«البحوث الإسلامية»: التاريخ لم يعرف دينا متوازنًا في توفيقه بين مطالب الروح والجسد كـ«الإسلام»
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
ألقى د. محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية خطبة الجمعة بمسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية، أكد خلالها أنه لم يعرف التاريخ دينا متوازنًا كالإسلام، فقد وفق بين مطالب الروح والجسد، وجمع في شريعته بين العمل للدنيا والآخرة، ولم يفرق بين العقل والقلب، والعلم والعمل، ولقد ظلم بعض الناس الدين حين أساءوا فهمه، فاختصروه في تسابيح وأوراد وصلوات في المحاريب، والذي ينبغي أن يفهم أن الإسلام أمر بتسوية الصف في الصلاة، وأمر أيضا بإصلاح جنبات الحياة، فالإسلام دين العمل.
أضاف الهواري قائلًا: حقًا إن ديننا دين العمل والسعي والقوة، ولا عجب فنحن أمة مأمورة بحمل الخير للناس، قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» فكيف تحقق الأمة قيادتها وريادتها وسيادتها بلا عمل؟ وكيف تحمل الأمة الخير للناس بلا سعي؟. إن الإسلام يأمر بالعمل والسعي والنشاط، قالَ تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }، وهنا يقول ابن كثير رحمه الله: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن ذلك لا يجدي عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال وكلوا من رزقه.
وأوضح أنه من التوازن في الإسلام أنه قرن بين معنى الإيمان وما يقتضيه هذا الإيمان من عمل وسلوك، ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: « الايمان بضع وستون أو قال بضع وسبعون شعبة فاعلاها قول لا إله إلا الله وادناها إماطة الأذى عن الطريق»، أرأيتم هذا الملمح الجميل في الربط بين الإيمان بالله وعمارة الأرض، واعلموا أن الإسلام لا يرضى لأهله أن يكونوا عالة على الناس، ولا لمجتمعاته أن تكون عالة على الأمم، وإن الإسلام ليرضى لأتباعه أن يكونوا أهل عمل ونشاط وسعي وكسب، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ»، وفي رواية أخرى يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيدِه ، لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيحتطبَ على ظهرِه خيرٌ له من أن يأتيَ رجلًا أعطاه اللهُ من فضلِه ، فيسألَه أعطاه أو منعه».
وبين الأمين المساعد أنه من هذين الروايتين نستنبط رسائل نبوية مهمة، منها: أن العمل مهم، حتى لو كان عملا لا يكفي حاجة الإنسان، فلا يتصور أن حزمة الحطب تكفي صاحبها، وتلبي احتياجاته، ولكنها تعفه وتحفظه من السؤال، ولذلك فإنه من الرسائل النبوية أن يكون الإنسان صاحب عطاء وكرم وفضل حتى لو كان دخله قليلا، فحزمة الحطب التي لا تكاد تكفي احتياجات الإنسان يندب له أن يجعل فيها شيئا لله، وذلك لتعويد المسلمين على العطاء والجود والكرم وإحساس كل إنسان بمن حوله، ومن الرسائل النبوية ربط الناس بالله الرزاق، فصاحب العطاء هو الله، فليس علينا أن يحقد بعضنا على بعض، ولكن علينا أن يتعلم بعضنا من بعض، وأن يعين بعضنا بعضا.
وأشار إلى أن من آداب العمل والحرف والصنائع ألا يخلف الإنسان وعده، فلا يضرب لصاحب العمل موعدا ويخلفه؛ لأنَّ إخلافَ الوعدِ مِن علاماتِ النفاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، ومن آداب العمل ترك الغش والخداع، فلا يغش الإنسان في صنعته أو حرفته أو وظيفته، وقد قال رَسُول اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وفي مقابل هذه الآداب التي نطالب بها العمال فإنهم لهم حقوق على أصحاب الأعمال، ومن أهمها: استيفاءُ الأجرِ كاملا بلا مماطلة ولا محاولة انتقاص منه، فقد حثَّ النبيُّ ﷺ على تعجيلِ أجرةِ العاملِ فورَ انتهاءهِ مِن عملهِ، فقَالَ ﷺ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البحوث الإسلامية مسجد أبو بكر الصديق خطبة الجمعة محمود الهواري الإسلام
إقرأ أيضاً:
البحوث الإسلامية: العلم والإيمان يتشاركان في حل المعضلات العقائدية والشرعية
شارك مجمع البحوث الإسلامية في فعاليات الندوة التي نظمتها لجنة الفضاء بنقابة المهندسين بالتعاون مع مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء بمجمع البحوث الإسلامية، والتي عقدت بعنوان: "الكون بعيون العلم والإيمان..رحلة في آفاق الفضاء"، وذلك في إطار رؤية الأزهر الشريف لتعزيز التكامل بين العلوم الشرعية والتطبيقية، وبتوجيهات وكيل الأزهر الشريف، وإشراف الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وبالتعاون مع المهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين.
