الجزيرة:
2025-03-04@15:30:29 GMT

تصدّع الغرب في أعقاب حرب غزة

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

تصدّع الغرب في أعقاب حرب غزة

أفرزت الحرب الروسية -الأوكرانية، ما يسمّيه الخطاب الروسي الرسمي بائتلاف الغرب، في نوع من الزراية بالغرب وقيمه، أي تحالف قوى، وليس التفافًا حول قيم أو قواعد، وذلك لنسف المزاعم الكونية للقيم الغربية.

ومن شأن الحرب على غزة أن تفرز تصورات جديدة للأوضاع الجيوسياسية، وتؤثر بشكل قوي على الغرب، من حيث قيمُه، وتماسكُ مجتمعاته، وكذلك النظرة إليه.

ولئن بدا منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، أن الغرب يتكلم لغة واحدة، ويدعو إلى موقف موحد – على اعتبار أن ما حدث ليس ضربة لإسرائيل، ولحليف هو "رأس حربة الغرب في المنطقة"، فحسب، ولكن لقيم الغرب، وهبّ لذلك رؤساء القوى الغربية الكبرى إلى إسرائيل يعبرون عن تضامنهم – فإن "الصف" الغربي أخذت تتخلله تصدّعات.

سبب التصدّع هو هَوَج التقتيل والتدمير بشكل صدم العالم كله، حتى إن بعض عتاة مناصري إسرائيل لم يعودوا يصطبرون للتقتيل وينعتون ما تقوم به إسرائيل تطهيرًا عرقيًا، وثانيًا، وهو الأهم، هو أن كثيرًا من الغربيين، من القادة ومن صانعي الرأي أحسوا أن قيم الغرب أضحت موضع اختبار في عالم لم يعد للغرب فيه السؤدد الذي كان له، وتظهر قوى جديدة على الساحة الدولية.

ويعبر قادة الغرب بما هو نوع من الانفصام، أي يزعمون الاستمساك بما يدّعون أنه قيم غربية، وهو مدار "تمييزهم" عن قوى تُنعت بكونها سلطوية، رغم تصرفاتهم المنافية لتلك القيم، فيما يخصّ حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والإبادة، أو حرية التعبير، أو يضطرون لتبرير غير مقنع.

تبدو أعراض التصدع على ثلاثة مستويات:

أولها: هو بين الدول الغربية نفسها. إذ هناك تمايز بين الولايات المتحدة، وربيبتها بريطانيا، وألمانيا، وأوروبا الوسطى من جهة، ودول أوروبية، منها بالأساس دول تشجب العدوان، كما أيرلندا وإسبانيا والسويد، ودول لها موقف متمايز نسبيًا، أو مذبذب كما فرنسا. انتقل التصدع إلى داخل المجموعة الأوروبية، ويسري توتّر خفي ما بين فرنسا وألمانيا، خاصة بعد عزم ألمانيا دخول نادي التسلح.
ويضاف إلى ذلك الاختلاف البيّن بداخل الاتحاد الأوروبي، ما بين مسؤول العلاقات الخارجية بالاتحاد، جوزيف بوريل، المناهض للحرب، والذي يعتبر أنّ ما يجري هو إبادة جماعية، والمنادي بقيام دولة فلسطينية، ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير ليين، التي تتبنّى موقفًا ممالِئًا لإسرائيل. والتصدع الثاني: هو بين المؤسسات الحاكمة في الغرب ومجتمعاتها، وهنا مربط الفرس، ومدار الديمقراطية هو التطابق ما بين الحاكِمين والمحكومين، مما يُعرّض الديمقراطية للاهتزاز، إذ الديمقراطية، بالنسبة للغرب، ليس مجرد ميكانيزم لتدبير العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وإنما قيمة القيم، بتعبير المفكر المغربي المهدي المنجرة.
تسود حالة من التوتر، وسط فعاليات المجتمعات الغربية، شبيهة بتلك التي عرفتها الدول الأوروبية في فترة ما قبل الاستقلالات، كما في فرنسا، إبان حرب التحرير الجزائرية، أو تلك التي توزعت الولايات المتحدة في منتصف الستينيات إلى غاية بداية السبعينيات، أثناء حرب فيتنام. ويطبع الوضعَ الجديدَ الناجمَ عن الحرب على غزة، توجيهٌ إعلاميٌّ، وتعتيمٌ، وتضليلٌ، أو ما يسمى في فرنسا، بالغرق الإعلامي. والتصدع الثالث: وهو مرتبط بالثاني، هو اهتزاز القيم الغربية، في حرية التعبير، وحقوق الإنسان، والديمقراطية.. يشاهد العالم كيف يتمُّ اقتحام حَرَم الجامعة من قِبل قوات الأمن، ويُقتاد الطلبة بالقوة، وتُتخذ إجراءات زجرية ضدهم، وتوعُّد، (مما يتنافى وسيادة القانون)، ومنع تظاهرات، بدعاوى واهية، افتراضية. وهو أمر مثير في الغرب، أن يتم منع التظاهر، واستعمال القوة لفضّه، واقتياد المتظاهرين إلى مخافر الشرطة، ومتابعتهم قضائيًا.

