لماذا يعارض “الإخوان” جهود وقف الحرب السودانية؟
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
رغم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب المستمرة منذ أكثر من عام والتي أدت إلى مقتل أكثر من 15 ألفا وتشريد نحو 9 ملايين وأحدثت خسائر اقتصادية تقدر بمئات المليارات، إلا أن مجموعات سياسية وإعلامية تقودها عناصر تنظيم الإخوان- الجناح السياسي لتنظيم الإخوان- تسعى للترويج علنا لاستمرار الحرب ورفض أي جهود دولية أو إقليمية لاستئناف عملية التفاوض.
فما الأسباب التي تدفعهم لذلك وما هي القواسم المشتركة التي تجمعهم ببعض القيادات العسكرية المتناهية مع هذا النهج؟
حدد مراقبون ثلاثة أسباب تدفع قيادات تنظيم الإخوان لمعارضة الجهود المستمرة التي ظلت تبذلها الأطراف الدولية والإقليمية لوقف الحرب، مشيرين إلى أن محاولات عرقلة تلك الجهود تجد صدى عند بعض قيادات الجيش لوجود قواسم وأسباب مشتركة، تحركها حاجة التنظيم للعودة إلى السلطة تحت الحماية العسكرية، والتخلص من الكثير من الأعباء والملاحقات القانونية على جرائم خطيرة من بينها فض اعتصام الثوار أمام القيادة في يونيو 2019، إضافة إلى الرغبة في وقف عمليات تفكيك تمكين وفساد النظام السابق ووأد قضية انقلاب 1989.
ووفقا للمراقبين فإن تماسك تنظيم الإخوان وعودته للسلطة مرهونة بقطع الطريق أمام المفاوضات التي من المرجح أن تستبعدهم من أي عملية سياسية تسفر عنها، وذلك بناء على العديد من المؤشرات ومن بينها الاتهامات المتزايدة التي تشير إلى تسببهم في إشعال الحرب ورؤية القوى المدنية الرافضة للحرب والتي تشدد على استبعاد الجناح السياسي للتنظيم- حزب المؤتمر الوطني- من العملية السياسية وتوافق الوسطاء الدوليين حول تلك الرؤية.
وكان المبعوث الأميركي للسودان توم بيريللو قد حذر صراحة من سعي التنظيم للعودة إلى الواجهة مجددا من خلال الحرب، وقال في تصريحات أدلى بها عقب جولة أفريقية وعربية في فبراير إن "جنرالات الحرب" وداعميهم من الإسلاميين المتشددين يقودون السودان وسكانه إلى مصير "مروع" ستكون له تأثيرات بالغة الخطورة على المنطقة ككل. وأضاف "نشهد عودة الفصائل الإسلامية المتشددة التي رأينا السودان يقضي وقتا طويلا في القضاء عليها لاستعادة نوع الديمقراطية التي أرادها الناس".
وتأتي هذه الرؤى والمخاوف وسط تساؤلات حول مدى قدرة قادة التنظيم على الاستمرار في المناورة وشراء الوقت واللعب بورقة التناقضات في ظل وتيرة الانهيار المتسارعة التي تشهدها البلاد حاليا.
مراقبون: 7 أسباب لتصنيف الإخوان في السودان "جماعة إرهابية"
تصفية الثورة
يعتقد الكثير من السياسيين، أن التنظيم يهدف إلى إطالة أمد الحرب من أجل تصفية الثورة واستخدام حالة الفوضى لتحقيق أهدافهم السياسية.
ويرى الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية والعضو السابق في مجلس السيادة السوداني، أن سبب اصطفاف مجموعة الإخوان في الاتجاه المعاكس للحل السلمي يعود إلى أن الحروب في حد ذاتها ظلت تشكل دائما وسيلة تنظيم الإخوان لتحقيق أهدافه السياسية، ويوضح أن "تجربة الإخوان التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما شهدت حروبا في كل أطراف السودان وخلفت خسائر ضخمة وأدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، وعرضت البلاد لخطر التقسيم".
