في اليوم العالمي للصحافة .. صحفييو السودان ضياع الكلمة وانكسار القلم..!!
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
ما بين يوم وليلة تغير الحال، كانت الكلمة سلاحهم لمواجهة الحياة والقلم وسيلتهم في العيش فضاعت الكلمة وانكسر القلم، مئات الصحفيين السودانيين وجدوا أنفسهم دون وسيلة لكسب الرزق بعد أن أغلقت الصحف والمؤسسات الإعلامية أبوابها بفعل حرب أبريل المشتعلة في السودان دون توقف منذ أكثر من عام، ضاعت أحلام الصحافة التي كانت تكافح لتحقيق حلم الوصول إلى حريتها المطلقة دون تقييد.
التغيير ــ خاص
يواجه الصحفيبون في السودان في ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة صعوبات ومخاطر عديدة من طرفي النزاع الدائر بالبلاد منذ 15 أبريل من العام الماضي، من قتل واعتقال وإخفاء وترهيب “.
صحفي سوداني نازح يعمل في بيع الخضروات بعد الحربوأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحرية الصحافة في ديسمبر 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو.
ومنذ ذلك الحين يحتفل بالذكرى السنوية لإعلان ويندهوك في جميع أنحاء العالم في 3 مايو باعتباره اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على اعتماد هذا الإعلان، لا تزال العلاقة التاريخية بين حرية التقصي عن المعلومات ونقلها وتلقيها من جهة، وبين المنفعة العامة، مفقودة خاصة في المناطق التي تشهد حكما دكتاتوريا ويعد السودان إحدى تلك الدول التي يعمل طرفا الصراع فيها على حجب المعلومات عن الصحفيين وظلت غرفهم الإعلامية تنشر الشائعات وخطاب الكراهية الذي يعمل على تفتيت وحدة السودان”.
ويقول السكرتير العام لنقابة الصحفيين محمد عبد العزيز إن الحالة التي يعيشها الصحفيون السودانيون تُعد الأسوأ منذ تأسيس الدولة السودانية، بعد تدمير 90 % المؤسسات الصحفية بالكامل، و أكد أنه تم تسجيل 400 حالة اعتداء بحق الصحفيين من ضمنها 6 حالات قتل.
وأشار عبد العزيز إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين تتصل بمخاطر الحرب والأوضاع الأمنية المتردية والاستهداف الممنهج من طرفي الصراع الذين ينظرون للصحفي بأنه عدو لجهة أن مهنة الصحافة أصبحت جريمة”.
وأوضح، أن جزءا كبيرا من الصحفيين فقدوا أدوات عملهم وتناقصت أعدادهم في أماكن الاشتباكات وانعكس ذلك على التغطية الصحفية ما خلق حالة من “الإظلام الإعلامي، الذي ساعد في غياب المعلومات الحقيقة وانتشار خطاب الكراهية”.
وتوعد عبد العزيز بملاحقة مسيري خطاب الكراهية ضد الصحفيين وملاحقة الجهات المتورطة وتقديمها لمحاكمات بعد إيقاف الحرب وقيام المؤسسات المدنية “.
ولفت إلى أن نقابة الصحفيين وضعت سلامة الصحفي من ضمن أولوياتها وأقامت عددا من الورش التدريبية عن السلامة المهنية في التغطية الصحفية في النزاعات”.
وكشف السكرتير العام، عن وضع النقابة لخطة عمل للمناصرة تطلقها قريبا “.
وعلى شبكات وسائل التواصل الاجتماعي انتشرت صور عشرات الصحفيين وهم يبدأون رحلة عمل جديدة ما بين بيع الخضروات وإعداد الأطعمة وتكسير الحطب لمواجهة الظروف المعيشية الجديدة”.
ويقول الصحفي (ر. م)، إن ظروف الحرب اضطرته إلى العمل في أعمال هامشية لتوفير لقمة عيش، بعد أن فقد وظيفته وتوقف راتبه “.
ويضيف: لـ “التغيير”: “واجهت ظروفا اقتصادية سيئة وفقدت كل ما أملك لذلك قررت اللجوء للعمل لتوفير لقمة العيش لأسرتي التي كانت تعتمد على بشكل مباشر “.
