أجبرت الحرب بعض الصحفيين السودانيين على تغيير مهنتهم المحببة بحثاً عن سبل أخرى لكسب العيش بعد توقف كافة الصحف الورقية عن العمل في البلاد.

التغيير ــ عبد الله برير

وهجر البعض «السلطة الرابعة» أو بالأحرى هجرتهم ليعملوا بالأسواق بين بيع الملابس والخضروات والطعمية.
ووجد هؤلاء الصحفيون تضامناً كبيراً وتشجيعاً هائلاً من زملاء المهنة والصدقاء و الأهل وحصدوا تعاطفاً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي.

بائع خضار

ظروف الحرب ألقت بظلالها على الصحفي محمد غلامابي الذي وجد نفسه مضطراً في مهنة أخرى بعيداً عن التقارير والتحقيقات الصحفية.
يقول محمد لــ «التغيير» : نحن كصحفيين تضررنا من الحرب مثلنا مثل أي مواطن سوداني، فقدنا مهنتنا ولم يعد امامنا سوى البحث عن مهنة أخرى.
ويضيف: «بدون تردد اتجهت لبيع الخضار والحمد لله الأمور مستورة وكما قال الشاعر محجوب شريف أحب السترة لو مُرة وأعاف الشينه لو حلوة، كان بامكاني أن أبحث عن السكك الملتوية لأغتني لكن أحببت سكة العيش الحلال لنربي أولادنا بما هو طيب».
ورأى غلامابي أن هذه واحدة من الصور المأساوية للحرب، مضيفا: «لذا نردد دائما يجب أن تتوقف هذه الحرب اليوم قبل الغد مع محاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوداني، كل من قتل ومن نهب ومن سحل ومن شرد الملايين وهؤلاء معروفون للجميع».
ووصف غلامابي المشهد بأن موجات النزوح المتكررة داخل السودان تلخص الوضع، وكذلك مأساة اللجوء خارج السودان.

خسرت السوق وربحت ضميري

أما الصحفي خضر مسعود فقد دخل سوق تجارة الملابس الرياضية وخرج منه صفر اليدين بعد خسارة رأس ماله.
يقول مسعود :«أنت مجبر على هذا العمل لتوفر لقمة العيش لأبنائك، أهم شيء أنا راض عن نفسي لأنني أعمل عملا شريفا بالحلال». ويصف خضر تجربته بالمفيدة باختلاطه مع عامة الناس في السوق ومعرفة تفاصيل حياتهم وكيف أنهم يقنعون ويعيشون بالقليل على حد الكفاف.
ويتابع: في كل الأحوال التجربة مفيده رغم عدم معرفتي الكاملة بأساليب التجارة لكن من خلالها لمست معاناة النازحين مع الحرب، يمكن أن ياتيك شخص خرج من بيته بملابسه التي يرتديها فقط وهنا تظهر انسانية الصحفي.
ويضيف: أنا مدافع عن حقوق الانسان و هذه رسالتي لا استطيع إلغاء تاريخي كله بل اتعامل بما يمليه علي ضميري الإنساني وارفض ابتزاز هذا النازح.
ويختم بالقول: فخور بانني خسرت هذه التجارة ولكن ربحت ضميري، بسبب تحول الحرب إلى مدينة مدني ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وكان هنالك استغلال من قبل بعض كبار التجار كما أن الكثيرين خرجوا من السوق.
الصحفي والمصور عباس عزت التقطته عدسة الكاميرا وهو يعمل في بيع «الطعمية» بعد عقود من العمل الصحفي.

صحفي سوداني يعمل في بيع الأطعمة

وكتب عزت على صفحته بموقع فيسبوك يقول:«إتصل زميلي الصحفي والمصور عبد الله ود الشريف والعبرة تخنقه متسائلاً عن ما حل بي وهل أنا مريض؟ أجبته والعبرة تكاد تخنقني : أنا بخير يا صديقي ولكنه الجوع والقلق حيث عشت أسوأ ثلاثة شهور من عمري بشرق النيل وسط دوي المدفعية الثقيلة المتبادلة بين قوات الدعم السريع والجيش والقصف والمسيرات وأصوات المضادات مع إنقطاع تام للكهرباء والإتصالات طيلة تلك الفترة العصيبة».
ويضيف: «وأخيراً تمكنت من الخروج عبر الصحراء إلى شندي في رحلة شاقة استمرت قرابة الخمسة عشر ساعة .. كانت المغادرة يوم ٢٧ رمضان .. تباً للحرب اللعينة وسحقاً لمن اشعلها».
يقول عنه زميله الصحفي نصر الدين عبد القادر لـ «التغيير»: العزيز عباس عزت من أجمل الصحفيين الذين جمعوا بين عدسة الكاميرا والتحرير الصحفي، شعلة من الأفكار المتقدة، متفان في إيصال صوت الغلابة والمقهورين، باحثاً عن الجمال في كل بقعة من البلاد.
ووصف نصر الدين موقف عزت بالقول: «الصورة تلخص ما آل إليه حال الصحافة والصحفيين في السودان، والذين هم منوط بهم أن يكون صوت من لا صوت لهم».
ويرى عبدالقادر أن عباس عزت ليس وحده من الزملاء الصحفيين، لكنهم الغالبية التي فضلت الصمت، و أكتفت بالتأقلم مع ظروفها بحسب تعبيره.
ويعتقد نصر الدين أن هناك من مات بسبب الجوع والقهر، ومنهم من مات بسبب انعدام الدواء، الذاكرة لا تحصيهم، لكن ذاكرة الحرب ستذكرهم في يوم ما إن جاء سلام وعاد السودان من اغترابه القسري.

