في اليوم العالمي لحرية الصحافة معاناة الصحفيات في حرب السودان
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
في اليوم العالمي لحرية الصحافة
معاناة الصحفيات في حرب السودان
أمل محمد الحسن
لا أستطيع أن أتخيل ما عانته “عرفة آدم” المذيعة الإذاعية، وهي تضطر لوضع مولودها على الحدود التشادية دون مساعدة طبية وفق ما حكت لموقع بي بي سي، فيما فقدت 3 من أطفالها الذكور تركت جثامينهم خلفها في الجنينة أكبرهم في عمر التاسعة!
لا أعرف كيف ستكون حالها في معسكرات النزوح رفقة 4 فتيات بلا مصدر عمل ولا خصوصية ولا حتى تمكنها من ممارسة دورها كصحفية في نقل الحقائق وهي مثقلة بكل هذه الأوجاع والفقد والتشريد والقمع!
تعرضت صحفية أخرى لحادثة مروعة، وهي حليمة إدريس التي كانت تراسل قناة سودان بكرة من العاصمة، ودهستها سيارة عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع، ضمت نقابة الصحفيين صوتها لصوت القناة مطالبة بعمل تحقيق حول الحادثة، لكن من يحقق مع من وسط الحرب، ستبقى حرقة ألم فراقها بالنسبة لأهلها لا تنطفئ وهي لا تعلم من فعل ذلك ولماذا؟ ربما كانوا يقصدون إسكات صوتها، ربما كانت “ضررا جانبيا” بالنسبة لهم، لكنها ستظل حادثة مؤلمة ومفجعة لزميلاتها وزملائها وأهلها وللوسط الصحفي أجمع، فعلى الرغم من عدم معرفتي الشخصية بها أتذكر كيف وقع الخبر علي، وعلى عدد من الزميلات؛ كصاعقة تركت قلوبنا ممزقة لوقت طويل!
الموت هو سنة الأولين والآخرين؛ لكن التعرض للقتل أمر آخر؛ أن يقصد شخص أخذ حياة شخص آخر، مدني، لا يحمل سلاحاً، ولا يؤذي أحد هو شيء لا يمكن التصالح معه! كيف عندما تكون طريقة الموت هي سقوط قذيفة كالتي قتلت زميلة أخرى صحفية بإذاعة زالنجي “سماهر عبد الشافع” التي سقطت على منزلها بمعسكر الحصاحيصا بمدينة زالنجي لتودي بحياتها، وتسكت صوتا نسائيا إعلاميا عن الحديث إلى الأبد!
هذه نماذج لصحفيات نقلت وسائل إعلام مختلفة قصصهن، من فقدت حياتها ومن عاشت ظروفا قاسية، لكن هناك عشرات الصحفيات اللاتي كل واحدة منهن لديها قصة حول كيف تأثرت بهذه الحرب، من فقدت أقارب وأهل وأحباء، كيف اضطرت للنزوح أو اللجوء وتحت أي ظروف تركت منزلها وحياتها كما تعرفها.
فقدت العشرات من الصحفيات وظائفهن بعد توقف الصحف ومعظم وسائل الإعلام، سعيت بعضهن لتغيير وظائفهن والمحاولة لكسب الرزق بطرق أخرى، فيما لم تتمكن الأخيرات من ذلك! وفي ظل هذه الظروف ربما فقدن المعيل أو الزوج أو الأب، واضطررن للقيام بأدوار أخرى في الأسرة لم تكن من بين المسؤوليات التي تعودن عليها.
القصة الأولى التي ذكرتها، قصة “عرفة” والفقد الجلل الذي تعرضت إليه جراء الحرب، يجعلني أفكر في حجم الثقل الذي يضغط على قلبها، ويقفز هنا سؤلا حول حوجتنا للدعم النفسي كنساء صحفيات، أمهات وأخوات وصديقات، نتعرض لضغوط الحرب والوحشية كلها التي ترافقها، نتعرض للفقد بكل أنواعه، وضغوط العمل في مهنة المتاعب فيما يُعْتَبَر تحت هذه الظروف ترفا غير مبرر! فكيف ستكون مشاعرنا وحياتنا بعد نهاية هذه المآسي المستمرة؟
عندما أنظر لدارفور التي أيقظت حرب ال15 من أبريل جراحها التي لم تشف بعد، وتطورت فيها جرائم العنف المبني على الاختلاف الإثني، تلك النعمة العظيمة التي حبى بها الله السودانيين، وحولوها لنقمة وظلام دامس داخل القلوب يجعل الناس يقتلون من يختلف عنهم في اللون واللغة، التقيت العديد من الصحفيات المنتيمات لذلك الإقليم بدولة كينيا، وسمعت الكثير من القصص التي تدمي القلوب؛ مما تعرضن له هن أو أسرهن من عنف فقط لكونهن من قبيلة كذا أو كذا.
