجد هنا شخصا ما يتحدث معه".
ويأتي الزبائن إلى كشك الأختين في الصباح، حتى قبل أن يتناولوا أول فنجان للقهوة، وتقول باتريشيا "شب جيلان من الأطفال معنا، وهذا ما سأفتقده بدرجة أكبر".
وشاركت باتريشيا مؤخرا مع أصحاب أكشاك صحف آخرين، في حملة للفت الأنظار إلى تراجع نشاط بيع الصحف، عن طريق تنظيم فعالية تحت اسم "ليلة الأكشاك".
عند حلول الليل أضاء كل أصحاب الأكشاك الفوانيس أو الشموع على منصاتهم، لجذب الانتباه لأوضاعهم الصعبة، وناشد أصحاب هذا النشاط التجاري الائتلاف الحكومي اليميني، المكون من 3 أحزاب برئاسة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بإنقاذ الأكشاك من الانقراض.
غير أن المطالبات بالحصول على إعفاءات ضريبية ودعم مالي، لإنقاذ الأكشاك باعتبارها أصولا ثقافية وصلت إلى آذان صماء.
وحتى الكشك التقليدي الكائن خارج مقر الإقامة الرسمي لرئيسة الوزراء، بقصر شيجي لم ينج من الاختفاء.
وهذا الكشك الذي كانت تمتلكه عائلة لوشيانو مونديني هو الأكثر شهرة في إيطاليا، ففي هذا الموقع الذي كان يعد نشاطا تجاريا للعائلة، اعتيدَ أن تجتمع مجموعات من السياسيين والصحفيين للتعليق على آخر الأزمات الحكومية.
وبعد سنوات من التراجع في مبيعات الصحف بالكشك، باعت بنات مونديني الكشك منذ بضعة أشهر.
واليوم لا يزال مكان الكشك موجودا، ولكن لم يعد يوجد به بائع، وإذا أراد المرء أن يشتري صحيفة فيمكنه ذلك عن طريق آلة للبيع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات عن طریق فی روما
إقرأ أيضاً:
التحية للدكتور الصادق الرزيقي القوي الذي وقف وقفة مشرفة
حضرت حلقتين من برنامج بودكاست بالسوداني مع الدكتور الصحفي الصادق الرزيقي وشايف نزلو حلقة ثالثة
د.الصادق عهدي بيهو قديم منذ أن كنت في الأساس،وذلك انو الوالد رحمة الله عليه كان محبا للاطلاع والقراءة فكان في اليوم يقرأ قرابة الست سبع صحف
أنا لمن وعيت كده كانت صحيفة الانتباهة هي التوب و لا صحيفة تعلوا عليها
الصادق في الحلقة الأولى تكلم عن نشأته وتنقله بين نيالا والجنينة و الضعين فهو رزيقي وتكلم عن مراحل تعليمه بتلك المناطق وتكلم كلام يغيب عن الكثيرين فيما يخص مشاكل دارفور و أن السبب الرئيس فيها هم فيه الآن بعض مثقفيها الذين تأثروا بجون قرنق وغيره
و إلا دارفور كانت حاضنة لشتات كبير من القبائل العربية و الإفريقية و من شمال السودان وشرقه وكانت سوقا تجاريا كبيرا والناس يعيشون في وئام وسلام ومصاهرة، ومن منتصف السبعينات تقريبا بدأت الاضطرابات شيئا فشيئا،مهم جدا لو زول مهتم بشأن دارفور يراجع الحلقة الأولى
وتكلم عن الانتهاكات و الضغوطات التي تمارس على كل أبناء تلك المناطق الآن في حالة أن واحدا منهم أنكر جرائم الميليشيا وذكر أن كثيرا من معارفه و أهله تعرضوا للأذى بسبب موقفه القوي في دعم الجيش