الوسومالحرب السودان صاحبة الجلالة صحفيون مهن هامسية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب السودان صاحبة الجلالة صحفيون

إقرأ أيضاً:

في شهرها  الـ 23 المخرج من خطر التقسيم

في شهرها  الـ 23 المخرج من خطر التقسيم

تاج السر عثمان بابو

1

أشرنا سابقا الى أن الحرب تدخل  شهرها الـ 23 مع استمرار خطر تقسيم البلاد، وجرائم الحرب من طرفيها كما حدث أخيراً من الدعم السريع في القطينة واستهدافه محطات الكهرباء كما حدث في “أم دباكر” النيل الأبيض، وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية، الزيادات الكبيرة في الأسعار والجبايات لتمويل الحرب التي وجدت رفضا واسعا، اضافة لاستمرار القمع الوحشي للحركات السلمية كما حدث الاعتصام عمال السكة الحديد في بورتسودان.

كما تستمر الحرب في ظروف مخاطر تقسيم البلاد، بتشكيل الحكومة الموازية التي أدت إلى الانقسام في تحالف “تقدم” نتج عنه تكوين جناح رافض الموازية باسم “صمود”، إذ من المتوقع أن يتم الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة الجديدة في غضون أسبوع أو أكثر. يتضمن “الإطار الدستوري” للسلطة الجديدة ثلاثة مستويات من الحكم، وهي مجلس السيادة، ومجلس وزراء يمثل السلطة التنفيذية، وبرلمان.

من جانب اخر تسعى الحكومة السودانية المدعومة من الجيش إلى تعزيز علاقاتها مع كل من إيران وروسيا، مما يؤدي للمزيد من التصعيد وجعل السودان في مرمى الصراعات الدولية والإقليمية حول الموارد، والمزيد من التدخل الخارجي لتسليح طرفي الحرب، وإطالة أمدها. إضافة لتصاعد التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوداني كما  في الإعلان عن تشكيل القاعدة الروسية البحرية التي تقود للمزيد من التصعيد في المنطقة والسودان حول الموارد، اضافة للمؤتمر الأخير الذي دعت له الإمارات في أديس أبابا، ورفضه من حكومة الأمر الواقع وعدم الاعتراف بحكومة الأمر الواقع الانقلابية من الاتحاد  الأفريقي.

إضافة لتزايد تدخل المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب في البلاد، الذي يطيل أمد الحرب التي تهدد بتقسيم البلاد، والمزيد من الصراعات العرقية والاثنية ويزيد لهيب نيران الحرب الأهلية في السودان.

2

أشرنا في مقال سابق إلى خطورة التسوية الجارية لاعادة الشراكة مع العسكر والدعم السريع وبقية المليشيات التي تقود لاعادة إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى، سواء تم ذلك في حكَومتين موازيتين أو واحدة. إضافة لضرورة تجاوز حصاد سياسات الفترة الانتقالية التي قادت للحرب، وضرورة تجاوزها والخروج منها حتى لا نعيد إنتاج الأزمة والحرب. فمن خلال رصد النشاط لتلك القوى التي نفذت تلك السياسات في الفترة الانتقالية كما هو الحال في قيادة الجيش والدعم السريع، ونشاط “الفلول” لتأجيج نار الحرب، واجتماع تجمع القوى المدنية (تقدم)، و”صمود” بعد الانشقاق، واجتماع قوى الحرية والتغيير في القاهرة، وَجولات قادتها في دول جنوب السودان واثيوبيا وكينيا وغيرها، كل هذا النشاط المتزامن مع محادثات جدة التي انضم لها الاتحاد الأفريقي والإيجاد، والمدعوم من أمريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين يهدف، كما تم الإعلان، لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول لتسوية سياسية من خلال حوار بمشاركة واسعة.

