صحيفة أثير:
2025-03-31@07:24:50 GMT

العرب؛ هل من بشائر لإصلاح ذات البَين؟

تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT

العرب؛ هل من بشائر لإصلاح ذات البَين؟

مسقط-أثير
إعداد: السيد نوح بن محمد بن أحمد البوسعيدي، رئيس الجمعية التاريخية العمانية

مذ جاهليتهم والعرب تتقاتل وتتهاجى وتتشاحن، لكن ليس إلا أيامًا معدودات فتتصالح وتتسامح وتتصافح وكأن شيئا لم يكن. هكذا العرب في عفويتها وشفافيتها لا تحمل الضّغن ولا تدفن الغّل ولا تبيّت التشفّي.

في الجاهلية خاضت العرب فيما بينها حروبا طاحنة لأتفه الأسباب؛ حرب داحس والغبراء (عبس وذبيان) دامت ٤٠ عاما، وحرب البسوس (بكر وتغلب) دامت أيضا ٤٠ سنة، وحرب الأوس و الخزرج دامت ١٤٠ عاما آخرها يوم بعاث بخمس سنوات قبل الهجرة، ومنها حرب الفجّار ( كنانة ومنهم قريش ضد هوازن وغطفان).

وذكُر بأن نبينا الأكرم صلّى الله عليه و آله و صحبه و سلم قد شهدها قبل بعثته الشريفة، ولم تقتصر حروب العرب على الجزيرة العربية بل حتى عرب الشمال ( الغساسنة المناذرة) خاضوا حروبا ضد بعضهم، وحسب بعض الروايات أن للعرب ١٧٠٠ وقعة قبل الإسلام.

وأقر عرب الجاهلية الأشهر الحرم التي يشار بأنها منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام لمنع القتال، وأكّد عليها الإسلام وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وشدّد الإسلام بتحريم ” النسيء” و هو خرق حرمة هذه الأشهر الشريفة.

ومن الأهداف الرئيسية للإسلام التي كانت من أولويات النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و صحبه سلم هو تأليف قلوب العرب “اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”.

ومما يبعث للكدر للأسف أنه ما إن انتقل الحبيب النبي صلى الله عليه و آله و صحبه و سلّم للرفيق الأعلى حتى عادت الفتنة بين العرب؛ فكانت معركة الجمل ٣٦ هـ و معركة صفين ٣٧ هـ و معركة النهروان ٣٨ هـ و من أشّد المعارك ألما على الأمة كانت معركة كربلاء ٦١هـ، مع العلم أن النبي الكريم عليه أفضل الصلوات قد حذّر في خطبة الوداع “لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ”.

ولندع التاريخ قليلا وننتقل إلى فترتنا القريبة حيث كان التجافي والتخاصم حاضرا في العلاقات العربية العربية؛ فقد قوطعت مصر ونالت سلطنة عمان الكثير من الجفاء لموقفها الأخوي معها، وتم تشكيل جبهة الصمود والتصدي في عام ١٩٧٧م التي ناصبت سلطنة عمان العداء، ثم ما لبث أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية في ٢٢ سبتمبر ١٩٨٠م التي فاقمت الصراعات وأنهكت موارد الشرق الأوسط وانتهت بغزو الكويت في ٢ أغسطس ١٩٩٠م ، ثم حرب تحرير الكويت في ٢٤ فبراير ١٩٩١م، وقد أعقب هذه الفترة من الصراعات الطاحنة بروز أبشع ظاهرة في عالمنا الإسلامي وهي ما سمّي بـ ” الإرهاب” الذي أغلب ضحاياه كانوا من العرب والمسلمين، إلى أن انتهينا بما يسمّى بالربيع العربي الذي قاد لحروب أهلية داخلية في عدد من البلدان العربية ( سوريا ، ليبيا ، اليمن ، السودان ) ونجت بعض البلدان -بفضل الله- لكن لم تسلم من التداعيات التي ألمّت بالمنطقة، وبعد كل هذا الإنهاك الذي أصاب العرب وجدنا أنفسنا أمام أزمات أخرى كحرب اليمن في عام ٢٠١٥م، وتأّزم العلاقة بين الخليجيين ( قطر وبعض دول الخليج) في عام ٢٠١٧م، والمستفيد الأكبر من كل هذه الصراعات هم أعداء الأمة ما ظهر منهم وما بطن.