وهنا أنا داير أنبه لمسألة انو في كثير من الأهالي الهم من حواضن الميليشيا هم كارهون لفعالها لكن ما بقدرو يصرحو و لا يتكلموا وحكمهم حكم المضطر ،بتذكر لمن تحررت مدني تواصل معي أحد الفضلاء المشهورين باعتباره وهو من تلك المناطق وفرحان فرح شديد لكن قالي ما بقدر أنشر و لا أكتب و لا أظهر شيئا من ذلك ،دي نقطة مهمة جدا لازم الناس تفهمها وما تعمم في حكمها
أثناء كلامه عن المراحل التعليمية وقدراتهم الوقت داك كطلاب و حبهم للاطلاع وده كان حال غالب طلاب الفترات تلك جمعيات ثقافية وأدبية و سياسية
وتجي تقارن حسي تتأسف أسف شديد لما آلت إليه الأمور و آل إليه التعليم
ياخي لوقت قريب كانت في ثقافة الصحف و الاطلاع وتلقى الناس الصباح متلمين حول بتاع الجرائد الكلام ده قل و تأثر بانتشار الميديا و جات قحت كمان وانتهت منه فعليا بمحاربتها لصحفيين كبار و بذلك توقفت العديد من الصحف إلى أن اختفت ظاهرة الصحف تماما
أنا بقول الكلام ده لانو الوالد الله يرحمو كان لازم كل يوم أمشي اجيب ليهو جرائد وكان كلما يوم التحصل عليها ببقى صعب و بتعب جدا عشان ألقاها لحدي ما اختفت تماما
فللأسف الآن بقت مصادر الثقافة شبه مختفية ومعدومة ماف إلا مشاهير الميديا ديل البغلب عليهم السفه و الطيش و الجهل والعوارة
ما تقدر تقارن واحد بربع أي صحفي في بدايات الألفينات خلي ما قبلها
ياخي زمان ثقافة قراية العواميد و النقاشات
حسين خوجلي و مصطفى أبو العزائم و د.محمد الجزولي فك الله أسره والصادق الرزيقي و اسحاق فضل الله و أحمد البلال و الشمارات بتاعت جريدة الدار
و المهاترات الرياضية بين مزمل أبو القاسم و بتاع قوون داك عبدالماجد منو نسيت اسمو
كان في ثقافة القراية والاطلاع
ياخ جريدة الانتباهة دي لمن مرقت كانت صيحة وضجة كبيرة جدا في المجتمع السوداني ومنبر السلام العادل وكتابات الطيب مصطفى رحمه الله تعالى القوية وقتها و التي كانت فيها جرأة كبيرة
و د.الصادق الرزيقي المذيع الطاهر حسن التوم سألوا قاليهوا كيف أنت تمشي من جريدة ألوان و تمشي لجريدة جديدة و معروفة بدعوتها للانفصال وكان يقال أنها عنصرية
و الوقت داك جريدة ألوان كانت التوب وجات اكتسحتها الانتباهة (هوي ما تقولو كبير الوقت داك عمري ١٢ سنة تقريبا)
فدكتور الصادق الرزيقي قال ما كانت جريدة عنصرية أكتر منها كانت صحيفة لمجابهة الاستفزاز والابتزاز الذي كان تمارسه الحركة الشعبية مسنودة في ذلك بالضغط الخارجي
وانو الناس ما عندها مشكلة في السلام و رفع التهميش لكن برضو ما يكون رفع التهميش عن طائفة و إيقاعه في طوائف أخرى
والآن أنا شايف الموضوع ده برضو في من بعض السياسين النفعيين وبتكلموا بأسماء أقاليم بعينها
يتم الابتزاز المدعوم بأيدي خارجية لتحقيق سلام غير عادل ولتحقيق مكاسب شخصية و ده طبيعي جدا حيعمل ليك حركة مناهضة من الأطراف الأخرى وحيقوليك نحن زاتنا مهمشين و سيزداد خطاب العنصرية
يا حليل الصحف والجرائد و ربنا يعلمنا
والتحية للدكتور الصادق الرزيقي القوي والذي وقف وقفة مشرفة
مصطفى ميرغني