أي أنها تعيد الاتفاق الإطاري بشكل أو آخر.

لكن كعب اخيل في أن ما يجري يقود للسياسات نفسها كما اشرنا لها سابقا التي تعيد إنتاج الحرب والازمة، وتعصف بوحدة السودان التي اصبحت في مهب الريح.

بالتالي مع أهمية وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، من المهم الخروج من هذه الحلقة الجهنمية، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي والسلام.

3

بالتالي  المخرج من تلك السياسات في الآتي:

– وقف الحرب واسترداد مسار الثورة والعض بالنواجذ على وحدة البلاد، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بصرف مرتبات العاملين، وتركيز الأسعار مع زيادة الأجور التي تآكلت، ودعم السلع الأساسية َوالتعليم والصحة والدواء، وتخفيض مصروفات الأمن والدفاع.

– خروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وتخفيض مصروفات القطاعين السيادي والحكومي، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والدواء والتنمية، وضم كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات وشركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية

– عدم الافلات من العقاب بتقديم مجرمي الحرب للمحاكمة، القصاص لشهداء مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء.

– الغاء القوانين المقيدة للحريات وإجازة قانون ديمقراطي للنقابات، وإصلاح النظام القانوني والعدلي وتكريس حكم القانون، وإعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات النظامية ، وحل كل المليشيات وجمع السلاح وفق الترتيبات الأمنية لدمج المليشيات في المجتمع، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية.

– تفكيك التمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة.

– عودة المفصولين من العمل مدنيين وعسكريين، وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية- تكوين المجلس  التشريعي والمفوضيات.

– مراجعة كل الاتفاقات السابقة حول الأراضي التي تصل مدة إيجارها الى 99 عاما!!، ومراجعة اتفاقات التعدين للذهب التي تنال فيها نسبة الشركات إلى 70%.

– وثيقة دستورية جديدة تؤكد النظام الديمقراطي البرلماني والحكم المدني الديمقراطي، وتضمن الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية…

– تحقيق السلام والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة وينجز التحول الديمقراطي، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وتفكيك التمكين، والتنمية المتوازنة، وتحديد نصيب المجتمعات المحلية من عائدات الذهب والبترول. الخ لتنمية مناطقها، والعدالة والمحاسبة علي جرائم الحرب والابادة الجماعية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية.

– قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية الذي يحدد شكل الحكم في البلاد، وهوّية البلاد وعلاقة الدين بالدولة. الخ، والتوافق على دستور ديمقراطي قانون انتخابات ديمقراطي، يتم على أساسه انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

– عودة النازحين لقراهم وتوفير الخدمات لهم “تعليم، صحة، مياه، كهرباء، خدمات بيطرية. الخ”، للحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، ووقف التدخل الخارجي..

– تحقيق السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة بإلغاء كل الاتفاقات العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، وقوات الأفريكوم، واستعادة كل الأراضي السودانية المحتلة، الغاء الاتفاقيات لقيام القواعد العسكرية البحرية لروسيا، والحلف العسكري مع مصر، إلغاء التطبيع مع اسرائيل، والابقاء على قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب وقيام علاقاتنا الخارجية علي أساس الاحترام المتبادل.  وغير ذلك من أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.

الوسومالإيغاد الاتحاد الأفريقي السودان القاعدة الروسية تاج السر عثمان بابو حرب اليمن مصر

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. سرقة ودانات وحريق.. شاهد لحظة وصول الفنانة ميادة قمر الدين لمنزلها بحي العباسية لأول مرة بعد الحرب
  • في شهرها  الـ 23 المخرج من خطر التقسيم
  • الأردن.. فيديو يرصد حالة الملك عبدالله الصحية بعد خروجه من المستشفى يثير تفاعلا
  • تأجيل جائزة الطيب صالح بسبب أوضاع الحرب في السودان
  • برامج الحماية الإجتماعية والاستجابة للمتغيرات.. ندوة لإعلام الداخلة بالوادي الجديد
  • تركيا: اعتقال 282 شخصًا بينهم صحفيون وسياسيون للاشتباه بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني
  • عن انهيار الطبقة الوسطى في السودان
  • لا استثني منّا أحدا!
  • في شهرها الـ ٢٣ وقف الحرب وحماية السيادة الوطنية
  • دون تحديد الموعد.. ترامب يقول إنه قد يلتقي بوتين "قريبًا جدًا"