من بلاط صاحبة الجلالة إلى غبار الأسواق.. صحفيون في السودان تركوا مهنتهم بسبب الحرب
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
أجبرت الحرب بعض الصحفيين السودانيين على تغيير مهنتهم المحببة بحثاً عن سبل أخرى لكسب العيش بعد توقف كافة الصحف الورقية عن العمل في البلاد.
التغيير ــ عبد الله برير
وهجر البعض «السلطة الرابعة» أو بالأحرى هجرتهم ليعملوا بالأسواق بين بيع الملابس والخضروات والطعمية.
ووجد هؤلاء الصحفيون تضامناً كبيراً وتشجيعاً هائلاً من زملاء المهنة والصدقاء و الأهل وحصدوا تعاطفاً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي.
ظروف الحرب ألقت بظلالها على الصحفي محمد غلامابي الذي وجد نفسه مضطراً في مهنة أخرى بعيداً عن التقارير والتحقيقات الصحفية.
يقول محمد لــ «التغيير» : نحن كصحفيين تضررنا من الحرب مثلنا مثل أي مواطن سوداني، فقدنا مهنتنا ولم يعد امامنا سوى البحث عن مهنة أخرى.
ويضيف: «بدون تردد اتجهت لبيع الخضار والحمد لله الأمور مستورة وكما قال الشاعر محجوب شريف أحب السترة لو مُرة وأعاف الشينه لو حلوة، كان بامكاني أن أبحث عن السكك الملتوية لأغتني لكن أحببت سكة العيش الحلال لنربي أولادنا بما هو طيب».
ورأى غلامابي أن هذه واحدة من الصور المأساوية للحرب، مضيفا: «لذا نردد دائما يجب أن تتوقف هذه الحرب اليوم قبل الغد مع محاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوداني، كل من قتل ومن نهب ومن سحل ومن شرد الملايين وهؤلاء معروفون للجميع».
ووصف غلامابي المشهد بأن موجات النزوح المتكررة داخل السودان تلخص الوضع، وكذلك مأساة اللجوء خارج السودان.
أما الصحفي خضر مسعود فقد دخل سوق تجارة الملابس الرياضية وخرج منه صفر اليدين بعد خسارة رأس ماله.
يقول مسعود :«أنت مجبر على هذا العمل لتوفر لقمة العيش لأبنائك، أهم شيء أنا راض عن نفسي لأنني أعمل عملا شريفا بالحلال». ويصف خضر تجربته بالمفيدة باختلاطه مع عامة الناس في السوق ومعرفة تفاصيل حياتهم وكيف أنهم يقنعون ويعيشون بالقليل على حد الكفاف.
ويتابع: في كل الأحوال التجربة مفيده رغم عدم معرفتي الكاملة بأساليب التجارة لكن من خلالها لمست معاناة النازحين مع الحرب، يمكن أن ياتيك شخص خرج من بيته بملابسه التي يرتديها فقط وهنا تظهر انسانية الصحفي.
ويضيف: أنا مدافع عن حقوق الانسان و هذه رسالتي لا استطيع إلغاء تاريخي كله بل اتعامل بما يمليه علي ضميري الإنساني وارفض ابتزاز هذا النازح.
ويختم بالقول: فخور بانني خسرت هذه التجارة ولكن ربحت ضميري، بسبب تحول الحرب إلى مدينة مدني ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وكان هنالك استغلال من قبل بعض كبار التجار كما أن الكثيرين خرجوا من السوق.
الصحفي والمصور عباس عزت التقطته عدسة الكاميرا وهو يعمل في بيع «الطعمية» بعد عقود من العمل الصحفي.
وكتب عزت على صفحته بموقع فيسبوك يقول:«إتصل زميلي الصحفي والمصور عبد الله ود الشريف والعبرة تخنقه متسائلاً عن ما حل بي وهل أنا مريض؟ أجبته والعبرة تكاد تخنقني : أنا بخير يا صديقي ولكنه الجوع والقلق حيث عشت أسوأ ثلاثة شهور من عمري بشرق النيل وسط دوي المدفعية الثقيلة المتبادلة بين قوات الدعم السريع والجيش والقصف والمسيرات وأصوات المضادات مع إنقطاع تام للكهرباء والإتصالات طيلة تلك الفترة العصيبة».
ويضيف: «وأخيراً تمكنت من الخروج عبر الصحراء إلى شندي في رحلة شاقة استمرت قرابة الخمسة عشر ساعة .. كانت المغادرة يوم ٢٧ رمضان .. تباً للحرب اللعينة وسحقاً لمن اشعلها».
يقول عنه زميله الصحفي نصر الدين عبد القادر لـ «التغيير»: العزيز عباس عزت من أجمل الصحفيين الذين جمعوا بين عدسة الكاميرا والتحرير الصحفي، شعلة من الأفكار المتقدة، متفان في إيصال صوت الغلابة والمقهورين، باحثاً عن الجمال في كل بقعة من البلاد.
