سودانايل:
2025-04-29@13:43:16 GMT

الإله البشري نحو الهاوية!!

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

د. أحمد جمعة صديق
السلطة والثروة
يعتبر كيرتز، الشخصية الغامضة في رواية جوزيف كونراد "قلب الظلام"، هو شخصية معقدة تجسد تجليات السلطة والقوة بطرق عديدة مقنعة. يجسد كيرتز من خلال أفعاله وخطابه والتصورات الخاصة به، سحر وفساد ممارسة السلطة والقوة.
في بداية الرواية، يظهركيرتز بصورة أسطورية تقريباً، حيث يسمع مارلو، البطل والراوي، عنه قبل لقائهما بوقت طويل.

يعمل كيرتز تاجراً في تجارة العاج في أعماق الكونغو، حيث تتنافس القوى الاستعمارية الأوروبية من أجل السيطرة والثروة.
أحد أبرز الطرق التي يظهر بها كيرتز السلطة والقوة هو من خلال إتقانه لفن الخطاب والإقناع. فمع قراءة مارلو لتقارير كيرتز واستماعه إلى خطبه، يصبح واضحاً أن كيرتز يمتلك قدرة ملحوظة على الجذب والتلاعب بمستمعيه. لقد مكنته بلاغته والكاريزما التي يتمتع بهما من تجنيد السكان الأصليين لقضيته، مكتسباً ولائهم وتقديرهم. كلمات كرتز كتنت أداة فعَّالة لممارسة النفوذ، مما يسلط الضوء على العلاقة الحميمة بين اللغة والقوة.
يعكس سلوك كيرتز شعوراً بالإفلات من العقاب والاعتراف الذاتي والاستعلاء الذي يميز أولئك الذين يمارسون السلطة بدون رقابة. يُعفى كيرتز عن القيود المفروضة من الحضارة، حيث يُغوص في أعمق غرائزه دون خوف من عواقب العقاب. يستغل السكان الأصليين لصالحه الشخصي، بحصوله على كميات هائلة من العاج من خلال الإكراه والعنف. تكشف أفعاله عن وحشية ناجمة من السلطة المطلقة، حيث يعمل خارج الحدود الأخلاقية التي تحكم المجتمع العادي.
يُظهر انحدار كيرتز نحو الجنون على التأثير الفاسد للسلطة وتضخم الذات المرضية. ومع اقتحام مارلو إلى قلب الظلام، يشاهد عن قرب تحول كيرتز من انسان مثالي متحضر الى وحش ثم إلى طاغية فاسد. فبعدما تحرر من قيود الحضارة، يستسلم كيرتز لسحر السلطة المطلقة، تاركاً مبادئه الأخلاقية في سبيل السيطرة ويصبح سلوكه أكثر تقلباً ونرجسية، مما يعكس التأثير التآكلي للسلطة غير المراقبة على النفس البشرية في التآكل والاستهلاك الداخلي والتفسخ نتيجة للفساد الروحي والبدني.
وبالإضافة إلى خصائصه الشخصية، يرمز الوجود الجسدي كيرتز إلى تجسيد السلطة والقوة، فهو طويل القامة ويمثل مظهر كيرتز شخصية بارزة في مناظر الغابة الافريقية. ويوحي حضوره القوي بالخوف والتقدير من الذين يقابلونه، مما يعزز مكانته كشخصية سلطوية. وفي الواقع، يُعد وجود كيرتز بحد ذاته تذكيراً بقدرة المشروع الاستعماري على فرض إرادته على السكان الأصليين، بغض النظر عن النتائج الأخلاقية أو الأخلاقية.
