ألقى الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، خطبة الجمعة بمسجد ابو بكر الصديق بالإسماعيلية، أكد خلالها أنه لم يعرف التاريخ دينا متوازنًا كالإسلام، فقد وفق بين مطالب الروح والجسد، وجمع في شريعته بين العمل للدنيا والآخرة، ولم يفرق بين العقل والقلب، والعلم والعمل، ولقد ظلم بعض الناس الدين حين أساءوا فهمه، فاختصروه في تسابيح وأوراد وصلوات في المحاريب، والذي ينبغي أن يفهم أن الإسلام أمر بتسوية الصف في الصلاة، وأمر أيضا بإصلاح جنبات الحياة، فالإسلام دين العمل.

الهواري: وثيقة الأخوة الإنسانية تلاقت عليها أطراف عدة من أجل السلام

أضاف الهواري قائلًا: حقًا إن ديننا دين العمل والسعي والقوة، ولا عجب فنحن أمة مأمورة بحمل الخير للناس، قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» فكيف تحقق الأمة قيادتها وريادتها وسيادتها بلا عمل؟ وكيف تحمل الأمة الخير للناس بلا سعي؟. إن الإسلام يأمر بالعمل والسعي والنشاط، قالَ تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }، وهنا يقول ابن كثير رحمه الله: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن ذلك لا يجدي عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال وكلوا من رزقه.

الدكتور محمود الهواري

وأوضح أنه من التوازن في الإسلام أنه قرن بين معنى الإيمان وما يقتضيه هذا الإيمان من عمل وسلوك، ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: « الايمان بضع وستون أو قال بضع وسبعون شعبة فاعلاها قول لا إله إلا الله وادناها إماطة الأذى عن الطريق»، أرأيتم هذا الملمح الجميل في الربط بين الإيمان بالله وعمارة الأرض، واعلموا أن الإسلام لا يرضى لأهله أن يكونوا عالة على الناس، ولا لمجتمعاته أن تكون عالة على الأمم، وإن الإسلام ليرضى لأتباعه أن يكونوا أهل عمل ونشاط وسعي وكسب، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ»، وفي رواية أخرى يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيدِه ، لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيحتطبَ على ظهرِه خيرٌ له من أن يأتيَ رجلًا أعطاه اللهُ من فضلِه ، فيسألَه أعطاه أو منعه».

وبين الأمين المساعد أنه من هذين الروايتين نستنبط رسائل نبوية مهمة، منها: أن العمل مهم، حتى لو كان عملا لا يكفي حاجة الإنسان، فلا يتصور أن حزمة الحطب تكفي صاحبها، وتلبي احتياجاته، ولكنها تعفه وتحفظه من السؤال، ولذلك فإنه من الرسائل النبوية أن يكون الإنسان صاحب عطاء وكرم وفضل حتى لو كان دخله قليلا، فحزمة الحطب التي لا تكاد تكفي احتياجات الإنسان يندب له أن يجعل فيها شيئا لله، وذلك لتعويد المسلمين على العطاء والجود والكرم وإحساس كل إنسان بمن حوله، ومن الرسائل النبوية ربط الناس بالله الرزاق، فصاحب العطاء هو الله، فليس علينا أن يحقد بعضنا على بعض، ولكن علينا أن يتعلم بعضنا من بعض، وأن يعين بعضنا بعضا.

من آداب العمل والحرف والصنائع ألا يخلف الإنسان وعده

وأشار إلى أن من آداب العمل والحرف والصنائع ألا يخلف الإنسان وعده، فلا يضرب لصاحب العمل موعدا ويخلفه؛ لأنَّ إخلافَ الوعدِ مِن علاماتِ النفاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، ومن آداب العمل ترك الغش والخداع، فلا يغش الإنسان في صنعته أو حرفته أو وظيفته،  وقد قال رَسُول اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وفي مقابل هذه الآداب التي نطالب بها العمال فإنهم لهم حقوق على أصحاب الأعمال، ومن أهمها: استيفاءُ الأجرِ كاملا بلا مماطلة ولا محاولة انتقاص منه، فقد حثَّ النبيُّ ﷺ على تعجيلِ أجرةِ العاملِ فورَ انتهاءهِ مِن عملهِ، فقَالَ ﷺ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الهواري البحوث الإسلامية خطبة الجمعة مسجد ابو بكر الصديق

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا عن وسطية الإسلام: الحوار مفتاح التعايش السلمي

افتتح أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وداتؤ سري أنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا، مجلسًا خاصًّا لعلماء وشباب الباحثين الماليزيين؛ للتناقش والحوار حول وسطية الإسلام وسماحته، والمنهج الإسلامي في تعزيز الأخوَّة والوئام في المجتمعات.