عندما نتحدث عما تتعرض له النساء الصحفيات في الحرب؛ أعتقد من المنصف أن نمنح الصحفيات من دارفور تمييزا خاصا لخوضهن هذه التجارب بشكل متكرر، يعيش بعضهن في معسكرات لسنوات طويلة قبل أن تشتعل هذه الحرب اللعينة لتحرمهن من الحد الأدنى من شروط الحياة!
أما الحديث عن العنف الجنسي فهو الأمر الأكثر قسوة إطلاقا في هذه الحرب بالنسبة للنساء، تتعرض الصحفيات مثل بقية النساء لمخاطر التعرض للعنف الجنسي، في الوقت الذي يتعامل المتحاربون مع أجسادهن كساحة أخرى للحرب!
وفي الوقت الذي تؤكد التقارير التي تخرج من وحدة العنف ضد المرأة، أو المنظمات العالمية مثل أمنستي ارتكاب الدعم السريع لمعظم هذه الجرائم، لكنها تقول أيضا أن هناك نسبة من التعدي من منسوبي الجيش ما يشير إلى أن بيئة العنف العالية التي تمثلها هذه الحرب تترك النساء رهائن لمخاطر جنسية عظيمة.
دون شك؛ ساهم الإفلات من العقاب من جرائم العنف الجنسي في دارفور إلى تطوير هذه الجرائم، من جرائم اغتصاب لعبودية جنسية واسترقاق جنسي تعاني خلاله السيدات من تكرار عمليات الاغتصاب وامتهان الكرامة الإنسانية والقرف مرات غير محدودة، كما تشير التقارير الإعلامية إلى أنه في بعض الحالات يتم بيع النساء وكأننا عدنا بالزمان لعهود أسواق النخاسة!
لا بد أن يُحَاسَب بقدر سوء وخطورة هذه الجرائم؛ وجبر الضرر للناجيات من العنف الجنسي، لابد أن يُنْقَذْن من الوصمة المرتبطة بهذه الجريمة، ومن محاصرة المجتمع حتى لا يعانين مرات ومرات بطريقة لن يكون الشفاء منها هينا!
هناك أمر بالغ الخطورة تتعرض له الصحفيات بصورة خاصة؛ وهو خطاب الكراهية واللغة البذيئة التي يُهَاجَمْن بها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، خطورة هذا الخطاب أنه يمكن أن يضع حياتهن وحياة أسرهن في خطر محدق ولا بد من حملات مناصرة عالمية تدعمهن وتحميهن.
أما عنف الدولة فهذا أمر آخر، وأكثر خطورة، يتم عبر استخدام الأجهزة العدلية والقانونية لتجريم الصحفيات فقط من أجل محاصرة حقهن في حرية التعبير، ومن أجل خنق الكلمات وترويع الصحفيات الأخريات، حتى لا يكتبن إلا ما يعجب الجنرالات، ومثالا لذلك ما تعرضت له الصحفيات رشا عوض وصباح محمد الحسن في البلاغات المفتوحة في مواجهتهن من النيابة في بورتسودان بوصفهن يتعاون مع الدعم السريع، ويشهد كل من يقرأ مقالاتهن أنها كلمات قوية وشجاعة في زمن باع فيه الكثير من الصحفيين أقلامهم وذممهم، وسعوا للتحريض على استمرار الحرب وتأجيج خطاب الكراهية والعنصرية، بل وصل الأمر ببعض الصحفيين الإلحاح على أحد أطراف الحرب من أجل استهداف شخص محدد أو قصف مكان محدد ولحزني الشديد تُنَفَّذ إرشاداتهم العمياء!
ونحن نجتهد في مواصلة العمل الصحفي لنكون صوت الضحايا من الشعب السوداني، وننقل معاناتهم نتواجه بعدم توفر المعلومات وعدم تمكننا من الحصول على الإفادات من الناطقين الرسميين، وتمنح المعلومات بحسب الولاء و”التطبيل” وهو أمر يزيد صعوبة عملنا، كما لا يسمح لنا بتغطية مفاوضات السلام، أو نكون جزءا منها، كل شيء يتم في سرية وتعتيم بالغين ما يجعل من الصعب نقل الحقائق المجردة، ويمنح الطرفين فرصة لسرد وجهات نظرهم!
من ناحية ثانية يملأ طرفا الحرب الوسائط الاجتماعية بالشائعات والمعلومات المغلوطة والصور والفيديوهات المفبركة الأمر الذي يغرق الحقائق، ويزيد مخاوف المواطنين الذين يتعرضون للتضليل والخداع!
في 25 أكتوبر من العام 2021 وضع الانقلاب العسكري خنجرا في خاصرة الصحافة وحريتها، أذكر أن الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات هاتفني محتج على وصفي مجلس السيادة الانقلابي في مقال، وتم قطع الإنترنت لفترات طويلة بحسب رغبة السلطات الانقلابية ضُيِّق على حرياتنا، وعلى عملنا لكن حرب ال 15 من أبريل نقلت الظروف لمرحلة أكثر خطورة وقسوة، وتزيد هذه الخطورة على الصحفيات للتميز السلبي الذي تتعرض له النساء في بلادنا.
