الغرب.. نقاش حول عوامل الأفول وأسباب القوة.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
الكتاب: ماذا تبقى من الغرب؟
المؤلف: ريجيس دوبريه- رينو جيرار
المترجم: مراد دياني
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
"عاملان أساسيان يعيدان باستمرار طرح سؤال تهاوي الغرب وأفول عهد تفوقه، هما: تناقضات الغرب وأزماته الداخلية من جهة، وبروز قوى ناشئة على الساحة العالمية من جهة أخرى، فضلا عن توهم التهديد الإسلامي المزعوم".
إن الدكتاتوريين العسكريين العرب، علمانيين وقوميين، ليسوا أعداء رئيسيين لفرنسا، لكنهم يمكن أن يصبحوا كذلك مثلما كان جمال عبدالناصر في عام 1956حيث "ساعد على التمرد الجزائري لجبهة التحرير الوطني".هذا ما يقوله مراد دياني، الباحث في اقتصاد المعرفة ونظريات العدالة والديمقراطية، في مقدمته لترجمة هذا الكتاب، الذي يضم رسائل متبادلة بين الفرنسيين الفيلسوف والمناضل السابق رفيق غيفارا ريجيس دوبريه، وأستاذ العلوم السياسية والصحفي المتخصص في تغطية الحروب وقضايا الشرق الاوسط رينو جيرار.
ويدور النقاش بين المثقفين البارزين حول المشاكل الرئيسية التي تواجه الغرب في العصر الحالي، حيث بدا واضحا التباين والتباعد في رؤاهما وتشخيصهما لطبيعة هذه المشكلات وأسبابها. لكن دياني يتساءل ابتداء عما نقصده بالضبط عندما نتحدث عن الغرب؟ ويرى أن العديد من الكتاب يجدون في مسيحية العصور الوسطى الشكل النهائي للغرب، بينما يحيل آخرون على "النهضة الأولى" أو على عصر الأنوار، فيما يؤثر غيرهم تحديد حدودا الغرب ضمن منطقة جغرافية أوروبية-أطلسية بوصفها العالم الأول المغاير للعالم الثاني( الكتلة الشيوعية سابقا) والعالم الثالث. ويقول دياني أنه بما أن دوبريه هو أول من يطرق إشكالية "نهاية الغرب" فإنه يسلك منهجا أكاديميا جدليا لعرض ما يسميه "البيانات السريرية" للغرب، "بمنظور الطبيب الخبير المعالج"، وفق قوله، مشددا على التماسك المنقطع النظير للغرب تحت كنف واشنطن ، معتبرا بذلك أن الريادة الأمريكية مقبولة من جميع الأطراف الغربية، وأن الغرب في نهاية المطاف ليس سوى اسم مستعار لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتتمثل الحجة الرئيسية التي يعرضها جيرار في أن الغرب يجمع بلدانا قائمة على سيادة القانون، في حين أن باقي العالم يعيش في ظل دكتاتوريات تتخذ صورا وأشكالا عدة. كما أنه يؤكد على البعد المسيحي باعتباره إحدى أهم السمات المميزة للغرب، ساعيا إلى تأكيد عدم تنافر الغرب مع روسيا وأوراسيا، لذلك فهو يرى أن فلاديمير بوتين ليس عدوا للغرب إنما غريمه فحسب، بخلاف ما يسميه "الفاشية الخضراء" التي لم يفهم الغرب من طبيعتها سوى النزر اليسير، بل إنهم، بحسب ما يقول، تركوا من يغذيها سواء في أراضي البلاد العربية الإسلامية، أو في أراضي الغرب لدى الجاليات المسلمة المهاجرة.
احتكار الكوني
يرى دوبريه أن ثمة عوامل نجاح تقف وراء وجود ما يسمى "الغرب" كما أن هناك عوائق أو نقاط ضعف قد تكون سببا في تفكك هذه الكتلة أو انهيارها. من عوامل النجاح هذه النظام السياسي- العسكري الآخذ في التوسع، او ما يسميه "جغرافيا حلف شمال الأطلسي، الذي تقع قاعدته الأمامية في غرب الغرب أي في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه صار الآن يشمل أوروبا الشرقية سابقا، وكذلك حدود دول البلطيق. ولهذا "التصميم الأمني" كذلك ركائز متينة في منطقة آسيا والمحيط الهادىء مع اليابان وكورياالجنوبية فضلا عن أستراليا ونيوزلندا، وكما يقول دوبريه فإن الولايات المتحدة إذا تدخلت هناك لحسابها الخاص فهذا يكون أيضا باسم الغرب، وباسم أمنه وقيمه.