تستند المكارثية الجديدة إلى أسلحة "دمار شامل" ثلاثة، أولها: "الإشادة بالإرهاب".. والثانية: "معاداة السامية"، والثالثة: "كراهية الغرب"

تَرُدُّ حكومات الغرب على الوضع الناجم عن الحرب على غزة، بنوع من ازدواجيَّة الخطاب، من قبيل أنها تَدعم حرية التعبير، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، مع نوع من تبرير غير مقنع تمامًا. ومما ينسف التبرير، هو المكارثية، أي تعقب الأشخاص فيما يُعبرون عنه من شجب للحرب، من خلال تدوينة، أو مظاهرة، أو حمل كوفية، أي بأساليب حضارية، لا تجنح للعنف. وتذهب مؤسسات حكومية وأكاديمية إلى توعد هؤلاء الأشخاص في مسارهم المهني، وحقوقهم، لمجرد التظاهر ضد الحرب، أو التعاطف مع الفلسطينيين.

تستند المكارثية، إلى أسلحة "دمار شامل"، هي من قبيل ثلاثة، تُستعمل إعلاميًا، وحتى من قبيل النيابة العامة، أولها: "الإشادة بالإرهاب".. والثانية: "معاداة السامية"، والثالثة: "كراهية الغرب".

وهكذا يضحي شجب الحرب، والدفاع عن حق الفلسطينيين في الحياة، ورفض الترحيل، إشادة بالإرهاب، إعلاميًا، ويمكن أن تتطور إلى متابعة قانونية، من خلال تأويل فضفاض ومغرض.

ويعتبر كل انتقاد لما تقوم به إسرائيل من عدوان، معاداة للسامية، مع أن هناك فَرْقا بين حدث، وهو عدوان، ودولة، وهي إسرائيل، وأيديولوجية، وهي الصهيونية، ودين وهو اليهودية، والحال، أن كثيرًا من اليهود انتقدوا الحرب، وأنَّ كثيرًا من الإسرائيليين أنفسهم فعلوا ذلك، لكن الغرب، لم يعد يكترث للتمييز، والدقة، وهو الفخور بالقدرة على التمييز الدقيق. ولا فكر من دون تمييز.

والسلاح الأخير الذي يتردد إعلاميًا، هو "كراهية الغرب"، والحال أن كثيرًا ممن ينتقدون تذبذب الغرب، غربيون، أو متغربون، أو يكتفون بإظهار التناقض ما بين قيم الغرب، وسياسة حكامه، أي يطالبون بالاستمساك بالقيم الغربية.

مدار قوة الغرب، ليست قدراته العسكرية والاقتصادية فقط، ولكن قيمه، وهو الأمر الذي لا يفتأ القادة الغربيون يذكرون به، منذ الحرب العالمية الثانية، وراء ما كانوا يسمونه بالعالم الحر، ثم أثناء الحرب الباردة، وبعد سقوط حائط برلين، و11 سبتمبر/أيلول.. بدأ التصدّع يعتري القيم الغربية، في سلسلة من الأحداث، منها العنف ضد السترات الصفراء في فرنسا، واقتحام الكابيتول، في الولايات المتحدة.

