العرب؛ هل من بشائر لإصلاح ذات البَين؟
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
مسقط-أثير
إعداد: السيد نوح بن محمد بن أحمد البوسعيدي، رئيس الجمعية التاريخية العمانية
مذ جاهليتهم والعرب تتقاتل وتتهاجى وتتشاحن، لكن ليس إلا أيامًا معدودات فتتصالح وتتسامح وتتصافح وكأن شيئا لم يكن. هكذا العرب في عفويتها وشفافيتها لا تحمل الضّغن ولا تدفن الغّل ولا تبيّت التشفّي.
في الجاهلية خاضت العرب فيما بينها حروبا طاحنة لأتفه الأسباب؛ حرب داحس والغبراء (عبس وذبيان) دامت ٤٠ عاما، وحرب البسوس (بكر وتغلب) دامت أيضا ٤٠ سنة، وحرب الأوس و الخزرج دامت ١٤٠ عاما آخرها يوم بعاث بخمس سنوات قبل الهجرة، ومنها حرب الفجّار ( كنانة ومنهم قريش ضد هوازن وغطفان).
وذكُر بأن نبينا الأكرم صلّى الله عليه و آله و صحبه و سلم قد شهدها قبل بعثته الشريفة، ولم تقتصر حروب العرب على الجزيرة العربية بل حتى عرب الشمال ( الغساسنة المناذرة) خاضوا حروبا ضد بعضهم، وحسب بعض الروايات أن للعرب ١٧٠٠ وقعة قبل الإسلام.
وأقر عرب الجاهلية الأشهر الحرم التي يشار بأنها منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام لمنع القتال، وأكّد عليها الإسلام وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وشدّد الإسلام بتحريم ” النسيء” و هو خرق حرمة هذه الأشهر الشريفة.
ومن الأهداف الرئيسية للإسلام التي كانت من أولويات النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و صحبه سلم هو تأليف قلوب العرب “اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”.
ومما يبعث للكدر للأسف أنه ما إن انتقل الحبيب النبي صلى الله عليه و آله و صحبه و سلّم للرفيق الأعلى حتى عادت الفتنة بين العرب؛ فكانت معركة الجمل ٣٦ هـ و معركة صفين ٣٧ هـ و معركة النهروان ٣٨ هـ و من أشّد المعارك ألما على الأمة كانت معركة كربلاء ٦١هـ، مع العلم أن النبي الكريم عليه أفضل الصلوات قد حذّر في خطبة الوداع “لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ”.
ولندع التاريخ قليلا وننتقل إلى فترتنا القريبة حيث كان التجافي والتخاصم حاضرا في العلاقات العربية العربية؛ فقد قوطعت مصر ونالت سلطنة عمان الكثير من الجفاء لموقفها الأخوي معها، وتم تشكيل جبهة الصمود والتصدي في عام ١٩٧٧م التي ناصبت سلطنة عمان العداء، ثم ما لبث أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية في ٢٢ سبتمبر ١٩٨٠م التي فاقمت الصراعات وأنهكت موارد الشرق الأوسط وانتهت بغزو الكويت في ٢ أغسطس ١٩٩٠م ، ثم حرب تحرير الكويت في ٢٤ فبراير ١٩٩١م، وقد أعقب هذه الفترة من الصراعات الطاحنة بروز أبشع ظاهرة في عالمنا الإسلامي وهي ما سمّي بـ ” الإرهاب” الذي أغلب ضحاياه كانوا من العرب والمسلمين، إلى أن انتهينا بما يسمّى بالربيع العربي الذي قاد لحروب أهلية داخلية في عدد من البلدان العربية ( سوريا ، ليبيا ، اليمن ، السودان ) ونجت بعض البلدان -بفضل الله- لكن لم تسلم من التداعيات التي ألمّت بالمنطقة، وبعد كل هذا الإنهاك الذي أصاب العرب وجدنا أنفسنا أمام أزمات أخرى كحرب اليمن في عام ٢٠١٥م، وتأّزم العلاقة بين الخليجيين ( قطر وبعض دول الخليج) في عام ٢٠١٧م، والمستفيد الأكبر من كل هذه الصراعات هم أعداء الأمة ما ظهر منهم وما بطن.