ويعزي إدريس سعي جماعة الإخوان لمنع وقوف الحرب، إلى التخوف من الحل السلمي الذي يعرضهم للانكشاف السياسي ويجعلهم عرضة للمحاكمات بسبب تورطهم في سلسلة جرائم منها فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر وحرب 15 أبريل نفسها.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية "الهدف من كل هذه المحاولات التي تعيق مفاوضات الحل السلمي هو سعيهم للعودة إلى الحكم، وإيجاد مخرج لقياداتهم المطلوبة لدى المحاكم الدولية والمحلية... على هذا الأساس فإن الإخوان يرغبون في أن تحقق لهم الحرب حكم السودان إلى الأبد من دون مشروع سياسي أخلاقي".
وفي ذات السياق، يوضح بكري الجام القيادي في تنسيقية القوى المدنية "تقدم" أن مجموعة الإخوان الرافضة للحرب تعتقد أنها بإمكانها الاستمرار في الحكم "عبر تصفية ثورة ديسمبر وخلق صراعات في الأطراف وهذا يعني وقف مسيرة التغيير وتفادي المحاسبة والمساءلة هذا إضافة إلى أنه ليس لهذه المجموعة أي رؤية بديلة للتسلط والاستقواء بجهاز الدولة للتكسب، فالتنظيم تحول إلى تحالف مال وسلطة وبرؤى ضيقة أقرب للعرقية والمناطقية".
أرشيفية لدورية تابعة لشرطة الخرطوم
السودان.. اختطاف واغتصاب ابنة مسؤول بلجنة تفكيك فساد الإخوان
يتفق السفير الصادق المقلي والأكاديمي والكاتب المختص في شؤون الجماعات المتطرفة عبد المنعم همت على أن رفض تنظيم الإخوان لوقف الحرب يأتي ضمن تكتيك سياسي يسعون من خلاله للعودة إلى الحكم تحت المظلة العسكرية.
ويقول المقلي لموقع سكاي نيوز عربية: "الإخوان يراهنون على الحسم العسكري منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب وما صاحبها من اتهام لهم بإطلاق الطلقة الأولى، لكن حساباتهم خابت لأنهم كانوا يعولون علي حسم المعركة في غضون أسابيع".
ويشير المقلي إلى أن اعتراض الإخوان للحل السلمي التفاوضي ينطلق من قناعتهم بأنه سيقصيهم من أي عملية سياسية بعد الحرب خاصة وأن المؤتمر الوطني- الجناح السياسي للتنظيم- محظور بالقانون من المشاركة في الفترة الانتقالية.
ويضيف: "سعوا منذ سقوط نظامهم لتقويض مسار التحول الديمقراطي ووأد الفترة الانتقالية، وكانوا يجاهرون بذلك علنا وليس في الخفاء، سيما أن الاتفاق الإطاري الذي كان سيحسم الخلافات العسكرية ينص على تفكيك نظام الإنقاذ وكشف الفساد وأيلولة كل شركات الأنظمة العسكرية والأمنية إلى ولاية وزارة المالية، وهو ما سيؤدي إلى تجفيف منابع مواردهم وتسليم البشير وبقية المتهمين إلى الجنائية الدولية، فضلا عن اتهام كتائب الظل في فض الاعتصام".
ومن جانبه، يعزي همت تمسك الإخوان بخيار الحرب إلى "حرصهم على كسب الوقت، وتجييش الشعب ضد القوى المدنية ولذلك نجد أن هجومهم السياسي يركز على المدنيين الداعين للتحول أكثر من الهجوم على طرف الحرب وهو الدعم السريع".
ووفقا لهمت فإن وقف الحرب يعني للإخوان عودة القوى المدنية بشعارات الثورة التي تعرضهم للمحاكمات على الجرائم التي ارتكبوها.
ويضيف لموقع سكاي نيوز عربية: "باتت لديهم قناعة بأن الشارع لن يتسامح معهم مرة أخرى على الجرائم التي ارتكبوها لذلك فهم يخوضون الحرب بالتحالف مع تنظيمات إرهابية دولية ذات مصالح في انتشار الفوضى".