لكن التناقض الذي فضحته غزة، من شأنه أن يضع الغرب في أزمة إبستمولوجية؛ أي التناقض بين ما يزعم من قيم، وما يأتي من أفعال، وهو ما ينسف عالمية الغرب، أو قيمه على الأصحّ. ولذلك لم يعد بعض مفكري الغرب يتحرّجون من الدعوة إلى غرب شامل، في مواجهة جنوب شامل، أي محور ككل المحاور، وليس منظومة قيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات کثیر ا ما بین

إقرأ أيضاً:

رمضان في مختبرات الغرب.. كيف يحل الباحثون العرب معادلة الصيام والإنجاز؟

بالنسبة للباحثين العرب في مختبرات الغرب يمثل شهر رمضان الكريم اختبارا يوميا لقوة الإرادة وقدرة التحمل في مواجهة تحديات العمل العلمي المكثف، فهؤلاء الباحثون، الذين يواصلون أبحاثهم المتقدمة في جامعات ومختبرات عالمية، يجدون أنفسهم أمام تحديات مزدوجة، وهي مواصلة الصيام لساعات طويلة مع الحفاظ على التركيز والإبداع في بيئات أكاديمية صارمة.

وفي هذه المادة، نغوص في قصص هؤلاء الباحثين العرب، ونستكشف كيف يواجهون تحديات الصيام والعمل العلمي، وكيف ينجحون في حل معادلة الصيام والإنجاز خلال شهر رمضان.

البداية كانت مع د. عبد الله شرف، باحث ما بعد الدكتوراه بمركز الأحياء في التشيك، الذي استهل الحديث عن تجربته بموقف جمعه مع مشرفه في رسالة الدكتوراه خلال أول شهر رمضان يقضيه في التشيك.

يقول ضاحكا في حديثه لـ"الجزيرة نت": "لم أعهده يتردد كثيرا على المختبر أثناء عملي، لكن في أول أيام الشهر كان يتردد بمناسبة وبدون مناسبة، ليصارحني لاحقا بأنه كان يخشى أن أتعرض للإغماء بسبب صيام رمضان، الذي تزامن حينها مع فصل الصيف".

ويضيف: "ينظر الغرب إلينا كباحثين عرب حريصين على الصيام خلال شهر رمضان على أننا أناس خارقون، إذ كيف نستطيع الامتناع عن الطعام والشراب طيلة فترة النهار، خصوصا في فصل الصيف".

د.عبد الله شرف يحرص خلال وجوده بالتشيك على تبكير وجبة السحور حتى يستطيع الاستيقاظ مبكرا ولا يتأثر إنتاجه البحثي بفترة الصيام (عبد الله شرف)

ورغم شيوع نمط "الصيام المتقطع"، القائم على الامتناع عن الطعام لفترة من الوقت تقترب من فترة صيام يوم في شهر رمضان، فإن الامتناع عن المشروبات خلال تلك الفترة لا يزال يمثل بالنسبة للغرب أمرا غريبا، كما يوضح شرف.

إعلان

ويقول: "ينتظر أقراننا في المختبرات رؤية كيف سيكون أداؤنا خلال هذا الشهر، لذلك فإن أكثر ما يحزنني أن بعض العرب يتخذون رمضان فترة للراحة، ويصدرون رسالة بأنه موسم كسل بالنسبة لنا".

وعن كيفية تنظيم يومه كي لا يؤثر الصيام على أدائه البحثي، يوضح أنه منذ عمله في مركز الأحياء في التشيك، يحرص على ألا تؤثر عباداته مثل الصيام وصلاة الجمعة على عمله، فتكون صلاته في الأيام العادية خلال استراحة الغداء، ويكون يوم صيامه يوما عاديا يذهب فيه إلى العمل في نفس الموعد الذي تعود عليه.

ولتحقيق ذلك، يقوم شرف بتبكير وجبة السحور إذ لا تتعدى منتصف الليل، حتى يستطيع الاستيقاظ مبكرا، ويحقق العهد الذي قطعه على نفسه بعدم تأثر إنتاجه البحثي بفترة الصيام.