ويرى دوبريه أن الدول الأوروبية المنضوية تحت مظلة (الناتو)سعيدة جدا بذلك وهي تنظر إليه وكأنه ناد للأغنياء وتشعر بالانتماء إليه وكأنه أسرة روحية، وفي المقابل لا يعرّف أي آسيوي نفسه على هذا النحو، ولا تبدو آسيا مجموعة مترابطة أو أن لها مصيرا مشتركا. ويتابع دوبريه أن الغرب من جهته أحادي القطب ولا يجادل أي من أعضائه الريادة الأمريكية، وهو الكتلة المتعددة الجنسيات الوحيدة القادرة على القيام بعمليات عسكرية سريعة ومنسقة، مسلمة القياد للولايات المتحدة حتى عندما تتجاوز فكرة الدفاع إلى التدخل أو الغزو دون اعتراضات تذكر.
يشير دوبريه إلى عوامل نجاح أخرى منها ما أسماه "احتكار ما هو كوني" وذلك عبر تقديم السعي وراء المصالح الخارجية بوصفه تعبير عن مصالح الإنسانية بأسرها(الحرية والتحرر والتقدم)، ويقول إن الغرب وحده من يمتلك هذه "المهارة"، "ومن الرموز الجغرافية لهذه المصادفة توطين مقر الأمم المتحدة في نيويورك. إنه في قلب القوة العظمى الوحيدة حيث تكمن الهيئة المعترف لها ب"الضمير الكوني"، فحاضرة أكبر قوة عسكرية هي حاضنة أسمى قانون". على جانب آخر يؤمّن الغرب تكوين النخب الدولية في جامعاته وكلياته للأعمال ومؤسساته المالية، ومدارسه العسكرية، وشركاته الكبرى، وهذه البوتقة من الكوادر البشرية العليا لطبقة متوسطة هي نفسها معولمة، وهي التي تحول السيطرة إلى هيمنة، والتبعية إلى انتماء. فما وراء تدريب "القادة الشبان" الذي تنظمه السفارات الأمريكية، تُولّد هجرة الأدمغة الجذابة لاوعيا جماعيا مشتركا.
ومع ذلك ثمة مجموعة من العوائق أمام هذا الغرب أولها " الغطرسة المفرطة" و"عقدة للتفوق مسببة للعمى" فالتيقن من امتلاك اليد العليا يجعل المرء غير مبال بحقائق الواقع، بحسب ما يقول دوبريه. الغرب يعتقد أن المال يكفي لكل شيء بما في ذلك خلق الاندماج الاجتماعي، أو ما يسميه الإنسان الغربي"الحداثة"، و"فور أن يضع قدمه خارج نطاقه ، سيجد نفسه أمام مشكلة عضال: التقليد. وينزلق الدخيل، مستقو بطائراته الهليكوبتر التي تنفث النار، وبرزماته من الدولارات، وبمنظماته غير الحكومية، على سطح البلدان المحتلة، وينبغي عليه سريعا، قبل أن يلوذ بالفرار من البلاد أن ينكفىء على معسكراته المحصنة". الزمن، كما يقول دوبريه، يلعب ضد الغرب. فالغرب ذو النزعة القصيرة الأمد يحلم بالحرب الخاطفة، بينما الشرق لا يتعجل إلى الفعل، بل يترك الأمور تتضح ، ويفضل حرب الاستنزاف. هنا لغة الضربات وهناك لغة المقاومة، من يضرب يضرب كالصاعقة، ومن يُضرب يغوّص الخصم في الوحل وينسل إليه ويستنزفه.