ويشير همت إلى أن الإخوان يعتقدون أن الانتصارات العسكرية ربما تجعلهم في وضع تفاوضي مريح يتيح لهم اقتسام السلطة مع الدعم السريع أو أي قوى أخرى، إضافة إلى أنهم يسعون إلى استخدام الحرب في تفعيل العاطفة الدينية ونشر الإشاعات وبذلك يستعيدون نشاطهم عبر منصات جماهيرية وعسكرية جديدة على غرار ما كان يحدث إبان حرب الجنوب في تسعينيات القرن الماضي.
قاسم مشترك أعظم
يفسر الخبير القانوني طارق الأمين مسألة تماهي بعض القيادات العسكرية مع الرؤية الإخوانية المناوئة للحل السلمي، بوجود العديد من القواسم المشتركة والمخاوف القانونية التي تدفع قيادات تنظيم الإخوان لمحاولة منع إنهاء الحرب عبر الحل السياسي الذي سيفقدهم مظلتهم العسكرية ويعرضهم بالتالي إلى المساءلة القانونية في العديد من الجرائم التي ارتكبوها منذ سقوط نظامهم في أبريل 2019.
ويشير الأمين إلى وجود قواسم مشتركة في العديد من تلك الجرائم وأبرزها جريمة فض الاعتصام التي تؤكد مشاركة كتائب الأمن الطلابي والشعبي ومجموعات مسلحة أخرى تابعة للتنظيم فيها، وتورط المجلس العسكري أيضا باعتباره الجهة الحاكمة آنذاك حيث تنطبق عليه المواد والقواعد الموجودة في القانون الدولي والقانون الجنائي المحلي والتي تنص بوضوح على مسؤولية القيادة في مثل هذه الجريمة التي وقعت في محيط القيادة العامة للجيش وبعد تخطيط وأوامر صدرت بالتنفيذ وفقا لما أدلى به شمس الدين الكباشي نائب قائد الجيش في مؤتمر صحفي موثق.
وعلى الرغم من الجرائم الكبيرة التي ارتكبها تنظيم الإخوان منذ الاستيلاء على السلطة في العام 1989، ومنها جريمتا مقتل 28 ضابطا في العام 1989 ومجزرة معسكر العيلفون التي راح ضحيتها المئات من المجندين الجدد، إضافة إلى جريمة انقلاب 1989 وعدد من الجرائم الموثقة الأخرى، إلا أن جريمة فض اعتصام الثوار أمام بوابات القيادة العامة للجيش في الخرطوم؛ وما تلتها من ملاحقات في الأحياء والبيوت على مدى أكثر من 5 أيام، تعتبر واحدة من أهم القواسم المشتركة التي تجمع بين عناصر تنظيم الإخوان الرافضين لوقف الحرب ومجموعة من القيادات العسكرية المتناهية مع ذلك الرفض.
وتعتبر جريمة فض الاعتصام واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ السودان، حيث أدت إلى قتل وإغراق وإخفاء أكثر من 700 من الشباب؛ وإصابة نحو 3200 بينهم 34 بشلل كامل في حين فقد العشرات أعينهم وأطرافهم.
وفي هذا السياق يقول الأمين لموقع سكاي نيوز عربية: "جريمة فض الاعتصام هي جريمة مكتملة الأركان يعاقب عليها القانون الدولي بأشد العقوبات، ومع اشتراك كتائب الإخوان وغيرها من المجموعات العسكرية في الجريمة، إلا أن مسؤولية القيادة تبدو واضحة بشكل كبير، حيث تنص المادة 86 من القانون الدولي الإنساني على أن قيام أي مرؤوس بالانتهاكات الإنسانية لا يعفي رؤساءه من المسئولية الجنائية أو التأديبية؛ كما تنص المادة 28 من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية على أن الرئيس يسأل جنائيا عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين. وتجرم المادة 28 رئيس النظام الحاكم وقت وقوع الجريمة، بالنص الذي يؤكد مسؤوليته المباشرة والذي يقول تقع مسؤولية الجريمة على الرئيس إذا علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم. أو إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسئولية والسيطرة الفعليتين للرئيس. أو إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة."