ووصف نصر الدين موقف عزت بالقول: «الصورة تلخص ما آل إليه حال الصحافة والصحفيين في السودان، والذين هم منوط بهم أن يكون صوت من لا صوت لهم».
ويرى عبدالقادر أن عباس عزت ليس وحده من الزملاء الصحفيين، لكنهم الغالبية التي فضلت الصمت، و أكتفت بالتأقلم مع ظروفها بحسب تعبيره.
ويعتقد نصر الدين أن هناك من مات بسبب الجوع والقهر، ومنهم من مات بسبب انعدام الدواء، الذاكرة لا تحصيهم، لكن ذاكرة الحرب ستذكرهم في يوم ما إن جاء سلام وعاد السودان من اغترابه القسري.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرب السودان صاحبة الجلالة صحفيون
إقرأ أيضاً:
السودان.. هل تنجح الجهود الدولية في وقف الحرب بالبلاد؟
في خضم صراع دموي مستمر بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، يرزح السودان تحت وطأة أزمة إنسانية غير مسبوقة، دفعت الملايين إلى التشرد وأوقعت آلاف القتلى والجرحى.
ولا يزال السودان يعانى ويلات الحرب الضروس التى خلفت وراءها آلاف من القتلى والمصابين، وتسببت فى أكبر أزمة نزوح فى العالم، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
الوضع الإنساني الكارثيتزامنًا مع الصراع المسلح، يعاني السودان من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وقدر تقرير نشر في نوفمبر 2024، قُدِّر عدد القتلى في ولاية الخرطوم وحدها بأكثر من 61,000 شخص خلال الأربعة عشر شهرًا الأولى من الصراع، بينما أشارت منظمة الهجرة الدولية في أكتوبر 2024 إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص، منهم حوالي 11 مليون نازح داخليًا و3.1 مليون لاجئ عبروا الحدود إلى دول الجوار.
و ذكرت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن أكثر من 2.8 مليون طفل دون سن الخامسة نزحوا داخل السودان، مما يجعلهم عرضة لمخاطر العنف والأمراض ونقص الخدمات الأساسية.
جهود دولية لإنهاء أزمة السودانومع تصاعد المعاناة، تتواصل الجهود الدولية للتوسط بين الأطراف المتنازعة، وسط تساؤلات عما إذا كانت هذه المبادرات قادرة على إنهاء الصراع وقف الحرب ونزيف الدماء في السودان وفتح باب الحلول السياسية.
ومنذ بداية الأزمة السودانية أطلقت مصر مبادرتها لوقف الحرب في السودان وانهاء معاناة الشعب السوداني والحفاظ على مقدرات الدولة السودانية ومؤسساتها وأطلقت مبادرة "دول جوار السودان" والذي استضافت القاهرة أعمال مؤتمره الدولي في يوليو 2023 لبحث سبل إنهاء الصراع الحالي وتداعياته السلبية، وكذلك محاولة القاهرة تجميع القوى المدنية السودانية لإيمان مصر أن حل الأزمة السودانية لابد ينبع من الداخل السوداني.
كذلك أطلق الاتحاد الإفريقي مبادرة لحل النزاع عبر آلية تعرف بـ"عملية السلام السودانية"، تهدف إلى وقف إطلاق النار وتسهيل الحوار السياسي بين الأطراف، كما نظمت الولايات المتحدة والسعودية محادثات في جدة، نجحت أحيانًا في التوصل إلى هدن قصيرة الأجل، لكنها سرعان ما انهارت بسبب خروقات من الجانبين.
وكثفت الأمم المتحدة من جهودها من خلال بعثتها في السودان (يونيتامس)، داعية إلى مفاوضات شاملة ودعم العملية الانتقالية نحو الديمقراطية.
عقبات أمام السلاموتوجد العديد من العقبات التي تعرقل أي جهود دولية لاحتواء الأزمة في السودان في مقدمتها انعدام الثقة بين الجيش والدعم السريع، حيث يتهم كل طرف الآخر بالسعي إلى السيطرة الكاملة على البلاد، والتدهور الاقتصادي الذي يفاقم من حالة الفوضى ويحد من قدرة الدولة على إعادة الإعمار.
ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، يواجه المجتمع الدولي اختبارًا صعبًا في قدرته على إنهاء الصراع في السودان، وبينما تظل الحلول العسكرية مستبعدة، يبقى الأمل معقودًا على تكثيف الجهود الدبلوماسية وتعزيز الضغوط الدولية على الأطراف المتحاربة إلا أن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل أساسي على إرادة السودانيين أنفسهم في تجاوز الانقسامات وبناء مستقبل أكثر استقرارًا.