أعداء الغرب
يضيف جيرار إلى قائمة دوبريه لعوامل نجاح الغرب عامل "سيادة حكم القانون" ويقول :" حيثما لم تصل روما ـ أو روحها ـ لا نجد القانون.. لماذا تودع الأوليغارشية الروسية ثروتها في الغرب؟ ولماذا الشيء الأكثر الذي يرغب فيه المليارديرات الصينيون هو جواز سفر غربي؟ لأن كل هؤلاء المقاولين الحاذقين ليست لديهم أدنى ثقة بسلطات بلدانهم. القانون ينطق بالحق في الغرب، والزعيم يفرض قانونه في الشرق". أما في ما يتعلق بالتدخلات الخارجية للغرب في بلدان الشرق فيرى جيرار أن الإشكال الكبير فيها هو أن قادتها ظهروا بمظهر العاجزين عن الرؤية إلى ما وراء يوم واحد. وعلى سبيل المثال يشير إلى التدخل في ليبيا ويقول إنه "لم يستغرق الأمر أكثر من عامين لكي يدرك الغربيون أن تدخلهم العسكري قد أحل محل دكتاتورية موالية للغرب، كانت تعمل جيدا إلى حد ما، فوضى عارمة معادية للغرب".
ما يميز الغرب هو أن نخبته الحاكمة أوسع بكثير، وأكثر تغيرا، وأكثر انفتاحا من الشرقويتابع جيرار بمنطقه هذا المغرق في استعماريته قائلا إن الدكتاتوريين العسكريين العرب، علمانيين وقوميين، ليسوا أعداء رئيسيين لفرنسا، لكنهم يمكن أن يصبحوا كذلك مثلما كان جمال عبدالناصر في عام 1956حيث "ساعد على التمرد الجزائري لجبهة التحرير الوطني".
ويضيف: "منذ عام 2011 نتعامل مع بشار الأسد كما لو كان قد أصبح العدو الرئيس لفرنسا... كون عشيرة الأسد تحكم بشكل سيء أو بوحشية فهذا لا يجعل منها عدونا الرئيس" إن العدو الرئيس لفرنسا وللغرب كما يراه جيرار هو الإسلام السياسي، الذي يجب أن يركز الغرب جهده الاستراتيجي على القضاء عليه " سواء وجد في ملجأ في الصحراء الليبية، أو في المناطق القبلية الباكستانية، أو في جنوب الصومال، أو حتى في أقصى شرق تركيا الممثلة برجب طيب أردوغان".
يمتدح جيرار كثيرا المنظومة الثقافية والسياسية للغرب، ويرى أن من أهم ميزاتها أنها تقبل النقاش في داخلها ، وصحيح أنها قد تحمل "بعض التحيزات، والمواقف المسبقة، والكليشيهات، وعقلية القطيع، لكن لا يجري أبدا(داخلها) تثبيط النقاش السجالي ولا تشنيعه".
ويرد على انتقاد دوبريه بخصوص أن الغرب السياسي هو في الواقع من صنع نخبة، بالقول أنه في كل المجتمعات هناك نخبة ضيقة هي من تقود. لكن ما يميز الغرب هو أن نخبته الحاكمة أوسع بكثير، وأكثر تغيرا، وأكثر انفتاحا من الشرق، على حد قوله، فالصين "تحكمها فئة طبقية صغيرة جدا،.. وروسيا يحكمها القيصر في الكرملين محاطا بأوليغارشيات أدت له الولاء، وفي العديد من الدول العربية القيادة العسكرية هي من يحكم.. والأسر الملكية نصبتها إنكلترا خلال المرحلة الاستعمارية".
ويقول جيرار أن أوروبا قد تمكنت، على الرغم من فترات انحدارها، من بناء نفسها، وهذا أفضل شاهد على أن الغرب السياسي ليس سيئا أو محتضرا، وأنه بالفعل وليد الغرب الثقافي الذي "يبجله" دوبريه.
