انتكاسة.. صحفيو تونس ينددون بملاحقتهم والتضييق عليهم
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
تونس– تصاعدت هتافات الصحفيين في تونس بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة لمطالبة السلطة الحالية بالكف عن الملاحقات والتضييقات والأحكام بالسجن ورفع القيود على حرية التعبير وحق النفاذ للمعلومة، معتبرين أن استخدام القوانين السالبة للحرية لن يؤسس سوى لنظام دكتاتوري.
ونفذ اليوم الجمعة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة عشرات الصحفيين وقفة احتجاجية أمام مبنى نقابة الصحفيين التونسيين رافعين شعارات تندد بما اعتبروه تضييقات أمنية من السلطة الحالية على القضاء على غرار "حريات حريات.
يقول نقيب الصحفيين التونسيين زياد الدبار، للجزيرة نت، إن واقع الصحافة في تونس يعيش انتكاسة بسبب تصاعد استخدام القوانين الزجرية ضد الصحفيين مقابل دفن المرسوم 115 المنظم لمهنة الصحافة فضلا عن تصاعد الاعتداءات الأمنية ضد الصحفيين وتصاعد الملاحقات والأحكام بالسجن ضدهم والتضييق على حق النفاذ للمعلومة.
ممارسة حرية الصحافة على الميدان يحفها الكثير من المخاطر بحسب نقيب الصحفيين الذي يعتبر أنه لم يعد هناك قانون ينظم مهنة الصحافة في ظل توجه النظام الحالي لاستخدام قوانين زجرية عقوباتها خطيرة على غرار قانون الإرهاب والمجلة الجزائية ومجلة الاتصالات والمرسوم 54 الذي صاغه الرئيس الحالي قيس سعيد.
ويعتبر زياد دبار أن من بين المراسيم الخطيرة التي تعيد قطاع الصحافة إلى مربع القمع المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، مشيرا إلى أنه سيف مسلط على رقاب الصحفيين وغيرهم لما يتضمنه من أحكام قاسية سالبة للحرية راح ضحيتها عدد من الصحفيين مثل الصحفي محمد بوغلاب.
ومؤخرا قضت محكمة تونسية بالسجن النافذ مدة 6 أشهر بحقّ الصحفي بوغلاب، المعروف بانتقاده سياسات الرئيس قيس سعيّد، بعدما أدانته بتهمة التشهير بموظفة عمومية. وفضلا عن بوغلاب، تقبع منذ أشهر الصحفية شذى الحاج مبارك في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة وتبييض الأموال وهي تهم تنفيها الصحفية.
وفي الإجمال، يقول نقيب الصحفيين إن هناك 39 صحفيا يتعرضون لملاحقة قضائية بتهم مختلفة بينها تهم إرهابية خطيرة على غرار الصحفي زياد الهاني المعروف بانتقاده للرئيس الحالي قيس سعيد. وبالإضافة إلى الملاحقات القضائية المتواترة سجلت نقابة الصحفيين التونسيين 211 اعتداء أمنيا ضد الصحفيين قبل سنة من الآن، وفق تأكيد دبار.
نظام دكتاتوري
من جهتها، تقول الصحفية أميرة محمد، للجزيرة نت، إن حرية الصحافة تراجعت إلى أدنى مستوياتها حتى قياسا بأحلك فترات الدكتاتورية في حقبة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الدلائل الخطيرة على أرض الواقع تدل على قمع حرية التعبير والصحافة في ظل التضييقات والملاحقات والأحكام بالسجن.
وتضيف "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية إذا كانت حرية التعبير مقموعة بهذا الشكل. وبالتالي فإن استخدام القوانين السالبة للحرية ضد الصحفيين لا يكون إلا في نظام دكتاتوري".
وتستنكر أميرة محمد الزج بعدد من الصحفيين في السجون بتهم تقول إنها واهية هدفها الضغط على الصحفيين وترهيبهم، مؤكدة أن الوضع يزداد قتامة بسبب ضرب حرية التعبير وتطويع الإعلام العمومي كبوق دعاية للنظام الحالي وتخويف الإعلام الخاص، حسب تعبيرها.
وبحسب التقرير السنوي الذي أصدرته اليوم نقابة الصحفيين التونسيين حول واقع حرية الصحافة في تونس لسنة 2024 اتسم الوضع بتصاعد الاعتداءات ضد الصحفيين والمصورين وتواتر المحاكمات في حقهم على خلفية أعمالهم الصحفية واعتماد السلطة الحالية سياسة الانغلاق ورفض الحوار مع وسائل الإعلام ونقابة الصحفيين.