وكما في حروب العرب السابقة يظهر من بين الركام من ينادي بالوفاق والتصالح، وقد قيّض الله سلطنة عمان لتقوم بهذا الدور في وقتنا الحاضر، ورسّخ مولانا السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- المبدأ الثابت لعُمان الذي بدأه السلطان قابوس -رحمة الله عليه- بمّد جسور الموّدة والإخاء والعمل على إزالة مسببات الفتن والشقاق بين الأشقاء؛ فعمان تعي فضائع عدم الاستقرار وقد عانت منه لقرن من الزمن منذ وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام ١٨٥٦م.
علينا كعرب أن نستبشر بمستقبل أمتنا ولا ندع ثغرة للشيطان خصوصًا بعد التضحيات الجليلة في غزة التي أظهرت مؤازرة العالم الحّر لنا والإقبال على الإسلام والتهافت لتعلم اللغة العربية بل و اعتمادها لغةً رسمية كما حصل في السنغال.
ويبقى العرب أخوة وتبقى النخوة والشهامة والمروة من قيم العرب الأصيلة. وكم هو جميل أن نطوي ما مضى ونركّز على رسالتنا الأسمى وتصفية القلوب من الضغائن والأحقاد والتشاجر على التوافه لنحقق تفاخر السماء بنا “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”.
وكما قالت العرب … “كلام الليل يمحوه النهار”.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: الله علیه فی عام
إقرأ أيضاً:
أسياد الجليد في خطر.. معركة الدب القطبي مع تغير المناخ
تواجه الدببة القطبية وضعا حرجا يؤثر على بقائها وتكاثرها نتيجة للذوبان المستمر لجليد القطب الشمالي والآثار الأوسع لتغير المناخ، مما يهدد هذه الحيوانات النبيلة وبيئتها الطبيعية.
ففي قلب اتساع القطب الشمالي، الذي ترتفع فيه درجة الحرارة بمعدل أسرع بمرتين من أي مكان آخر على كوكب الأرض تقف الدببة القطبية رمزا مؤثر للتحديات البيئية في عصرنا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما العلاقة بين البراكين والتغير المناخي؟list 2 of 2دراسة: غرينلاند تفقد غطاءها الجليدي بأكبر من المتوقعend of listتُعرف هذه المخلوقات المهيبة علميا باسم (Ursus maritimus)، وهي ليست مجرد الحيوانات المفترسة الرئيسية في القطب الشمالي فحسب، بل هي أيضا مكونات أساسية لنظامه البيئي الهش.
ففرْوُها الأبيض الظاهر، المكون من أنابيب شفافة مجوفة إلى جانب طبقة كبيرة من الدهن، يؤهلها بشكل رائع للبقاء على قيد الحياة في عالمها البارد. وذلك الفرو، يبدو أبيض اللون ولكنه شفاف في الواقع، يعكس الضوء المرئي، بينما جلدها الداكن يمتص أشعة الشمس لزيادة دفئها.
تتيح هذه التكيفات الطبيعية، ليس فقط الدفء في البرد القارس ولكن أيضا التمويه ضد الجليد والثلج، مما يجعل الدببة القطبية من الصيادين الذين لا مثيل لهم في القطب الشمالي.
حسب تقرير لموقع "إيرث دوت أورغ" (Earth.org) تعد الدببة القطبية أكبر أنواع الدببة على كوكب الأرض، تتفاوت أحجامها بشكل كبير في نطاقها، حيث يصل وزن الذكور عادة إلى نحو 680 كيلوغراما والإناث إلى حوالي 363 كيلوغراما.
إعلانوتنتشر هذه الدببة عبر 19 مجموعة فرعية مميزة في القطب الشمالي، وترتبط حياتها وبقاؤها على قيد الحياة ارتباطا وثيقا بالجليد البحري، حيث تعتمد عليه للوصول إلى فرائسها الرئيسية وهي الفقمات.
ويضعها ذلك الاعتماد الكامل على هذا النمط من التغذية في وضع غير موات بشكل خاص مع تغير المناخ العالمي، حيث تؤدي اتجاهات الاحتباس الحراري إلى انكماش الغطاء الجليدي البحري في القطب الشمالي بنسبة 14% تقريبا كل عقد، وذوبان الجليد البحري المبكّر وتأخر تكوينه كل عام.
وبالمقارنة مع متوسط الغطاء الجليدي البحري المسجل بين عامي 1981 و2010، فقدنا تقريبا نحو 1.2 مليون كيلومتر مربع من الجليد بين عامي 2011 و2021.