ويقول: "أفتقد بذلك الكثير من أجواء الشهر، ولكن عزائي أن لدي رسالة مهمة أحرص على إيصالها، وهي أن عبادة الصيام لا تؤثر على إنتاجي البحثي، بل كثيرا ما أفاجئهم بمعدل إنجاز يفوق الأيام العادية في أحيان كثيرة".

الصيام وسط شعب محب للطعام

النظرة الغربية نفسها تجاه الشخص الصائم التي أشار إليها شرف، عاشها أيضا د. محمد فريشح، باحث ما بعد الدكتوراه بكلية الجيوديسيا والجيوماتكس بجامعة ووهان في الصين. يقول لـ"الجزيرة نت": "الشعب الصيني محب للطعام ويستمتع بتناوله في أوقات محددة، لذا ينظرون إلينا كأشخاص قادرين على الامتناع عن الطعام والشراب لفترات طويلة وكأننا خارقون".

ويلمس فريشح تقديرا كبيرا تجاه الشخص الصائم، وهو ما لاحظه في عدة مواقف لا تفارق ذاكرته، ومن أبرز تلك المواقف، عندما كان في رحلة مع زملائه بالجامعة إلى مدينة أخرى داخل الصين خلال شهر رمضان.

يقول: "وصلنا قبل الإفطار بساعتين، وعندما علم عميد الكلية التي زرناها أنني مسلم، أقام لنا وليمة في مطعم إسلامي، وعند تقديم الطعام، اعتذرت عن مشاركتهم لأنني كنت صائما، وفي البداية، رفضوا الأكل مراعاة لي، ولكن بعد أن أوضحت لهم أنني لا أنزعج من رؤيتهم يأكلون، وأصررت عليهم أن يتناولوا الطعام، وافقوا، وعند وصولنا إلى الفندق، اكتشفت أن عميد الكلية طلب لي وجبة إفطار من المطعم الحلال وأعطاها لمساعده ليحضرها لي عند وقت الإفطار".

إعلان

ولا يشعر فريشح أن الصيام يؤثر على إنتاجيته، ويضيف: "يمكن ببعض المرونة في تنظيم أوقات العمل ضبط الإيقاع خلال رمضان لتحقيق التوازن المطلوب، فيمكن مثلا العمل بعد الإفطار حتى السحور، أو خلال أوقات معينة من النهار، لأن طبيعة العمل البحثي لا تتطلب الحضور والانصراف في أوقات محددة".

ويحرص فريشح وأقرانه من الباحثين العرب في جامعة ووهان على خلق أجواء رمضانية عبر التجمع لأداء صلاة التراويح في منزل أحد الأصدقاء وتنظيم سحور جماعي، كما يقيمون إفطارا جماعيا في أول أيام رمضان بالجامعة. ومع ذلك، فإن هذه الأجواء لا تعوض الأجواء الرمضانية في مصر، ولكن من الأمور الإيجابية التي يشير إليها فريشح أن الوجود في الخارج يمثل فرصة للتدريب على البساطة في الإفطار والسحور، بعيدا عن إعداد أصناف كثيرة من الطعام.

ينصح الباحثون العرب في مختبرات الغرب ببعض المرونة في تنظيم أوقات العمل خلال رمضان لتحقيق التوازن المطلوب بين الصيام والإنجاز البحثي (محمد فريشح) صيام القطب الجنوبي.. أمنية مفقودة

مثل فريشح، تمكن د.أحمد سليمان، الباحث في معهد "كالتك" بالولايات المتحدة ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، وأقرانه العرب، من خلق أجواء رمضانية عربية في أميركا، ويستخدم الطريقة نفسها التي تعتمد على تعديل مواعيد العمل بما يسمح بعدم تأثير الصيام على الإنتاجية.

ويرتبط شهر رمضان لدى سليمان بإنجازات مهمة، وأبرزها العام الماضي كان المشاركة في إتمام تطوير كاميرا تلسكوب "نانسي غريس رومان"، التي تفوق دقتها دقة كاميرا تلسكوب جيمس ويب بألف مرة، وهذه الكاميرا القادرة على تحييد ضوء الشمس، قد تسهم في اكتشاف حضارات فضائية لم نتمكن من رؤيتها.