وتأتي هذه الأمسية في إطار التعاون المثمر بين مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء ولجنة الفضاء بالنقابة العامة للمهندسين، لبحث المستجدات العلمية المرتبطة بعلوم الفضاء والفلك والاستشعار عن بعد، وتسليط الضوء على الرؤية الشرعية والعلمية لهذه القضايا، من خلال مناقشة محاور متعددة، تشمل التكامل بين العلم والدين في فهم نشأة الكون، وإسهامات العلماء المسلمين في علوم الفلك، ودور التكنولوجيا الفضائية في تحقيق مقاصد الشريعة، إضافة إلى دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الفلكية واستكشاف الفضاء.
وفي بداية كلمته نيابة عن وكيل الأزهر أكد الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الأزهر الشريف، بتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، يولي اهتمامًا بالغًا بالقضايا العلمية المستجدة، ويحرص على مواكبة التطورات الحديثة في مجالات العلوم التطبيقية، لاسيما علوم الفضاء والفلك، بهدف دعم البحث العلمي وتعزيز التكامل بين العلم والإيمان.
وأكد أن صلة العلم والإيمان تتجلى بعلوم الفلك في عدة جوانب تجمع بين التأمل الكوني والمعرفة العلمية، وتؤكد على عظمة الخلق وإبداع النظام الكوني، وهو ما يتضح من خلال عدة حرانب منها: التأمل في الكون وتعظيم الخالق؛ حيث يدعو الإيمان إلى التأمل في السماوات والنجوم والكواكب.
وورد في القرآن الكريم: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ" (آل عمران: 190)، كذلك فإن الفلك يعزز هذا التأمل من خلال كشفه عن عجائب الكون واتساعه الهائل.
وأوضح الجندي أن الجانب الثاني يتمثل في الدقة والنظام في الكون، فالإيمان يرسّخ فكرة أن الكون يسير وفق نظام محكم دقيق، كما أن علم الفلك يثبت ذلك عبر قوانين الجاذبية وحركة الأجرام السماوية، مما يؤكد انسجام العلم مع الإيمان، فيما يتمثل الجانب الثالث في التقويم وتحديد العبادات، حيث يعتمد التقويم الإسلامي على الظواهر الفلكية، مثل رؤية الهلال لتحديد بدايات الشهور الهجرية، فأوقات الصلاة مرتبطة بحركة الشمس، مما يجعل الفلك جزءًا أساسياً من العبادات اليومية.
وتابع قائلًا: يمكن أن نبين هذا الترابط من خلال بيان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
وما به من إشارات فلكية في النصوص الدينية، مثل قوله تعالى: "وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء: 33)، والتي تتوافق مع اكتشافات علم الفلك حول مدارات الكواكب.
وبين الأمين العام أن الإسلام يحث على طلب العلم، وعلم الفلك أحد المجالات التي توسع مدارك الإنسان وتدفعه لاكتشاف عظمة الكون، كما أن العلماء المسلمين في العصر الذهبي أسهموا في تقدم علم الفلك، مثل البيروني وابن الهيثم، وكان للمسلمين دور بارز في علم الفلك خلال العصور الوسطى، ومن أبرز علماء الفلك المسلمين: البيروني والذي قدم إسهامات مهمة في قياس محيط الأرض، ووضع نظريات حول دوران الأرض حول محورها، البتاني والذي طور حسابات دقيقة عن السنة الشمسية وحدد مواقع العديد من النجوم، أبو الوفاء البوزجاني الذي أضاف إلى علم المثلثات الفلكية وساعد في تطوير الحسابات الفلكية، وغيرهم.
شهدت الأمسية مشاركة من عدد من العلماء والخبراء البارزين، من بينهم فضيلة الأستاذ الدكتور حسن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس لجنة العقيدة والفلك بمركز الأزهر للفلك، والدكتور محمد يحيى إدريس، رئيس قسم الطاقة الكهربية والإلكترونيات بشعبة الفضاء بهيئة الاستشعار عن بعد، والدكتور هيثم مدحت، مدير الإدارة العامة المركزية بوكالة الفضاء المصرية، والدكتور حاتم العطار، المدير التقني للذكاء الاصطناعي بشركة كواليتى ستاندرد لتكنولوجيا المعلومات.
و تأتي هذه الأمسية في إطار الجهود المستمرة لتعميق الحوار بين العلماء والفقهاء والمهندسين حول المفاهيم الحديثة لعلوم الفضاء، وتسليط الضوء على العلاقة التكاملية بين العلم والدين في فهم الكون. ويتناول المتحدثون خلال الأمسية عدة محاور علمية وفكرية، منها دور الاستشعار عن بُعد في الدراسات الفلكية، وتأثير الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الفلكية، وأثر تطور علوم الفضاء على الاجتهاد الفقهي.
وتعد هذه الأمسية العلمية خطوة مهمة في مسار تكامل المعرفة الشرعية مع العلوم الحديثة، بما يعزز من دور الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية في دعم قضايا البحث العلمي، ويؤكد على ريادة مصر في مجال علوم الفضاء.