عربي21:
2024-11-05@05:50:31 GMT

العالم بعد الطوفان

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

كم بودنا أن ندفع الخيال إلى مقارنة بين أثر طوفان نوح وطوفان غزة، فالاستعارة مليئة بالدلالات والأمل رغم أننا لا نزال نتابع مسلسل القتل والتدمير بشفقة العاجز المغلوب على أمره. لقد جدد الله الخلق بعد طوفان نوح ونود أن نراه يتجدد بعد طوفان غزة. إننا نرى تغييرا عميقا يجري في أماكن كثيرة من العالم لم تكن أكثر التحليلات تفاؤلا تتوقعه، ولكنه يحصل الآن وهنا ويوشك أن يفعل فعل الطوفان الأول.

ماذا سيكون مصير الأنظمة والنخب العربية خاصة التي وقفت متفرجة على غزة ومارس بعضها السخرية والشماتة وأغرق الكثير في الكيد لغزة كي لا يحدث هذا التغيير العظيم؟ يبدو أن الشماتة ستغير موضعها لتسخر غزة ممن خذلها وتملي شروط المنتصر.

المقارنة جائزة بين الطوفانين

ليس لنا عن الطوفان الأول إلا الرواية القرآنية نصدقها وقد أعاد الله زرع خلق جديد فجعل الطوفان استئنافا للخلق، لقد كان تغييرا جذريا. ونرى غزة تفعل ذلك وإن لم تغرق الكرة الأرضية بماء منهمر، إنما أغرقته بحالة من الصحو الأخلاقي ولنقل طهرته من درن الصهيونية.

في الخيال العسكري والسياسي للكيان ولمناصريه العرب والغربيين أن غزة أصغر وأهون من أن تصمد في معركة طويلة، وأن محقها بسرعة كان ممكنا للعودة إلى حالة السلام المزيف التي فرضت على المنطقة، لكن غزة قالت العكس وهي في الشهر السابع من حربها لا تزال تربط ساقي العدو في رمال غزة وتضربه على قفاه وهو يتخبط؛ إذا انسحب انهزم وإذا بقي انهزم.

التغيير الطوفاني الذي نراه ونتمناه (ونحن نخلط دوما بين ما نرى وما نود) أن حزام التطبيع العربي فقد ثقته في العدو، ولذلك بدأ في إلقاء جُمل مناورة عن مستقبل غزة وهو يقترب مما قالت قيادة المقاومة من أن غزة لأهلها يديرونها بهواهم. لقد راهن هذا الحزام دوما على العدو ليحتمي به، وكان دوما مستعدا لأعلى الأثمان الأخلاقية والسياسية على حساب شعوبه ليبقى الحكام في مواقعهم تحت ذريعة فن الممكن، أما اليوم فالكيان لم يعد يشكل ملجأ حاميا لهذا الحزام وهو يزداد هوانا وضعفا ويتحدث الكثير عن نهايته الوبيلة (من كان يظن ذلك ممكنا؟)، ولا نراه إلا يفكر في وسيلة أخرى للاحتماء من شعوبه التائقة للحرية.

إنهم في وضعية ابن نوح الضال الذي أراد الاعتصام بجبل فقال له النبي "لا عاصم اليوم من أمر الله". إننا نسمع غزة تقول لحزام التطبيع العربي قبل أن تكلم الكيان: لا عاصم اليوم من طوفان غزة. غزة لأهلها في اليوم التالي تترجم على الأرض بنهاية اتفاقيات أوسلو ومحو نتائجها من المستقبل الفلسطيني، ما يعني أن شلة التطبيع في الضفة فقدت دورها ومكانتها وفقدت رواتبها التقاعدية. ولا نفسر لهفة عباس على دخول غزة إلا بشعوره بنهاية دوره ونهاية التطبيع الأمني المقدس.

غني عن القول أن نهاية أوسلو والبدء من غزة لن يكون بسرعة رصاصة قناص، ولكن الذي صبر لحرب الشهور السبعة (سنقول حرب سنة كاملة) يقف الآن في موقف من يملي شروطه. ماذا يبقى للأنظمة العربية الوظيفية التي خلقت لحماية الكيان بعد الطوفان؟ إن السؤال موضوع الآن على طاولات هذه الأنظمة، وهي تعاني للعثور على إجابة وتتشبث بالكيان أكثر مما يتشبث به مواطنوه المهزومون.

سقوط السردية المؤسسة للكيان

بعيدا عن غزة في الجغرافيا وقريبا منها سياسيا وأخلاقيا ما يجري في جامعات العالم؛ من سقوط نهائي لسردية الضحية الكونية المسكينة. لقد اتضح في العقول والشابة منها على الخصوص الفرقُ الجوهري بين اليهودية والصهيونية، فاليهود والمسيحيون والمسلمون يقفون في صف واحد ضد الصهيونية. إن ما يجري لا يقل عن ثورة ثقافية كونية تعيد بناء التاريخ وتصحح المواقف والمفاهيم، وعندما يربط دافع الضرائب الأمريكي والغربي بين رفاهه الشخصي في بلده ورفاه المواطن الإسرائيلي فإنه يعيد ترتيب حساباته الفردية ليقول لن أدفع ضرائب تعود نتائجها على غيري، فرفاه الكيان من حرمان هذا المواطن الذي غفل عما يُفعل به، وهو الآن يستفيق على خديعة كبيرة عاشت فيها أجيال كثيرة. والأمر لا يتعلق عندها بموجة ظرفية محدودة من التعاطف الأخلاقي والإنساني مع أطفال غزة؛ بقدر ما هو وعي بهذا الخديعة، إنه يكتشف بؤسه الشخصي، لقد كان ينفق من ماله على الكيان ويبقى عاريا مريضا وجائعا.