ومع ذلك، فمن المهم أن ندرك أن سلطة كيرتز ليست مطلقة. على مر الرواية، هناك تلميحات للمقاومة والاعتراض على سلطته، سواء من السكان الأصليين أو من مارلو نفسه. وعلى الرغم من جهود كيرتز للحفاظ على السيطرة، إلا أن قبضته على السلطة قابلة للاهتزاز، وتُقوِّض قوى الطبيعة سلطته في نهاية المطاف وتدمر روحه البشرية الفانية، وبهذا يُعد كرتز مثالاً جيدا للعظة والعبرة، يفه ُذكِّر بالهشاشة الكامنة في السلطة وبمخاطر سوء استخدامها مهما كانت قوتها فهي الى زوال.
يمثل سلوك كيرتز في "قلب الظلام" استكشافاً قوياً لتجليات السلطة والقوة، من خلال إتقانه للخطاب اللغوي وقوة التفاوض، وشعوره بالاعتراف الذاتي، وانحداره نحو الجنون، ووجوده الجسدي المرعب. يجسد كيرتز السحر والفساد الكامن في ممارسة السلطة المطلقة. ومع ذلك، فإن مصيره المأساوي في النهاية يُسلِّط الضوء على حدود السلطة ولا مفر من سقوطها مهما طال ليلها. في استكشاف شخصية كيرتز، يدعو كونراد القراء إلى مواجهة الجوانب الأكثر ظلاماً من الطبيعة البشرية، وإلى التأمل في طبيعة السلطة وتداعياتها على المجتمع.
• تجليات السطة والانحدار نحو الهاوية
إن تحوّل كيرتز إلى شخصية شبيهة بالإله بين السكان الأفارقة يُعتبر موضوعاً مركزياً في رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، حيث يعكس الدينامكيات المعقدة للاستعمار والسلطة وصغائر النفس البشرية. ويتم تصوير هذا التحول من خلال سلسلة من الأحداث والعناصر الرمزية عبر الرواية، مما يعني الانغماس في الظلام بالمعنى المجازي والحرفي على حد سواء. في هذا المقال سنتناول المواضيع الرئيسية التي تسلّط الضوء على تطور الصورة الانسانية وتطورها في تأليه الأفارقة لكيرتز.
• المثالية الأولية لكيرتز :
يبدأ كيرتز رحلته إلى قلب إفريقيا بنوايا مثالية بغرض جلب الحضارة والإستنارة للسكان الأصليين. وقد اكسبته كتاباته البليغة والمثالية احترام وتقدير أقرانه في المحيط الأوربي. ومع ذلك، فبمجرد أن يتعمق في مجاهيل الكونغو، تتحول مثالياته بفعل الواقع الوحشي للاستعمار إلى انحدار اخلاقي بعيد المدى.
• تجارة العاج والاستغلال:
ينخرط كيرتز بعمق في تجارة العاج، مستغلاً السكان الأفارقة بجني الارباح الطائلة من هذه التجارة. وتؤدي مطاردته اللاهثة للعاج إلى استغلال واستعباد السكان الأصليين، مما يتسبب لهم في معاناة هائلة ووفيات كثيرة. يشكل هذا الاستغلال أساس سلطة كيرتز وتأثيره على السكان الأصليين، حيث يسيطر على وسيلتهم الوحيدة للبقاء في البيئة الغابية القاسية.
• المحطة الداخلية:
يواجه كيرتز عندما يصل إلى المحطة الداخلية، أظلم جوانب الاستعمار والطبيعة البشرية. ونسبة لانعزاله عن المجتمع الأوروبي، يصبح مهووساً بالسلطة والسيطرة. ترمز المحطة الداخلية إلى انحدار كيرتز إلى الجنون والانحطاط الأخلاقي، حيث يستسلم للغرائز البدائية التي تحكم الغابة. وتمثل المحطة رمزية المكان فهي كالقصر الملكي، مكان لاقامة الملك ولكنه أيضاً المكان الذي يحتمي به الملك ويستمد منه السلطة بوجود الحاشية والاتباع.
