الخرطوم- استبق المكون العسكري في مجلس السيادة في السودان نهاية الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عام، بتحديد ملامح اليوم التالي، وإعلانه أن القوات المسلحة ستتجاوز القوى السياسية خلال مرحلة التأسيس التي تمتد عدة سنوات، مما عده مراقبون رغبة من العسكر بالهيمنة على المشهد السياسي بعد الحرب.

وتباينت مواقف الفرقاء السودانيين إزاء العملية السياسية، حيث تدعو قوى مدنية أن تكون القوى السياسية التي تعبر عن الثورة وترفع شعار "لا للحرب" جزءا من المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وأن تكون العملية ضمن ترتيبات إنهاء الحرب بعد الوقف الدائم لإطلاق النار.

بينما تطالب القوى المساندة للجيش بأن تبدأ العملية السياسية بعد نهاية الحرب وأن تشمل جميع القوى السياسية بلا عزل أو إقصاء أي طرف، تحدد هذه القوى برنامج الفترة الانتقالية الجديدة وأن تكون الحكومة المدنية من المستقلين "تكنوقراط".

بكري الجاك قال إن الحديث عن إقصاء فئات من الشعب سيعيد البلاد إلى المربع الذي أوصلها للدمار (الجزيرة) فترة تأسيسية

قال عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، إن القوات المسلحة ستتجاوز القوى السياسية خلال مرحلة التأسيس التي تمتد عدة سنوات.

وتحدث العطا خلال تفقده المواقع المتقدمة للعمليات بأم درمان، مؤكدا أنه "بعد الانتصار القريب جدا، سنعمل على فترة تأسيسية لعدة سنوات دون أي حاضنة سياسية".

وأضاف "الحاضنة ستكون الشعب السوداني، والمقاومة الشعبية وسنقود تأسيس الدولة بأطر وطنية صحيحة، لا للعمالة ولا للارتزاق ولا للعملاء ولا لخونة الأوطان وكل من أخطأ في حق الوطن سيحاسب".

ووصفت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" بزعامة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك حديث ياسر العطا عن إقامة فترة تأسيسية تستثني الأحزاب السياسية بأنه "استهلاك سياسي"، مشيرة إلى أن أي فترة تأسيسية يجب أن تبدأ بالمحاسبة.

وقال المتحدث باسم "تقدم"؛ بكري الجاك، في تصريح صحفي إن الحديث عن فترة تأسيسية تقوم على إقصاء فئات من الشعب ستعيد البلاد إلى المربع ذاته الذي أوصلها للدمار والتحلل. وتساءل الجاك "كيف يتم تمثيل الشعب إذن؟ وهل القوى السياسية ليست جزءا من الشعب السوداني؟" معتبرا أن حديث العطا متناقض جوهريا.

وأوضح الجاك، أن "تقدم" ترى أن"خير سبيل لإنهاء أزمة الدولة السودانية يبدأ بخروج العسكر من الحياة السياسية أولًا ومن ثم قيام شرعية توافقية تضع لبنات التأسيس والانتقال بالوصول إلى مشروع وطني جامع أساسه المواطنة المتساوية".

وذكر أن المرحلة الأخيرة ينبغي أن تشتمل على "برنامج شامل للعدالة الانتقالية لمخاطبة آثار الحرب، تعقبه عملية صناعة الدستور، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقًا للمعايير الدولية".

إقصاء الإسلاميين

وأقرت قوى "تقدم" خلال مؤتمرها الأخير في أديس أبابا بأن جهود وقف الحرب وإعادة البناء وعمليات التأسيس لدولة ديمقراطية مدنية مستقرة يجب أن تقوم على عملية سياسية تفاوضية لا تستثني أي فصيل سياسي سوى المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتها وكل من دعم و يدعم حرب 15 أبريل/نيسان 2023.

من جانبه، يرى الكاتب الإسلامي ووزير الإعلام في ولاية النيل الأبيض السابق عبد الماجد عبد الحميد، أنه لا يمكن لأي قوة عسكرية أن تقوم ببناء سياسي من دون حاضنة سياسية، ويرى، في حديث مع الجزيرة نت، أن القيادات العسكرية في مجلس السيادة لا يمكنها أن تدير المرحلة الانتقالية بلا حاضنة سياسية تعمل على تهدئة الأوضاع وتدير المشهد السياسي الداخلي والخارجي المعقد الذي يحتاج إلى عقول سياسية، بحسب وصفه.

ويوضح عبد الحميد أن العطا يعبر عن رغبة القيادة العسكرية في مرحلة ما بعد الحرب، وأن المكون العسكري لديه طموحات سياسية لذلك تلتقي رغبتهم في إدارة المرحلة الانتقالية بلا حاضنة سياسية.

ولا يستبعد المتحدث ذاته أن تكون هناك أبعاد دولية في موقف العسكريين، لأن البديل هو التيار الوطني الإسلامي حيث تريد القيادة العسكرية استخدام هذا التيار في حسم الحرب لكنهم لا يريدونه بجوارهم ما بعد الحرب، ويتابع "الجسم العسكري يريد الهيمنة على المرحلة السياسية الجديدة تمهيدا لحكم عسكري طويل تحت بزة عسكرية ربما يختلف شخوصها".