ويضيف الأمين" توافر المئات من الأدلة والقرائن والقوانين الدولية والمحلية الكافية لردع الجهات التي أمرت وخططت ونفذت مجزرة فض الاعتصام، هي التي تجعل القادة المتورطين يتناهون بشكل واضح مع محاولات الإخوان المشتركين في الجريمة أيضا للعودة إلى المسار السياسي الذي يتضمن تحقيق العدالة في كافة القضايا المرتكبة ويسعون بالتالي لتحقيق حسم عسكري يجمع بين الطرفين في سلطة قد تؤدي للتهرب من تلك الجريمة وغيرها من الجرائم ".
لكن الأمين يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك المسعى، ويوضح" لا يمكن لأي جهة إطفاء أو طمس تلك الجريمة لأنها ليست من الجرائم التي تسقط بالتقادم أو العفو.
في الجانب الآخر، بدأت تبرز العديد من المؤشرات التي تؤكد ارتفاع وتيرة الضغط الدولي الرامي لإجبار طرفي الحرب للعودة إلى طاولة التفاوض، وهو ما يعني وفقا لمراقبي إجهاض محاولات تنظيم الإخوان لإطالة الحرب.
وفي هذا السياق، طلب مجلس الشيوخ الأميركي في جلسة عقدها الأربعاء الإدارة الأميركية باتخاذ موقف "حازم" وأكثر قوة لوقف التدهور الأمني والإنساني، داعيا المبعوث الأميركي لضمان أن تكون جولة التفاوض المقبلة المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة، مختلفة عن غيرها من الجولات السابقة التي فشلت في وقف الحرب.
وفي هذا الجانب، ترى الكاتبة صباح محمد الحسن أن تكتيكات تنظيم الإخوان لإفشال جولات التفاوض باتت مكشوفة، مما جعل الوساطة تتبنى استراتيجية جديدة لضمان عدم إجهاض الجهود الجديدة.
ووفقا للحسن فإن الاستراتيجية الجديدة تمثلت في استباق موعد التفاوض بتهيئة البيئة المحيطة، إضافة إلى تكثيف الضغط الدولي الرامي لإجبار القيادات العسكرية للعودة إلى التفاوض والضغط في اتجاه فك ارتباط الجيش بتنظيم الإخوان.
وتقول الحسن لموقع سكاي نيوز عربية: "من المتوقع أن تحقق الاستراتيجية الجديدة اختراقا يضمن عدم قدرة قيادات تنظيم الإخوان العسكرية والسياسية على تقويض جهود الحل، فقائد الجيش ورغم ضبابية موقفه إلا أنه أعلن صراحة أن الظهور الإعلامي المكثف لكتائب الإخوان أضر بالجيش وجعل المجتمع الدولي يدير ظهره له، كما أن نائبه شمس الدين الكباشي استبقه في انتقاد تلك المجموعات وقال إن الجيش ليس محلا لرفع الرايات السياسية".
