40 عاما إلى الوراء.. خسارة تاريخية في غزة وتحذير من مرحلة الفراغ
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
قال مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، إن تراجع التنمية البشرية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية بشكل عام نتيجة الصراع، "هو خسارة تاريخية لا مثيل لها في حالات النزاعات والحروب منذ الحرب العالمية الثانية"، محذرا مما وصفه بـ "مرحلة الفراغ".
جاء هذا في حوار خاص مع موقع أخبار الأمم المتحدة بعد إصدار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) تقريرا يوضح الأثر المدمر للحرب في غزة على الفلسطينيين والاقتصاد والتنمية البشرية في الأراضي الفلسطينية.
وقال الدردي: "إننا عدنا إلى الثمانينيات من القرن الماضي فيما يتعلق بالتنمية البشرية في قطاع غزة"، منبّها إلى أن "الأرقام لا تستطيع أن تعبر عن مدى الكارثة الإنسانية التي نشهدها في الأراضي الفلسطينية".
وقدّر التقرير أن أكثر من 80 في المئة من السكان في غزة أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من 1.7 مليون فلسطيني أضيفوا إلى "مجموع الفقراء" منذ الثامن من أكتوبر الماضي.
خسارة كل شيءوأوضح المسؤول الأممي أنه عند الحديث عن أن مؤشر التنمية البشرية في الأراضي الفلسطينية سيعود عقودا إلى الوراء، فإن "هذا يعني أن كل الاستثمارات التي وُضِعت وسُخِّرت في مجال الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي والطاقة الكهربائية والبنى التحتية والنمو الاقتصادي والاستثمار الخاص والاستثمار العام واستثمارات الدول المانحة، كل هذه الأمور دُمِّرت، وعُدنا بالمؤشر والنتائج الناجمة عن هذا التدمير إلى 20 سنة إلى الوراء بالنسبة للأراضي الفلسطينية ككل وإلى أكثر من 40 سنة إلى الوراء بالنسبة لقطاع غزة".
وأضاف أن الحديث هنا ليس عن الأرقام فحسب، بل عن "أطفال في المدارس وشباب في الجامعات وأمهات خسرن كل الخدمات الصحية التي تستطيع أن تؤازرهن. وخسرنا فرص العمل للأهل وللشباب والشابات".
ويشمل التقييم الجديد تقديرات مُحدَّثة لآثار الحرب بعد ستة أشهر، مع توقعات لسيناريوهات استمرار الحرب لسبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر.
وتابع المسؤول الأممي "ندلل من خلال هذه الإشارة إلى أن كل يوم إضافي في هذه الحرب هو كارثة اقتصادية إضافية تسير بمعادلة هندسية وليس بمعادلة حسابية. يعني كلفة اليوم الإضافي في الحرب هي أكثر من كلفة اليوم الذي سبقه، وهذا حتى أمر ينافي النظريات الاقتصادية التي تتحدث عن معدل الانحدار بعد سقف معين من النتائج السلبية".
التحضير لـ "اليوم التالي"وتطرق مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة، فبالإضافة إلى تجديد الدعوة إلى وقف إطلاق النار، "لا بد لنا من التحضير من الآن لليوم التالي".
وشدد على أهمية هذا الأمر، موضحا أنه في حالات النزاعات، فإن أخطر مرحلة فيما بعد النزاع هي مرحلة الفراغ ما بين وقف إطلاق النار وما بين بدء العمل في إعادة الحياة الطبيعية.
وقال الدردري: "يجب أن نستعد في الأمم المتحدة، ونحن نعمل على ذلك، وأيضا كل الجهات الدولية والسلطة الفلسطينية وغيرها، والمجتمع الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية. نستعد لأنه منذ اللحظة الأولى يجب أن تكون لدينا المواد اللازمة والأموال اللازمة للتحرك".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الأمم المتحدة البشریة فی إلى الوراء أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
لم تنتهِ الحرب بعد، لكن المعارك تغيّرت. لم تعد كلها تُخاض بالسلاح والنار، بل صار بعضها داخليًا صامتًا، يدور في صدور الرجال والنساء الذين فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم، وفقدوا معها الإحساس بالجدوى. واحدة من أخطر هذه المعارك الآن هي معركة الفراغ. الفراغ ليس مجرد وقت فائض، بل حالة خانقة تتضخم فيها الأحاسيس، ويكبر فيها الإحباط، وتتآكل فيها النفس ببطء. قال محمد شكري:
“على المرء أن يبقى مشغولاً للحد الذي يلهيه عن تعاسته”
وقال غازي القصيبي: “العمل لا يقتل مهما كان شاقًا، ولكن الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان”.
ما بين هاتين العبارتين مساحة واسعة من المعاناة السودانية اليوم.
من فقدوا أعمالهم لم يفقدوا المال فقط، بل فقدوا أيضًا الشعور بأنهم مفيدون، منتجون، قادرون على العطاء. باتوا فريسة لأفكار قاتمة، وهاجمتهم الوحدة بأسوأ صورها. وكما كتب ستيفان زفايغ في روايته لاعب الشطرنج :
“لم نتعرض لأي تعذيب جسدي، بل أسلمونا ببساطة إلى فراغٍ مطلق، ومن البديهي أن لا شيء في العالم يعذّب النفس البشرية أكثر من الفراغ.”
في واقعنا، هذا هو حال كثير من السودانيين اليوم. الفراغ يضغط على الروح، يُضاعف الحزن، ويُفقد المرء اتزانه. أما الذين ما زالوا مشغولين — حتى في أبسط المهام — تجدهم أكثر تماسكًا، لأنهم ببساطة لا يملكون وقتًا للانهيار.
وإذا كنا، لسبب أو لآخر، لم نلعب دورًا حين كانت المعارك تدور بالرصاص أمامنا، فها هي الفرصة اليوم لنلعب دورًا في معارك إعادة الإعمار، بنشر الأمل، ومقاومة الإحباط، والانضمام إلى فرق ترميم الأحياء، ولو بالرأي والمشورة. فإعادة البناء لا تحتاج فقط إلى الأيادي، بل إلى العقول والقلوب أيضًا. نحتاج اليوم أن نعيد تعريف النجاة: النجاة ليست فقط في البقاء على قيد الحياة، بل في أن نحافظ على إنسانيتنا، على قيمنا، على إحساسنا بأن لنا دورًا نؤديه. وهذا الدور قد يكون في التعليم، في التطوع، في دعم الجيران، أو حتى في خلق مساحة صغيرة من الفرح وسط الركام.
كل لحظة نقاوم فيها الفراغ، نكسب فيها جولة جديدة في معركة ما بعد الحرب. معركة إعادة الإعمار لا تبدأ من الطوب والحجر، بل من داخل النفوس. من قرار الإنسان أن ينهض، ويُشارك، ويُقاوم الفراغ قبل أن يقضي عليه. ولن يكون هناك نصر حقيقي ما لم نربح هذه المعركة أيضًا. الحرب سرقت من الناس أشياء كثيرة، لكن لا نسمح لها أن تسرق أرواحنا ونحن أحياء.
بقلم: عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان
٢٠ أبريل ٢٠٢٥م
إنضم لقناة النيلين على واتساب