لكن وسط كل ما نعانيه؛ أشعر بالفخر باستمرار العديد من الصحفيات في العمل والكتابة والوقوف في المكان الصحيح من التاريخ: ضد الحرب ومع السلام! وفي ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة سنويا؛ ستكون تلك الأسماء هي الأعلام الهادية لأجيال قادمة من النساء السودانيات اللاتي سينضممن إلى العمل الصحفي مستقبلا مستلهمات من تلك السيرة التي كتبت في أقسى الظروف بالدم والدموع! الوسومأمل محمد الحسن اليوم العالمي خرية الصحافة نقابة الصحفيين
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اليوم العالمي نقابة الصحفيين
إقرأ أيضاً:
مفاجئ.. طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير
مقالات مشابهة ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكي
29 دقيقة مضت
شاهد.. أين كانت تعيش عائلة القيادي في القسام محمد الضيف؟!ساعتين مضت
المحذوف من مقررات الصف التاسع والثالث الثانوي للعام الدراسي 2024/202510 ساعات مضت
تنزيل تطبيق “ديب سيك” الصيني.. طفرة في عالم التطبيقات الذكية المجانية 100% بميزات مذهلة هزت عالم الذكاء الإصطناعي13 ساعة مضت
“أوبن إيه آي” تتهم عملاق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek باستخدام نماذجها لتدريب نموذج منافس23 ساعة مضت
أحلامك قد تكشف عن خطر الإصابة بالخرف23 ساعة مضت
طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير.
شهدت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة طوابير طويلة من النساء الحوامل، غالبيتهن من أصول هندية ولاتينية، يتقدمن بطلبات مستعجلة لإجراء عمليات ولادة قيصرية مبكرة، وذلك قبيل دخول قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بمنع منح الجنسية بالولادة حيز التنفيذ في 19 فبراير المقبل.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي نساء يقفن أمام المستشفيات والعيادات الطبية، في مشهد يعكس حالة من القلق المتزايد بين الحوامل الأجنبيات الراغبات في إنجاب أطفالهن قبل تطبيق القرار.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إنديا، فإن حالة من “الذعر” انتشرت بين النساء الهنديات الحوامل في الولايات المتحدة، ما دفعهن إلى طلب تعجيل مواعيد ولادتهن القيصرية، حتى لو كان ذلك في الشهر السابع من الحمل، لضمان حصول أطفالهن على الجنسية الأميركية قبل تغيير القانون.
ونقلت الصحيفة عن الدكتورة سيرديفي راما، طبيبة أمراض النساء والتوليد في نيو جيرسي، قولها إنها تلقت خلال الأيام الأخيرة العديد من الطلبات لإجراء ولادات مبكرة، مشيرةً إلى أن هؤلاء النساء يفضلن التعرض لمخاطر الولادة القيصرية المبكرة بدلاً من فقدان فرصة منح جنسية الولادة لأطفالهن.
يُذكر أن قرار ترامب، الذي أثار جدلًا واسعًا، يهدف إلى إلغاء حق منح الجنسية تلقائيًا لأي طفل يولد على الأراضي الأميركية إذا لم يكن والداه من المقيمين الشرعيين، وهو ما دفع العديد من العائلات الأجنبية إلى البحث عن حلول سريعة قبل سريان القانون.
ذات صلة السابق ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكياترك تعليقاً إلغاء الرديجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار مفاجئ.. طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير 14 دقيقة مضت ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكي 29 دقيقة مضت شاهد.. أين كانت تعيش عائلة القيادي في القسام محمد الضيف؟! ساعتين مضت المحذوف من مقررات الصف التاسع والثالث الثانوي للعام الدراسي 2024/2025 10 ساعات مضت تنزيل تطبيق “ديب سيك” الصيني.. طفرة في عالم التطبيقات الذكية المجانية 100% بميزات مذهلة هزت عالم الذكاء الإصطناعي 13 ساعة مضت “أوبن إيه آي” تتهم عملاق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek باستخدام نماذجها لتدريب نموذج منافس 23 ساعة مضت أحلامك قد تكشف عن خطر الإصابة بالخرف 23 ساعة مضت واتساب تُصلح ثغرة أمنية خطِرة في ميزة “العرض لمرة واحدة” على آيفون 23 ساعة مضت جوجل تعزز قدرات Google Sheets بالذكاء الاصطناعي عبر Gemini 24 ساعة مضت ليس الكتاب وحده مفتاح النجاح.. دراسة كندية تكشف طرق التفوق الدراسي للأطفال 24 ساعة مضت فلكي سعودي يصعق الجميع ويكشف ما سيحدث خلال شهر شعبان يوم واحد مضت الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي يومين مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | لموقع الميدان اليمني