وتابع:” رغم أن العمل الذي أقوم به متعب وشاق إلا أنه لم يوفر المبلغ المجدي من أكل وشرب وإيجار لذلك قررت السكن في أحد مراكز الإيواء التي يواجه في الصحفيين ظروفا إنسانية بالغة التعقيد “.
ويعاني الصحفيون أوضاعا اقتصادية وأمنية صعبة ويجدون مضايقات أمنية من طرفي الصراع الذين ينظرون إلى الصحفي بأنه عدواً لهم، لذلك يعمل الصحفيون على إخفاء هوياتهم خاصة عند التنقل ونقاط التفتيش خوفا من الضرب والاعتقال”.
ورسمت أمينة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين، إيمان فضل السيد، صورة قاتمة لواقع الحريات الصحفية في السودان بعد مرور عام على الحرب ووصفت الوضع بالمزري جدا “.
وقال إيمانا لـ “التغيير “، منذ الوهلة الأولى لحرب 15 أبريل، تحولت وسائل الإعلام لأهداف مشروعة لطرفي الصراع، وفقد ألف صحفي وظائفهم وهذه النسبة تمثل 50 % من العدد الكلي المسجلين في سجل النقابة، ما أجبر بعضهم للتوجه إلى العمل في مهن هامشية”.
وأكدت، إيمان أن إغلاق الصحف أدى إلى تراجع في الحريات الصحفية، بسبب غياب المعلومات والإخبار ذات المصداقية، وتراجع التغطيات الملتزمة بأخلاقيات وأهداف المهنة لصالح الإعلام الحربي والأخبار المضللة، فإنتشرت الشائعات واحتكر طرفا الصراع المعلومات، ومن صم بث معلومات مفبركة خاضعة للآلة الإعلامية للحرب، ما أدى إلى تفشي خطابات العنصرية التي وجدت المجال واسعا لانتشارها “.
وأشارت إلى أن جريمة قطع خدمات الاتصال والإنترنت كانت من أكثر الانتهاكات التي عمقت وزادت من تعقيدات العمل الصحفي على الأرض، وأيضا لعمليات الرصد والتوثيق في الفترة الماضية خاصة في ولايات دارفور التي انقطعت فيها الخدمة منذ أكثر 8 أشهر وأيضاً 80 % من ولايات السودان انقطعت عنها خدمات الاتصال والإنترنت لمزيد من التعتيم الإعلامي الذي يحدث على الأرض، ما يجعل مزيداً من الضغوط على الصحفيين والمواطنين بحرمانهم من أبسط الحقوق ومن بينها الحصول على المعلومات”.
وكشفت إيمان عن فقد النقابة التواصل مع عدد من الصحفيين لأكثر 8 أشهر و معرفة المصير الذي يواجههم، وما يحدث من نزوح وتشرد ولجوء “.
ولفتت إلى أن عدد الصحفيين الموجودين الآن في ولاية الخرطوم لا يتجاوز ال (100) صحفي، وفي ولايات دار فور نحو 60 صحفيا، وفي ولاية الجزيرة أقل من 20 صحفياً وهذا الأمر ينعكس على بقية الولايات”.
وتابعت: “بعض الصحفيين عبروا الحدود في ظروف سيئة وبعضهم غادر بصورة غير شرعية نسبة لتعرضهم للاستهداف المستمر ما أثر على ظروفهم المهنية و ايضاً يواجهون ظروفاً صعبة في دول اللجوء”.
وتروي الصحفية حفيظة موسى، التي اضطرتها ظروف الحرب إلى اللجوء لدولة أوغندا بحثاً عن الأمان الذي فقدته في مدينتها زالنجي بولاية وسط دارفور غرب السودان.
وتقول حفيظة لـ “التغيير”، خرجت وكانت متوقعة الموت في أي لحظة بسبب المطاردات التي حدثت لي في مدينة زالنجي، وظلت ابحث لأربعة أسابيع عن مخرج آمن، بعدها قررت الخروج متنكرة حتى لا يتعرف علي في نقاط التفتيش ويعرضني ذلك للأذى، وقضت رحلة خروجي من إقليم دارفور أكثر من أسبوع حتى وصلت حدود دولة الجنوب، ومنها إلى دولة أوغندا ”
حفيظة كانت ترسم لنفسها واقعا مغايرا لما كانت عليه في السودان وبمجرد وصولها إلى الأراضي الأوغندية زادت معاناتها التي استمرت لعام كامل، ولكنها انصدمت بواقع مختلف، وظلت تبحث عن فرص عمل تكسب من خلاله مبلغ مالي يساعدها على العيش في كمبالا ومساعدة أسرتها التي ما زالت عالقة في إقليم دارفور، فبدلا من مساعدة أسرتها أصبحت تطلب منهم المساعدة”.