سكاي نيوز عربية - أبوظبي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لموقع سکای نیوز عربیة القیادات العسکریة القوى المدنیة تنظیم الإخوان الجرائم التی فض الاعتصام من الجرائم للعودة إلى وقف الحرب إضافة إلى العدید من أکثر من إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأورومتوسطي .. تهجير قسري معلن تحت عنوان “الهجرة الطوعية” وصمت دولي يصم الآذان
#سواليف
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ المشروع الإسرائيلي في قطاع غزة بلغ ذروته الكاشفة، إذ لم تَعُد إسرائيل تُخفي نواياها بشأن خطتها لتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم، بل باتت تعلنها بصراحة وبخطاب رسمي من أعلى المستويات، وتُنفّذها عبر سلسلة من الإجراءات الميدانية والمؤسسية التي تُعيد صياغة الجريمة وتُقدّمها على أنّها “هجرة طوعية”، مستغلةً صمتًا دوليًا مطبقًا وفرّ لها بيئة آمنة لمواصلة ارتكاب الجريمة، وبلوغ هذا المستوى من الإفلات من العقاب دون رادع أو مساءلة.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم أنّ إسرائيل تمضي قدمًا في تنفيذ المرحلة النهائية من جريمتها وهدفها الأصلي؛ وهو الطرد الجماعي للفلسطينيين خارج فلسطين، تحديدًا خارج قطاع غزة، بعدما أمضت عامًا ونصف في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، شملت مقتل وإصابة مئات الآلاف، ومسح مدنٍ كاملة من الوجود، وتدميرًا شبه شامل للقطاع، وتفكيكًا منظمًا لشروط الحياة فيه، وتهجير سكانه قسرًا وبصورة منهجية داخل حدوده، ضمنخطة ترمي إلى القضاء على الجماعة الفلسطينية ككيان ووجود.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ خطط تهجير الفلسطينيين قسرًا تمثّل امتدادًا مباشرًا لمشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني المنظم والممتد منذ عقود، والقائم على محو الوجود الفلسطيني والاستيلاء على الأرض، محذرّا من أنّ ما يميّز هذه المرحلة عن سابقاتها هو أنها تتخذ طابعًا أكثر خطورة واتساعًا، إذ تستهدف 2.3 مليون إنسان خضعوا لإبادة جماعية شاملة، وجرى حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية، في ظروف قهرية منهجية تتسم بالقسوة الفائقة والتجريد الكامل من أدنى شروط الحياة، في محاولة متعمدة لدفعهم نحو الرحيل كخيار وحيد للبقاء.
مقالات ذات صلة خلال زيارته لواشنطن.. بن غفير يحرض على قصف مخازن الأغذية والمساعدات في غزة 2025/04/23ونبّه إلى أنّه مع نجاح إسرائيل في تقويض المبادئ الأساسية للقانون الدولي و قواعد الاستهداف والحماية، فإنها تعاود اليوم فرض سرديتها من جديد، مستندة إلى فائض القوة وتخلّي المجتمع الدولي عن التزاماته القانونية والأخلاقية، لتسوّق جريمة الطرد الجماعي للفلسطينيين على أنّها “هجرة طوعية”، في محاولة مكشوفة لإعادة تعريف التطهير العرقي والتهجير القسري باستخدام مفردات زائفة مثل “الاعتبارات الإنسانية” و”الخيار الفردي”، رغم تناقضها الصريح مع الوقائع الميدانية والأحكام القانونية الثابتة في القانونالدولي التي تنظّم هذا النوع من الجرائم.
وأكد أنّ التهجير القسري يُعدّ جريمة مستقلة بموجب القانون الدولي، وتتمثل في طرد الأشخاص من المناطق التي يوجدون فيها بشكل شرعي، باستخدام القوة أو التهديد بها، أو من خلال وسائل قسرية أخرى، دون مبررات قانونية معترف بها.
وأوضح أنّ الإكراه في هذا السياق لا يقتصر على استخدام القوة العسكريةالمباشرة، بل يشمل أيضًا خلق بيئة قسرية تجعل من البقاء أمرًا غير ممكنعمليًا، أو يشكّل خطرًا حقيقيًا على الحياة أو الكرامة أو سبل العيش. وتشملهذه البيئة القسرية أشكالًا متعددة كالخوف من العنف أو الاضطهاد أوالاحتجاز أو الترويع أو التجويع، أو أي ظروف قهرية أخرى تؤدي فعليًا إلىنزع الإرادة الحرة للأفراد ودفعهم إلى الرحيل قسرًا.
وقالت مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي “ليما بسطامي”: “إسرائيل ارتكبت بالفعل جريمة التهجير القسري بحق سكان قطاع غزة، حين دفعتهم قسرًا إلى النزوح داخل القطاع دون أي مسوغات قانونية، وفي ظروف تتعارض كليًا مع استثناءات القانون الدولي التي لا تُجيز الإخلاء إلا بصورة مؤقتة، ولأسباب عسكرية قاهرة، ومع ضمان مناطق آمنة تحفظ الحد الأدنى منالكرامة الإنسانية، وهو ما لم يحدث على الإطلاق. بل إنّ إسرائيل وظّفت هذاالنمط الوحشي، والمتكرر، وواسع النطاق من التهجير كإحدى أدوات الإبادة الجماعية، بهدف تدمير السكان وإخضاعهم لظروف معيشية قاتلة”.
