أحمد منصور يكتب .. تفسير مختلف لما يجري في غزة!
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
#سواليف
في كتابه “نشوء وسقوط القوى العظمى“، يؤكد المؤرخ الأمريكي #بول_كيندي أن #سقوط_الإمبراطوريات_الكبرى لا يكون بالضرورة بفعل قوى أخرى مكافئة لها في القوة والعدة والعتاد، وإنما يكون أحيانا من قوى صغيرة ناشئة، لديها #أسلحة بسيطة غير متكافئة على الإطلاق مع القوة العسكرية الضخمة للإمبراطوريات؛ ودلّل على ذلك في كتابه بشواهد متعددة، وأكد أن هذا ما حدث خلال الخمسمائة العام الماضية من عمر #البشرية، بل و على مدار التاريخ.
وتأكيدا لذلك، لو عدنا إلى ما بعد ظهور #الإسلام لوجدنا أن الفرس والروم كانوا يسيطرون على النفوذ العسكري والسياسي في قلب العالم، وحينما ظهر الإسلام ودخل في مواجهة مع كل منهما كانت أسلحة المسلمين أقل تطورا من أي من القوتين؛ ولكن المسلمين كانوا أرسخ عقيدة، وأكثر جرأة على العدو وثقة بالله، ولهم قراءتهم المختلفة لموازين القوى ووسائل وأساليب الصراع؛ فنتج عن ذلك أنه خلال سنوات معدودات استطاعت هذه القوة الجديدة، قليلة العدد والعدة، #هزيمة الإمبراطوريتين، وتغيير مسار #التاريخ وموازين القوى في العالم.
لعل التغيرات التي تحدث في العالم منذ ستة أشهر، وتحديدا منذ اندلاع معركة “ #طوفان_الأقصى ” تؤكد أن يد الله فوق الجميع، وأن المعركة تجاوزت حدود البقعة الجغرافية التي تدور فيهالذلك فإنه حينما يهيئ الله الأسباب للتغيير في الكون فليس بالضرورة أن يأتي هذا التغيير على يد القوى العظمى التي تملك عناصر القوة، لأن للنصر في عقيدة المسلمين أسبابا لا تقتصر على الأسباب المادية وحدها، ويكون الإعداد للقوة فيها على قدر الاستطاعة لا على قدر ما يملك العدو من إمكانات؛ قال تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.. وهنا تكون المعجزات بأن يأتي مدد الله وأسبابه ليتحقق ما أراد لكونه وعباده، رغم الفارق بين القوة التي أعدها #المسلمون على قدر الاستطاعة امتثالا للأمر، وبين ما يملكه العدو من إمكانات.
مقالات ذات صلة وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة في العقبة والطفيلة والكرك 2024/05/03ولعل التغيرات التي تحدث في العالم منذ ستة أشهر، وتحديدا منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” تؤكد أن يد الله فوق الجميع، وأن المعركة تجاوزت حدود البقعة الجغرافية التي تدور فيها، وأن توازن القوى العسكرية بين الطرفين لم يعد خاضعا للمعايير البشرية المادية، وإنما لترتيب رباني شمل أنحاء العالم بشكل لم يحدث في الكون منذ عشرات السنين.
فالتظاهرات التي تدين إسرائيل، وتناصر شعب #فلسطين، هي الأولى من نوعها في العالم منذ قيام إسرائيل على أطلال فلسطين عام ١٩٤٨؛ وهذه التظاهرات ليست في بقعة واحدة من الأرض، والمتظاهرون ليسوا من طائفة أو فئة شعبية واحدة، ولا يجمعهم دين واحد.. وإنما هي أمواج تحركت في أرجاء الدنيا، تضم أطيافاً من كل البشر ومن كل ملة ولون ودين، وتمتد بقعتها من اليابان شرقا وحتى الولايات المتحدة غربا، ومن أقصى بقعة في شمال الكرة الأرضية شمالا وحتى أستراليا ونيوزلندا جنوبا.. وهذا يعني أن تغييرا كونيا يجري، فهو ليس محليا أو إقليميا.
فلم تعد هناك بقعة في الدنيا لا تعرف #غزة وفلسطين، ولأننا –كمسلمين- نختلف عن غيرنا في فهم وتفسير ما يجري في الكون، وما يدور في الحياة من أحداث، حيث نزن كل شيء بميزان عقيدتنا وديننا، فإننا نقف عند عقيدتنا التي تؤكد من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية أن كل شيء يجري في الكون إنما هو بمقادير الله؛ ورغم أن ألم المعارك يتشارك فيه المسلمون وأعداؤهم، فإن المسلم يرجو من الله ما لا يرجو غيره، وإن النصر له أشكال متعددة، ويجري على مراحل مختلفة، ولعل يقظة العالم هي أولى مراحل النصر والتغيير.
