عربي21:
2025-03-10@17:20:42 GMT

الدم الذي أضاء سراج العالم

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

في فلسفة الضعف والقوة، ثمة قوانين خارج المألوف والمعروف، فداود مثلا قتل جالوت بالمقلاع، وهو يفوقه قوة وعنفوانا، وفرعون الذي أباد أطفال مصر خوفا مولد صبي يقوض حكمه، ساق الله له موسى، ليرعاه وينمو في كنفه، ثم ليقضي عليه وجنوده، ويوسف الذي بطش به إخوته فرموه في غيابة الجب جاءوه طلبا لما يقيتهم ويبقيهم على قيد الحياة، وحاولوا من قبل سلبه هذه الحياة، نواميس الحياة على هذه الأرض لا علاقة لها بما نراه فقط، بل بما يختبئ داخل المشهد.



غزة بمعيار الضعف والقوة، لا تكاد تساوي شيئا من حجم الكرة الأرضية، شريط ضيق من الأرض المستوية، حيث لا جبل ولا غابة، ولا تضاريس متنوعة، محاصرة برا وبحرا وجوا، فكأنها سجن كبير لا تكاد تصلح لحياة سوية، وإذ بها تتحول إلى نقطة ارتكاز لكرة الأرض كلها، في لحظة تاريخية سرقت بوهجها كل ما مر على هذه الأرض من أحداث جسيمة، ربما في السنوات المائة الأخيرة. وربما لم يخطر ببال الفاعلين في صناعة طوفان الأقصى كل ما سيتلو فعلهم من تداعيات، بل ربما فوجئوا هم كما غيرهم بالانفجار الكوني الكبير الذي انتشرت آثاره على أبعد بقعة عن غزة.

كتب الكثير جدا عن ظاهرة غزة وعجوبتها، ولم يزل ثمة الكثير سيكتب، والحدث اليوم لم يزل على أشده، بل ربما نعيش هذه الأيام الجزء الأكثر إثارة منه، والأكثر تأثرا على من سيكتبون تاريخ العالم، ومركزية هذا الـ365 كيلومترا منه، وهي في معيار المساحات ليست أكثر من "عزبة" لأحد الإقطاعيين من أثرياء العالم الجديد. وأذكر في احتفال لافتتاح للجامعة الهاشمية في المفرق بالأردن، أن رئيس الجامعة ذكر أن مساحتها تفوق المساحة التي "يحكمها" ياسر عرفات رحمه الله، وكان أيامها مفتتح اتفاق "أوسلو" المشؤوم، حيث أقطعوا عرفات شيئا من السلطة على غزة وأريحا "أولا" وأخيرا، ثم سلبوه كل شيء، حتى حياته!

ربما لم (وربما لن!) يشهد التاريخ البشري دما مسفوكا بغزارة ما ارتوت به ال 365 كيلومتر مربعا، ومع هذا الإجرام الذي تموله دول وأنظمة وحكام، ومع كل قطرة منه، يتحول هذا الدم وبكل قطرة منه، إلى نور في سراج ضخم ينثر عتم العالم كله، بل يخيل لي أحيانا أن كل قطرة منه تتحول إلى ضربة معول، تقوض بنيانا وتهدم جدارا، وتفجر قلعة، وتلك معجزة ربما لم تخطر على بال من صمم الطافون ونفذه، وبالطبع لم تكن بحسبان من أقام الكيان وموله وأمده بأسباب الحياة، وها هو اليوم يرونه يتهاوى سقوطا في بئر لا يظهر له قاع!

دم غزة، وصمود الثكالى والمقاتلين والقابضين على جمر الصبر، لم يضئ العالم فحسب، ولم يبدد عتمته فقط، بل وضع فلسطين في رأس قائمة أولويات من اجتهدوا في إخراجها من التاريخ والجغرافيا، فغدت أهزوجة الباحثين عن الحقيقة. هذه الحقيقة التي حاول القتلة وأشياعهم دفنها تحت ركام هائل من الأكاذيب والأضاليل، وكأني بركام المنازل والأبنية التي دمرتها قنابلهم، تسقط حجارتها ليس على أرض غزة ولا على أبدان أهلها الطاهرين، بل تتناثر حجارتها على "أم رؤوسهم" وتدفن مع كل قنبلة وصاروخ وقذيفة كذبة من أكاذيبهم، وتقوض كل بنيان حصنوه، وتفتك بكل قلعة جهزوها لحبس الحقيقة!