وأضافت: “رغم أنّ الجريمة اكتملت من الناحية القانونية، إلا أنّ إسرائيل ماضية في تصعيدها إلى مستوى أشد فتكًا بالشعب الفلسطيني، يُجسّد منطقها الاستعماري الاستيطاني القائم على الطرد والإحلال، من خلال تنفيذ المرحلة الثانية من التهجير القسري خارج حدود الوطن. وها هي اليوم، فوق ذلك، تحاول تسويق هذه الجريمة على أنّها “هجرة طوعية”، في خداع مكشوف لاينطلي إلا على مجتمع دولي اختار التواطؤ بدلًا من المواجهة، والصمت بدلًا من المساءلة”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ سكان قطاع غزة يعيشون تحت ظروف كارثية غير مسبوقة، إذ لم يتبقَّ أي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية إلا ودمّرته إسرائيل: فلا منازل، ولا خدمات أساسية، ولا نظام صحي فاعل، ولا منظومة تعليم، ولا مياه أو كهرباء أو بنى تحتية، حيث يُحاصر نحو 2.3 مليون فلسطيني في أقل من 34٪ من مساحة القطاع، البالغة أصلًا 365 كيلومترًا مربعًا، بعد أن تحوّلت نحو 66٪ من أراضيه إما إلى مناطق عازلة يُمنع الوصولإليها بالكامل، أو إلى مناطق جرى تهجير سكانها قسرًا عبر القصف المباشر أو أوامر التهجير القسري.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ معظم السكان يعيشون في خيام متهالكة وسط تفشي المجاعة والأمراض والأوبئة وتكدّس النفايات، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الإنسانية، فيما تواصل إسرائيل منع دخول الغذاء والدواء والوقود بشكل منهجي، وتدمير ما تبقى من المقومات المعيشية، ومنع أي جهد لإعادة الإعمار أو استعادة الحد الأدنى من شروط الحياة.
وأكد أنّ هذه البيئة لم تنشأ نتيجة كارثة طبيعية، بل صمّمتها إسرائيل عمدًا كأداة ضغط قسرية لدفع السكان نحو مغادرة القطاع، دون أن تترك أمامهم أيخيار فعلي حر، وهو ما يُشكّل الركن الجوهري في جريمة التهجير القسري كما تُعرّفها قواعد القانون الدولي والسوابق القضائية ذات الصلة.
وقالت بسطامي: “صحيح، أنّ نقل السكان لأسباب إنسانية قد يكون مبرّرًا فيظروف معينة بحسب القانون الدولي، إلا أنّ هذا التبرير يفقد مشروعيته بالكامل إذا كانت الأزمة الإنسانية التي أدّت إليه ناجمة عن أفعال غير مشروعة ارتكبتها الجهة نفسها التي تنفذ التهجير، إذ لا يجوز قانونًا استخدام التهجير كاستجابة لكارثة كانت هذه الجهة قد تسببت بها، وهو ما أكدته السوابق القضائية الدولية، وعلى وجه الخصوص المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة”.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ تقديم هذا الواقع المفروض قسرًا كخيار “طوعي” للهجرة، وتوظيفه لتبرير التهجير، لا يُمثّل فقط تزييفًا فجًّا للحقيقة، بليُقوّض الأساس القانوني الذي يقوم عليه النظام الدولي، ويُطيح بمبدأ المساءلة،ويحوّل الإفلات من العقاب من حالة خلل في إنفاذ العدالة إلى أداة منهجية لترسيخ نتائج الجرائم وإدامتها.
وأشار إلى أنّ التصريحات المتكررة والمتصاعدة الصادرة عن أعلى المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل تكشف بوضوح عن نيّة مُعلنة ومنسقة لتهجيرسكان قطاع غزة، إذ أدلى عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، ووزير الدفاع “يسرائيل كاتس”، ووزير المالية “بتسلئيل سموتريتش”، ووزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، بتصريحات علنية تدعو صراحة إلى ترحيل الفلسطينيين من القطاع، والسعي لإحلال المستوطنين اليهود محلّهم، في محاولة لفرض تغيير ديموغرافي قسري يخدم المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.
