عروس البرتقال ومدينة التاريخ على نهر سيحان
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
كانت السماء تمطر عندما أقلعنا...
هذه الرحلة التي خلت أنها لن تتم، تمت، لكن بعد انتظار طويل قضيت فيه ليل الأحد في مطار مسقط، وكم آمل فعلا أن تكون هذه الرحلة الأولى والأخيرة لي طوال حياتي التي تُلغى بسبب «صواريخ».
بعد ظهر الإثنين الماطر، تساءلت كثيرا وأنا على المقعد البعيد عن النافذة في الطائرة التركية قبل أن نقلع من مسقط، من يترك مطر البلاد ويهجّ بعيدا؟!.
تؤكد السيدة الجالسة خلفي فكرة أن لكل شخص صواريخه في الحياة. الصواريخ في هذه الرحلة بالذات كانت أقدام هذه السيدة التي لم تتوقف عن ركل ظهر مقعدي حتى غادرَته إلى مقعد آخر، وحتى قبل مغادرتها اتكأت بالخطأ على رأسي لتنهض.
لن أبالغ إن قلت إنها الرحلة الأولى التي أحتار فيها بهذا القدر حيال ما أشاهده في الشاشة، فمدة الرحلة تكفي لأن أشاهد فيلمين، وما إن بدلت السيدة تلك مقعدها، صفا الجو ووجدتني أشاهد فيلما من عام 1998 اسمه «لقد وردك بريد»، لتوم هانكس وميج رايان.
تقول فتاة في فيلم - شاهدته ثلاث مرات في مسقط- وهي على الباخرة قبالة إسطنبول تتأمل المشهد أمامها: «إسـطنبووول...يحتوي هذا الاسم على بعض السحر، يمكن أن يحدث أي شيء هنا»، وفي انتظار ما يمكن أن يحدث، كان الظلام قد خيم على إسطنبول عندما نزلنا، بالكاد كنت أرى جانبي الطريق، لكن عندما أصبحنا قريبين من الفندق كان كل شيء أكثر وضوحا، مع أن الإنارة تبدو خافتة في هذه المدينة على غير ما اعتدت في مسقط.
لا ستائر في نوافذ هذه المدينة، كنت أعد الستائر المفتوحة على نوافذ البنايات لكن يبدو أنها لا تسدل في الليل، بل بالتأكيد في النهار، فالشمس هنا تحمل مشارط كما اكتشفت في صباح اليوم التالي، وهكذا فإن أول ما فعلته عندما دخلت غرفتي التي تطل على بناء مهجور هو إسدال الستارة.
في العاشرة صباحا كنا قبالة المسجد الأزرق. السماء صافية، أو ربما هكذا تكون دائما، فالمسجد أزرق والبحر من خلفه أزرق وكذلك من فوقه السماء الزرقاء. نسمة باردة تحرك الأغصان تحت المآذن الست فارعة الطول وأنت كائن ضئيل وصغير، وتتساءل عندما تدخل كيف يمكن أن تصلي بخشوع تام ولآلئ السقف ومصابيح القباب المضاءة بالزيت والقريبة من الرأس تسرقك بذهول.
دخلت مسجد آيا صوفيا مرتين، لأنني ظننت في دخولي الأول أننا ما نزال في المسجد الأزرق، فخرجت ودخلت ثانية من المخرج لأستوعب ما فاتني، كان غريبا أن المسجد وقت دخول الصلاة لا يفتح إلا للأتراك، لكننا مع ذلك صلينا فيه الظهر والعصر. قيل لنا ونحن نهم بالدخول: «ضع كل خُفٍ في صندوق» حتى تتجنب سرقة حذائك، لكن شيئا من هذا لم يحدث، من ذا الذي ينشغل بسرقة الأحذية أمام آية من الجمال يفترض ألا ينشغل إلا بها.
في الوقت الفاصل بين زيارتنا لمسجد آيا صوفيا والمسجد الأزرق، نزلنا ما يزيد عن تسعة أمتار تحت الأرض إلى مبنى ضخم. صهريج أرضي وقصر مغمور ومتحف شيد منذ 1600 عام. بل أصبح المكان يتيح الفرصة للراغبين في إقامة حفلات عيد الميلاد والخطوبة أو الزفاف تحت الأرض، كان المكان مهيبا بـ336 عمودا طويلا ضخما من المرمر التي ارتفعت من داخل الماء، كما تقول اللوحة التعريفية.
استيقظت صباح السابع عشر من أبريل في أضنة، عروس البرتقال على نهر سيحان في الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، الطقس يتجاوز الأربعين درجة مئوية أحيانا حسب قراءة العداد الحراري في الحافلة التي تقلنا، ومع ذلك كان البرتقال في كل مكان حتى على أرصفة الشوارع -برتقال لا يأبه به أحد - كنت أقول في نفسي. لكن مهرجانا للبرتقال يقام هنا كل عام ليأذن بتفتح أزهار البرتقال في هذه المدينة التي تبعد حوالي 800 كم عن إسطنبول تصاحبه كرنفالات وعروض رقص حي وحفلات موسيقية.