القصة لم تنته بعد، وإن كنا نعيش اللحظات الأكثر حسما منها، ودعكم من الأكاذيب التي يبثها إعلام القتلة وأشياعهم وأتباعهم والمطبعين معهم، فثمة حقائق كشفت وأخرى أكثر بكثير لم تكشف بعد، فالطوفان لم يكن كاشفا فحسب، بل كان فاضحا، حين بدد كل ما حاولوا تغطيته من تآمر وخطط جهنمية لإضعاف الأمة، وقتل روح الرجولة في أجيالها، وديمومة حكم الأنذال وتحكمهم في رقاب العباد، بل سخر الله على نحو غير متوقع، وخارج حسابات مراكز البحث وخطط الاستخبارات والدراسات المستقبلية، قوى ورجالا ونساء وفتيانا (وطلابا بالطبع!) لحمل مشعل غزة وفلسطين، والدفاع عن أهلها وتنوير من لم يزل واقعا تحت تأثير سحر الأشرار وخططهم ومشروعاتهم في التجهيل والتطبيل والتزمير والتخريب، فكانت كل قطرة دم بمثابة قنبلة من قنابل الإضاءة التي تكشف ما حاولوا تغطيته وستره!

دم غزة المبارك، حوّل فلسطين من أحجية ومرتع للعابثين واللاعبين بمصائر الشعوب، إلى بقعة ضوء تنير دروب الباحثين عن الحقيقة، المتعطشين للكرامة، الجوعى للحرية، وهنا المفارقة الكبرى، فكما أسرج دم غزة قنديل العالم فأضاء عتمه، كانت بقية محن غزة منح أقرب إلى المعجزات، فقد جوعوا غزة فكان جوعها إشباعا للحقيقة، وعطشوها فتحول عطشها إلى إرواء للباحثين عما يروي عطشهم للصدق والنبل والإنصاف، وحاولوا قتل غزة فأحيت نفوسا تيبست أطرافها، فبعثت فيها قوة حولت ضعف القوة إلى قوة الضعف الذي قلب معادلة جالوت وداود فتل الضعيف القوي ونكل به!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتجاجات غزة الاحتلال جرائم تضامن مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة صحافة رياضة اقتصاد صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کل قطرة

إقرأ أيضاً:

دراسة تكشف علاقة الكوابيس بالخرف المبكر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كشفت دراسة حديثة، أن رؤية أحلام سيئة وكوابيس متكررة (أحلام سيئة تجعل الشخص يستيقظ) أثناء منتصف العمر أو أكبر، ربما يكون مرتبطا بزيادة خطر الإصابة بالخرف، وفقا لما نشره موقع Science Alert.


وقال أبيديمي أوتيكو، أستاذ أكاديمي سريري في المعهد الوطني للأبحاث الصحية في علم الأعصاب بجامعة برمنغهام، إن نتائج دراسة قام بإجرائها عام 2022 ونشرها في دورية eClinicalMedicine التابعة لدورية The Lancet، تشير إلى أن أحلام الأشخاص يمكن أن تكشف عن قدر مذهل من المعلومات حول صحة أدمغتهم.

في الدراسة، تم تحليل البيانات من ثلاث دراسات أميركية كبيرة حول الصحة والشيخوخة. شملت هذه الدراسة أكثر من 600 شخص تتراوح أعمارهم بين 35 و 64 عامًا، و2600 شخص تتراوح أعمارهم بين 79 عامًا فأكثر.

9 سنوات من الدراسة

كان جميع المشاركين خاليين من الخرف في بداية الدراسة، وتمت متابعتهم لمدة تسع سنوات في المتوسط للمجموعة في منتصف العمر وخمس سنوات للمشاركين الأكبر سنا.