لقد بدأنا نسمع كلاما بصوت جهير: إذا لم أشارك في المحرقة فلماذا أدفع كلفتها؟ والسؤال سيتحول في زمن قصير لا يتجاوز دورتين انتخابيتين إلى موقف جذري لن يهرب منه السياسيون مهما استعانوا عليه بأموال الشركات الداعمة للكيان. هذا أثر الطوفان؛ المواطن الغربي يقف الآن ضد شركاته ويحاسب سياسييه، ولا نستبعد ولادة نخبة سياسية تبني على هذا الوعي وتخوض غمار السياسة دون دعم صهيوني، فتكون مقدمات الخطاب الانتخابي هي الحق الفلسطيني. لقد كانت الصهيونية العالمية هي من تعين الرؤساء عبر المسرحيات الانتخابية ونعتقد أن المسرحية قد انتهت.

لا نخوض في نوايا الذين بكوا على غزة وقالوا "لا يمكن هزم الصهيونية"، رغم أنهم يرون شلة أوسلو وما كبدته المسالمة العاجزة من خسائر، لكن الذي أطلق حرب الطوفان لا نظنه كان غافلا عن فارق القوة العسكرية والثمن المحتمل في المواجهة. لقد غامر بحرب غير متكافئة وحقق مكاسب ولا يزال يراكم قبل وضع السلاح، ونراه يفاوض من موقع المنتصر. لقد أمكن هزم الصهيونية وكشف هوانها العسكري أولا ثم الأخلاقي، فهي ليست أكثر من آلة قتل أطفال عزل.

لم يغب عن أنظارنا قوة الشركات الدول التي لا تزال في صفها ولا نستهين بالكيد السياسي الطويل النفس، وفي ذاكرتنا ثورة الطلاب سنة 1968 وكيف أفلحت الشركات في تمييعها وتحويلها إلى ثورة حريات جنسية وأفرغتها من مضامينها التحررية الكونية، وقد يفعل بثورة الطلاب الآن شيء مماثل. لكن قبل أن تفلح في ذلك سيكون المقاوم الفلسطيني قد خرج من النفق وحكم أرضه وأعاد ترتيب قوته على معركة أكثر فعالية وذات طابع هجومي يستهدف بقية الأرض المحتلة، فنحن نرى غزة قد تحررت ولن يجرؤ القاتل إذا أنسحب منها على العودة إلى أرضها وسمائها سيحسب الكلفة ألف مرة ويحجم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة الاحتلال المقاومة تحولات طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة اقتصاد رياضة اقتصاد صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

وزير جنوب أفريقي سابق: الصهيونية تحتضر والمستقبل للمقاومة

رسم وزير الاستخبارات السابق في جنوب أفريقيا روني كاسريلس مشهدا قاتما لمعاناة الفلسطينيين بقطاع غزة في ظل جرائم الاحتلال الإسرائيلي، لكنه أكد أن الصورة لا تقل قتامة بشأن مستقبل إسرائيل ومآل الصهيونية.

وفي مقال بموقع "فلسطين كرونيكل" قال كاسريلس إنه "لا يمكن استدعاء كلمات كافية لوصف رعب الظمأ الدموي الفاشي للنظام الإسرائيلي والمجتمع الذي يدعمه" في ظل الأرقام القادمة من غزة، ومن بينها مقتل أكثر من 17 ألف طفل ضمن نحو 42 ألف شهيد ضحايا العدوان المستمر منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وذكر كاسريلس أن دراسة أجرتها صوفيا ستاماتوبولو روبينز من جامعة براون الأميركية، نُشرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، أظهرت أن 90% من الناس في غزة مشردون، و96% لا يملكون ما يكفي من الطعام والماء، ولا توجد كهرباء، ونحو 90% من المستشفيات تم تدميرها، ويعاني 4 من كل 5 أطفال من الاكتئاب والحزن والخوف.

وقال أيضا "الصهاينة وحلفاؤهم الليبراليون" يبررون هذا السيل من القتل باعتباره ردا مشروعا على عملية طوفان الأقصى، رغم وجود حق معترف به دوليا بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، بينما لا يوجد حق معترف به دوليا للدفاع عن القوة المحتلة.