لكن جيرار يعتقد أن أوروبا ترتكب خطأ جسيما مع رفضها القول عن نفسها إنها مسيحية، فهذه "الجماعة" التي "صممها مونيه، وشومان، وغاسبيري، وأديناور، كانت ناديا مسيحيا"، فالمسيحية "هي تحديدا جذور الغرب الثقافي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن الغرب ما یقول
إقرأ أيضاً:
فورين بوليسي: هكذا حطمت غزة أساطير الغرب
إبادة إسرائيل لغزة، بتمويل من الديمقراطيات الغربية، فرضت محنة نفسية لعدة أشهر على ملايين البشر، ليصبحوا شهودا مكرهين على عمل من أعمال الشر السياسي، ويدركوا بصدمة، وهم يسمعون صراخ أم تشاهد ابنتها تحترق حتى الموت في مدرسة قصفتها إسرائيل، أن كل شيء ممكن، وأن تذكر الفظائع الماضية لا يضمن عدم تكرارها في الحاضر، وأن أسس القانون الدولي والأخلاق ليست آمنة على الإطلاق.
في هذه الجمل يتلخص المقال الذي اقتبسته مجلة فورين بوليسي -كما تقول- من كاتب "العالم بعد غزة" للروائي والكاتب الهندي بانكاج ميشرا، الذي انطلق فيه من ذكرى محرقة وارسو عام 1943، عندما حمل بضع مئات من الشباب اليهود في حي وارسو كل الأسلحة التي تمكنوا من العثور عليها وردوا على مضطهديهم النازيين، في ما لم يكن سوى سعي لإنقاذ بعض الكرامة واختيار طريقة الموت، كما يقول قائدهم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: ما المعتقد الديني لترامب؟ هكذا غيّر الاقتراب من الموت شيئا في إيمانهlist 2 of 2موقع إيطالي: ما الذي تخفيه المفاوضات حول مستقبل القواعد الروسية بسوريا؟end of listوأشار الكاتب، بعد التذكير بندوب المحرقة وولادة دولة إسرائيل وحروبها مع العرب، بأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سببا جديدا في إحياء الخوف من محرقة أخرى، لن تتردد القيادة الإسرائيلية الأكثر تعصبا في التاريخ في استغلاله.
وبالفعل ادعى زعماء إسرائيل الحق في الدفاع عن النفس ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن كما اعترف عمير بارتوف، المؤرخ الرئيسي للمحرقة، فإنهم سعوا منذ البداية إلى "جعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه إلى الحد الذي يجعلهم إما ينقرضون أو يبحثون عن كل الخيارات الممكنة للفرار من المنطقة".
إعلان
الغرب لم يفعل شيئا
وهكذا شهد المليارات من البشر هجوما غير عادي على غزة، كان ضحاياه -كما قالت بلين ني غرالاي، المحامية الأيرلندية التي رافعت نيابة عن جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي- "يبثون تدميرهم في الوقت الحقيقي على أمل يائس وعبثي في أن يفعل العالم شيئا"، ولكن العالم، أو الغرب على وجه التحديد، لم يفعل شيئا.
ورغم أن الضحايا في غزة يتنبؤون بموتهم على وسائل الإعلام الرقمية قبل ساعات من إعدامهم، وأن قتلتهم بثوا أفعالهم على تيك توك، فقد عتمت أدوات الهيمنة العسكرية والثقافية الغربية على تصفية غزة، من زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا الذين هاجموا المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إلى محرري صحيفة نيويورك تايمز الذين أصدروا تعليمات لموظفيهم بتجنب مصطلحات "مخيمات اللاجئين" و"الأراضي المحتلة" و"التطهير العرقي".
كان الوعي بأن مئات من الناس يُقتلون أو يجبرون على مشاهدة قتل أطفالهم -ونحن نواصل حياتنا- يسمم حياة الملايين، وكانت مناشدات أهل غزة، وتحذيراتهم من أنهم وأحبائهم يوشكون أن يقتلوا، تليها أنباء عن قتلهم، تزيد من الإذلال والشعور بالعجز الجسدي والسياسي.
ستتراجع الحرب في النهاية إلى الماضي -كما يذكر المقال- وقد يسوي الزمن كومة الرعب الشاهقة، لكن علامات الكارثة ستبقى في غزة لعقود، في الأجساد المصابة والأطفال الأيتام وأنقاض المدن والمشردين والوعي بالحزن الجماعي، وحتى الذين شاهدوا عن بعد قتل وتشويه عشرات الآلاف على شريط ساحلي ضيق، ورأوا تصفيق أو عدم اكتراث الأقوياء، سوف يعيشون بجرح داخلي وصدمة لن تزول لسنوات.