الكثير من «الكباب» على الغداء والعشاء كل يوم تقريبا في أضنة، لكن أطباق الكباب وإن تشابهت شكلا، يكاد الطعم يختلف كل يوم.
لأول مرة أشرب الشاي مرا من دون أن أتذمر بعد كل صحن من البقلاوة وطبق لم أحفظ اسمه -لكننا نسميه قـ/خبيصة في عمان- والكنافة والحلقوم، لكن المترجم السيد مجيد علمني أن أفضل ما يمكن فعله بعد تناول هذه الحلويات، شرب لبن عيران، وكم كان محقا.
لم يوحِ لي متحف أضنة للآثار من الخارج أن عالما كبيرا ودافئا يستقر خلف بوابته تلك عمره 100 عام، متحف تحكي كل قطعة فيه قصة تثير الدهشة، كتلك التي روتها قوارير الدموع، حسب وصف السيد مجيد؛ فهي أوان صغيرة لها عنق طويل تُجمع فيها الدموع التي سقطت حزنا على الميت بعد أن توضع أسفل العيون.
كانت الشمس تتوسط السماء وتصيب بصداع حاد عندما وصلنا وادي كابيكايا. مشينا بين الصخور في سكة جبلية صعودا وهبوطا وتسلقنا عدة درجات، لم يكن في المكان غيرنا، ولعل هذا ما زاده سحرا. لذلك عندما كنت أقول: «ومن لا يرغب بزيارة إسطنبول في إبريل!» كنت أقصد تركيا عامة، فالقليل جدا من السياح يأتونها في إبريل. جسر «فاردا» كذلك كان خاليا من الناس، هدوء تام حتى من القطارات التي تعبر الجسر نفسه، مع أنني رغبت في رؤية أي شيء يسير على الجسر الذي يبلغ عمره أكثر من 100 عام، وعندما علمت أن مشهد القطار الشهير لفيلم جيمس بوند سكاي فول قد تم تصويره هنا زاد الأمر متعة.
بين قصر أتاتورك وبرج الساعة، كان البرتقالي- لوني المفضل- يفترش المكان احتفاء بالبرتقال. نساء تركيات كن قد صنعن بأيديهن كل شيء هناك، مشابك شعر، وحقائب ودمى، وفساتين ولوحات فنية، وكانت بعضهن ترتدي الأبيض والبرتقالي. كان احتفاء مختلفا له روحه وطابعه الخاص.
حمدت الله أن السيد مجيد مترجم الرحلة الذي يحكي العربية الشامية -ذكرني بالدبلجة العربية للمسلسلات التركية التي حضرتها - كان يخبرنا عن الزلازل التي حدثت في الأماكن التي زرناها بعدما نخرج منها، قال عندما لاحظ خوفنا بعد خروجنا من وادي كابيكايا: «لا تخافوا فهي تحدث كل خمسين عاما، وما دامت حدثت العام الماضي فلن تحدث اليوم». لكن زلزالا حدث بالفعل في منطقة تبعد عنا 737 كيلو مترا تقريبا بعد يوم من زيارتنا. في رحلة العودة إلى مسقط خشينا مجددا أن نبيت في المطار، لأن إسرائيل كانت قد بدأت بالرد على الهجمات الإيرانية، ولكننا بحمد الله هبطنا مسقط بسلام.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الأميرة ريما بنت بندر تكشف كواليس إنقاذ رحلة المملكة إلى الفضاء .. فيديو
الرياض
كاد حلم المملكة في الصعود إلى الفضاء يتأجل بسبب تحديات فنية مرتبطة بمفهوم Shift To The Right، لكن تدخلًا على أعلى المستويات أعاد الأمور إلى مسارها الصحيح.
وكشف المهندس عبدالله السواحه، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، أن وكالة “ناسا” أبلغت المملكة قبل الرحلة بثلاثة إلى أربعة أشهر باحتمال تأجيلها.
وعلى الفور، تحركت سمو الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة، وتواصلت مع مدير وكالة الفضاء الأمريكية، بيل نيلسون، مستفيدة من معرفتها القديمة به، حيث كان مقربًا من والدها.
كما تواصل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع البيت الأبيض لضمان عدم تأجيل الرحلة.
ومن جانبها، أوضحت الأميرة ريما تفاصيل الحوار الذي دار بينها وبين نيلسون، قائلة: “تحدثت معه وأوضحت أهمية الفرصة لبلادي، فرد قائلاً: سأفعل ذلك ليس من أجلك، ولكن لأن الفضاء مهم للولايات المتحدة، كنا قد وقعنا شراكة مع ناسا في الدراسات الفضائية، وأكد لي أننا بحاجة لشبابكم واهتمام وطنكم بهذا المجال”.
وهكذا، نجح التدخل السعودي في الحفاظ على موعد الرحلة، ليواصل شباب المملكة مسيرتهم في استكشاف الفضاء والمساهمة في الأبحاث العالمية.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/03/ssstwitter.com_1742063529184.mp4