ما يجري في غزة منذ طوفان الأقصى
وإذا عدنا إلى الأهداف التي انطلقت بها حركة حماس وقوى المقاومة في غزة إلى “طوفان الأقصى“، في السابع من أكتوبر الماضي، لوجدنا أن الهدف الأساسي كان الحصول على بعض #الأسرى_الإسرائيليين، لمبادلتهم مع آلاف #الأسرى_الفلسطينيين في سجون إسرائيل، ولم يدُر في خلد رجال المقاومة الفلسطينية على الإطلاق أن المعركة يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه، وأن تكون أطول معركة في تاريخ إسرائيل وتاريخ الصراع معها، وأن تمتد كل هذه الفترة الزمنية، رغم الاختلال الكبير في ميزان القوى والعتاد والعدة والرجال، وما كان يُتصور أن تصل إلى ما وصلت إليه؛ إذ أصبح العالم كله مشاركا فيها، وانضمت إليها شعوب وأجيال وفئات من البشر، لم يسبق لها أن شاركت في أي عمل سياسي أو تظاهرات تضامنية تتعلق بقضية خارج نطاق بلادها.
لكن مدبر الكون سبحانه وتعالى له مشيئته التي أراد من خلالها أن يحرك العالم كله تعاطفا مع الفلسطينيين، وأن يعرّي الحركة الصهيونية وجرائمها، ويعرّي إسرائيل ومشروعها الاستعماري الإجرامي، وهي التي نجحت طيلة أكثر من قرن من الزمان في تسويقه واستغفال العالم وابتزازه، حتى باتت ورما خبيثا في خاصرة الأمة الإسلامية يجب استئصاله.
إن التأمل فيما يجري في الكون منذ ستة أشهر كفيل بأن يذكّر المسلمين بأن ربهم هو الذي يدير الكون ويدبر شؤونهلقد نجح الغرب على مدى أكثر من قرنين، من خلال سيطرته على وسائل المعرفة والإعلام في العالم، أن يرسخ النظرة إلى الموازين المادية للأحداث على أنها المعيار الأول والأخير الذي يقوم عليه كل شيء، وقد أثر ذلك بشكل كبير في اعتبار المسلمين لتلك الموازين، ونسي كثير منهم أن مدبر الكون وخالقه له موازين أخرى.
وإن التأمل فيما يجري في الكون منذ ستة أشهر كفيل بأن يذكّر المسلمين بأن ربهم هو الذي يدير الكون ويدبر شؤونه، وأنّ عليهم أن يعيدوا قراءة الأحداث وتفسير ما يجري في الكون من خلال منهج ربهم لامن خلال فهم أعدائهم، وأن يعودوا بفهم صحيح إلى قول ربهم: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم}.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف أسلحة البشرية الإسلام هزيمة التاريخ طوفان الأقصى المسلمون فلسطين غزة الأسرى الإسرائيليين الأسرى الفلسطينيين طوفان الأقصى منذ ستة أشهر فی الکون من فی العالم من خلال
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل (2)
حقاً إنه حدَثٌ غريبٌ رُوِى لنا فى حديث شريف مشهور، إنه ذلك الحديث الذى ذكر لنا فيه سيدنا عمر بن الخطاب حضورَ سيدنا جبريل عليه مجلسَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فى صورة رجل شهده الحاضرون وسمعوا حديثه ووَعَوه.
لقد حضر سيدنا جبريل فى صورة رجل غريب لا يعرفه أحد من الحاضرين، فلا بد إذن من أن يكون آتياً من سفر، ولكنه لم يُر عليه شىءٌ من آثارِ السفر من الغبار والعرق، فثيابه بيضاء شديدة البياض، وشعره أسود شديد السواد، ومظهره نظيف.
ثم سلم واستأذن فى الاقتراب من سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجلس فى صورة تزيد من لفت انتباه الجالسين، فقد جاء فى رواية أخرى للحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ فقال: السلام عليك يا محمدُ، فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسول الله صلى الله عليه وسلم» [النَّسائى].
ثم دار الحوار فى صورة سؤال وجواب؛ سؤال من الرجل الغريب، وجواب من سيدِ الخلق صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة من الحوار كافيةٌ لجذب انتباه الجالسين، وكيف إذا عرفنا أن هذا الأمر جاء وفْقَ ما يُحبُّه الصحابة الكرام رضى الله عنه، فقد كانوا يتحرجون من الإثقال على سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بكثرة السؤال، ويُعجبُهم أن يأتى الرجل العاقل من أهل البادية يسأل وهم يسمعون، فكان مجىء سيدنا جبريل بهذه الصفة أيضاً يُلبى هذه الحاجة فى نفوسهم.
أمورٌ ملفتة جاذبة؛ رجلٌ غريب، حسَنُ الوجه، طيّبُ الريح، نظيفُ الثياب، لا تبدو عليه آثار السفر، يسلّم على سيدنا رسول الله، ويستئذنُه فى الاقتراب منه مِراراً، وهيئة جلوسه، ووضعه يديه، طريقة الحوار، رده على أجوبةِ سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصديق؛ إنها أمور يؤازر بعضُها بعضاً على جذب انتباه كل واحد من الجالسين، وهذا يدل على أن ما سيقال من الأهمية بمكانٍ عظيم.