أما النزاع في كيفية وصف عنف إسرائيل بأنه الدفاع المشروع عن النفس أو الحرب العادلة في ظروف حضرية صعبة أو التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، فلن يُحَل أبدا، ولكن ليس من الصعب أن نرى علامات الفظاعة النهائية والمخالفات الأخلاقية والقانونية الإسرائيلية، في القرارات الصريحة والروتينية من جانب القادة الإسرائيليين بالقضاء على غزة.
إعلانكما لن يكون من الصعب أن نراها في موافقة الجمهور الضمنية، وفي نعت الضحايا بأنهم شر مع أن معظمهم كانوا أبرياء تماما، وفي حجم الدمار الذي كان أكبر مما أحدثته الحلفاء بألمانيا، وفي كون وتيرة عمليات القتل وملء المقابر الجماعية في جميع أنحاء غزة وأساليبها التي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وفي حرمان الناس من الوصول إلى الغذاء والدواء، وفي تعذيب السجناء العراة، وفي تدمير المدارس والجامعات والمتاحف والكنائس والمساجد وحتى المقابر، وفي صبيانية الشر المتمثلة في رقص الجنود الإسرائيليين في ملابس الفلسطينيات القتلى أو الهاربات، وفي شعبية مثل هذا النوع من الترفيه على تيك توك في إسرائيل، وفي الإعدام الدقيق للصحفيين الذين يوثقون إبادة شعبهم في غزة.
لا توجد كارثة تقارن بغزة
حدث الكثير في السنوات الأخيرة من الكوارث الطبيعية والمالية والسياسية، ولكن لا توجد كارثة تقارن بغزة، وما تركته من الحزن الهائل والحيرة والضمير الميت، ولم يسفر أي شيء عن مثل هذا القدر من الأدلة المخزية على افتقارنا إلى الحماس والسخط وضيق الأفق وضعف الفكر، مما دفع جيلا كاملا من الشباب في الغرب إلى مرحلة الرشد الأخلاقي بسبب أقوال وأفعال وتقاعس شيوخهم في السياسة والصحافة.
وكان الحقد العنيد والقسوة التي أبداها الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الفلسطينيين -حسب الكاتب- من بين الألغاز المروعة التي طرحها الساسة والصحفيون الغربيون، إذ كان من السهل عليهم حجب الدعم غير المشروط للنظام المتطرف في إسرائيل مع الاعتراف بضرورة ملاحقة وتقديم المذنبين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، للعدالة.
وتساءل الكاتب لماذا ادعى بايدن أنه شاهد مقاطع فيديو فظائع لا وجود لها، ولماذا زعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن إسرائيل "لها الحق" في حجب الطاقة والمياه عن الفلسطينيين، ولماذا قفز يورجين هابرماس للدفاع عن مرتكبي التظهير العرقي المعلنين؟ وما الذي دفع مجلة أتلانتيك إلى نشر مقال يزعم أن "قتل الأطفال أمر ممكن قانونيا"؟
إعلانوتساءل الكاتب عن تفسير بناء وسائل الإعلام الغربية كل أفعال إسرائيل للمجهول، ولماذا ساعد مليارديرات الولايات المتحدة في حملات القمع القاسية ضد المتظاهرين في الحرم الجامعي؟ ولماذا فصل الأكاديميون والصحافيون، وحظر الفنانون والمفكرون من العمل، ومنع الشباب من العمل لمجرد أنهم يتحدون الإجماع المؤيد لإسرائيل؟ ولماذا استبعد الغرب الفلسطينيين من مجتمع الالتزام والمسؤولية الإنسانية، في حين دافع عن الأوكرانيين وحماهم؟
وخلص الكاتب إلى أن بغض النظر عن كيفية تعاملنا مع هذه الأسئلة، فإنها تجبرنا على النظر بشكل مباشر إلى الظاهرة التي نواجهها، الكارثة التي تسببت فيها الديمقراطيات الغربية بشكل مشترك، والتي دمرت الوهم الضروري الذي نشأ بعد هزيمة الفاشية في عام 1945 حول إنسانية مشتركة يدعمها احترام حقوق الإنسان والحد الأدنى من المعايير القانونية والسياسية.