• الكاريزما والبلاغة:
بالرغم من انحداره الأخلاقي، يمتلك كيرتز كاريزما جذابة و وحلاوة في اللسان تجذب من حوله اليه بمعسول الكلام، فقدرته على التعبير عن أفكاره وتلاعبه باللغة تمكنه من ممارسة السيطرة على الأوروبيين والسكان الأصليين على حد سواء. وتُعتبر الكاريزما عاملاً حاسماً في تأليه كيرتز بين الأفارقة، حيث يراهم منمنظوره كإله يتحلى بقوى خارقة.
• الثقافة الشخصية:
يتحول كيرتز إلى شخصية شبيهة بالإله من خلال إنشاء بيئة ثقافية حوله، فيعبده السكان الأفارقة كإله، ويقدمون له القرابين ويحترمونه في مقابل رضاه. ويعتقد الافارقة أن كيرتز يمتلك قوى سحرية يمكنها حمايتهم من الضرر وتحقيق السعادة لهم. وقد عززت هذه الثقافة وهم كيرتز بالعظمة الحقيقة، حيث يبدأ في رؤية نفسه شخصية شبيهة بالإله وقادرة على بسط نفوذها وحكم الغابة.
• رمزية البرية:
تعتبر مجاهيل الكونغو الموحشة رمزاً قوياً للتخلف. وتمثل القوى البدائية للطبيعة التي تتحدى السيطرة والفهم البشري. يرتبط تحول كيرتز إلى شخصية شبيهة بالإله بشكل وثيق بانغماسه في هذه المجاهيل، حيث يصبح منغمساً تماماً في العالم الحيواني ويتجاهل العالم المدني.
• رمزية الظلام:
يعم الظلام الرواية سواء بالمعنى الحرفي والمجازي، حيث يرمز إلى الغموض الأخلاقي والفراغ الروحي في قلب المستعمرين. تعكس رحلة كيرتز إلى ظلام الكونغو رمزية الانجدار إلى الانحطاط الأخلاقي والجنون. ويصبح منغمساً في الظلام مع فقدانه الاتصال بإنسانيته، ، وتجاهلها بصورة نهائياً، متبنياً هذا الظلام كمصدر للقوة والتحرر.
• موت الاله:
تمثل وفاة كيرتز ذروة المأساة عندما يتحول الاله الى كائن بشري قابل للاندثار الابدي ليتحول الى تراب. وفي سرير الموت، وحوله السكان الأفارقة المعجبون، ينطق بآخر كلماته الشهيرة: "الرعب! الرعب!" تلك الكلمات كانت تجسد الرعب الوجودي الذي يشعر به كيرتز من الفراغ والعجز في وجوده. وعلى الرغم من أوهامه بالعظمة، يواجه كيرتز في النهاية واقع قاسي لموته والانحطاط الأخلاقي لأفعاله.
ونخلص من ذلك ان تحول كيرتز إلى شخصية شبيهة بالإله بين الأفارقة في "قلب الظلام" عملية معقدة ومتعددة الأوجه، تعكس المواضيع المتشابكة للاستعمار ودينامكيات السلطة ونفس الإنسان. فمن خلال سلسلة من الأحداث والعناصر الرمزية، يستكشف المؤلف جوزيف كونراد الضبابية الأخلاقية للاستعمار والظلام الذي يكمن في نفوس البشر. ويعد انحدار كيرتز إلى الجنون والانحطاط الأخلاقي قصة تحذيرية للعبرة والتعلم عن التأثير الفاسد للسلطة ومخاطر الطموح غير المحدود.

