سودانايل:
2025-01-23@13:29:31 GMT

الصفوة والمكشن بلا بصل

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم
من غضب الله علينا أن الصفوة (وهذا ما يسمي خريجو المدارس والمهنيون أنفسهم) طالقة لسانها في الآخرين ولم تجد بعد من يطلق لسانها فيها بصورة منهجية. فهي تصف جماعات غمار الناس ب "الأمية" أو "البدائية" أو "المتخلفة" أو بالمصابة ب "الذهن الرعوي" أو "ببله الريف" أو انها "مستعربة" أو "متأسلمة".

واحتكرت حق تبخيس الآخرين أشياءهم. واحتكرت حتى نقدها لنفسها، ولكن برفق. فهي "فاشلة" أو "مدمنة الفشل" بما يشبه التوبيخ على حالة عارضة تلبستها وستخرج منها متى صح منها العزم.
وقليلاً ما عثرت على نقد للصفوة تخطى ما تواضعت عليه من الرأفة بنفسها والعشم في صحوتها إلى نقد جذري يطال "فشلها" بالنظر إلى اقتصادها السياسي: إلى مناشئها الثقافية والاجتماعية ومنازلها من العملية الإنتاجية. وأسعدني أن قرأت قبل أيام بهذه الجريدة للأستاذ محمد الغبشاوي كلمة قاطعة "أدت" الصفوة في "التنك". فوصفها بأنها مصابة بأمرين. فهي "فاقد التياع" من جهة وتعاني من "فائض استتباع" من الجهة الأخرى.
يقصد الغبشاوي بمفهوم "فاقد التياع" ما حاولته أنا أكثر من مرة هنا بقولي إن الصفوة خلو من الحمية. وهي ترجمتي ل "باشون passion" الإنجليزية. وأعتقد أن الغبشاوي وقع على التعريب الأوفق للكلمة. فقد أفرغ الغرب الصفوة في مدارسه وبقدوته من كل شغف بأهلها وثقافتهم وأطلق لسانهم فيهم "يا بدائي" "يا أمي" يا "متخلف" يالفعلتك يا التركتك. كنت أستغرب مثلاً لماركسي يقول، تأسياً بلينين، إن الأمي خارج السياسة وحزبه في قيادة معظم نقابات العمال واتحادات المزارعين التي قوامها أميون. أو تسمع من يقول لك "بالله الحاردلو دا لو قرأ كان بدّع". وكأن ما قاله الحاردلو شفاهة ناقص.
قال الغبشاوي إن فقدان الالتياع يخلي وجدان الصفوة من الإبداع. فمن أين يأتيها ولماذا طالما "ألغت الأمة". فأنظر كيف وصلنا إلى فشل الصفوة وعقمها وإدمانها ذلك بطريق جذري يقلب مناضد الصفوة كلها في وجها ويرجعها إلى منصة التأسيس. وبؤس الالتياع مما أخذته النظم الشيوعية في الصين وكمبوديا على الصفوة وعالجته ب"سخرة" إعادة التربية. وهي تفويج الصفوة إلى الريف لاستئصال شأفة نشأتهم الغربية بين الفلاحين الموصوفين ب"الأصالة" والكدح. وبالطبع أبعد رفاقنا النجعة وأورثونا مذمة. بل حاوله تمبل باي، رئيس وزراء تشاد الأسبق، ذلك بإخضاع كل الخدمة المدنية لطقس أفريقي تقليدي شديد القسوة ليعود بهم إلى "التشادوية".
أما فائض الاستتباع فهو فرط قبول الصفوة ل"الوصاية الشقراء" أي الغربية البيضاء في عبارة الغبشاوي. فهم بعد إلغاء الأمة صاروا عالة على الغرب وفكره وأنساقه. وللاختصار فقد أخذ على الصفوة المسلمة أنها لم تكتشف تجربة العالم البنغلاديشي محمد يونس (صاحب كتاب عالم بلا فقر) في التمويل الأصغر إلا بعد أن "هرَّج" بها البنك الدولي. وهو البنك الذي يفلق ويداوي. فالبنك كتب الفقر على غالبية سكان العالم الثالث بسياسته المعروفة بالإصلاح الهيكلي (والخصخصة منه) ثم جري يغطي سوءته بمثل التمويل الأصغر.
ولاحظت أن الغبشاوي يقرأ لغير ما اتفق لأكثر صفوتنا في أحسن الأحوال من مثل ماركيز وأمل دنقل ومنصور خالد ومحجوب شريف والجابري. فهو يقرا بنظر لمّاح لجلال أمين ورمزي زكي (تحديث الفقر وتنمية التخلف) وللمهدي النجرة (الإهانة في عهد الميغا) ولم أعرف عن الأخيرين من قبل. إنه يقرأ المظان الحسان.
قال الأستاذ صلاح فرج الله إن صفوتنا عالة على الواقع. وهذا قريب من قول بريخت: "تنشئة المثقفين عملية طويلة وشاقة. وهي مما يمتحن الجماهير ويعيل صبرها". فإذا أدمنت الصفوة الفشل واستمرأته خرج عليها مثل بول بوت الكمبودي و "وراها المكشن بلا بصل".