وبحسب التقرير، فإن الهدف من تلك التضييقات هو التشفي والتنكيل بكل صحفي يسمح لنفسه بالخوض في مواضيع حارقة تشغل الرأي العام، أو لمجرد التعرض إلى أي مسؤول في الدولة وانتقاد أداء بعض الوزراء. وينتقد التقرير استعمال السلطة الحالية القضاء كأداة من أجل استهداف الصحفيين والتضييق على حرية التعبير.
وتأتي احتجاجات الصحفيين التونسيين في سنة تعيش فيها البلاد على وقع استحقاق انتخابي هام وهو الانتخابات الرئاسية، حيث ستنتهي ولاية الرئيس الحالي سعيد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ولكن إلى الآن لم تحدد هيئة الانتخابات موعد الانتخابات كما لم يقم الرئيس سعيد بإصدار أمر يحدد الموعد.
كما يأتي هذا الاحتجاج في وقت أصدرت فيه منظمة مراسلون بلا حدود -اليوم الجمعة- تقريرها حول تصنيف حرية الصحافة العالمي.
وبحسب التقرير، تقدمت تونس خلال سنة 2024 بـ3 مراتب ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لتحتل المرتبة 118 من جملة 180 دولة ضمن هذا التصنيف.
لكن هذا التقدم لا يعني تحسن وضعية حرية الصحافة في تونس، بحسب ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال أفريقيا خالد درارني، الذي أكد في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة، أن "المنظمة لاحظت تأزم حرية الصحافة في تونس من خلال سجن الصحفيين وسن المرسوم 54 الذي أصبح يطبق بصفة عشوائية على الصحفيين".
ويواجه الرئيس قيس سعيد -منذ 25 يوليو/تموز 2021 تاريخ إعلانه تدابير استثنائية حل بها البرلمان السابق وغير بها الدستور ونظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وسع فيه صلاحياته- اتهامات من المعارضة بالانقلاب على الديمقراطية وإرساء نظام استبدادي فردي.
في المقابل، يعتبر أنصار الرئيس سعيد أن ما قام به كان تصحيحا لمسار الثورة بدعوى أن الأحزاب التي حكمت البلاد بعد سقوط النظام السابق وطيلة العشرية الماضية كانت المتسببة الرئيسية في تدهور الأوضاع واستشراء الفساد جراء صراعها على السلطة وتقاسم المناصب في الدولة على حساب مصلحة الشعب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الصحفیین التونسیین السلطة الحالیة نقیب الصحفیین حریة التعبیر حریة الصحافة ضد الصحفیین
إقرأ أيضاً:
الحرب في غزة تعمّق مصاعب حياة الصم وتفرض عليهم تحديّات جسيمة
تستذكر سعاد اللحظات القاسية، حين كانت تدرك أن الخطر قد يداهم أبناءها في حرب لا ملاذ آمن فيها، حتى المدنيين وذوي الإعاقة.
لم تتخيل سعاد ذات الـ44 عاما، أن طفلها الوحيد الذي رزقت به بعد عقم دام 12 عام، سيصاب بنقص حاد في السمع رغم أنه ولد بصحة جيدة.
وفي تفاصيل القصة، قالت سعاد التي تقطن في بيت لاهيا شمال القطاع،: "في عيد ميلاد عبدالله الأول، وأثناء خروجنا من قاعه للاحتفالات، إذ بطائرات الاحتلال تقصف هدفا بالقرب منهم".
وهنا فزعت العائلة، حيث حاولت الهروب من المكان، خوفاً على أنفسهم وابنهم الذي أبصر النور بعد سنوات من الحرمان.
مضى الوقت دون أن تعلم العائلة أن القصف ستكون له تبعاته السلبية على طفلهم، حيث شرحت والدة عبدالله كيف تم اكتشاف إصابة ابنها قائلة : "بعد مرور عدة سنوات ومع تجدد الهجمات الإسرائيلية والقصف خلال السنوات السابقة، شعرت أن ابني لا يستجيب للأصوات بسهولة".
تابعت قائلة " توجهت إلى المدرسة لتقصي الأمر لدى المعلمات رغم أن الطفل يتميز بذكاء، إلا أن تأكيد المعلمات بوجود مشكلة بالسمع، دفعني للذهاب إلى الأطباء المختصين، وجاء تأكيدهم أنه يعاني من نقص حاد في السمع ويحتاج إلى تركيب سماعات بشكل عاجل حتى لا يفقد السمع بشكل مطلق. نزل هذا الخبر كالصاعقة علّي خصوصًا في ظل غلاء أسعار السماعات الطبية وشح توفرها بسبب الحرب وإغلاق المعابر وتدمير المنشآت الصحية التي كانت تقوم بتصنيعها".