امتداد للشمولية

وحسب المحلل السياسي محمد لطيف، لم تتوقف محاولات المكون العسكري عن الهيمنة على السلطة منذ أبريل/نيسان 2019، ووصلت قمتها في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إذ أعلن أنه سيشكل حكومة ومجلسا تشريعيا وكان ينوي الاستمرار في سلطته العسكرية لكنه فشل في ذلك.

وبحسب حديث المحلل ذاته، للجزيرة نت، فإن المكون العسكري لديه رغبة جامحة في فرض نفسه كأمر واقع وحماية نفسه من أي انتهاكات ارتكبت منذ الإطاحة بحكم الرئيس المعزول عمر البشير.

وعن عزم الجيش تشكيل حكومة مدنية مستقلة في مرحلة التأسيس، يعتقد محمد لطيف أن المكون العسكري لا يريد مرحلة تأسيسية أو انتقالية، فهو يريد العودة إلى حكم شمولي كما حدث في عهد الرؤساء السابقين إبراهيم عبود وجعفر نميري وعمر البشير، كما يريد إبعاد كل القوى السياسية من اليمين إلى اليسار.

ويدعو المحلل السياسي أن تقود القوى المدنية التي تمثل الشارع والشعب مرحلة ما بعد الحرب، وأن يخضع الجيش لسلطة أعلى منه، معتبرا أن المطالبة بمشاركته في السلطة ليحفظ الأمن والاستقرار "غير صحيحة" لأنه فشل في ذلك، وأن انشغال العسكر بالسلطة يصرفهم عن مهامهم الأساسية.

غير أن الباحث السياسي سليمان الطيب يرى أن ياسر العطا بتصريحاته لا يريد إقصاء القوى السياسية عن المرحلة التأسيسية التي تلي الحرب، ولكنه يدعو إلى سلطة بعيدة عن الصراعات والمحاصصات الحزبية لأن التحديات تقتضي سلطة قوية تتصدى لأخطر فترة.

وفي حديث للجزيرة نت يعتقد الباحث نفسه أن العسكر يستغلون ضعف القوى السياسية وانقسامها وعجزها عن التوافق على رؤية وطنية، وربما يسعون لتشكيل كتلة سياسية جديدة مساندة لمواقفهم بعيدا عن القوى المتصارعة في المشهد الحالي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات القوى السیاسیة ما بعد الحرب أن تکون

إقرأ أيضاً:

الشعبية «التيار الثوري»: قوى الثورة يجب ألا تسمح باستخدامها كـ«ديكور» لقسمة السلطة

الشعبية «التيار الثوري» قالت إن تحالف (صمود) بعد أزمة (تقدم) يحتاج إلى إنتاج خطاب سياسي جديد ومستقل ويعالج هياكله المؤقتة.

الخرطوم: التغيير

دعت الحركة الشعبية- التيار الثوري الديمقراطي بقيادة ياسر عرمان، إلى وحدة القوى المدنية ومقاومة الحلول القائمة على قسمة السلطة بين طرفي الحرب في السودان ورفضها، “حتى وإن تطلب ذلك مواصلة النضال بعد الحرب، ورفض الحل القائم على اقتسام السلطة والذي لا يؤدي إلى معالجة جذور الأزمة”.

وقالت في بيان اليوم الاثنين، إن التجارب تؤكد إن الحرب الحالية في الغالب الأعم سيكون الإتجاه لحلها على حساب التحول المدني الديمقراطي وبقسمة سلطة بين طرفي الحرب مع استخدام المدنيين كديكور و(تمومة جرتق) لقسمة السلطة والحلول على طريقة الوجبات السريعة.

وانعقد أمس الأحد، اجتماع المكتب القيادي القومي للحركة بحضور الرئيس، نائب الرئيس، والأمين العام، حيث تم مناقشة الوضع الإنساني والسياسى واعتقال رئيس الحركة في العاصمة الكينية نيروبي، وقضية استهداف القوى المدنية، ومراجعة التكاليف السابقة وقضايا بناء (صمود) والجبهة المدنية، والموقف من المائدة المستديرة، واعتمإد خطة الأمين العام.

المدخل الصحيح للعملية السياسية

وحسب البيان، أكد المكتب القيادي مجدداً أن المدخل الصحيح للعملية السياسية يبدأ بخارطة طريق كاملة وحزمة موحدة مدخلها معالجة القضايا الإنسانية كأولوية قصوى، ووقف الحرب وفتح المسارات الإنسانية وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين وحماية المدنيين وبآلية مراقبة وتحقق إقليمية ودولية.