وكما في حروب العرب السابقة يظهر من بين الركام من ينادي بالوفاق والتصالح، وقد قيّض الله سلطنة عمان لتقوم بهذا الدور في وقتنا الحاضر، ورسّخ مولانا السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- المبدأ الثابت لعُمان الذي بدأه السلطان قابوس -رحمة الله عليه- بمّد جسور الموّدة والإخاء والعمل على إزالة مسببات الفتن والشقاق بين الأشقاء؛ فعمان تعي فضائع عدم الاستقرار وقد عانت منه لقرن من الزمن منذ وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام ١٨٥٦م.

علينا كعرب أن نستبشر بمستقبل أمتنا ولا ندع ثغرة للشيطان خصوصًا بعد التضحيات الجليلة في غزة التي أظهرت مؤازرة العالم الحّر لنا والإقبال على الإسلام والتهافت لتعلم اللغة العربية بل و اعتمادها لغةً رسمية كما حصل في السنغال.

ويبقى العرب أخوة وتبقى النخوة والشهامة والمروة من قيم العرب الأصيلة. وكم هو جميل أن نطوي ما مضى ونركّز على رسالتنا الأسمى وتصفية القلوب من الضغائن والأحقاد والتشاجر على التوافه لنحقق تفاخر السماء بنا “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”.
وكما قالت العرب … “كلام الليل يمحوه النهار”.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الله علیه فی عام

إقرأ أيضاً:

اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد أن انتهيتُ من قراءة كتاب "عبقرية محمد" للمفكرِ العملاقِ عباس محمود العقاد، تذكَّرتُ على الفورِ قول اللهِ جلَّ جلالُهُ للنبيِّ الكريمِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، فأدركتُ السرَّ في انجذاب كلِّ من اقترب من سيرته العطرة، وتذكرتُ على الفور أنه ليس هناك متشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا ويلهجُ باسمه... وكلُّ من سيقرأُ ما كتبهُ المفكرون عن شخصية النبيِّ الكريمِ قديمًا وحديثًا، سيعرف أثر كرم الله على نبيَّه برفع ذكره منذ مولده وإلى قيام الساعة.

ولذا، لم يدهشني إهتمام الكُتَّابِ في الشرق والغرب به، وقد قرأتُ بإعجابٍ شديدٍ آخرَ ما صدر من مؤلفاتٍ في الغرب عن خيرِ خلقِ اللهِ أجمعين، للكاتبةِ والمفكرةِ البريطانية "كارن أرمسترونج"،وهي مَنْ ؟ إنها الكاتبة المرموقة والباحثة الماهرة التي تتجنُّب التحيُّز الشخصي، ولا تُصدر الأحكام إِلَّا  بعد فحص ما لديها من أدلَّةٍ وبراهين بتجرُّدٍ وشفافية، وقد كرَّست حياتها لدراسة الأديان السماوية، مثل الإسلام والمسيحية واليهودية، وكان كتابها  "محمد: سيرة النبي"، والذي صدر عام ١٩٩١  وفيه قدَّمت  فكرًا عميقًا،  يُعدُّ هذا المؤلف من أبرزِ الأعمالِ التي قدَّمت رؤيةً موضوعيةً ومنصفةً عن النبيِّ الكريمِ في العالم الغربي. كما يُعدُّ  جسرًا مهمًّا بين الثقافات، ودعوةً للحوارِ والتفاهمِ بين الأديان، بعيدًا عن الصور النمطيةِ والتشويهِ الإعلامي، فقدأَثْبَتَتْ فِي مُؤَلَّفِهَا  هذا بأن النبي العظيم رجلًا ذا رؤيةٍ أخلاقيةٍ عَمِيقَةٍ...

ومن إنصافِها فى كتاباتها  قالت: "كان محمدٌ رجلًا حنونًا، متواضعًا، وقائدًا بارعًا، لم يسعَ للسلطةِ بقدر ما كان يسعى لإحداث تغييرٍ أخلاقيٍّ عميقٍ في مجتمعه."

كما تناولت الكاتبةُ  والباحثة دورَ النبيِّ الكريم في تحسينِ مكانةِ المرأةِ في المجتمع، حيث أشارت إلى أنه منحَ المرأةَ حقوقًا لم تكن موجودةً في الجاهلية، مثل حقِّ الإرث، وحقِّ التعليم، وحقِّ الاختيارِ في الزواج. وكان يسعى لتحريرِ المرأةِ من القهرِ الاجتماعي، ويدعو إلى معاملتها بكرامةٍ واحترام.