وأشار الوزير السابق إلى أن من يطالب بإدانة المقاومة عليه أن يدرك السياق الذي جاءت خلاله عملية طوفان الأقصى، وذلك عبر 75 عاما من الاستيلاء الاستعماري والتطهير العرقي في جميع أنحاء فلسطين، إضافة إلى حصار خانق على قطاع غزة منذ 17 عاما، وآلاف الأسرى في سجون الاحتلال الذين يسعى الفلسطينيون لمبادلتهم بالإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وأكد الكاتب الناشط في دعم الفلسطينيين أن كل من يعرف تاريخ الثورات ضد العبودية والاستعمار يعلم أن الفظائع تحدث عندما ينهض المظلومون، وقال إن التحليل الجاد للسياق التاريخي يؤكد أن القمع مصدر العنف وأن إنهاء القمع طريق إلى السلام.

وتحدث كاسريلس عن ازدواجية المعايير عند التعامل مع أخبار الضحايا من الجانين الفلسطيني والإسرائيلي، وقال "من المفترض أن نقبل أن الأرواح الإسرائيلية مقدسة بينما الفلسطينيون بشر من درجة أدنى. وهذه الفلسفة لنزع الإنسانية كانت دائمًا منطق الفاشية والاستعمار، وجميع الأشخاص الطيبون مدعوون لمقاومتها".

وأشار إلى أن الإبادة في غزة لم تكن لتصل إلى هذا الحد دون دعم من الولايات المتحدة التي أنفقت خلال العام الماضي نحو 22 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل والعمليات الأميركية ذات الصلة في المنطقة.

غير أن ذلك لم يحم الولايات المتحدة من حراك جارف عبر الجامعات في جميع أنحاء البلاد حين وقف الشباب -كثير منهم يهود- بشجاعة من أجل العدالة.

وأضاف كاسريلس "تُظهر الاستطلاعات أن 40% من اليهود بالولايات المتحدة تحت سن 35 عاما يعارضون الصهيونية ويدعمون الفلسطينيين. إنهم يفهمون أن اليهودية وجدت لآلاف السنين قبل تشكيل دولة إسرائيل، وأنها ستستمر بالوجود حتى بعد زوال إسرائيل في شكلها الحالي".

وقال الوزير الجنوب أفريقي إن غرور إسرائيل، وشعورها بحقها في القتل والسيطرة، يخفي ضعفها المتزايد. ومع توسع هجماتها لدول مختلفة في المنطقة هناك فهم متزايد بأن فاشيتها تهدد السلام العالمي.

وذكر أن الجيش الإسرائيلي يتفاخر بانتصارات تكتيكية لكنه يعاني من هزائم إستراتيجية "ومن خلال توسيع جبهة القتال، يرهقون أنفسهم، ومع تصاعد الحرب سيتوقفون" مشيرا إلى أن إسرائيل ليست دولة مستقرة، في ظل تزايد الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي.

كما لا يمكن لإسرائيل أن تستمر إلى الأبد في حرب استنزاف مطولة، فالاقتصاد في أزمة، مع هروب رأس المال، وتراجع الاستثمار الأجنبي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بسرعة. وكان هناك خسارة قدرها 64 مليار دولار العام الماضي، وسيكون هذا العام أسوأ مع فرار نصف مليون مواطن، وفقا لكاسريلس.

وفي المقابل، يرى الكاتب أنه ورغم الوضع المأساوي في جبهات الحرب، فإن المقاومة قائمة ومستمرة، وتجلى ذلك في صمود رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار حتى أنفاسه الأخيرة، وفي شجاعة الفتاة الصغيرة التي كانت تحمل شقيقتها الصغرى المصابة على ظهرها عبر أكوام الأنقاض والموت.

وختم كاسريلس مقاله بالقول إن "الصهيونية لم تمت، لكنها بالتأكيد تحتضر. وستكون التكلفة باهظة للغاية، ولا يمكن قياسها، لكن أولئك الذين نبكي عليهم سيفوزون بالحرب".

مقالات مشابهة

  • العمل البيئي وحفل توزيع جوائر.. على جدول أعمال الأمير البريطاني وليام.. الذي يزور جنوب أفريقيا
  • هذا هو الرجل الذي التقط أول صورة في العالم لشبح
  • حزب الله يستهدف عدداً من المواقع والمستعمرات الصهيونية بصليات صاروخية
  • عرض فيلم «المسيري.. مفكر ضد الصهيونية» على شاشة «الوثائقية» الليلة
  • إسرائيل تنفّذ وعيدها.. تل أبيب تنسحب رسميا من الاتفاق الذي يعترف بوكالة الأونروا
  • من بينها أمستردام ولندن ومدريد.. التغير المناخي يُهدّد نصف المدن الكبرى في العالم
  • وزير جنوب أفريقي سابق: الصهيونية تحتضر والمستقبل للمقاومة
  • حزب الله يهاجم قناة العربية ويحذر من ترويج الدعاية الصهيونية
  • «بولتون»: سياسة أمريكا الخارجية ليست ضمن القضايا الرئيسية للحملات الانتخابية
  • حكاية كورة.. خوليو بيريز الذي "تبول" في "الماراكانا" وساهم في تتويج أوروجواي بكأس العالم