وذكر أنّه في شباط/ فبراير 2025، أعرب “نتنياهو” عن دعمه الكامل لخطة الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترمب” لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، واصفًا إيّاها بأنها “الخطة الوحيدة القابلة للتنفيذ لتمكين مستقبل مختلف للمنطقة”. وفي السياق ذاته، أعلن “سموتريتش” في آذار/ مارس المنصرم عندعم الحكومة لإنشاء “إدارة هجرة” تنسّق ما وصفه بـ”عملية لوجستية كبرى” لإخراج الفلسطينيين من غزة. أما “بن غفير”، فقد دعا بشكل صريح إلى”تشجيع الهجرة الطوعية” للفلسطينيين، معربًا عن تأييده لإعادة توطين اليهود في القطاع.
ونوّه المرصد الأورومتوسطي إلى أن تصديق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، في 23 آذار/ مارس الماضي، على إنشاء مديرية خاصة تتبع لوزارة الدفاع، تتولى تنظيم ما تسميه “الانتقال الطوعي” لسكان غزة إلى دول ثالثة، يُثبت أن التهجير ليس مجرد نتيجة للتدمير الواسع أو مجرّد خطاب سياسيدعائي، بل سياسة رسمية مُعلنة، تُنفَّذ بأدوات مؤسسية واضحة، وتُدار منداخل البنية الأمنية الإسرائيلية ذاتها، بكامل صلاحياتها العسكرية، ومنظوماتها التنفيذية، وآلياتها التنظيمية، وأهدافها الاستراتيجية.
وجاء في إعلان “كاتس” بشأن المديرية الجديدة أنها ستعمل على “إعداد وتمكين مرور آمن ومن ضبط لسكان غزة لمغادرتهم طوعا إلى دولة ثالثة، وسيتمذلك من خلال تأمين حركتهم وتنقلهم، وإنشاء مسار مروري، وتفتيش المشاة عند المعابر المحددة في قطاع غزة، بالإضافة إلى تنسيق وتوفير البنية التحتية التي تمكن من العبور برا وبحرا وجوا إلى دول الهدف”.
ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الخطورة الحقيقية في إنشاء هذه المديرية لا تكمن فقط في كونها امتدادًا مؤسسيًا لمشروع التهجير، بل فيما تفرضه منواقع قانوني وسياسي جديد؛ إذ تُقدّم التهجير كخدمة إدارية “اختيارية”، بينما تجرّد السكان من أي قدرة فعلية على اتخاذ قرار حر، وتُضفي على الجريمة مظهرًا من الشرعية والتنظيم البيروقراطي.
وأكد أنّ أي مغادرة لقطاع غزة في ظل الظروف الراهنة لا يمكن اعتبارها “طوعية”، بل تندرج قانونًا ضمن التهجير القسري المحظور بموجب القانون الدولي، مشددا على أن كل من يُجبر على مغادرة القطاع يحتفظ بحقه غير القابل للتصرف في العودة إلى أرضه وممتلكاته فورًا، ودون أي قيد أو شرط،إلى جانب حقه الكامل في التعويض عن جميع الأضرار والخسائر التي لحقتبه جراء الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، بما في ذلك تدمير المسكن والممتلكات، والإضرار الجسدي والنفسي، والمس بالكرامة الإنسانية، والحرمان من سبل العيش والحقوق الأساسية.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، تتحمّل المسؤولية القانونية الكاملة عن ضمان هذا الحق، بموجب التزاماتها الدولية كقوة محتلة مسؤولة عن حماية السكان المدنيين وعدم تهجيرهم، كما أنّ قواعد القانون الدولي، لا سيما القانون الدولي العرفي واتفاقيات جنيف، تُلزم جميع الدول بعدم الاعتراف بأي وضع ينشأ عن جريمة التهجير، واعتباره باطلًا منعدِم الأثر، وبالامتناع عن تقديم أي دعم مادي أوسياسي أو دبلوماسي يُسهم في ترسيخه.
