كم يؤلمنى دائماً الحديث عن التربية والتعليم فى مصرنا الغالية الآن لما فيه من مواطن كثيرة للخلل ومظاهر كثيرة للاغتراب نتيجة خضوعه للكثير من التدخلات الخارجية الغربية مرة والآسيوية مرة! ولما ينطوى عليه من غياب للتميز وضياع للشخصية الوطنية وافتقاده للهوية القومية وبالطبع ما ينطبق على مصر ينطبق على نظم التربية والتعليم فى وطننا العربى الكبير؛ فنحن نعلم ونتعلم من خلال اللهاث وراء تقليد الأطر الاستراتيجية والمضامين الغربية للتعليم الأوروبى والأمريكى المعاصر دون تحديد واضح لأهدافنا الاستراتيجية من التعليم ودون تفهم ومراعاة لاختلاف الطبائع والهويات بيننا وبين الثقافة الغربية التى نتشبث بالسير على هداها دون وعى بخطورة ذلك على الهوية والأمن القومى العربى للأسف الشديد!
وربما يدهشنا أن نعرف يا أمة المصريين والعرب أن المصريين القدامى هم أصحاب أول استراتيجية تربوية وتعليمية فى العالم، وهى تلك الاستراتيجية التى استلهمها ومجدها أفلاطون فيلسوف اليونان الأشهر فى محاوراته المختلفة وخاصة فى محاورة «الجمهورية» التى قدم فيها نظريته الشهيرة فى التربية والتعليم التى أخذ معظم عناصرها من مصر القديمة وأوصى اليونانيين بأن يتعلموا منها وعلى هديها، وظل يؤكد ذلك حتى آخر محاوراته المسماة بـ«القوانين»! وربما يدهشنا أكثر أن تلك الاستراتيجية فى التعليم كانت تقوم فى الأساس على تربية الانسان بشكل شامل من خلال مجموعة من المبادئ والقيم والمثل العليا وعبر أشكال تعليمية مختلفة نجحت فى صنع التقدم الباهر الذى حققه المصريون فى ذلك الزمان البعيد الذى لا يزال يمثل إعجازاً لم تمتلك الحضارة البشرية إلى الآن وسائل فهمه ولم تنجح فى فك الكثير من شفراته حتى اليوم!
وها هو هيملوت برونر مؤلف كتاب «التربية والتعليم عند المصريين القدماء» يؤكد ذلك حينما يقول «لا يمكن القول إن التقدم عند المصريين كان بسبب النمو الطبيعى للعرف والتقاليد، بل توفر لديهم أسلوب تربوى محترم بالفعل وثقافة حقيقية؛ فلقد استوعبوا ما فقده اليونانيون فى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وما دعا إليه سقراط وأفلاطون بطريقة فلسفية! لقد استوعبوا الوسطية واستوعبوا الهدف من التربية والتعليم؛ فالتربية الحقيقية التى كانت تبدو كفضيلة عامة للإنسان تحولت إلى مهارات خاصة.
إن المصريين القدامى لم يهتموا بذكر وسائل وطرائق التعليم بقدر اهتمامهم بالنتائج وما يتبقى منها وبالحقيقة وبالأشياء المعمول بها لدرجة أنه قل أن نجد من خلال النصوص المصرية القديمة الموجودة مثلاً طرق بناء الهرم والمعابد والمقابر الحجرية وأساليب النحت للجمادات والأحياء!
ان افتقادنا معرفة تفاصيل المناهج الدراسية وشكل اليوم الدراسى ومضامين المقررات الدرسية فيما عدا ما لدينا من بعض النصوص الأدبية والتعاليم الأخلاقية والدينية لا ينبغى أن ينسينا أننا أمام حضارة قامت على معارف ونظريات علمية رياضية وعلوم فلكية وطبيعية باهرة يبدو أن المصرى القديم قد تعمد عدم تسجيلها ربما خوفاً من أن يقتبسها الآخرون، وربما تم تسجيلها فى برديات فقدت إلى حين اكتشافها مستقبلاً أو فقدت إلى الأبد!
والمغزى هنا هو أننا أصحاب تراث حضارى عظيم وعريق ينبغى الاعتزاز به واستلهامه والبناء عليه مستفيدين من نتائج آخر مستجدات التقدم العلمى الحالى فى ضوء استراتيجية مصرية وعربية وطنية خالصة للتربية والتعليم، وكفانا خطط التطوير التى تعتمد على اللهاث وراء تجارب الآخرين من هنا وهناك غير مدركين أننا أمه مختلفة ينبغى ألا يقوم نظامها التعليمى على التقليد و«القص واللصق» دون وعى ودون مراعاة لخصوصيتنا الثقافية والدينية ولمكانتنا الحضارية المتفردة التى تعلم منها ونقل عنها الآخرون قديماً ووسيطاً!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل الأمن القومي العربي التربیة والتعلیم
إقرأ أيضاً:
وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي تُحيي الذكرى السنوية للشهيد
الثورة نت|
أحيت وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي، اليوم، الذكرى السنوية للشهيد .
وفي الفعالية، التي حضرها نائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي الدكتور حاتم الدعيس، أكدت كلمة قيادة الوزارة التي القاها عبدالله النعمي أهمية إحياء الذكرى السنوية للشهيد تقديراً وعرفاناً للبطولات التي اجترحها الشهداء للذود عن حياض الوطن وبفضلها ننعم بالأمن والأمان ونحيا بعزة وكرامة.
وأشار في الفعالية ، التي حضرها عدد من قيادات الوزارة ورؤساء الجامعات، إلى أهمية استلهام معاني العزة والكرامة من شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم الغالية رخيصة في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض وحرية الوطن واستقلاله.
وأضاف الوكيل النعمي ” أمة يستشهد قياداتهم لن تحيد عن نهجهم والسير على دربهم وفاء لدمائهم الزكية وتضحياتهم العظيمة حتى تحقيق النصر بإذن الله” ، مثمنا المواقف البطولية التي يسطرها رجال الرجال في مختلف ساحات محور المقاومة، مترحما على أرواح شهداء محور المقاومة من فلسطين مرورا بلبنان وإيران والعراق ووصولا إلى اليمن.
وأكدت كلمتا أسر الشهداء التي القاها احمد الأهنومي وأبناء الشهداء التي القاها نجل الشهيد حميد التوعري أهمية الوفاء لدماء الشهداء بالسير على نهجهم والانتصار لتضحياتهم والثبات على الموقف حتى تحقيق النصر المؤزر بأذن الله.
تخللت الفعالية التي تم في ختامها تكريم أسر الشهداء وصلات انشادية لاشبال دار الأيتام عبرت عن المناسبة.