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السکان الأصلیین من خلال

إقرأ أيضاً:

باراك: “إسرائيل” على حافة الهاوية.. الداخل الصهيوني يتآكل ودعوات للعصيان المدني

 

الثورة / محمد هاشم

مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة وتمادي حكومة الإرهابي بنيامين نتنياهو في جرائم الإبادة الجماعية، تتسع التصدعات والخلافات في الداخل الصهيوني وسط تصاعد الدعوات لإيقاف الحرب وإبرام صفقة تبادل تعيد الأسرى الصهاينة إلى عائلاتهم .

وتتعرض سياسة نتنياهو الإجرامية لحملة انتقادات متنامية من قبل سياسيين وعسكريين صهاينة، والذين يؤكدون أن مواصلة نتنياهو لمغامراته في غزة دون إعطاء اعتبار للخسائر الفادحة التي يُمنى بها جيش الاحتلال ما هي إلا هروب للأمام ولأهداف شخصية وسياسية تصب في صالح نتنياهو نفسه.

وفي هذا الإطار، قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك”، إن بنيامين نتنياهو قد أعلن الحرب على إسرائيل، ويعبث بمقدّراتها ويخلق ضررا فادحا بمكانتها وصورتها.

وفي حديث للإذاعة العبرية الرسمية أمس، وجّه باراك إصبع الاتهام مجددا لنتنياهو بخلط الأوراق، واتهمه بأنه يهرب إلى الأمام استبعادا للجنة تحقيق رسمية لا بد أن تقام فور توقف الحرب.

وتابع: “إسرائيل” فعلا على حافة هاوية وديمقراطيتها ومكانتها الدولية بخطر، ونتنياهو هو المسؤول عن النزيف”.

وقال باراك أيضا إنه يتفق بكل كلمة مع رئيس الشاباك الأسبق عامي أيالون في دعوته للعصيان المدني.

إلى ذلك، اعتبر الجنرال الإسرائيلي” المتقاعد إسحاق بريك أن الدمار الحاصل في قطاع غزة هدفه إعطاء انطباع بـ”انتصار لم يتحقق” للجيش “الإسرائيلي”.

جاء ذلك في مقال نشره بريك أمس الأحد بصحيفة “معاريف” العبرية تحت عنوان “هذا هو السبب وراء عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على هزيمة حماس”.

ويعتبر بريك أحد أبرز ضباط سلاح المدرعات سابقا، وشغل منصب قائد الكليات العسكرية.

وقال: “حماس بالآلاف موجودة في مدينة الأنفاق تحت الأرض، تقاتل ضد الجيش الإسرائيلي كحرب عصابات وليس بشكل مباشر، تخرج في الغالب من الأنفاق في الليل في مجموعات صغيرة، وتزرع العبوات الناسفة والفخاخ على الطرق وفي المنازل، ثم تعود إلى الأنفاق مرة أخرى”.

وأشار بريك إلى أنه “خلال عام ونصف، تم تفجير أقل من 10 % من الأنفاق في قطاع غزة”.

وتابع: “لهذا السبب فإن الجيش غير قادر على هزيمة حماس، كما أن حماس تضررت بنسبة أقل بعشرات في المئة مما أعلنه الجيش، واليوم عادت حماس إلى حجمها الطبيعي”.

ورأى بريك في مقالته أن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير “نصب لنفسه فخا” عندما أعلن أن بإمكانه هزيمة حماس دون أن يكون فعليا قادرا على ذلك.

واضاف “الآن يواجه زامير موقفا يتوجب عليه فيه الإيفاء بتعهداته، دون أن تكون لديه القدرة على تحقيق ذلك”.

واعتبر بريك أنه كان على زامير أن يعرض حقيقة أن “الجيش الإسرائيلي يجب أن يخضع لإعادة بناء فورية وأنه في حالته الحالية غير قادر على النجاح في هزيمة حماس وإقامة حكم عسكري في قطاع غزة، كما لم يتمكن من القيام بذلك خلال العام ونصف العام الماضيين”.

وخلص بريك إلى أن “الجيش الإسرائيلي غير قادر في حالته المزرية على تدمير حماس وإطلاق سراح الأسرى تحت الضغط العسكري”.

 

 

مقالات مشابهة

  • الملك يهنئ عبد الإله ابن كيران بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية
  • البشري يتفقد أنشطة الدورة الصيفية بمركز الشهيد القائد في مديرية الميناء بالحديدة
  • القوات: سلاح حزب الله دفع بلبنان إلى الهاوية
  • باراك: “إسرائيل” على حافة الهاوية.. الداخل الصهيوني يتآكل ودعوات للعصيان المدني
  • بنكيران يقتبس من ترامب ويعلن “الحرب التجارية” على لفتيت
  • باراك يهاجم مجددًا: إسرائيل على حافة الهاوية ومكانتنا الدولية في خطر
  • مدينة صرواح اليمنية معبد الإله إلمقه وأحد شواهد حضارة سبأ
  • إعلام اسباني: مصير أنشيلوتي مع ريال مدريد على حافة الهاوية
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تواصل مساهمتها في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 في تنمية رأس المال البشري
  • شبوة تغرق في الظلام.. نفاد الوقود يشل المحطة الرئيسية ويضاعف معاناة السكان