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

لقاء الأربعاء

 

لغزة سيفٌ لا يُكسر، ولأبناء الضيف عاليات الهِمم! وانتصرت غزة رغم كلّ ما فيها من رِمم، وعلى عين حكّام العار إذ تجمعهم على العار.. قِمَم!

إن كنت تعبد الله عن شكٍّ فها قد أتاك اليقين، وفي مشاهد اليوم فإن آيات الرحمن تتجلّى! وغزة التي قالت للذل: كلا!

خرجت بعون الله واقفة، وهي المؤمنة إذ القلوب المهتزّة واجفة، وإذ ترجف بحكام الذلّ ساقٌ راجفة! وإذ الجيوش من حولها عِهنٌ منفوش، وجامعة الدول العربية.. تتخلى!

قالت غزة: كلا!

فانهدّ من صوت إيمانها كلّ شامخٍ وجبل!

وأقرب من جباليا إلى نتنياهو.. زُحَل!

ما دام الله معها!

في قلبي موّالٌ يا دُنيا، وعلى رأسي فخرٌ لا يزول! وأقولها بملء الكون، يا كوننا: هؤلاء إخوتنا الذين بهم نُفاخر! وهذه بإذن الله مقاومة؛ من غزة إلى بيروت، ومن بغداد إلى اليمن!

إنّ هذا يومٌ من أيّام الله.

والروح اليوم غزة، والأفراح في ساحاتها، وقلبك بين جموعها يستنشق النّصر يا كلّ من أعيته المسافات وشفّهُ المنتأى، لكنّ قلبه المنحاز لم يبتعد.

وعلى قدر اقترابك منها.. فارتشف نصرك، ويوزع الله الفرحة في يومها على قلوب المؤمنين، فيما غزة الواقفة اليوم.. عاصمةٌ لأحرار العالم!

جامعةٌ لأطهاره!

كاشفةٌ للمعادن فما أعتاهُ تمحيصها!

وممايزةٌ بين المواقف والإيمان والقلوب!

ويا أهلينا في غزة كلّ الأمة رهائنكم، فترفّقوا بهم عند الملك الدّيان، وترفقوا بأهلكم في اليمن، فلو كان في مستطاعهم الأكثر ما وقفوا عند الأقل، ولكنكم الإخوة الكرام، فلتعذرونا.

ويا سماحة السّيّد عبدالملك؛

يا حادي الجيل منّا ويا أيّها الجّبل، وها نحن بوجودكم الأقرب لغزة ولبنان نخوةً، وأخوّةً، وفداءً وموقفا! ولنا بحمدالله من فرحة اليوم ومفاخره نصيب.

ويا بضعة النور فإن لك في أعناقنا دينًا، ومن كل قلوبنا محبة، وفي تقلباتها ثباتٌ، وعلى الإيمان طاعة.

ولك من كل فخرٍ يمنيٍّ من أصل روحه كل روحه، لأنها الجبال تحتاج لقائدٍ جبل، والرجال تحتاج لقائدٍ.. رجل!

فسلامٌ من الله عليك!

وإلى أهلنا في لبنان سلامٌ، وأنتم إلى جوار أهلينا في غزة ذروة السّنام، طبتم يا كلّ إيمانٍ ومقاومة، وإلى سماحة السيد حسن.

ويا أيها الحبر ما أعجزك!

عندما ترسلها.. إلى سماحة السيد حسن؟!

وإليك يا أيها القائد اسماعيل هنيّة، يا أيها السنوار، ويا صفي الدين، يا أيها العاروري.. يا كلّ قادة النصر وأقماره!

يا كل شهيدٍ فاز بالحسنى، ويا كل جريحٍ دنا فاقترب، ويا كلّ غزة يا أرواح أهلها، ويا كل من كان قلبه غزة!

إنّ للفرحة في الروح وقارٌ، وللدمعة عند الفرحة معناها المختلف!

ويا كلّ وقّادٍ في أمةٍ قالوا أنها خَبَت:

إنكم القاعدة والأصل والوتد!

والغثاء في تاريخنا استثناء،

والوضعاء في تاريخنا محض استثناء!

ويا غزة أنتم اليوم الأمة،

لأنكم الأصفى في روح الأمة.

لأنكم الصابرون فلم يصبر صبركم أحد، ولأنكم رفعتم الإخلاص كما لم يفعلها بقدر ما رفعتموها أحد، وفي بطحاء الدنيا فقد كان إيمانكم الأتقى.. بلالًا !

شفّهُ الصّخر وشواهُ رملها، وكانوا يمرّون عليه بين قلبٍ وقلب،

بين متعاطفٍ لا يقوى، ومتعاطفٍ لا تكفيه القوة، والأدنى منحازٍ على بلالنا مع من ظنّ بأنّه الأقوى؛

لكنكم أعلنتموها؛

أحد!

أحدٌ أحد!

“قل هو الله أحد”

وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.

يبقى لنا حديث.

 

مقالات مشابهة

  • دعاء صباح يوم جديد
  • معنى قوله تعالى ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾
  • بماذا يفكر ترامب؟
  • «نعمة الأمن» موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • نعمة الأمن.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • مشاهد من الحياة
  • الله يعوض عليه
  • ما هو أجر الصبر على الظلم؟
  • لقاء الأربعاء
  • بين يدى الله!