أمجد مصباح يكتب: آدى الربيع عاد من تانى
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
تحتفل مصر بعد غد بعيد الربيع، عيد شم النسيم، ذلك العيد الذى يبعث على البهجة والتفاؤل، هذا العيد ارتبط لدى ملايين المصريين فى سنوات سابقة بعصر الغناء الجميل وحفلات فريد الأطرش وعبدالحليم فى سبعينيات القرن الماضى.
كانت ليلة عيد الربيع شاهدة على أغنيات رائعة ارتبط بها الملايين، أكثر من نصف قرن، من ينسى حفل فريد الأطرش فى ليلة عيد الربيع مساء 26 أبريل 1970، حينما أبدع فى أغنية «الربيع» التى غناها لأول مرة عام 1949، غناها بتوزيع جديد بل أضاف جملا إليها «لا القلب ينسى هواه ولا حبيبى يرحمنى، وفى كل ما أقول آه يزيد فى ظلمه ويألمنى»، كانت ليلة رائعة وغنى فيها «سنة وسنتين» وأبدع فى العزف على العود.
وفى ليلة عيد الربيع 18 أبريل 1971، حفل رائع للعندليب عبدالحليم حافظ وأغنيته الخالدة «موعود» كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدى، التى حققت نجاحا أسطوريا، أقيم الحفل بسينما ريڤولى، وأبدع العندليب رغم مرضه الشديد الكاتب الكبير أنيس منصور حضر هذا الحفل وكان مشفقًا على «حليم» الذى كان مريضا للغاية ولكن حجم إبداعه كان هائلا، استمتعت بالزخارف اللحنية لبليغ حمدى.
شهد هذا الحفل بزوغ نجومية عفاف راضى المطربة الصاعدة التى غنت فى هذا الحفل «والنبى ده حرام، كله فى الموانى» وقاد بليغ الفرقة الموسيقية. وغنى المطرب الشاب فى ذلك الوقت محمد العزبى أغنية «عيون بهية» لأول مرة التى حققت نجاحا هائلا.
حفل عبدالحليم فى جامعة القاهرة فى ليلة عيد الربيع 28 أبريل 1973، كان أول حفل لحليم بعد غياب عامين، حفل طويل للغاية غنى فيه «حليم» ثلاث أغنيات خالدة: «يا مالكا قلبى» كلمات أحمد مخيمر وألحان محمد الموجى وقصيدة «رسالة من تحت الماء» تأليف نزار قبانى وألحان محمد الموجى، ورائعة «حاول تفتكرنى» تأليف محمد حمزة وألحان بليغ حمدى، أغنيات رائعة زاد رونقها بمرور السنين.
ولا ننسى حفل نادى الترسانة مساء الأول من مايو عام 1975، أبدع «حليم» فى غناء رائعة «نبتدى منين الحكاية» تأليف محمد حمزة وألحان محمد عبدالوهاب وغنى فى الوصلة الثانية «أى دمعة حزن لا».
آخر حفلات عبدالحليم فى عيد الربيع الحفل الخالد مساء الأحد 25 أبريل 1976، بنادى الترسانة الذى خرج فيه «حليم» عن شعوره واشتبك مع الجماهير لفظيا بسبب مرضه وحرصه الشديد على نجاح قصيدة «قارئة الفنجان». كان هذا الحفل أطول حفل لـ«حليم» أبدع فى «قارئة الفنجان» لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة وأبدع كما لم يبدع من قبل وبالطبع هذه القصيدة التى مر عليها 48 عاما مازالت وستظل موضع إعجاب الملايين. وغنى فى الوصلة الثانية أغنيات: «أهواك، أبوعيون جريئة، توبة، فى يوم من الأيام»، انتهى هذا الحفل فى السادسة صباحا، يوم الاثنين 26 أبريل، لينعم المصريون بالغناء الجميل مع الساعات الأولى للاحتفال بعيد الربيع، ليلة غنائية خالدة فى حياة «حليم» كانت مسك الختام لمشواره الغنائى.
فى عام 1977، ألغت حفلات عيد الربيع حدادا على وفاة «حليم»، فى ليلة عيد الربيع مساء 28 أبريل 1978 غنت فايزة أحمد «أحلى طريق فى دنيتى»، وفى ليلة عيد الربيع مساء الأحد 6 أبريل 1980، غنت وردة «لا تقل لي ضاع حبي» كلمات إبراهيم عيسى ألحان رياض السنباطى ومع مرور السنوات توارت الحفلات فى عيد الربيع ومازلنا نعيش على إبداعات فريد وعبدالحليم حافظ.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: لماذا ندم عرّاب الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث؟
كان العام 1850 حين تمكن إسحاق سنجر من تطوير آلة خياطة عُرفت لاحقا باسمه «سنجر»، آنذاك كان الثوب يستغرق 20 يوما على يد الخيّاط العادي وبعد الماكينة بات يستغرق يومين فقط، حينها أيضا كان أول من اعترض على هذا الاختراع هم الخيّاطون أنفسهم لأنهم ظنّوا أنّ الآلة ستحل محلهم ويندثروا، لكن ما حدث أن الإنتاج هو ما زاد وباتت الماكينات في حاجة إلى أيدٍ عاملة أكثر، خاصة وقت الحرب العالمية الأولى التي بيع خلالها مليون ماكينة سنجر، وهكذا بدلا من الاندثار زاد الطلب على الخياطين لدرجة أصبح لها معاهد وأكاديميات في بلاد أوروبا.