ولفت إلى أنّ المسؤولية الدولية لا تقتصر على عدم الاعتراف، بل تشمل كذلكواجبًا قانونيًا على الدول في اتخاذ خطوات فاعلة وفورية لضمان وقف الجريمة،ومساءلة مرتكبيها، وجبر ضرر الضحايا، بما يشمل ضمان العودة الطوعية الآمنة لكل من خرج من قطاع غزة، والتعويض الكامل عن جميع الخسائر والانتهاكات التي لحقت بهم، وإن أي تقاعس في هذا السياق يُعدّ إخلالًامباشرًا بمبادئ القانون الدولي، وتواطؤًا يُعرّض الدول المعنية للمساءلة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى تجاوز حالة الصمت المدوّي والتخلّي عن الاكتفاء ببيانات الإدانة الشكلية التي باتت تمثّل الحد الأقصى لمايجرؤ عليه المجتمع الدولي، في مواجهة جريمة تتكشّف أمام أعين العالم، والبدء بالتحرك العاجل والفعّال لوقف مشروع التهجير الجماعي الجاري في قطاعغزة، ومنع ترسيخه كأمر واقع، وذلك بالاستناد إلى قواعد القانون الدولي،والالتزام بمبادئ العدالة والمساءلة، ومعالجة الجذر البنيوي للجرائم المرتكبة،والمتمثل في الوجود غير القانوني لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة منذعام 1967.
وحذر المرصد الأورومتوسطي من أنّ التماهي مع خطط تهجير الشعب الفلسطيني في غزة لا يبرئ إسرائيل فحسب، بل يكافئها على سلوكها غيرالمشروع، من خلال منحها مكاسب استراتيجية لم تتمكن من انتزاعها إلا عبرالقتل والتدمير والحصار والتجويع الجماعي للسكان المدنيين، في سياق لايقتصر على كونه مجموعة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل يُجسّد أركان الإبادة الجماعية كما حددتها اتفاقية عام 1948 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول، فرادى ومجتمعين، بتحمّل مسؤولياتهم القانونية والتحرك العاجل، بكل الوسائل المتاحة، لوقف الجرائم الجارية في قطاع غزة، واتخاذ تدابير فورية وفعّالة لحماية المدنيين الفلسطينيين، ومنع تنفيذ جريمة التهجير القسري التي تستهدف سكان القطاع على نحو علني.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي على فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانونالدولي، بما يشمل حظر تصدير الأسلحة إليها، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، وتجميدالأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، والتحريض عليها، وفرض حظر السفر عليهم، إلى جانب تعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تمكنها من الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.
وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول بمساءلة ومحاسبة الدول المتواطئة والشريكة مع إسرائيل في ارتكاب الجرائم، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية،وغيرها من الدول التي تزود إسرائيل بأي من أشكال الدعم أو المساعدة المتصلة بارتكاب هذه الجرائم، بما في ذلك تقديم العون والانخراط في العلاقات التعاقدية في المجالات العسكرية والاستخباراتية والسياسية والقانونية والمالية والإعلامية والاقتصادية، وغيرها من المجالات التي تساهم في استمرار هذه الجرائم.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ استمرار هذه الجرائم لم يكن ليحدث لولاوجود إسرائيل غير القانوني على الأرض الفلسطينية، وهو ما يشكّل الجذر البنيوي لكل حلقات العنف والاضطهاد والدمار، مؤكدا أنّ أي استجابة حقيقية للأزمة المتصاعدة في قطاع غزة لا يمكن أن تنجح ما لم تبدأ بإزالة هذا الوجود الاستعماري غير المشروع، باعتباره المصدر الأصلي لكل الانتهاكات، وضمان حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره بحرية واستقلال، على كامل ترابه الوطني، معتبرا أن ذلك هو السبيل لوقف جريمةالإبادة الجماعية المستمرة، ووقف مخططات التهجير القسري الفردية والجماعية، وتفكيك نظام الفصل العنصري، وبناء مسار جاد للعدالة والمساءلة وصون الكرامة الإنسانية.