وختمت حفيظة قولها بأنها لن تستسلم وستواصل في كفاحها حتى تحصل على فرصتها كاملة بمواصلة عملها الصحفي من أجل إيصال صوت من لا صوت له خاصة إنسان دارفور الذي يعاني من القتل والجوع والتشريد “.
وتواصل أمينة الحريات بأن حالات الانتهاك المسجلة ضد الصحفيين بلغت 993 حالة موثقة، في مقدمتها القتل حيث قتل 6 صحفيين من بينهم صحفيتان، و الاعتداء الجسدي والإصابات 8 حالات من بينها 3 حالات لصحفيات من بينها اعتداء جنسي واحدة”.
والاختفاء القسري والاعتقال 39 حالة من بينها 5 صحفيات، التهديدات التي تمت بشكل مباشر للصحفيين عبر الهاتف أو الرسائل 43 حالة من بينها 16 حالة لصحفيات، وإطلاق النار 28 حالة في الطرقات من بينهم 10 صحفيات، والاحتجاز في أماكن العمل ما لا يقل عن 100 صحفي وصحفية اعتقلوا في أماكن عملهم تم إجلاؤهم بواسطة الصليب الأحمر، وتم احتجاز صحيفتين في أماكنهم “.
و شملت الانتهاكات الاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية و في التوقيف في نقاط التفتيش تم تسجيل 27 حالة من بينها 3 صحفيات”، أما المؤسسات الصحفية التي تعرضت للمداهمة والتدمير بلغت 29 مؤسسة “.
وأردفت:” لا يمضي يوم من أيام الحرب إلا وتتعرض منازل الصحفيين لعمليات نهب ومداهمة وإتلاف وهذه حالة عامة لجميع منازل المواطنين “. وقالت ما لا يقل عن 100 منزل صحفي وصحفية تم نهبها و بلغت التهديدات ضد المؤسسات الصحفيين والأجسام النقابية 10 مؤسسات”.
ويواجه كثير من الصحفيين السودانيين متاعب أكبر في الواقع من تلك التي اعتادوها، من قبيل عجزهم عن توفير متطلبات الحياة الضرورية لأسرهم في ظل رحلة نزوح ولجوء قسرية ما زالت مستمرة بعد عام من الحرب”.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اغتصاب اليوم العالمي انتهاكات تشريد حرية الصحافة قتل نهب
إقرأ أيضاً:
هل أشعلت الحرب عقول الشباب السوداني؟
حدثنا البروفيسور شمس الدين زين العابدين عن الرئيس الهندي الأسبق أبوبكر عبد الكلام أنه خاطبهم في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم قائلا لهم: “لا تكتفوا بتدريس طلابكم، بل أشعلوا عقولهم”.
كتاب له مشهور عنوانه Ignited Minds إشعال العقول، عوّل فيه على إشعال العقول الشابة Igniting young minds حين بدأ التخطيط لفترة رئاسته. رأى أن يكون قائدًا ولا يفرض فكره على الآخرين.
كتب في مقدمة الكتاب أن صدمة كبيرة أوصلته إلى هذه القناعة، عندما نجا من تحطم مروحية كانت تقله.
يبدو أن الحرب قد أشعلت عقول السودانيين، أو كما نقول بالدارجة: “فَتحَت راسهم”. وربما أصابهم ما يصيب الجسم بعد العلاج بالصدمة الكهربائية. صدمة مؤلمة لكنها فعالة.
ظهرت العشرات من العناوين التي ألفها السودانيون في فترة الحرب، ومئات المنصات الالكترونية العلمية ومنها منصات ذات محتوى رفيع لشباب واعد يقدم مشروعات في الزراعة والصناعة والطاقة وغيرها.