هذا النموذج يعد الأوضح لعلاقة الإنسان بالآلة في عصر الثورة الصناعية التي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر وازدهرت في منتصف القرن التاسع عشر، فبدلا من الخوف من اندثار المهن ومصدر الرزق كانت الآلات هي ما وفرت فرص عمل للملايين، صحيح أنّ مقابل ذلك هناك مهن اندثرت لكن أي مقارنة ستصب في صالح الآلة التي حسّنت من حياة الإنسان خلال قرون.
نفس التحدي تعيشه البشرية في السنوات الأخيرة، لكن تلك المرة مع الذكاء الاصطناعي الذي بات يحل محل الإنسان في العديد من المهن، وكالعادة تكررت المخاوف من فقدان الناس لمهنهم ومصدر رزقهم مقابل تلك الأجهزة، وكانت الإجابة أنّ ذلك لن يحدث كما علمنا التاريخ وأنّ الذكاء الاصطناعي قادر على خلق فرص عمل تعوض اندثار مهن أخرى، لكن تلك الإجابة لم تعد تصلح لأن الذكاء الاصطناعي ليس كالآلات والثورة الصناعية، هو ثورة من نوع آخر أشد وأشرس.
من يقول ذلك ليس مجرد خبير تكنولوجي أو عالم متمسك بتقاليد الحياة القديمة، بل هو البروفيسور جيفري هينتون، وقبل أن نوضح السبب الذي دفعه إلى قول ذلك منذ أيام، أوضح أولا أنّ «هينتون» هو عالم كمبيوتر بريطاني يبلغ من العمر 77 عاما ويُعرف بـ«عرّاب الذكاء الاصطناعي»، فبجانب حصوله على جائزة نوبل في الفيزياء، فهو الرجل الذي اخترع في ثمانينيات القرن العشرين طريقة يمكنها العثور بشكل مستقل على خصائص في البيانات وتحديد عناصر محددة في الصور، وتلك الخطوات هي الأساس للذكاء الاصطناعي الحديث في العصر الحالي.
وإذا كنّا عرفنا هوية الشخص فالآن نعرف ما قاله، إذ أوضح أنّ الـ«AI» قد يقضي على الجنس البشرى خلال العقد المقبل، وقد توقع أن يحدث ذلك خلال ثلاثة عقود لكن تطورات الذكاء الاصطناعي وقفزاته أمر مدهش ومرعب في آن واحد، أما الفرق بينها وبين الثورة الصناعية أنّ في الثورة الصناعية كانت الآلات تتولى الأعمال الشاقة، بينما كان الإنسان هو من يملك زمام الأمور لأنه كان يفكر ويخطط وتتولى الآلات التنفيذ، وبالتالي ففضيلة الإنسان كانت التفكير.
أما الآن فنماذج الذكاء الاصطناعي تقترب من طريقة التفكير البشري، وبالتالي هي من ستتولى زمام الأمور إذا نجحت في الاستمرار، أي أنّ العلاقة ستصبح معكوسة، وبدلا من أن يصبح الروبوت في خدمة الإنسان، سيصبح الإنسان نفسه في خدمة الروبوت، وتلك مصيبة كما وصفها.
تحذيرات جيفرى هينتون لم تتوقف عند هذا الحد، بل أتبعها بأنّ الذكاء الاصطناعي سيتسبب في زيادات هائلة فى الإنتاجية، وهذا يفترض أن يكون مفيدا للمجتمع، لكن الحقيقة أن كل الفوائد ستذهب للأغنياء وبالتالى سيفقد كثير من الناس وظائفهم مقابل أن تغتني فئة قليلة، فالشركات الكبرى والأرباح لا ترحم، لذلك فالحل الوحيد فرض تنظيم حكومي أكثر صرامة على شركات الذكاء الاصطناعي لتضمن تنظيم عدالة ما، ولأن «هينتون» يشك في ذلك، فإنه لم يخجل من كشف أنّه يشعر أحيانا ببعض الندم لأنه قدم تلك التكنولوجيا في العالم، صحيح لو عاد به الزمن لفعل نفس الشيء، ولكن القلق من النتيجة لن يمنعه من الندم.