وأثناء عمله على هذا المشروع المهم خلال شهر رمضان، كان سليمان يحضر بعض الحلوى الرمضانية لأقرانه في المختبر، حتى إنهم باتوا يسألون عن موعد حلول الشهر ليستمتعوا بالحلوى التي يجلبها. ويقول لـ"الجزيرة نت": "نجحت في خلق هذه الروح الإيجابية من خلال مشاركتهم فرحتهم بأعيادهم، فأصبحوا يشاركونني أيضا في الاحتفال بالأعياد الإسلامية".

إعلان

ولا ينسى سليمان أمنيته المفقودة، وهي صيام رمضان في القطب الجنوبي، وكان قريبا من تحقيق هذه الأمنية خلال إحدى المهام البحثية هناك، ولكن انتهت المهمة قبل حلول الشهر.

وأثناء تلك المهمة البحثية في القطب الجنوبي، خاض تجربة الإقامة لمدة يومين داخل خيمة تحاكي تلك التي استخدمها النرويجي روال أموندسن، ثاني مستكشفي القطب الجنوبي، الذي رفع علم النرويج فوق الخيمة الشهيرة.

ويقول: "قضيت معظم وقتي في الصلاة وقراءة القرآن، وكنت أتأمل في الآية الكريمة (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا)، حيث إن الشمس لا تغيب في القطب الجنوبي، وتمنيت أن يكتب لي الله الصيام في هذا المكان، ولكن المهمة انتهت قبل حلول رمضان".

وعن كيفية الصيام في مكان لا تغيب فيه الشمس، يضيف: "كنت سأعتمد على التوقيت النيوزيلندي لأنه الأقرب للقطب الجنوبي، تماما كما فعلت مع مواقيت الصلاة خلال المهمة التي استمرت 4 أشهر".

د. أحمد سليمان الباحث بمختبر الدفع النفاث التابع لـ (ناسا) كان على مقربة من قضاء شهر رمضان بمكان لا تغيب عنه لشمس خلال مهمة بحثية طويلة بالقطب الجنوبي (أحمد سليمان) تجاوز اختبار شهر رمضان

ويرتبط شهر رمضان أيضا لدى د.محمد شعبان، الباحث في البيولوجيا البنيوية بجامعة إمبريال كوليدج لندن ومعهد فرانسيس كريك في المملكة المتحدة، بتحقيق إنجازات بحثية، كان أبرزها العام الماضي، كتابة دراسة مهمة نُشرت في دورية "موليكولار سيل"، كشفت أسرار عملية تخلص خلايا الإنسان من البروتينات التالفة.

ويقول شعبان لـ"الجزيرة نت": "بذلت جهدا كبيرا خلال الشهر بين عملي في المختبر وكتابة الدراسة، لكن الصيام لم يؤثر على حماسي، فشهر رمضان بالنسبة لي هو شهر الإنجاز".

ويضيف: "نصيحتي لمن سيصوم لأول مرة في الغرب هي ألا يؤثر الصيام على إنتاجك".

ويتذكر شعبان أثناء دراسته للماجستير في جامعة ستوني بروك بأميركا قبل انتقاله إلى لندن، أن زميلا أميركيا كان ينتظر شهر رمضان ليختبر نشاطه اليومي بالحضور مبكرا والمغادرة متأخرا، ولكنه لاحظ أن نشاطه لم يتأثر، فقال مازحا: "كنت أعتقد أن سر نشاطك هو نوع القهوة التي تحتسيها، لكن يبدو أن هناك سرا آخر".

إعلان

ويقول شعبان: "لا يوجد رسالة أفضل من أن نظهر للعالم أن الصيام ليس عائقا، بل محفز للنشاط والإنتاج".

د. محمد شعبان الباحث بجامعة إمبريال كوليدج لندن كان على موعد مع كتابة أهم أبحاثه حول اكتشاف آلية تخلص الخلايا البشرية من النفايات خلال شهر رمضان الماضي (محمد شعبان) رسالة إيجابية

وحرصت د.أمل أمين، أستاذة تكنولوجيا النانو بالمركز القومي للبحوث بمصر، والرئيسة المؤسسة لمبادرة "النساء في مجال العلوم بلا حدود"، خلال رحلتها البحثية بين ألمانيا وأميركا، على تصدير هذه الرسالة الإيجابية التي أشار إليها د. محمد شعبان.