قد يقال إن هذه الكتب والمؤلفات والمنصات ليست سوى مظهر لـ “قلة الشَغَلة” بعد أن أوى اللاجئون إلى الشقق في مصر وتركيا والسعودية ولم يجدوا شيئًا يفعلونه غير صياغة المشروعات وتأليف الكتب.
وقد يقال إن هذه المنصات الالكترونية الرصينة ليس لها أثر، لأن المؤثرين الفعليين هم (اللايفاتية) بأصواتهم العالية ورؤوسهم الخاوية!
هل يصل إلى الناس مثلا ما يقوله البروفيسور سيد أحمد العقيد أو الدكتور عباس أحمد الحاج؟ أذكر هذين الاسمين من علمائنا المرموقين، من باب المثال لا الحصر. الأول أنشأ مجموعة إعادة قراءة ونشر تاريخ السودان القديم المنسي من أجل الوعي بالذات. هكذا سمى المجموعة وقال إنها مجموعة تهدف إلى إيقاظ الحس الوطني. أما عباس فهو يعرِّف نفسه بأنه إعلامي، لكني أراه ممتلئًا بالتاريخ آخذًا بزمامه.
في صباح هذا اليوم الذي أكتب فيه بعث إليَّ الدكتور عباس تسجيلا صوتيًا يرد فيه على من أراد التقليل من الحضارة السودانية. ويعجبك عباس حين يتكلم بعمق عن أمة السودان العظيمة وعن الدولة العادلة في السلطنة الزرقاء وعن الكتلة التاريخية التي نشأت بتحالف عمارة دنقس وعبد الله جماع. ومن الجديد الذي سمعته منه أن نظام فصل السلطات أخذه الأمريكيون من السلطنة الزرقاء فقد زار أحد الآباء المؤسسين لأمريكا سنار وهو توماس جيفرسون، واحد ممن كتبوا الدستور الأمريكي. ويمضي دكتور عباس في القول بأن الحضارة السودانية سبقت بعلم الفلك وأن السودان موطن اللغة العربية، ففيه كان مبعث سيدنا إدريس عليه السلام أول من قرأ وأول من كتب في الرمل وأول من تطبب وأول من خاط الملابس.
أنشأ عباس مع آخرين مركز بحوث التاريخ والحضارة السودانية، ليضم أكثر من 180 عالما في التاريخ والثقافة. وجاء في تعريفه: مجموعة لإعادة قراءة تاريخ السودان بما يكشف جوانب المجد والسمو لهذا البلد العظيم.
إيه حكاية إعادة قراءة التاريخ؟
على طريقة السودانيين ترك البعض جوهر القضية وانغمسوا في حوار جانبي: هل الصحيح أن نقول إعادة قراءة التاريخ أم إعادة كتابة التاريخ؟ وكاد المتحاورون أن يتفرقوا إلى حزبين متشاكسين: حزب إعادة القراءة وحزب إعادة الكتابة!
يقول الكاتب المغربي محمد عابد الجابري: “مهمة المؤرخ إعادة بناء الماضي عقليًا”.
ليتفق المتحاورون إذن أن الكتابة والقراءة كلتيهما دراسة، فلتكن مهمة المجموعتين: إعادة دراسة التاريخ.
والمهم في إطلاق هذه المبادرات العلمية والأدبية أن تساعد في تنمية الوعي بأوضاع بلادنا التي تجتاز منعطفًا أساسيًا في تاريخه. معرفة الماضي تكشف الأسباب والعوامل التي قادت إلى ما نحن فيه الآن، والفهم الصحيح للماضي يساعد على فهم الحاضر واستشراف المستقبل.
يا ليت حركة التأليف والنشر لا تنتهي إلى مجرد إنتاج فكري متراكم، أو إلى بحوث توضع في أرفف المكتبات، وإلا فما أكثر الإنتاج البحثي في جامعاتنا التي لا تصل إلى الناس. المطلوب مشروع فكري يقود الحركة السياسية وتنفعل به حركة المجتمع، ولتكن هذه الصحوة الفكرية هي أساس صحوة وطنية شاملة.
بالله عليكم انبذوا مشعلي الإثارة والتهييج والعنف، وشجعوا مُشعلِي العقول الذين ينيرون طريق المستقبل المنشود.
بقلم: د. عثمان أبوزيد
صحيفة البلد