وبالنسبة للدببة القطبية لا يقتصر هذا التغيير على تقصير مواسم صيدها فحسب، بل يقلل أيضا من وصولها إلى الموارد الغذائية الأساسية، مما يؤثر سلبا على صحتها ومعدلات تكاثرها، وفي النهاية على بقائها، إذ تعتمد على الجليد البحري لاصطياد الفقمات والراحة والتكاثر.
مخاطر وتهديدات
وبسبب فقدان الجليد البحري، يتعين على الدببة القطبية السفر لمسافات أطول للبقاء مع الجليد المتراجع بسرعة، ولا توجد إمدادات غذائية كافية خلال فصل الشتاء، كما أن الجليد البحري بات يذوب الآن في وقت مبكر من الربيع ويتشكل في وقت متأخر من الخريف، مما يعني أنها ستتضور جوعا لفترة أطول خلال هذه الأشهر.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الدببة القطبية عالميا يتراوح بين 22 ألفا و31 ألفا، وهو رقم يثير الكثير من القلق نظرا للفقدان المُستمر والسريع لموائلها الجليدية البحرية والانخفاض الحاد في أعدادها.
وتُظهر إعادة تقييم حديثة أن هناك احتمالا كبيرا لانخفاض أعداد الدببة القطبية عالميا بأكثر من 30% خلال الـ35 إلى 40 عاما القادمة إذا بقي الوضع المناخي ونسبة ذوبان الجليد كما هو عليه.
إعلانويصنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الدببة القطبية على أنها معرَضة للخطر، ويواجه مستقبلها خطرا داهما، ليس فقط بسبب تغير المناخ، بل أيضا بسبب تزايد احتمالية الصراعات بين البشر والدببة مع تجولها في مناطق أبعد بحثا عن الطعام، حيث تعاني من ندرة الغذاء بشكل ملحوظ في موئلها الأصلي.
وغالبا ما تبوء جهود هذه الدببة في إيجاد قوت يومها أو البحث عن النباتات أو التوت، أو السباحة بحثا عن الطعام بالفشل إلى حد كبير، مما يبرز التحديات الجسيمة التي تواجهها في بيئتها المتغيرة تلك. ويتفاقم الوضع بسبب عجز الدببة القطبية عن تناول الطعام أثناء السباحة، مما يزيد من صعوبة سعيها للبقاء على قيد الحياة.
وحتى ما ينجو من المجاعة من الدببة سيعاني من سوء تغذية حاد، وخاصة الإناث مع صغارها، وهو ما يؤدي إلى انخفاض معدلات التكاثر والانقراض في بعض المناطق. وقد وجد العلماء أن السبب الرئيسي لنفوق الدياسم (صغار الدببة) يكون إما لنقص الغذاء أو نقص الدهون لدى الأمهات المرضعات.
وإلى جانب فقدان الجليد البحري الحيوي، تشمل التهديدات الأخرى التي تواجهها هذه الأنواع التلوث البيئي، واستكشاف الموارد الأحفورية، حيث يشكل تطوير صناعة النفط في القطب الشمالي تهديدا واسعا، بدءا من الانسكابات النفطية وصولا إلى تدمير الموائل والصيد الجائر أحيانا.
مهدت اتفاقية الدب القطبي لعام 1973، التي وقّعتها دول القطب الشمالي، الطريق لتنسيق جهود البحث والمحافظة عبر الحدود. وتركز جهود اليوم بشكل أكبر على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية وإدارة النشاط البشري في القطب الشمالي بطرق لا تفاقم التهديدات التي تواجهها أعداد الدببة القطبية.
وتعد مبادرات الحفاظ على البيئة، التي تهدف إلى الحفاظ على الدب القطبي مبادرات شاملة ودولية النطاق، وتشمل حماية الموائل، وإستراتيجيات التخفيف من تغير المناخ، والجهود الرامية إلى تقليل الصراعات بين الدببة القطبية والبشر، لكنها تواجه أيضا صعوبات في التطبيق.
إعلانوتمثل ظروف الدببة القطبية في ظل التغيرات المناخية تذكيرا قويا بترابط النظام البيئي العالمي والحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ. ومع استمرار تقلص جليد القطب الشمالي، وهو ما يتطلب تدابير الحفظ الاستباقية، والالتزام العالمي بخفض الانبعاثات، لتتمكن هذه المخلوقات المميزة من مواصلة ازدهارها في موطنها القطبي.