بعد الصدمة التي تجرعت توابعها، تابعت سعاد قائلة:" بدأت رحلة المشقة والعلاج في ظل أوضاع مادية صعبة، بدأت بتركيب سماعة خاصة لابني تكلفتها 6500 شيكل أي ما يعادل حوالي 2000 دولار أمريكي، ليكتشف الطبيب لاحقا أن حالة الطفل أخطر مما تخيلنا، وأن السماعة لا تفيد في شيء، حينما أخبرني الطبيب أنه بحاجة إلى زراعة قوقعة، وأنه يحتاج إلى السفر للخارج، لكن إغلاق معبر رفح البري كان عائقا أمام إمكانية خروج ابني للسفر وإجراء العملية".
رغم معايشة سعاد وفي ظل معاناة الوالد الاقتصادية والمعيشية بسبب البطالة، فقد اضطرت إلى اللجوء للجمعيات الخيرية لعلها تنقذ مستقبل صغيرها، ولكن دون جدوى!
وبحسب المنظمات الإنسانية، فإن حوالي 83% من الأشخاص ذوي الإعاقة، فقدوا الأدوات الطبية المُساندة لهم جراء الحرب على غزة، هذا إلى جانب ارتفاع نسبة الإصابة بإعاقات سمعية، لدى المواليد الجُدد في القطاع، بسبب غياب الرعاية الصحية. ورغم تعرض قطاع غزة لعدة حروب سابقة، إلا أن هذه الحرب تحمل مشاهد وأحداثًا أكثر ترويعًا، تجعل سعاد قلقة على الدوام على نفسها وأبنائها من "أهوال الخطر الصامت"، كما تقول.
في زيارة لشركة الزيبق التي تقدم الخدمات السمعية، لم يكن الحال عاديًا طوابير من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن ينتظرون دورهم في قاعة مكتظة بالمواطنين جلهم من الصمّ في ظل تدمير مركز السمعيات الوحيد داخل مستشفى الشفاء.
تقول الحكيمة أم أحمد (40) عاما التي تعمل داخل المستشفى الأندونيسي في شمال غزة: "استقبلت ابني شهيدًا داخل المستشفى بعد أن قامت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بقصف منزلنا في بيت حانون، بعد شهر من هذا الحدث تفاجأت أن ابنتي البالغة من العمر 7 سنوات تشتكى من آلام حادة في الأذن اليمنى، وعند ذهابنا للطبيب أبلغني أنها بحاجة ماسة إلى تخطيط للسمع لأنها تعاني من مشكلة جراء القصف، في سياق البحث عن مراكز خاصة بالخدمات السمعية في قطاع غزة علمت أن هناك شركة واحدة تعمل في الوقت الراهن هي شركة الزيبق للخدمات السمعية، توجهت إليها مباشرة برفقة ابنتي، وبعد إجراء فحص لتخطيط السمع تبين أنها تعاني من نقص حاد في السمع بالأذن اليمنى ويتطلب هذا الأمر تركيب سماعة طبية بتكلفة تتراوح بين 800 و1000 دولار، حسب النوع والحجم والشركة المصنعة".
الجدير بالذكر، إن معظم سكان قطاع غزة يعانون من إعاقة سمعية بسبب الانفجارات الضخمة.
كما تُعتبر الفئات المهمّشة من ذوي الإعاقة الأكثر تعرضًا لتداعيات الحرب، حيث لا تصل إليهم خدمات الرعاية الصحية ومقوّمات الحياة من ماء وغذاء ودواء.
ومن بين هؤلاء عائلة فلسطينية من ذوي الإعاقة السمعية تُحاول إيصال معاناتها في قطاع غزة، لعل وعسى من يسمع.
وبلغة الإشارة، روى الشاب سامي (33) عامًا الذي تخرّج من قسم الوسائط المتعددة في الجامعة الإسلامية بغزة.
قال: "كنت أحلم بمستقبل مهني، لكن الحرب حرمتني من العمل والعيش بأمان، فقدت منزلي، وأجبرت على النزوح عدة مرات منذ بداية الحرب، أجاهد من أجل توفير قوت أسرتي واحتياجاتها في ظل عدم توفر فرص عمل، أطفالي يواجهون صعوبة في نسيان القصف المتواصل الذي يُمطر القطاع، لا يمكنني سماع صوت الانفجارات مطلقًا لكنني أرى الخوف والرعب وهو ينزل على زوجتي وأطفالي أثناء الانفجارات القريبة".