وأكَّد شيخ الأزهر أنَّ أكثر ما يميز المجتمع الماليزي تعدُّدُ الأعراق والأديان، محذرًا من خطورة استغلال بعض التَّيارات المتطرفة والمتشددة للتعددية، وتصويرها جهلًا على أنها خطر على الإسلام والمجتمعات، مفنِّدًا زيف هذه الادِّعاءات؛ واستشهد بتعاليم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين أنفسهم، الَّتي لخصها في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتَنا، وأكل ذبيحتَنا، فذلك المسلمُ الذي له ذمَّة الله وذمة رسوله، فلا تَخفِرُوا الله في ذمته» أي: لا تخونوا.

وأوضح أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أرسى قواعد العلاقة التي تربط المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى وحدودها، وهي العلاقة المبنيَّة على الاحترام والتَّعايش المشترك، والتَّحلِّي بأخلاق الإسلام الذي لم يكتف بتحريم الاعتداء على الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه، وإنَّما حرَّم الاعتداء على الحيوان والنبات والجماد، إلا فيما بيَّنَتْه الشريعة مما لا يعد اعتداء كذبح الحيوان لغرض الأكل وسد الجوع وبمقدار محدَّد، وأنَّ الإسلام وضع قواعد لحماية البيئة والمناخ، بما لا يسمح له من الاستجابة لشهواته ورغباته المادية، بما يؤثِّر سلبًا على البيئة، وأنَّه إذا كان الإسلام قد عُنِيَ بكل هذه الجوانب فكيف تكون عنايته بالإنسان حتى ولو كان غير مسلم!

وأكَّد أن مسؤولية إقرار وتعزيز التَّعايش السِّلمي بين أتباع الديانات المختلفة، تقع على عاتق كل فردٍ في المجتمع، ولا يمكن تحقيقُها إلا من خلال الفهم الصحيح لرسالة الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، التي جاءت لإسعاد الإنسان وانتشاله من مخاطر تأليه المادة والسعي لإشباع الغرائز دون التنبه لما قد ينتج عن ذلك من حروب وصراعات، وأنَّ الدين هو السبيل الأوحد للتحكم في غرائز الإنسان وتوجيهها بما فيه مصلحته ومصلحة المجتمع.

الصِّراعات المذهبية

وحذَّر شيخ الأزهر من بعض التيارات التي تحاول تغذية التعصُّب والكراهية بين المسلمين، وتزكية الصِّراعات المذهبية وتوجيه اهتمامات الشباب المسلم لبعض القضايا التي تشغلهم عن النظر والاهتمام بقضايا أهم، وإعادة إحياء لصراعات وقضايا تؤرِّق المجتمع المسلم وتعمل على إضعافه وتشتته، وبث الفرقة والشقاق فيما بين أبنائه، مشددًا على أن الأولى في هذا الوقت الحرج أن تتجه الجهود لما فيه وحدة الأمَّة وتماسكها لتحقيق نهضتها المنشودة.

وحرص شيخ الأزهر على الاستماع لآراء بعض الشباب الماليزي ومناقشتهم فيها، والإجابة على تساؤلاتهم فيما يتعلق بالعلاقة بين مدارس الفكر الإسلامي، وكيفية استثمار التعدديَّة لما فيه صالح الأمة، كما ناقش فضيلته بعض الفتيات عن حقوق المرأة في الإسلام، وكيف كفل الإسلام للمرأة حقَّها في التعليم والمشاركة الإيجابيَّة في الحياة الاجتماعية، وغير ذلك من الموضوعات التي كانت محل نقاش من الشباب الماليزي المشارك.

ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف

من جهته، أعرب رئيس الوزراء الماليزي، عن سعادته بمشاركة شيخ الأزهر في هذا اللقاء المهم، وتقديره لحرص فضيلته على مناقشة الشباب الماليزي في أفكارهم ومحاورتهم دون قيود، مؤكّدًا أن بلاده ممتنة لشيخ الأزهر ولفكر الأزهر الوسطي الذي صدَّرَ للعالم -ولا يزال- علوم الدين والدنيا، وأن ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف، والاستفادة من برامج تدريب الأئمة التي تستضيفها أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وتمنياته بأن تكون زيارة شيخ الأزهر لماليزيا بداية لعدد غير محدود من المشروعات والمبادرة المشتركة مع الأزهر الشريف.

مقالات مشابهة

  • احتفالات السنة الهجرية في السعودية 1446
  • شيخ الأزهر: النهج الوسطي الذي لا يعرف الإقصاءأو شيطنة تلقتها جماهير الأمة بالقبول
  • مع بداية العام الهجريّ الجديد 1446: إياك أن تصل متأخرًا
  • رئيس الوزراء الماليزي يحاوِر شيخ الأزهر حول وسطيَّة الإسلام
  • شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا وشبابها حول وسطية الإسلام
  • في سريّة تامة.. دينا الشربيني تبدأ التحضير لـ”كامل العدد 3″
  • شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا MADANI
  • شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا «MADANI»
  • شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا عن وسطية الإسلام: الحوار مفتاح التعايش السلمي
  • وزير العمل يؤكد أهمية أن يخرج قانون العمل بشكل متوازن يرضي الجميع