وتقول لـ"الجزيرة نت": "أثناء دراسات ما بعد الدكتوراه في أميركا، كان الصيام يمتد حتى التاسعة مساء، وكان زملائي في المختبر يحثونني على الانصراف مبكرا، لكنني كنت حريصة على الانصراف في السابعة، وهذا كان يثير تساؤلات بعض الزملاء الأجانب حول كيفية القدرة على الصيام طيلة تلك الفترة، فكانت فرصة جيدة لشرح بعض معاني الصيام الحقيقية وتصحيح الصورة المغلوطة عنه بأنه يعوق العمل".

وترى أمين، من خلال تجربتها، أن الباحثين العرب بإمكانهم تنظيم وقتهم لقضاء الشهر الكريم بصورة متوازنة وغير مرهقة، خاصة أن أغلب العمل البحثي لا يرتبط بدوام ثابت، بل يرتبط بتجارب يمكن تنفيذها في أي وقت.

وتضيف: "على سبيل المثال، تخصصي في الكيمياء لا يعتمد على ساعات عمل محددة، بل يرتبط بتجارب أقوم بتنفيذها، وينتهي عملي بانتهاء تلك التجارب".

وتحذر أمين من استخدام بعض الباحثين العرب للصيام كمبرر للكسل أثناء عملهم في الغرب، مشيرة إلى أن ذلك يترك انطباعا سلبيا قد يؤثر على مسيرتهم البحثية وفرصهم في الاستمرار هناك.

تعاطف لا يضر بالعمل

ويشارك د.هيثم شعبان، أستاذ الفيزياء الحيوية ومدير أحد المشروعات البحثية بمركز أجورا لأبحاث السرطان بجنيف، د.أمل أمين في إطلاق التحذير نفسه.

إعلان

ويقول لـ"الجزيرة نت": "ستجد في الغرب تعاطفا من المشرفين وزملائك الباحثين أثناء الصيام، لا سيما إذا حل الشهر في فصل الصيف، إذ يكون الطقس حارا واليوم طويلا، لكن هذا التعاطف يقتصر على إبداء مرونة في تعديل مواعيد العمل، دون أن يؤثر ذلك على جودته، فما يهمهم هو الإنتاج".

ورغم هذه المرونة، يؤكد د.شعبان أنه تعود طوال رحلته البحثية الممتدة بين أميركا وأكثر من دولة أوروبية على عدم الاستفادة من هذه المرونة، وتكييف يومه بما لا يؤثر على أدائه خلال الصيام، حتى لو كان ذلك على حساب أداء الطقوس الدينية الخاصة بالشهر.

ويضيف: "ينتهي يومي مثل أي يوم عادي بصلاة العشاء، ولا أتناول وجبة السحور حتى لا أضطر للاستيقاظ قبل الفجر، والعودة للنوم مجددا، مما قد يعوق قدرتي على الذهاب إلى العمل مبكرا".

مقالات مشابهة

  • لافروف: الغرب يتلاعب بالمبادئ الدولية ويشعل الصراعات
  • وزير خارجية فرنسا: روسيا قرّبت منا خط جبهة القتال
  • وزير خارجية فرنسا : الالتزام بهدنة في أوكرانيا يثبت حسن نية بوتين ويمهد لمفاوضات سلام
  • الكرملين: بيان قمة لندن لا يهدف لتسوية الحرب الروسية الأوكرانية
  • والي الجزيرة يقرع الجرس لإنطلاقة العام الدراسي
  • استئناف العام الدراسي بولاية الجزيرة و تخفيض ساعات حظر التجوال
  • بريطانيا: خطة عمل مشتركة مع فرنسا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • رمضان في مختبرات الغرب.. كيف يحل الباحثون العرب معادلة الصيام والإنجاز؟
  • الجزيرة نت تكشف كيف اخترقت إسرائيل البروتوكول الإنساني في غزة
  • السودان .. الفوج الأول من نازحي ولايتي الجزيرة و سنار يغادر أم درمان