وقال إن معالجة الأزمة الإنسانية ترمى لتهيئة المناخ للحل النهائي وتتيح للمدنيين العودة لقراهم ومدنهم وتوسع دائرة الفضاء المدني وتقلص دائرة الفضاء العسكري حتى تكون العملية السياسية ذات مصداقية وبعد شعبى ومشاركة جماهيرية وملزمة لطرفي الحرب.

وأشارت الحركة إلى تقرير الأمم المتحدة مؤخراً حول مراكز الاحتجاز غير القانوني بولاية الخرطوم وممارسة الانتهاكات الواسعة، ودعت إلى وضع هذه القضية في صلب أجندة القوى الديمقراطية ومراصد حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني وتسليط الضوء عليها إعلامياً والعمل على إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين ووقف الانتهاكات.

واعتبرت الحركة أن حملات التضامن والإدانة والعمل لوقف جرائم الحرب ضد المدنيين في المدن التاريخية “الخرطوم، الفاشر، والأبيض وغيرها”، لا يرقى لمستوى الحدث، وأكدت الحاجة إلى أفعال تقابل وحشية هذه الجرائم وتسلط الضوء على ما يجري ضد المدنيين.

الكتلة المدنية

وقال بيان الحركة إن هذه هذه الحرب بلورت ثلاث كتل هي الكتلة المدنية “كتلة قوى الثورة والقوى الديمقراطية”، وتشكل الجبهة المعادية للحرب، وكتلة الجيش وحلفائه، وكتلة الدعم السريع وحلفائه.

وأكد أن الكتلة المدنية أكبر من كتلتي الحرب وتمثل مصالح جموع الشعب السوداني وحقه في السلام والحرية والعدالة. وأضاف: “هذه الكتلة هي كتلة المستقبل والثورة وتحتاج أن تبنى منبرها المستقل الموحد”. وشدد على ضرورة إستقلاليتها ووحدتها.

وشددت الحركة على أن تحالف (صمود) بعد الأزمة التي حدثت في (تقدم) يحتاج إلى إنتاج خطاب سياسي جديد ومستقل ويعالج هياكله المؤقتة إلى هياكل دائمة متراضى عليها وقادرة على إنجاز مهامه.

وقالت: “نحتاج أن ننجز ذلك في أقصر وقت وبآليات مناسبة، كما يتحتم علينا أن نمضي فى بناء الجبهة المدنية وإكمال ما تم من قبل وخصوصاً مع القوى التى شاركت بفاعلية في سبيل بناء الجبهة المدنية وعلى رأسها حركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وحزب البعث الأصل وكل من يرغب في بناء الجبهة المدنية لقوى الثورة كحلف استراتيجي”.

وأضافت: “المائدة المستديرة يجب أن تكون بدايتها بناء كتلة قوى الثورة والجبهة المدنية والاتفاق على رؤية موحدة قبل المائدة المستديرة لا بعدها”.

وناقش اجتماع الحركة مواصلة العمل الجاد لبناء التيار الثوري الديمقراطي في الداخل والخارج في ظروف الحرب المعقدة، واعتمد خطة يشرف عليها الأمين العام بعد أن أدخل عليها التعديلات والملاحظات الضرورية.

وناقش الملابسات التي صاحبت إيقاف رئيس الحركة في العاصمة الكينية نيروبي، وأكد أن ما حدث هو جزء من حملة تستهدف قوى الانتقال المدني الديمقراطي، “ويجب أخذها بجدية ومعالجتها مع أصدقائنا في كافة دول الجوار والمجتمع الدولي”.

وثمن المكتب القيادي حملة التضامن الواسعة داخل وخارج السودان وتوجه بالشكر الجزيل والتقدير لكل من شارك فيها.

الوسومالجبهة المدنية الجيش الحرب الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي الدعم السريع السودان العملية السياسية المائدة المستديرة كينيا نيروبي ياسر عرمان

مقالات مشابهة

  • ما قدمه الجيش السوداني درس عظيم، ولكن ما قدمه الشعب السوداني درس أعظم
  • الشعبية «التيار الثوري»: قوى الثورة يجب ألا تسمح باستخدامها كـ«ديكور» لقسمة السلطة
  • خرج القحاتة وفي إطار الحرب النفسية لصالح المليشيا بالدعوة إلي استسلام الجيش السوداني كما استسلمت اليابان
  • وزير الخارجية الأوكراني: تواجد قوة حفظ سلام في أراضينا تدخل مرحلة التنفيذ
  • وزير الدفاع زار هيكل مهنئًا بتوليه قيادة الجيش
  • الإقليم الشيعي إلى الواجهة.. مطالبات سياسية تصطدم بحائط صد أمريكي
  • الإقليم الشيعي إلى الواجهة.. مطالبات سياسية تصطدم بحائط صد أمريكي - عاجل
  • بن شرادة: نحن في مرحلة النهب واجتزنا مرحلة الفساد منذ فترة
  • محمود فوزي: تجاوزنا التحديات بفضل الإرادة السياسية والتحالف بين القوى السياسية
  • أستاذ علوم سياسية: التقارب والتنسيق يصل إلى حد التحالف بين روسيا والصين