وحسب تصريح للدكتور محمد الجرحاوي أخصائي السمعيات بشركة الزيبق لعلاج مشاكل التخاطب والسمعيات، فقد أكد أن هناك ارتفاعا ملحوظا في أعداد فاقدي السمع خلال الحرب بنسبة كبيرة جدًا تتعدى 80 % من المدنيين الذين يقطنون في أماكن قريبة من القصف.
ويجب الإشارة إلى أن الإصابة بفقد السمع تحدث نتيجة عدة أسباب، أهمها العامل الوراثي، وزواج الأقارب، والولادة المبكرة، في حين تعتبر الحروب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة سببا آخر، خاصة هذه الحرب، وفق ما أجمع عليه أطباء مختصون.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن فقدان السمع يكون خفيفاً أو شديداً أو عميقاً، ويمكن أن يؤثر في أذن واحدة أو في كلتيها، ويؤدي إلى صعوبة سماع الحديث الحواري أو الأصوات الصاخبة.
وتعتبر نسبة الإصابة بــ"الصمم" في قطاع غزة من أعلى النسب في العالم، ففي دول العالم تبلغ النسبة 0.001 ، بينما تصل 7 أضعاف تقريباً في غزة، وفق ما ذكره أخصائي السمعيات الدكتور محمد الجرحاوي مدير قسم السمعيات بمركز الزيبق للخدمات السمعية.
وأوضح الجرحاوي أن الإصابة بفقد السمع أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ بين جميع الفئات العمرية في قطاع غزة، معتبرا النسبة في غزة مرتفعة مقارنة مع دول العالم، وتعزى أسباب الإصابة إلى تعرض المواطنين للأصوات العالية الناجمة عن القصف والانفجارات، إضافة إلى الإصابة المباشرة في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن تلك الأصوات تسبب خللا في العصب السمعي ومشاكل دائمة في السمع، قد تستمر مع الإنسان طيلة حياته.
وأشار إلى أن غالبية الإصابات تتركز في أذن واحدة، حيث تبلغ نسبة الإصابة من 50 إلى 80%، لافت إلى أن الوسيلة الوحيدة للعلاج هي تركيب السماعات الطبية، في حين أن بعض الإصابات تكون صعبة ولا يمكن علاجها حتى بالسماعات.
وذكر أنه لاحظ الإقبال المتزايد من المواطنين، وأن معظم الإصابات التي تصلهم داخل المركز تحتاج إلى سماعات للحفاظ على حاسة السمع.
وتتراوح تكلفة السماعة الواحدة (العادية) بحسب الجرحاوي، بين 3000- 5000 شيكل، أما سعر السماعة الرقمية (الديجتال) فيبلغ 3000 تقريباً فما فوق، فيما يبلغ السعر الإجمالي للسماعتين قرابة 6000 شيكل، وهو ما يعتبر عبئاً جديداً يضاف لمسلسل المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الحصار المفروض عليه الذي يتزامن مع إغلاق معبر رفح البري وتدمير المنشآت الصحية.
وتختلف وظيفة السماعتين في الأداء، فالسماعة العادية توصل الكلام مع صوت الضجيج الخارجي، أما سماعة (الديجتال) فهي الأفضل، حيث تتميز بإيصال الصوت بوضوح ودقة أعلى وتتم برمجتها عن طريق الحاسوب، وتعمل على تخفيف الضجيج حول المريض، إضافة إلى تعدد أحجامها.
وإزاء هذا الارتفاع الكبير في الأعداد، مع ضعف الإمكانيات وصعوبة المعيشة، إلا أن ما يزيد الطين بلة هو عدم تقديم المؤسسات الخيرية المساعدة لهؤلاء المحتاجين لسماعات لو بأقل القليل.
وأكد ذلك أخصائي السمعيات الجرحاوي، قائلًا: "بعد الحرب الأخيرة على القطاع، توقفت الجمعيات الخيرية عن دعم هذه الفئة، بسبب عدم حصولها على التمويل الخارجي من بعض الدول، مما فاقم معاناة المصابين"، موضحًا أن المصابين بفقد السمع بحاجة إلى سماعات بشكل عاجل، وعدم تركيبها يؤثر سلباً عليهم ويحرمهم من حقوقهم في الاندماج بالمجتمع، إضافة إلى تراجع مستواهم الاجتماعي.