ولها أيضًا رأيٌ حرٌّ جريءٌ، إذ أكَّدت أن النبيَّ الكريمَ كان يسعى دائمًا إلى الحلولِ السلمية، وأن المعاركَ التي خاضها كانت دفاعية، ولم تكن من أجل التوسع أو فرض الدين بالقوة... وبذكاءٍ شديدٍ، اختارت صلح الحديبية وقالت عنه: "كان دليلًا واضحًا على براعةِ النبيِّ الكريم في إدارة النزاعاتِ بالسِّلمِ والحكمة، لأنه كان يؤمن بأن السلام هو الوسيلةُ الأقوى لنشرِ رسالته."

وهذه الشهادةُ من هذه الباحثة والتي تُعَدُّ واحدةً من أبرز الْباحثين في الأديان المُقَارَنَةِ  تدحضُ الصورةَ السلبيةَ التي رسمها بعضُ المستشرقين لهذا النبي العظيم...

وقد تصدى لهؤلاء المستشرقين والشانئين  المفكر الكبير عباس محمود العقاد في مواجهة هذه الافتراءات، حيث قال في كتابه الهام "عبقرية محمد": “إن التاريخ هو فيصل التفرقة بين محمدٍ وشانئيه، فحكمُه أنفذُ من حكمِ الشانئين والأصدقاء، وأنفذُ من حكمِ المشركين والموحدين، وأنفذُ من حكمِ المتدينين والملحدين... إنه حكم الله، وقد حكم له أنه كان في نفسه قدوة المهذَّبين، وكان في عمله أعظمَ الرجال أثرًا في الدنيا، وكان في عقيدته مؤمنًا يبعث الإيمان، وصاحبَ دينٍ يبقى ما بقيت في الأرض أديان، وسيطلع في الأفق هلالٌ، ويغيبُ هلالٌ، وسيذهب في الليل قمرٌ، ويعودُ قمرٌ، وتتعاقب هذه الشهور التي كأنها جُعلت التاريخَ ما بين الصدور، لأن الناس لا يؤرخون بها مواسمَ الزرع، ولا مواعيد الأشغال، ولا أدوار الدواوين والحكومات، ولا ينتظرونها إلا هدايةً مع الظلام، وسكينةً مع الليل: أشبه شيءٍ بهداية العقيدة في غياهب الضمير”.

وقبل أن يَخْتِمَ  الكاتب الكبير عباس محمود العقاد صفحات كتابه  "عبقرية محمد"، اختار يوم هجرة النبي إلى المدينة فكتب: "ستطلع الأقمار بعد الأقمار، وتقبل السنة القمرية بعد السنة القمرية، وكأنها تقبل بمعلمٍ من معالم السماء يوميء إلى بقعةٍ من الأرض: هي غار الهجرة، أو يوميء إلى يومٍ لمحمدٍ هو أجملُ أيامِ محمد، لأنه أدلُّ الأيام على رسالته، وأخلصها لعقيدته ورجاء سريرته، وهو يوم التقويم الذي اختاره المسلمون بإلهامٍ لا يعلوه تفكيرٌ ولا تعليم..."

ختامًا.. لقد عشتُ أوقاتًا ممتعةً مع كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، ومن خلال صفحات هذا الكتاب شاهدت  التاريخ يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذا اليتيمِ الذي بُعث رحمةً للعالمين.. صلى الله عليك وسلم يا خير خلق الله أجمعين...

اللهم إنا نُشهدك أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فاللهمَّ اجزه عنا خير ما جزيتَ نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن رسالته...

 

ولنا لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله، مع قراءة فى كتاب ممتع جديد...

 

مقالات مشابهة

  • الدول العربية التي أعلنت غدًا الأحد أول أيام عيد الفطر 2025
  • بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام
  • ما هي الدول العربية التي أعلنت الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك؟
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
  • دعاء وداع شهر رمضان .. تعرفوا عليه
  • أكاديمية السينما تعتذر بعد إغفال اسم المخرج الذي اعتدت عليه إسرائيل
  • هل زكاة الفطر لا تجب على الذي عليه دين؟.. دار الإفتاء تجيب
  • دعاء ختم القرآن الكريم وفضل التلاوة.. تعرف عليه
  • بمشاركة العراق.. السفراء العرب يبحثون مبادرة الحضارة العربية في روما