في بداية الدراسة (2002-12)، أكمل المشاركون مجموعة من الاستبيانات، بما يشمل استبيان سأل عن عدد المرات التي عانوا فيها من الأحلام السيئة و الكوابيس.

ثم تم تحليل البيانات لمعرفة ما إذا كان المشاركون الذين لديهم معدل أعلى من الكوابيس في بداية الدراسة أكثر عرضة للإصابة بالتدهور المعرفي (انخفاض سريع في الذاكرة ومهارات التفكير بمرور الوقت) و تشخيصهم بالخرف.

أكثر عرضة بأربع مرات

واكتشف الدكتور أوتيكو أن المشاركين في منتصف العمر الذين عانوا من الكوابيس كل أسبوع، كانوا أكثر عرضة بأربع مرات للإصابة بالتدهور المعرفي (مقدمة للخرف) على مدى العقد التالي، بينما كان المشاركون الأكبر سنًا أكثر عرضة بمرتين للإصابة بالخرف.

ومن المثير للاهتمام أن الصلة بين الكوابيس والخرف المستقبلي كانت أقوى كثيراً لدى الرجال مقارنة بالنساء.

على سبيل المثال، كان الرجال الأكبر سناً الذين عانوا من الكوابيس كل أسبوع أكثر عرضة للإصابة بالخرف بخمس مرات مقارنة بالرجال الأكبر سناً الذين لم يعانوا من أحلام سيئة.

 ولكن بين النساء، لم تتجاوز الزيادة في المخاطر 41%. وتم اكتشاف نمطاً مماثلاً للغاية في المجموعة في منتصف العمر.

قابل للعلاج

و إجمالاً، تشير هذه النتائج إلى أن الكوابيس المتكررة ربما تكون واحدة من أقدم علامات الخرف، والتي قد تسبق تطور مشاكل الذاكرة والتفكير بعدة سنوات أو حتى عقود من الزمن وخاصة بين الرجال.

والخبر السار هو أن الكوابيس المتكررة قابلة للعلاج، وكانت هناك أيضًا تقارير حالات تظهر تحسنًا في الذاكرة ومهارات التفكير بعد علاج الكوابيس.

وتشير هذه النتائج إلى أن علاج الكوابيس ربما يساعد في إبطاء التدهور المعرفي ومنع تطور الخرف لدى بعض الأشخاص.

ويخطط دكتور أوتيكو للتحقيق فيما إذا كانت خصائص الحلم الأخرى، مثل عدد المرات التي يتذكر فيها الشخص أحلامه ومدى وضوحها، يمكن أن تساعد أيضًا في تحديد مدى احتمالية إصابة الأشخاص بالخرف في المستقبل.

ويختتم دكتور أوتيكو قائلًا: “إنه ربما يساعد البحث في تسليط الضوء على العلاقة بين الخرف والحلم، بالإضافة إلى توفير فرص جديدة للتشخيص المبكر - وربما التدخلات المبكرة – جنبا إلى جنب وإلقاء ضوء جديد على طبيعة ووظيفة الظاهرة الغامضة التي تسمى الحلم”.

مقالات مشابهة

  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على المسيرة، وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع، وتم تشكيل لجنة للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس لأن الدم يأتي بدم إضافي
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب، مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا، لا فرق في هذا الأمر، الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على
  • ما علاقة الكوابيس بالخرف؟.. دراسة حديثة تكشف
  • قاسم يرسم الخطوط العريضة للحزب
  • دراسة تكشف علاقة الكوابيس بالخرف المبكر
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
  • مخاوف حول تنظيم كأس العالم 2026.. ما الصعوبات التي ستواجهها أمريكا؟
  • وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
  • كيف تعمل شبكة الإنترنت؟ رحلة إلى قلب الشبكة التي تربط العالم
  • محافظ سوهاج يتابع إجراءات الحماية المجتمعية بحلول شهر رمضان